العراق

يد الإرهاب تغتال الباحث العراقي البارز “هشام الهاشمي”

اغتيل مساء أمس الاثنين المحلل الأمني والباحث في شؤون الجماعات المسلحة “هشام الهاشمي” أمام منزله في منطقة زيونة بالعاصمة العراقية بغداد. ويعد “الهاشمي” من أبرز الباحثين العرب الذين حاربوا الجماعات الإرهابية بالفكر والقلم، وكان يحظى بكثير من المتابعين على المنصات الإكترونية المختلفة لمتابعة كتاباته وتحليلاته التي كشفت الكثير من خبايا تلك التنظيمات الظلامية، وساهمت في تنوير عقول عدد كبير من الشباب العربي بشكل عام، والشباب العراقي بشكل خاص وحمايتهم من الفكر المتطرف.

عملية الاغتيال

كشف مقطع فيديو تم تصويره بكاميرا مراقبة عن ملاحقة شخص مسلح لسيارة “هشام الهاشمي” وانتظاره حتى توقفها أمام منزله، واقترب من السيارة وأطلق عدة رصاصات تجاهه أصابته إصابة مباشرة، واستقل المسلح دراجة نارية يقودها شخص آخر كانت تنتظر بجوار مكان الحادث ولاذ الاثنان بالفرار.

وكشف مقطع آخر مصور من إحدى كاميرات المراقبة، عن وصول الإرهابي المسلح ومساعده على متن دراجة نارية بيضاء قبل وصول سيارة “الهاشمي” بثوانٍ معدودة، بالإضافة إلى دراجة نارية أخرى يستقلها شخصان كانت تتبع وتراقب سيارة الهاشمي، وفور وصوله ترجل المسلح وأطلق النار عليه من بندقية آلية، ولاذ الأربعة بالفرار فور تنفيذ العملية.

وتم نقل “هشام الهاشمي” إلى مستشفى ابن النفيس ولفظ أنفاسه الأخيرة هناك عن عمر يناهز 47 عامًا، إثر إصابته بطلقات عديدة في الجسد كان أغلبها في الرأس والصدر. والجدير بالذكر أن عملية الاغتيال تمت بعد خروجه من مقابلة تلفزيونية بإحدى القنوات المحلية العراقية، تحدث فيها عن “خلايا الكاتيوشا” المحمية من بعض الفصائل والأحزاب العراقية الموالية لإيران.

من هو هشام الهاشمي

ولد في العاصمة العراقية بغداد في 9مايو 1973، وحصل على بكالوريوس إدارة واقتصاد قسم إحصاء، وعلى درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بغداد، وتم اعتقاله والحكم عليه بالسجن من قبل نظام صدام حسين، وخرج من السجن عام 2002، وبعد عام 2003 انصرف إلى العمل في الصحافة، وبدأ يشارك في كتابة التقارير والوثائقيات مع الصحف والقنوات الأجنبية.

وتخصص “هشام الهاشمي” في قضايا شؤون الإرهاب والحركات المتطرفة العراقية، وكان متابعًا لها منذ عام 1997، وكتب مدونة عن خريطة الجماعات المسلحة في العراق ولم ينتمِ في أي يوم من الأيام للجماعات المتطرفة، وعمل مستشارًا وباحثًا في عدد من المراكز والمعاهد البحثية، وله مئات المؤلفات والمقالات والتحليلات حول الإرهاب والجماعات المسلحة والميليشيات في العراق، وتحديدًا تنظيمي داعش والقاعدة.

وبسبب كتاباته التي كشفت الكثير عن تلك التنظيمات، ومن بينها الإفصاح عن أسماء ومعلومات تخص قيادات تنظيم داعش في العراق وسوريا وآلية عمل التنظيم، كانت تحكم عليه تلك التنظيمات بالردة تارة والعمالة تارة أخرى. 

وكان  “الهاشمي” مستشارًا أمنيا لمجلس الوزراء العراقي وعمل بشكل وثيق مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وكان عضوًا بفريق مستشاري لجنة متابعة وتنفيذ المصالحة الوطنية، بالإضافة إلى عضويته في المجلس الاستشاري للعراق، وهو منظمة غير حكومية من الخبراء البارزين وصانعي السياسات السابقين.

هذا بجانب تقديم مشورته للحكومات العراقية الحالية والسابقة، والتحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش بشأن الإرهاب والجماعات المتطرفة، وكان مدير برنامج الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب بمركز “أكد” للشؤون الاستراتيجية والدراسات المستقبلية بالعراق.

ردود الفعل العراقية 

أكد الرئيس العراقي برهم صالح، أن جريمة اغتيال “الصادق الخلوق هشام الهاشمي جريمة خسيسة تستهدف الإنسان العراقي، معلنًا أن خارجين عن القانون وراء عملية الاغتيال، مضيفًا أن أقل الواجب هو الكشف عنهم ومحاكمتهم.

وعزّى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي “استشهاد” هشام الهاشمي، مؤكدًا أنه “كان من صناع الرأي على الساحة الوطنية، وكان صوتًا مساندًا لقواتنا البطلة في حربها على عصابات داعش، وساهم كثيرا في إغناء الحوارات السياسية والأمنية المهمة”، متوعدًا “القتلة بملاحقتهم لينالوا جزاءهم العادل”، مشيرًا إلى “أننا لن نسمح بأن تعود عمليات الاغتيالات ثانية إلى المشهد العراقي، لتعكير صفو الأمن والاستقرار”، وأن الأجهزة الأمنية لن تدخر جهدًا في ملاحقتهم.

كما أدان رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، عملية اغتيال الهاشمي، ودعا “الجهات الحكومية المسؤولة إلى الكشف عن التحقيقات للرأي العام، وبيان الجهات المتورطة في هذا العمل الجبان بشكل عاجل، ولا سيما بعد تكرار حالات الخطف والاغتيال لعدد من الشخصيات والأصوات الوطنية”
مشددًا على أن  “الأجهزة الأمنية يجب أن تكون على قدر المسؤولية المنوطة بها، وأن تضع حدًا للخارجين عن القانون والعابثين بأمن المواطنين”.

وأعلنت وزارة الداخلية العراقية في بيان رسمي لها أن وزير الداخلية عثمان الغانمي  قد أمر بتشكيل لجنة تحقيقية برئاسة وكيل الوزارة للاستخبارات والتحقيقات الاتحادية وعضوية مدير عام الاستخبارات ومدير مكافحة إجرام بغداد تتولى التحقيق في حادث الاغتيال والوصول الى الجناة، بالإضافة إلى “تشكيل مجلس تحقيقي برئاسة وكيل الوزارة لشؤون الأمن الاتحادي وعضوية مديرية التفتيش المهني والإداري ومديرية عمليات الوزارة بحق القطعة الأمنية الماسكة للأرض في موقع الحادث”.

وأكدت الوزراة في بيانها أنها “أصدرت توجيهات لكل مفارزها ونقاط التفتيش التابعة لها تقضي بتفتيش سائقي الدراجات، خاصة إذا كانوا شخصين واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم وحجزهم مع الدراجة اذا كانوا حاملين سلاح”، لافتة إلى أن “توجيهات الوزارة لقطاعاتها قد منعت المنتسبين من ركوب الدراجات والتوجه بها إلى مقرات العمل وهم حاملين السلاح”.

وأعلنت وزارة الداخلية أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة قد أصدر أمرًا بإعفاء قائد الفرقة الأولى بالشرطة الاتحادية من منصبه. والجدير بالذكر أن قائد الفرقة الاولى في الشرطة الاتحادية هو المسؤول عن قطاع الرصافة بالكامل، ويتضمن منطقتي شارع فلسطين وزيونة التي شهدت عملية الاغتيال، وتخضع المنقطة لسيطرة أمنية كاملة ومشددة لوجود قيادات أمنية وسياسية فيها.

ردود فعل دولية وإقليمية 

أعربت السفارة الأمريكية في العراق عن “عميق حزنها جراء الاغتيال الجبان الذي طال الأكاديمي المحترم الدكتور هشام الهاشمي”، مضيفة “نقدم خالص تعازينا لأسرة الفقيد وللشعب العراقي للخسارة المأساوية لهذا الكنز الوطني العراقي، وندعو الحكومة إلى الإسراع في تقديم المسؤولين عن اغتياله إلى العدالة”.

وكتب سفير الاتحاد الأوربي في العراق مارتن هوث في تغريدة  له على موقع التواصل الاجتماعي   “تويتر”، “نشارك عائلة وأصدقاء الدكتور هشام الهاشمي حزنهم على وفاته.. يجب تقديم مرتكبي هذه الجريمة الشنيعة إلى العدالة”.

وقال ستيفن هيكي السفير البريطاني في العراق في تغريدة بموقع “تويتر”، “لقد أوجعنى وآلمنى سماع خبر مقتل هشام الهاشمي، لقد فقد العراق أحد أفضل رجاله المفكرين الشجعان، لايمكن لهذه الهجمات أن تستمر، إذ يجب على الحكومة العراقية وبدعم من المجتمع الدولي محاسبة الجناة”.

وأدانت الممثلة الأممية الخاصة في العراق جينين هينيس بلاسخارت اغتيال الهاشمي وقالت “صُدمنا باغتيال الدكتور هشام الهاشمي”، مضيفة “نُدين بشدة هذا الفعل الخسيس والجبان. تعازينا القلبية لعائلته وأحبائه” ودعت بلاسخارت “الحكومة إلى تحديد الجناة بسرعة وتقديمهم للعدالة”.

كما أعلنت السفارة الإيرانية في العراق في بيان لها أنها تلقت “ببالغ الاسى والاسف نبأ اغتيال الباحث والخبير في القضايا الاستراتيجية الدكتور هشام الهاشمي”، وأنها “تدين بشدة هذا العمل الاجرامي الذي كشف عن وجهه الخبيث باغتيال النخب”، مؤكدة أن “هدف حماة ومنفذي هذه العمليات هو ضرب أمن واستقرار العراق، وإثارة الفتنة والتفرقة بين أبنائه وإعادة العنف إليه”.

لمن تتجه أصابع الأتهام؟

تتجه أصابع الأتهام بشكل عام إلى الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، إذ جاءت عملية اغتيال “هشام الهاشمي” في إطار سلسلة الاغتيالات للناشطين العراقيين على يد مسلحين مجهولين، التي تهدف إلى تحييد وإسكات أصوات النشطاء من المشهد العراقي، وخاصة المشاركين في الحراك العراقي الذي اندلع في أكتوبر الماضي، للمطالبة بالقضاء على الفساد ورفض التدخل الإيراني في بلادهم، وحصر السلاح بيد الدولة، لا سيّما وأن “الهاشمي” كان من أبرز المشاركين في الحراك.

وكان “الهاشمي” قد نشط بعد انحسار خطر داعش أواخر عام 2018 في المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة وفرض سيادتها على التنظيمات المسلحة والتي يدين أغلبها بالولاء لإيران، وهو ما أدى إلى تصاعد حملات التحريض التي توجهها المنصات الإعلامية التابعة لتلك الفصائل تجاه “الهاشمي” والمتفقين معه في نفس الرأي، وكانت أشدها في سبتمبر 2019 حين نشرت منصات إعلامية على صلة بـ”الحشد الشعبي” قائمة بأسماء صحفيين وكتاب ومدونين وإعلاميين، كان من بينهم “الهاشمي”، وتم اتهامهم بـ”العمالة للسفارة الأمريكية والترويج للتطبيع مع إسرائيل”.

وتتجه أصابع الأتهام بشكل مباشر لكتائب حزب الله العراقي، بسبب ما قام به “الهاشمي” من كشف تفاصيل كثيرة متعلقة بها، أبرزها ما نشره في 4 مارس 2020 على حسابه الرسمي بموقع “تويتر” ويكشف فيه الهوية الحقيقية لـ”أبو علي العسكري” الذي قام بنشر عدة تغريدات بشأن المؤسسات الحكومية الأمنية والخلايا المسلحة المسيطرة على الأرض في العراق، وتوجيه تهديدات للقوات الأمريكية، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس الجمهورية برهم صالح،  وذلك رغم محاولة “العسكري” إبقاء هويته طي الكتمان، للإفلات من عواقب ما يقوم به.

وبلغت حدة الخلافات بين “كتائب حزب الله” و “الهاشمي” ذروتها أواخر الشهر الماضي، بعد اعتقال الأجهزة الأمنية العراقية لعناصر من الكتائب، وترويج المنصات الإعلامي لها بأنه تم الإفراج عنهم بينما أكد “الهاشمي” على موقع “تويتر” عدم صحة تلك الأنباء وأنهم مازالوا قيد الاعتقال، وهو ما ثبتت صحته بالفعل، وتسبب ذلك في إحراج كتائب حزب الله أمام مناصريها.

وترددت أنباء خلال الساعات الماضية بين المقربين لـ”هشام الهاشمي” أنه كان له دور فاعل في إيصال معلومات تحصل عليها من مصادره الخاصة للجهات الرسمية بشأن “خلية الكاتيوشا”، ويأتي اتساقًا مع ذلك ما ذكره “غيث التميمي” الصحفي والصديق المقرب لـ “الهاشمي” على موقع “تويتر” من تلقي “الهاشمي” تهديدات مباشرة من كتائب حزب الله بالقتل، وقام بنشر صور من محادثة جرت بينهما خلال الأيام الماضية.

ووجه “غيث التميمي” رسالة إلى رئيس الوزراء “مصطفى الكاظمي” بأنه يمتلك وثائق تحدد الجهة المتورطة في اغتيال “الهاشمي” قد زوده بها قبل رحيله، وأنه قد تلقى تهديدات بالقتل من نفس الجهة بسبب إعلانه عن امتلاك تلك الوثائق.

وما يعزز احتمالات فرضية مسؤولية كتائب حزب الله العراقي بتنفيذ عملية اغتيال “الهاشمي”، هو قيام الكثير من الحسابات الإلكترونية على موقع تويتر بنشر بيان منسوب لتنظيم داعش يفيد يتبني العملية، وكذلك قيام وكالة أنباء فارس الإيرانية بنشر ذلك الخبر فور ظهوره، وذلك بالرغم من عدم نشر ذلك البيان على المنصات الإعلامية لتنظيم داعش سواء على المواقع الإلكترونية الخاصة به أو تطبيقات الهواتف المحمولة، حتى كتابة هذه السطور، وهو ما يؤكد أن هناك مسعى لصرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي الذي تتجه إليه أصابع الأتهام.

من المؤكد أن واقعة اغتيال “هشام الهاشمي” تشكل نقطة تحول في سلوك هذه التنظيمات المسلحة التي ترفض أي مظهر من مظاهر الدولة من جهة، وترغب في استمرار النفوذ الإيراني في مفاصل الدولة في بغداد من جهة أخرى، والذي تأثر بشكل مباشر بعد اغتيال قاسم سليماني، وتحمل تلك الواقعة رسالة تهديد لكل من يتبنى فكر الباحث الراحل وصولاً إلى رئيس الوزراء نفسه، فهل تقوم الحكومة العراقية بفرض قرارها وحصر السلاح بيد الدولة فقط والسيطرة على التنظيمات المسلحة، أم ستنتصر الميليشيات في معركتها ضد الدولة؟، هذا ما ستكشفه لنا الأيام والشهور القادمة.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

صلاح وهبة

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى