
قبيل انسحاب واشنطن.. منظمة الصحة العالمية: علمنا عن تفشي كوفيد 19 من الإنترنت وليس من السلطات الصينية
بعد أن أعلنت إدارة ترامب رسميًا انسحابها من منظمة الصحة العالمية ظهرت بعض وجهات النظر التي أشارت إلى أن القرار سيسقط بمجرد وصول المرشح الديمقراطي “جو بايدن” إلى البيت الأبيض وهو صاحب الاتجاهات الأكثر اعتدالًا ناحية المعسكر الصيني، ولكن كيف يستطيع جو بايدن إذا فاز في الانتخابات الأمريكية أن يغض الطرف عن الحقيقة التي ظهرت مؤخرًا وأكدت حسب تصريحات منظمة الصحة العالمية أن الجدول الزمني لانتشار فيروس كورونا في الصين تم الحصول عليه عن طريق الإنترنت وليس عبر السلطات الصينية. كما أنها استقت المعلومات الأولى عن الفيروس بنفس الطريقة وذلك في بيان نشرته المنظمة الدولية يوم 29 يونيو، وأكدت أنها حصلت على تلك المعلومات من تقارير باللغة الصينية تم نشرها عبر الإنترنت في 31 ديسمبر الماضي. إذا أخفت الصين الحقيقة لشهر وأخفت منظمة الصحة العالمية الحقائق لأشهر.
تلكؤ بكين أضر العالم
وكانت منظمة الصحة العالمية قد طلبت مزيدًا من المعلومات حول التقارير الواردة من الصين خلال الأول والثاني من يناير الماضي إلا أنها لم تتلق ردًا من السلطات الصينية قبل يوم الثالث من يناير. كما أن مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين هو الذي رفع درجة التأهب للطوارئ وليس السلطات الصينية، وذلك وفقًا لما أكدته فرانس برس.
وقد أفادت وكالة آسوشيتد برس في نفس الإطار أن الصين عطلت نشر معلومات مهمة حول تفشي المرض وانتظرت أكثر من أسبوع للإعلان عن التسلسل الجيني للفيروس، وهي الإجراءات التي حالت دون سرعة إنتاج اللقاح. وأكدت أن بكين أخفت لمدة ستة أيام أن الأمر يمكن أن يتحول لجائحة وقالت إنه لا يتضمن خطر انتقال العدوى من شخص لآخر. كما أن الصين بدأت تستهدف الرعايا الصينيين الذين يعيشون في الخارج، بإكراههم على العودة والتأثير على أبحاث فيروسات كورونا الأمريكية.
جهود متأخرة ورسالة مقتضبة
ومنذ أيام قليلة أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية أنه من المقرر سفر علماء منظمة الصحة إلى الصين في وقت قريب للتحقيق في أصول فيروس كورونا المستجد وتتبع منبع الرواية التي رافقت انتشاره وقالت إنه انتقل من الحيوانات البرية إلى البشر.
ولكن الجهود التي تبذلها منظمة الصحة العالمية في الوقت الضائع لم تكن كافية لتمنع إدارة ترامب من الإعلان رسميًا عن الانسحاب من المنظمة العالمية في عملية تستغرق قانونيًا عامًا كاملاً لتنتهي تمامًا في يوليو من العام 2021. وعلى الجانب الآخر يراهن البعض على خسارة ترامب للانتخابات في نوفمبر القادم وتولي جو بايدن ذو الاتجاهات الأكثر اعتدالاً ناحية الصين.
وقد أثار الانسحاب، الذي سيدخل حيز التنفيذ في يوليو المقبل، انتقادات عديدة في الخارج. وتعهد المرشح الرئاسي الديمقراطي المحتمل جو بايدن يوم الثلاثاء الماضي بإلغاء القرار “في أول يوم له” إذا انتخب.
وحول الرسالة التي وجهتها واشنطن لمنظمة الصحة العالمية لتعلن عن انسحابها، قال مصدر مطلع على المراسلات لشبكة CNN، إن الرسالة الموجهة إلى الأمم المتحدة قصيرة للغاية، وتتكون من ثلاث جمل، وتؤدي إلى تحديد جدول زمني للانسحاب خلال عام واحد.
