الأمريكتان

ترامب يطالب بعودة”موسكو” إلى قمة السبع الكِبار.. ماذا تغير ؟!

بينما تخوض الولايات المتحدة الأمريكية صراعاً محتدما من أجل مواجهة فيروس كورونا المستجد الذي تبرز فيه البلاد باعتبارها واحدة من الدول الأعلى من حيث عدد الإصابات والوفيات حول العالم من ناحية، ومن ناحية أخرى تشهد الساحة الأمريكية موجة من الاحتجاجات المحتدمة على خلفية وفاة المواطن الأمريكي جورج فلويد على يد شرطي أثناء توقيع القبض عليه.

أقدمت الولايات المتحدة على خطوة ليست غريبة على نمط سياستها  الخارجية ولكن في الوقت نفسه ينظر العالم بعيون الدهشة إلى البلد التي اعتادت أن تتصدر المشهد كلما أتى الحديث على فرض المزيد من العقوبات على روسيا منذ لحظة إقدامها على ضم شبه جزيرة القِرم في 2014. 

أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السبت الماضي -30 مايو- عن نيته تأجيل موعد انعقاد قمة الدول السبع والتي كان من المقرر لها أن تنعقد في سبتمبر المقبل، نظرًا لأن القمة في شكلها الحالي غير كافية ويجب أن يتم توسعتها حتى تضم دولاً أخرى مثل كوريا الجنوبية وروسيا.  

وفي اليوم التالي على هذا التصريح، أعلم ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين عن نيته دعوته أثناء انعقاد القمة القادمة.  تلى هذا الأمر أن تبادل الرئيسان الحديث خلال اتصال هاتفي – يوم الإثنين 1 يونيو- تبادل خلالها الرئيسان النقاش حول، الجهود المبذولة في سبيل القضاء على فيروس كورونا وإعادة فتح الاقتصادات العالمية مرة أخرى، وسبل انعقاد قمة مجموعة السبع، بالإضافة الى أسعار النفط ومواصلة الحوار الاستراتيجي بين البلدين. 

ولكن هذه الدعوة قوبلت بالرفض من قِبل الدول الأعضاء في القمة مثل كندا وبريطانيا. حيث ذكر متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون للصحفيين أن بريطانيا تعارض السماح لروسيا العودة إلى المجموعة مرة أخرى ، أنه لم يبدو حتى الآن أي دليل يثبت أن السلوك الروسي العدواني قد تغير بالشكل الذي يُسمح معه قبول إعادة انضمامها. 

بينما صرح رئيس الحكومة الكندية “جاستين ترودو” في مؤتمر صحفي له، “تم استبعاد روسيا من مجموعة السبع بعد إقدامها على غزو شبه جزيرة القرم قبل عدة سنوات، واستمرارها بانتهاك القوانين والأعراف الدولية بالشكل الذي يتسبب في مواصلة استبعادها من المجموعة”. وأضاف ترودو قائلاً “سوف تبقى روسيا خارج مجموعة الدول السبع”. 

قمة الدول السبع وخروج روسيا منها

مجموعة الدول السبع، هى منظمة تضم في صفوفها ما يُعرف بأكبر سبعة اقتصادات متقدمة في العالم. وكانت هذه المجموعة تُسمى “الدول الثماني” وصولاً إلى اللحظة التي تقرر فيها طرد روسيا من عضويتها ردًا على إقدامها على ضم شبه الجزيرة القرم التي كانت تخضع للسلطة الأوكرانية في العام 2014. وتعقد المجموعة بشكل دوري بغرض مناقشة قضايا التعاون المشترك، ومسائل أخرى متفرقة على غرار قضايا التغيرات المناخية والأمن العالمي والقضايا الاقتصادية. 

وتنظر المجموعة إلى نفسها باعتبارها تجمعا للقيم، وتؤمن بأن مبادئها الأساسية تتلخص في إعلاء قيم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. ووفقًا لهذه المبادئ، يُعارض العديد من زعماء الدول الأعضاء عودة روسيا إليها، نظرًا لأنها من وجهة نظرهم تتصرف بشكل خارج على القانون الدولي. 

هل يشهد العالم تقاربا أمريكيا-روسيا؟!

يُذكر أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يدعو فيها ترامب الى إعادة روسيا مرة أخرى إلى صفوف قمة السبع، فلقد حدث هذا الأمر من قبل خلال القمة التي انعقدت في عام 2018. عندما أعرب ترامب عن اعتقاده بأن “عودة روسيا سوف تكون في صالح المجموعة”. ولكن هل هذه الدعوات تعني بالفعل إمكانية حدوث تقارب كبير بين روسيا والولايات المتحدة في الوقت الراهن؟! 

بالتأكيد أي احتمالية لحدوث تقارب حقيقي بين موسكو وواشنطن بشكل مستدام، لا تتعدى كونها أكثر من مجرد حُلم. إذ أن العلاقات بين البلدين لا تزال مشحونة بجرعات مكثفة من التوتر، أعقبت إعلان الولايات المتحدة عن انسحابها من معاهدة الأجواء المفتوحة ومن اتفاقية الحد من الأسلحة، ووجهت واشنطن الاتهامات الى روسيا حول قضايا مثل الصراع في ليبيا، كما اتهمت وكالة الأمن القومي الأمريكي روسيا بقرصنة شبكة الانترنت في جميع أنحاء العالم. 

ووفقًا لأبرز تصريحات ترامب في مايو الماضي، قال “إن علاقاتنا مع روسيا قد قطعت بالفعل شوطًا طويلاً خلال الأشهر القليلة الماضية”. مما يعني أن ما يمكن الحديث عنه بشكل ملموس، هو وجود إمكانيات حقيقية لحدوث تقارب لحظي – مرهون بالظروف الدولية -على المشهد العالمي. وعليه، يمكن النظر إلى دعوة ترامب بصفته رئيس الدورة المزمع انعقادها للمؤتمر لانضمام عدة دول أخرى من ضمنها روسيا، في إطار ما سبقها من مُقدمات وفي إطار ما يدور في الوقت الراهن من ظروف دولية كذلك. 

فقد تحدث الرئيسان بالفعل إلى بعضهما البعض عدة مرات منذ بدء العام حول أسعار النفط العالمية، كما تبادل كلاهما الإمدادات الطبية لأجل توحيد جهود مجابهة كورونا. وبالإضافة إلى ذلك أصدر البلدان بيانًا مشتركًا غير عادي لإحياء ذكرى التعاون الروسي الأمريكي في هزيمة ألمانيا النازية.  

وقد يفسر رفض المستشارة الألمانية “أنجيلا مركل لحضور القمة القادمة بشكل شخصي بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، سبب سعى ترامب نحو دعوة كوريا الجنوبية وأستراليا وروسيا لحضور القمة، بغرض التأكيد على انعقادها واستمراريتها حتى بدون ألمانيا التي تُعد بمثابة الشريك الأوروبي الأكثر كفاءة في مواجهة كورونا حتى الآن. كما قد يفسر ما يدور في المشهد الداخلي للولايات المتحدة من احتجاجات على خلفية أسباب عنصرية رافقتها انتهاكات من قبل الشرطة الأمريكية فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، رغبة ترامب كذلك في لفت الأنظار العالمية إلى حدث آخر أكثر جدلاً، من شأن مجرد طرحه أو التصريح به أن يثير جدل بين أطراف دولية كبرى، سوف تلفت بدورها أنظار أكبر وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية نحوه، وهو الأمر الذي حدث ويحدث بالفعل.  

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى