
“الطاعون الدبلي” هل يعد أكثر فتكا من كورونا؟
منذ أيام وتحديداً يوم السبت الماضي استيقظ العالم على نبأ اكتشاف الصين حالة إصابة بنوع جديد من الوباء على أراضيها يسمى ب”الطاعون الدبلي” ووفقاً لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا) فقد اكتشفت حالة الإصابة ” بالطاعون الدبلي” في مدينة “بايانور” شمال غرب العاصمة بكين.
لم تلبث الصين لتعلن عن انتصارها على جائحة كورونا التي ظهرت على أراضيها مطلع العام ثم انتشرت في جميع أرجاء العالم ، لتجد نفسها تواجه ما هو قد يكون أخطر من كورونا وهو ما دعا السلطات الصينية لرفع مستوى الخطر للمستوى الثالث في إقليم منغوليا شمال البلاد ، حيث من المعروف أن الطاعون الدبلي هو المتسبب بجائحة الموت الأسود والتي كانت أسوأ جائحة تمر بها البشرية على الإطلاق.
فما هو هذا الوباء الجديد ؟ وما هي خصائصه وما هو مصدر نشأته ، من خلال التقرير التالي نحاول التعرف على ” الطاعون الدبلي” وتاريخه الأسود مع البشرية كما نجيب على سؤال أيهما أخطر كورونا أم الطاعون الدبلي؟
في البداية علينا أن نفرق بين أنواع الطاعون المختلفة ، فللطاعون ثلاثة أنواع وهي:-
الطاعون الدموي، تؤدي الإصابة بهذا النوع لتكاثر مكثف للجراثيم في الدم مما يسبب تسمم الدم وتبدو على المريض أعراض مثل الرعشة بعدة أماكن بالجسم والحمى كما تسبب نزيفا حادا تحت الجلد.
الطاعون الرئوي ، يعاني المصاب به من تكاثر الجراثيم داخل الرئتين مما يسبب دمار للجهاز التنفسي ، بالإضافة لذلك فالطاعون الرئوي يسهل انتقاله من شخص لأخر من خلال الجراثيم على العكس من الطاعون الدموي
الطاعون الدبلي ، يتسبب مباشرةً في التهاب في الغدد الليمفاوية واللوزتين كما يتسبب في التهاب أعضاء أخرى بالجسم كالطحال ومن أشهر أعراضه الحمى والرعشة والألم المستمر والشديد في الغدد الليمفاوية.
كانت بداية علاقته الطاعون بالإنسان في أوروبا تحديداً في القرن الرابع عشر عندما تسبب في موت ثلث سكان القارة العجوز وبرغم من اختلاف المؤرخين حول مصدر نشأته إلا أن العالم عرفه بشكل رسمي مع انتشاره في أوروبا بين العامين 1347 إلى 1358 كما أصاب دول أسيا الوسطى وأفريقيا لكن حال التأخر التكنولوجي دون تسجيل جميع الحالات أو التعامل مع الوباء بشكل علمي مما أسهم في انتشاره كما أن طرق التجارة في هذا الوقت أدت لزيادة معدلات الإصابة التي انتقلت من قارة إلى أخرى.
العالم يعرف جيداً ما يعنيه ” الموت الأسود” مرض الطاعون الذي لا علاج له حتى الأن بالرغم من التقدم الواسع للتكنولوجيا والأبحاث والأدوات الطبية، أما عن سبب تسميته بالأسود فقد صاحبت أخر أيام المريض المصاب بالطاعون ظهور بقع سوداء تحت الجلد عند الوصول لمرحلة متأخرة للإصابة وهو ما يبرر تسميته بالموت الأسود.
كيف يصيب الإنسان وماهي هي خصائصه
بعد أن أوضحنا الأنواع المختلفة من الطاعون ننظر نظرة أكثر تفصيلاً على الطاعون الدبلي والذي قد يواجهه العالم قريباً بعد أن أعلنت الصين ظهور الإصابة به على أراضيها، لكن كيف تتم الإصابة بهذا المرض؟
للطاعون شكلان رئيسيان هما الرئوي و الدبلي ويعتبر الدبلي هو الأكثر شيوعاً حول العالم، وتأتي الإصابة به من خلال التعرض للدغة برغوث أو جرذ ( قوارض) مصاب به لنقله للإنسان لتقوم بعد ذلك خلية الطاعون أو بحسب الاسم العلمي لها اليسيرينية الطاعونية باختراق جسم الإنسان باحثة عن أقرب غدة ليمفاوية لها لتتغذى منها وتتكاثر فيها مما يسبب التهابا شديداً في الغدة الليمفاوية ثم في مرحلة متقدمة من الإصابة تتحول الغدة أو الغدد الليمفاوية إلى قرح مليئة بالتقرحات بسبب إصابتها بالطاعون الدبلي والذي سمي بهذا الاسم لأنه ” يدبل” العقد الليمفاوية ويحولها لقرحات مما يؤدي للشعور بالأم في الغدد الليمفاوية ويعطبها.
وقد يتحول الطاعون الدبلي إلى الطاعون الرئوي حال تمكنت اليسيرينية الطاعونية من الوصول للرئتين ويعتبر الطاعون الرئوي أكثر خطورة من الطاعون الدبلي ذلك لأن الرئوي لا تزيد فترة حضانته عن 24 ساعة ، فإذا لم يعالج منه الشخص خلال أولى ساعات الإصابة يصعب بشكل كبير إنقاذه على عكس الطاعون الدبلي الذي لم يصل لمرحلة الرئوي فمن الممكن معالجته على أكثر من يوم ، الجدير بالذكر أن معدلات الشفاء من الطاعون بأنواعه تعد مرتفعة مع التقدم التكنولوجي والطبي الموجود حالياً فمن الممكن أن يتم شفاء مصاب بالطاعون بنسبة كبيرة حال تلقيه العلاج المناسب في الوقت المناسب أي مبكراً وكلما تأخر وصول العلاج أصبح شفاء المصاب أصعب بسبب تكاثر اليسيرينية الطاعونية داخل الجسم وانتشارها.
هل يشكل الطاعون الدبلي خطراً على حياة البشر مثل فيروس كورونا؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج لإيضاح أن الطاعون الدبلي يصعب انتقاله بين البشر ولا يصيب الإنسان إلا حال تعرضه للدغة البرغوث ” أو القوارض” المصاب مباشرتاً لكن الطاعون الرئوي الأكثر انتشارا هو الذي يسهل انتقاله عن طريق السعال أو الرذاذ أو التلامس ، وهو ما يشبه إلى حد كبير ما نعرفه عن فيروس كورونا كوفيد-19 لذا فإن الطاعون الدبلي ليس بخطورة فيروس كورونا من حيث الانتشار إلا إذا تحول من حالة طاعون دبلي إلى حالة طاعون رئوي حينها يسهل انتشاره وهو ما قد يشكل خطر على البشرية ويبلغ مدل الوفاة بين المصابين بالطاعون الدبلي 30 إلى50% حال لم يتلقوا العلاج في الوقت المناسب أما فيروس كورونا فنسب الوفاة به تظل دون ال3% بالرغم من اشتراك الوبائيين في عدم وجود علاج معروف لهما حتى الأن.
أمر أخر يختلف فيه الوباءان وهو فترة الحضانة داخل الجسم ففترة حضانة الطاعون داخل جسم الإنسان تكون بين يومين ل 6 أيام أما كورونا فقد تصل فترة الحضانة لأسبوعيين مما يعني أن الطاعون أسرع من حيث التكيف والتكاثر داخل الجسم بينما فيروس كورونا قد يكون أبطأ منه في إبداء تأثير على الجسم لكن كلاهما يعتبر قاتلاُ حال لم يتلقى المصاب العلاج أو الرعاية الطبية المناسبة في وقت مبكر من الإصابة.
مما سبق يتضح لنا أن الطاعون الدبلي وبرغم من عدم قدرته على الانتشار والتسبب بعدوى واسعة إلا أنه قد يتطور حال عدم علاج المصاب بالشكل الصحيح أو التأخر في علاجه إلى طاعون رئوي صاحب التاريخ الأسود مع البشرية والذي يسهل انتشاره، لذا وبرغم من عدم انتهاء جائحة كورونا على العالم بدوله ومنظماته وهيأته التوحد هذه المرة قبل أن يدهمنا الوقت كما سرعة التعلم من درس ” كورونا” بالرغم من عدم نهايته لنكون جاهزين حال احتياج الوضع لذلك.
يحتاج العالم لوضع استراتيجية واضحة ومحددة لمكافحة الأمراض من أي وقت سابق حيث ومع ظهور هذه الأوبئة التي لا يجد البشر أمامها حول لهم أو قوة كما ” الفشل الذريع” لمنظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي في إدارة أزمة كورونا بالتزامن عن الحديث عن موجة أنتشار ثانية ، يتوجب على العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى دعم التعاون بالأخص في المجال الطبي ومجال الأبحاث البيولوجية للقضاء على هذه الأوبئة من منشأها كما المجال التكنولوجي كذلك الذي يسهل اكتشاف مثل هذه الحالات مبكراً فلا أجد أي مبرر لعدم انتشار تكنولوجيا الكشف المبكر في كل دول العالم برغم من أنها الألية الأكثر نجاعة لإنقاذ حياة المرضى بسبب وصول العلاج لهم مبكراً.
أمر أخر يجب أن يوضع في الحسبان وهو التوازن البيئي فقد عزا عدد كبير من الخبراء في المجال البيولوجي إلى أن ظهور الأمراض والأوبئة مؤخراً يرتبط ارتباط وثيقاً بخلل التوازن البيئي على الأرض الذي نعيشه اليوم الأمر الذي يستدعي وجود منظمة أو تحالف يهدف لحماية هذا التوازن ومحاسبة من يخلخلونه لما لذلك من نتائج عكسية على البشرية أجمع على أن تكون المنظمة المنوط بها حماية التوازن البيئي تعي جدية المهمة وأثرها على البشرية ومستقبلها كي لا يتكرر سيناريو اتفاقية باريس لمجابهة الاحتباس الحراري ، الخطر اليوم ليس على دولة أو أمة بعينها بل قد يتجاوز الأمر ذلك ليشكل تهديدا حقيقيا للبشرية بأكملها حال الاستهتار والتعامل بتراخ مع هذه القضايا التي تؤدي لظهور الأوبئة المميتة.
باحث ببرنامج السياسات العامة