عوائق متعددة
حذر البعض من أن انسحاب واشنطن في البيئة الحالية يمكن أن يتداخل أيضًا مع الانتهاء من التجارب السريرية الأساسية لتطوير اللقاحات، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لتتبع انتشار الفيروس على مستوى العالم. كما أن ترامب أوقف بالفعل تدفق 400 مليون دولار من التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية قبل أن يهدد بقطع العلاقات مع المنظمة قم قطعها بالفعل في خطوة لاحقة.
وقد وصفت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي عملية الانسحاب بأنها “عمل لا معنى له”. وقال السناتور الجمهوري لامار ألكسندر، رئيس لجنة الصحة والتعليم والعمل والمعاشات في مجلس الشيوخ، إنه لا يوافق على قرار ترامب. وأضاف أنه “إذا كانت لدى الإدارة توصيات محددة لإصلاحات منظمة الصحة العالمية، فعليها تقديم تلك التوصيات إلى الكونجرس، ويمكننا العمل معا لتحقيق ذلك”.
ما معنى انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة
طوال تاريخ منظمة الصحة العالمية الذي يبلغ 72 عامًا، كانت الولايات المتحدة هي أكبر راعي لها. وخلال دورة التمويل الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية، ساهمت الولايات المتحدة بمبلغ 893 مليون دولار أمريكي أي 15٪ من الميزانية بأكملها وأكثر من ضعف أي دولة أخرى.
وبموجب قانون الولايات المتحدة، يجب على الدولة إعطاء منظمة الصحة العالمية إشعارًا عامًا، ويجب أن تفي بالتزاماتها المالية للمنظمة للعام الحالي. لذلك، على الأقل، لن يتغير شيء حقًا حتى منتصف عام 2021 – وفي هذه المرحلة قد لا يكون ترامب رئيسًا بعد الآن وقد يلغى خلفه القرار – كما سوف تسدد الولايات المتحدة 60 مليون دولار تدين بها حاليًا لمنظمة الصحة العالمية.
ومع ذلك، كان لخطاب ترامب بالفعل تأثير على سير أعمال منظمة الصحة العالمية: وكما يقول إيمري هولو، مدير التخطيط وتنسيق الموارد ومراقبة الأداء في المنظمة. أنه بينما تم تمويل غالبية برامج منظمة الصحة العالمية مسبقًا حتى عام 2020، تتوقع المنظمة الشعور بفجوة التمويل “بشكل أكمل في عام 2021”.
والأسوأ من ذلك قد تكون البرامج الموجهة نحو الرعاية الوقائية مهددة. حيث أن الولايات المتحدة، على سبيل المثال، مسؤولة عن أكثر من 40٪ من ميزانية منظمة الصحة العالمية وجميع مساهمات الولايات المتحدة في هذا البرنامج طوعية. ومنها البرامج التي تركز على أبحاث أمراض المناطق المدارية وفيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد والسل وهي البرامج التي من المحتمل أن تتأثر بانسحاب واشنطن.
كما أن الأوساط العملية داخل الولايات المتحدة ستتأثر بهذا القرار حيث سيجد العلماء ومسؤولو الصحة العامة في الولايات فجأة أنفسهم معزولين عن بعض أهم قنوات الاتصال الصحية العالمية.
انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية جاء كرد فعل طبيعي ومتوقع على سلسلة طويلة من الاتهامات التي وجهتها واشنطن للمنظمة والتي لم تستطيع الأخيرة نفيها، ولعل البيان الأخير الذي نشرته المنظمة في أواخر يونيو الماضي والذي أشار إلى أن المنظمة علمت عن تفشي كورونا عن طريق تقارير تم بثها عبر الإنترنت، يعد الدليل الأكبر على أن الصين أخفت الحقائق وأن المنظمة لم تؤخذ منحى أكثر شفافية حيث نشرت هذا التقرير بعد ما يقرب من ستة أشهر من تتبعها للتقارير عبر الإنترنت.
والكثيرون مما ينحازون لأداء منظمة الصحة العالمية في التعامل مع جائحة كوفيد-19 والذين أشاروا إلى أن أداء المنظمة تأثر بالتضليل الذي مارسته الصين عادوا ليضعوا علامات الاستفهام بعد البيان الأخير للمنظمة.
باحث أول بالمرصد المصري