مكافحة الإرهاب

“داعش” واستراتيجية عمله في عهد ” أبي الحسن القرشي”

أصدرت مؤسسة الفرقان الذراع الإعلامية لتنظيم “داعش” مساء الأحد الماضي الموافق 17 أبريل كلمة صوتية للمتحدث باسم التنظيم “أبي عمر المهاجر” وجاءت تحت عنوان “قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم”، وتعد هذه الكلمة الثانية للمتحدث الرسمي الجديد بعد إعلانه مقتل “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي” (الزعيم السابق للتنظيم) واختيار التنظيم ” لأبي الحسن الهاشمي القرشي” زعيمًا جديدًا له، وبالتالي يأتي هذا البيان في إطار سعى التنظيم إلى إعلان استراتيجية عمله في عهد زعيمه الحالي، الأمر الذي يُثير جملة من الملاحظات الأساسية التي يمكن تناولها على النحو التالي:

الملاحظة الأولى: تشير إلى توقيت صدور البيان، حيث جاء خلال شهر رمضان الجاري، إذ تبرز خصوصية شهر رمضان لدي تنظيم “داعش” في ضوء عاملين أساسين؛ يتعلق أولهما بقناعات التنظيم الأيديلوجية المتطرفة التي تنظر إلى الشهر الكريم بوصفه شهر فتوحات يتضاعف فيه أجر عناصره عند قيامهم بالعمليات الإرهابية. وينصرف ثانيهما إلى رمزية الشهر لديه حيث تم إعلان خلافته المزعومة في 1 رمضان لعام 1435 الموافق 12 يونيو 2014، وبالتالي يتميز شهر رمضان بأهمية قصوى لدى التنظيم؛ إذ يسعى من خلاله إلى تصعيد عملياته الإرهابية بهدف الاحتفاء بتاريخ تدشينه من ناحية، وطمعًا في الثواب المتوهم من ناحية أخرى.

الملاحظة الثانية: تتعلق بإعلان تنظيم “داعش” “لغزوة الثأر للشيخين الشيخ أبي ابراهيم الهاشمي القرشي والشيخ المهاجر أبي حمزة القرشي”، ما يُعيد إلى الأذهان سلسلة العمليات التي جاءت تحت عنوان: “غزوة الثأر لمقتل الشيخين أبي بكر البغدادي وأبي الحسن المهاجر” التي أطلقها التنظيم في 22 ديسمبر 2019، واستمرت لمدة أسبوع بمجموع تجاوز المائة عملية.

 وقد تم معظم هذه العمليات في سوريا والعراق وبعضها في ولايات التنظيم المختلفة. وبتحليل أنماط تلك العمليات، نجدها من نمط العمليات الاعتيادية التي يقوم بها التنظيم وليست عمليات استعراضية معقدة أو فتاكة. وبالتالي من المرجح أن يتوسع التنظيم في هذا النمط من العمليات؛ بهدف التأكيد على أنه ما زال حاضرًا وفعالًا في ساحة الإرهاب العالمي.

الملاحظة الثالثة: تنصرف إلى استمرار التوجه الاستراتيجي لتنظيم “داعش” المتعلق بالتموضع في إفريقيا بهدف التمدد في ساحات جديدة، فقد أشاد البيان بعمليات ولاية “غرب إفريقيا”. وتجدر الإشارة إلى أن التنظيم سعى إلى هيكلة نهجه الإقليمي عبر نقل مركزه إلى إفريقيا في عهد زعيمه السابق “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي”، حيث صعد من عملياته في إفريقيا، فجاءت ولاية “غرب إفريقيا” في المرتبة الأولى في عدد عمليات التنظيم خلال عام 2021 بمعدل حوالي (483) عملية، وبالتالي يؤكد البيان استمرار تركيز التنظيم على الحضور في إفريقيا كساحة رئيسة من ساحات عمله.

الملاحظة الرابعة: تشير إلى توسع تنظيم “داعش” في اتباع استراتيجية استهداف السجون؛ فقد دعا البيان عناصر التنظيم إلى استهدف السجون بهدف تحرير أتباعه. وتجدر الإشارة إلى تركيزه على تطبيق هذه الاستراتيجية في فترة ولاية “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي”، واتضح ذلك في قيامه بعدد من العمليات الكبرى التي استهدفت الهجوم على السجون، عُدّ أبرزها الهجوم على سجن “ننجرهار” المركزي شرق أفغانستان في أغسطس 2020، وتهريب حوالي 300 سجين. كذا اقتحام سجن “كانجباي” المركزي في منطقة “بيني” شرقي الكونغو في أكتوبر 2020، وفرار حوالي 900 سجين، ناهيك عن تنفيذه الاستهداف الموسع لسجن “غويران” في مطلع العام الجاري بهدف تهريب عناصره القابعة هناك. 

ويمكن القول إن هناك استراتيجية معلنة من قبل التنظيم في تحرير الأسرى؛ إذ أكد العدد (246) من صحيفة “النبأ” الأسبوعية الصادر في 16 أغسطس 2020، على تنوع الأساليب التي يلجأ إليها التنظيم من أجل تحرير عناصره، ما بين الهجوم المباشر، وتبادل الأسرى، والفداء بالمال. ومن المتوقع أن يتوسع التنظيم في اتباع هذه الاستراتيجية، لا سيما وأن البيان يوكد على أنها أولوية من أولوياته في المرحلة القادمة.

الملاحظة الخامسة: تنصرف إلى الدعوة إلى استهداف أوروبا؛ إذ دعا البيان إلى استغلال انشغال الدول الأوروبية بالحرب في أوكرانيا من أجل التوسع في عمليات “الذئاب المنفردة” هناك، فعلى الرغم من أن افتتاحية العدد (328) من صحيفة النبأ والتي صدرت في 4 مارس الماضي تحت عنوان “حروب صليبية- صليبية” حذرت المسلمين القاطنين في روسيا وأوكرانيا من المشاركة في الحرب، إلا أن التنظيم سعى إلى توظيف تداعيات هذه الحرب من أجل التوسع وتعزيز نشاطه، ومن ثم دعوته لعناصره لتوظيف استراتيجية “الذئاب المنفردة” التي تؤكد وجوده داخل الدول الغربية.

الملاحظة السادسة: تدور حول الانشقاقات التي يشهدها تنظيم “داعش”، إذ لفت البيان إلى وجود عدد من المنشقين عن التنظيم، الذين خذلوه في أصعب الفترات التي يمر بها. وفي هذا السياق، لفت العديد من التحليلات التي أن تأخر تنصيب الخليفة يأتي في إطار وجود انشقاقات داخلية؛ نتيجة لعدم وجود توافق حول الخليفة الجديد. وعليه، يمكن القول إن مستقبل التماسك الداخلي للتنظيم مرتبط بمدى نجاح الزعيم الجديد في توحيد صفوفه والحيلولة دون تصدعه.

الملاحظة السابعة: تشير إلى استمرار استراتيجية غموض خليفة تنظيم “داعش”؛ فعلى الرغم من تنصيب “أبي الحسن الهاشمي القرشي” كخليفة للتنظيم في أعقاب مقتل زعيمة السابق، إلا أن التنظيم لم يفصح عن أي معلومات متعلقة بزعيمه الجديد، ومن المرجح أن يتحول هذا التوجه إلى تكتيك دائم لدى التنظيم كمحاولة لحماية الخليفة من أي هجوم أو استهداف، غير أن هذا الغموض الذي يحيط بالزعيم الحالي قد يحمل انعكاسات على شرعيته على المديين المتوسط والقصير.

مجمل القول، يحاول تنظيم “داعش” من خلال إصدار البيان سالف الذكر رسم ملامح عمله في المرحلة القادمة عبر ترتيب أولوياته، وذلك بإعلان جملة من الخطوات على رأسها الثأر لمقتل زعميه السابق، والعمل على تحرير عناصره القابعة في السجون، بجانب محاولة استهداف الدول الغربية بعمليات “الذئاب المنفردة”، على أن تأتي هذه التحركات بالتزامن مع محاولة للحفاظ على نشاطه في معاقله الرئيسة، والتمدد في الساحات جديدة. وتشير المعطيات السابقة إلى احتمالية استغلاله شهر رمضان الكريم من أجل تصعيد عملياته؛ بهدف تحقيق الرسالة الدعائية له، وتأكيد شرعية الزعيم الجديد.

تقى النجار

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى