كورونا

تحولات وبائية … “كورونا” محفزًا لموجات صراعية جديدة في ليبيا

داومت حكومة الوفاق الوطني والقوى المسيطرة على العاصمة “طرابلس” على محاولة تصدير أنها نموذج للطرف الساعي لاحترام المسار السياسي والهدنة المُعلنة في ليبيا، وأنها تسخر إمكاناتها -منذ تفشي الوباء عالميًا- لضبط مناطقها وحمايتها من أن تصبح بؤرة انتشار له. 

ولكن مثلت أول حالة إصابة مؤكدة بكورونا “ساعة الصفر” لإطلاق هجوم لميلشيات الوفاق ومجموعات المرتزقة تحت مسمى “عاصفة السلام”، ويتناول التقرير كيف مثلت تحركات حكومة الوفاق العسكرية الأخيرة محاولةً لتفادي السقوط في وجه فيروس “كورونا”، والتداعيات المباشرة لهذا التحرك العسكري على توازن جبهات القتال بين الجيش الوطني وقوات الوفاق، وصولًا للمسارات المُحتملة للتحركات العسكرية القادمة على مسرح المواجهة في ليبيا.

“عاصفة السلام” تحرك مدفوع برفض السقوط أمام “كورونا”

أستهدفت عملية الوفاق العسكرية “عاصفة السلام” في مراحلها الأولى قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية للجيش الوطني،  ما مثل بشكل قاطع انهيار الهدنة وتجدد للعمليات العسكرية، وهو ما تعزز بتركيز الطيران المسير التركي على استهداف تمركزات الجيش الوطني بمحاور القتال شرق مصراته وتخوم العاصمة طرابلس بالاتجاهين الجنوبي والغربي وعلى رأسها محور “عين زارة”، بل وأمتد الى استهداف الأهداف المدنية ببلديات خاضعة لسيطرة الشرق كترهونة وبني وليد، وهو ما تكشف بدخول البحرية التركية بشكل مباشر ضد الأهداف الليبية، بعد أن أطلقت صواريخ على منطقة العجيلات غرب طرابلس. 

وقد سعى رئيس حكومة الوفاق “فائز السراج” للدفاع عن ذلك التحرك العسكري بقوله إن العملية هي “رد اعتبار لضحايا عمليات المليشيات المعتدية”، ويمكن قراءة تحركات قوات الوفاق ومجموعات الحشد المليشياوي والمرتزقة كاتجاه لاستباق السقوط أمام فيروس “كورونا”.

وتحاول قوى الغرب الليبي تحقيق أي تقدم عسكري ينعكس بالتماسك على جبهتها، وتفادي حدوث تآكل لمواقعها وتمركزاتها وتراجع سيطرتها بعد ظهور حالات مصابة في المدن التي تسيطر عليها، كما أنها تسعى لصرف الأنظار عن سياسات إدارة أزمة “كورونا”، في ظل ما تعانيه المنطقة الغربية من قصور شديد في إدارة السياسات الصحية والأمنية، واستمرار عمليات نقل مجموعات المرتزقة السوريين الى جبهتها بمعارك طرابلس. 

بالإضافة الى التستر على وجود حالات مصابة في صفوف تلك المليشيات، كون أول مواقع الحجر الصحي بالمنطقة الغربية تم إعلانه كان قاعدة “معتيقية” التي تمثل منطقة خالصة للوجود العسكري التركي والمرتزقة السوريين الى جانب مليشيات طرابلس، ورغم ذلك يتم حجر كافة الحالات المؤكد إصابتها بكورونا في مستشفيات أخرى تم تخصيصها لذلك كمستشفى مصراتة ومستشفى طرابلس المركزي، دون الإعلان عن حالات يجري التعاطي معها في الحجر الصحي بقاعدة معتيقية.

تداعيات عكسية … تقدم الجيش وتراجع دعم الوفاق

بتصدي قوات الجيش الوطني المُكلفة بتأمين قاعدة الوطية -الكتيبة 134 مشاة- لهجوم مليشيات الوفاق، تحولت عمليات المطاردة والتطهير لمحيط القاعدة الى مستوى متقدم من الهجوم العكسي، وبعد مطاردة قوة التأمين للعناصر المهاجمة لمسافة 20كم شمال غرب القاعدة، أستكملت وحدات الجيش مطاردة تلك العناصر وصولًا الى جنوب مدينة “الجميل” -100كم غرب طرابلس- الحدودية مع تونس. 

وفي تطور نوعي كبير، قامت وحدات من كتيبة طارق بن زياد المقاتلة -تم الإعلان مسبقًا عن تحركها الى منطقة العمليات- بدخول مدينة “زليتن” الاستراتيجية -غرب طرابلس- والتي تمثل البوابة الليبية على معبر رأس جدير الحدودي مع تونس، وبتقدم قوات الجيش الوطني بمناطق غرب طرابلس تأكدت حالة التصدع بجبهة حكومة الوفاق، وأصبح فيروس “كورونا” المستشري في مناطق سيطرتها عامل ضاغط بقوة على تماسك جبهتها؛ إذ أصبحت “مصراتة” و”طرابلس” في مرحلة تهديد وبائي، وتسعى كل منهما لضمان تحجيم انتشار الفيروس. 

كما يتحرك “السراج” لمواجهة الانتقادات الموجهة له عبر تحميل محافظ مصرف ليبيا المركزي “الصديق الكبير” أحد رجالات مصراتة مسئولية الأزمة المالية، بل وتفويض البلديات باختصاصات إدارية أكبر مع توفير مخصصات مالية لذلك، وهو ما أشعل جدلًا بالدوائر السياسية بجبهة الغرب التي ترفض تقديم دعم مالي للبلديات -بمناطق الشرق والجنوب والغرب- التي تتبع الحكومة الليبية والبرلمان المنتخب في طبرق.

وخلاصة القول، إن إعلان قوات الوفاق عن إطلاق عملية عسكرية حملت اسم “عاصفة السلام” ضد الجيش الوطني، وما اعقبها من تراجعات وفقدان للسيطرة على مناطق إستراتيجية غربًا، وفشل محاولاتها لإحداث اختراق بمحاور القتال شرق مصراتة وجنوب طرابلس، وما حققه الجيش الوطني من تقدمات هامة في أعقاب تلك المحاولات، بالإضافة الى التباينات واختلاف إتجاهات التعاطي مع الأزمة المالية الحالية بجبهة الوفاق، وصولًا الى ما يتصاعد خطورته من انتشار وباء “كورونا” بها، ستقود الى شكل من أشكال إعادة تشكيل وترتيب صفوف معسكر غرب ليبيا. 

وهو ما قد يقود الى مزيد من التجاذبات والتوترات التي تهدد بتفككها وانحسار تأييدها داخل المدن التي تسيطر عليها، بل ويعزز من مخاطر حدوث انقسامات وانشقاقات وإعادة انتاج جبهة جديدة بالغرب تتباين في تعاطيها مع المعسكر الشرقي عن سياسات الوفاق -إيجابيًا أو سلبيًا- وبالتالي تعقيد موقف حكومة الرئاسي والصراع الليبي بشكل أكبر.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى