
“كورونا” تحت حكم الرجل الواحد في أنقرة .. فما مدى كفاءة السلطوية التركية في مواجهة الوباء؟
في مقال نشرته صحيفة ” ذا انفستجيتيف جورنال “ البريطانية، عاد المدير السابق لجهاز مكافحة الإرهاب في الشرطة التركية، أحمد يايلا، للحديث عن طريقة تعاطي الحكومة التركية مع تفشي وباء فيروس كورونا وخاصة وأن البلد تحتل حتى وقت كتابة هذه السطور المرتبة التاسعة عالميا من حيث عدد الإصابات.
أحمد يايلا، المقيم حالياً في الولايات المتحدة ويعمل بالمجال الأكاديمي لدراسة ظاهرة التطرف وقضايا الأمن والإرهاب، شغل منصب مدير جهاز مكافحة الإرهاب في الشرطة التركية في الفترة (2010-2013)، قبل أن يقيله الرئيس التركي من وظيفته ضمن حملة لإعادة هيكلة أجهزة الدولة الأمنية.

وذهب “يايلا” بالقول إن بعض الناس قد يعتقدون أن الأنظمة الاستبدادية والسلطوية مثل التي في الصين، تعاملت مع جائحة الفيروس التاجي بفاعلية أكثر من الدول الأخرى وهو أمر بالفعل مثير للجدل. وعلى الرغم من ذلك، فإن تلك النظرية لا تنطبق على تركيا. حيث فشل إردوغان – مركز سُلطات البلاد – بشكل كبير في الاستجابة المناسبة لتهديد وباء كورونا.
وتابع يايلا بالقول:” في يوليو من عام 2018، أصبح إردوغان بصورة رسمية رئيساً لجمهورية تركيا، وتمتع منذ ذلك الوقت بصلاحيات واسعة ونفوذ سياسي قوي، وحول نفسه عبر تغييرات دستورية لرجل تركيا القوي الذي لا يجادله أحد”.
حالياً، تواجه تركيا منحني حادا من الإصابات جراء فيروس كورونا حيث تحتل تركيا المرتبة التاسعة عالمياً في عدد الإصابات حتي اللحظة بإجمالي عدد يفوق الـ 30 ألف إصابة. واللافت هنا أن أول حالة مصابة بالفيروس تم تسجيلها في تركيا في 11 مارس، في حين أن ألمانيا – التي تضم تعدادا سكانيا مماثلا – استغرق الأمر فيها نحو شهرين للوصول لعدد 30 ألف إصابة من 27 يناير وصولا لـ 23 مارس الماضي.
كما أن ألمانيا في اليوم الـ 26 من تاريخ تسجيل أول إصابة لديها بالفيروس، كان عدد المصابين حوالي 26 حالة. وكوريا الجنوبية الذي يبلغ تعداد سكانها 51.5 مليون نسمة سجلت أول حالة في 20 يناير الماضي، وبعد ذلك التاريخ بـ 26 يوم، كان إجمالي حالات الإصابة لديها 29 حالة.
أما في تركيا؛ ففي اليوم الـ 26 من تاريخ تسجيل أول إصابة تتضاعف عدد الإصابات لـ1444 مرة مقارنة بألمانيا، و 638 مرة مقارنة بكوريا الجنوبية. مع تعديل نسب السكان.
فلم يصغ الرئيس التركي لنصائح وزير الصحة الذي دعا الناس للبقاء في المنازل موضحاً كيف ينتشر الفيروس من خلال الاختلاط بين الناس. وبدلاً من ذلك فضّل إردوغان مصالح الاقتصاد على حياة المواطنين الأتراك.
فاستجابة إردوغان لجائحة الفيروس، كانت متأخرة بواقع ثلاثة أشهر منذ بداية تفشي الفيروس في الصين. ففي الـ 27 من مارس، أعلن الرئيس التركي مجموعة من الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الجائحة وشملت حظر التجوال الكلي للأشخاص فوق الـ 65 سنة، وإلغاء الرحلات الدولية وتقييد النقل العام بين المدن. كما أعلنت عن حزمة تحفيزية تُقدّر بـ 15 مليار دولار في 18 مارس وهي واحدة من أدنى معدلات الحزم التحفيزية في دول العشرين.
وخصصت 300 مليون دولار فقط للعائلات الأكثر احتياجا، ومع ذلك فإن الاقتصاد المتعثر لم يمنع إردوغان من إطلاق المناقصة الأولي لمشروع قناة إسطنبول المثير للجدل، حيث أفراد عائلته المقربين بما فيهم صهره وزير الخزانة بالإضافة لوالدة أمير قطر، لهم اهتمامات ومصالح مالية في هذا المشروع.
حالات الإصابة بالوباء تخطت حاجز الـ 20 ألفا في الثالث من إبريل، مع 425 حالة وفاة. وأضطر إردوغان للرد مرة أخرى تحت ضغط استياء شعبي. هذه المرة أعلن حظرا للتجوال للأشخاص ما دون العشرين عاماً والمصابين بأمراض مزمنة.
حث وزير الصحة المواطنين الأتراك علي ضرورة الاستمرار في التباعد الاجتماعي، ومع ذلك فشل في إقناع إردوغان بسن إغلاق كامل بما في ذلك إغلاق الشركات والمؤسسات غير الضرورية.
في هذه الأثناء تخطت حالات الإصابة حاجز الـ 30 ألفا، والوفيات وصلت لـ 649 حالة. ولسوء الحظ أصر إردوغان على ضرورة أن تبقي تركيا عجلات الاقتصاد تدور والناس يجب أن يواصلون العمل”.
بدأ نظام اردوغان في قمع المواطنين الذين وجهوا له الانتقاد في طريقة إدارة الأزمة واحتواء تفشي الفيروس. فعلى سبيل المثال تعرض سائق شاحنة للاعتقال في 29 من مارس، جراء نشره فيديو علي تطبيق “تيك توك”، وعبّر عن غضبه: ” إما أن أبقى في المنزل وأموت من الجوع، أو أموت من الفيروس، في النهاية ليس الفيروس ولكن نظامك هو الذي سيقتلني”. انتشر الفيديو بسرعة مما أدى لاعتقال الرجل.
سائق الشاحنة كان علي حق، فالناس يعانون مالياً جراء تفشي الوباء وانخفاض الصادرات التركية بنسبة 18%، والدولار يقف عند 6.75 مقابل الليرة – كان اردوغان يحاول استقراره عند 6 – وقطاع السياحة يعاني من الإلغاءات.
إردوغان كان يعلم أن الحزمة الاقتصادية التي أعلن عنها لم تكن كافية لمعالجة معاناة المواطنين الأتراك والطبقة الكادحة والشركات الصغيرة. لذلك توصل إلى إطلاق “حملة التضامن الوطني” لتعبئة الناس خلفه. معلناً أنه كان يتعهد بوضع سبعة أشهر من راتبه في الحملة لمساعدة المحتاجين.
وفجأة، مع سيطرة أردوغان علي الإعلام والقنوات التلفزيونية، تم التسويق لهذه الحملة علي نطاق واسع، وجدت الشركات التجاربة ذات الصلة بإردوغان نفسها مجبرة بشكل أو بآخر علي التبرع في الحملة. وفي تصرف أشد غرابة، منعت حكومة إردوغان، تدشين أي حملات أخري للتبرعات تم فتحها لمساعدة المحتاجين، مثل تلك التي أنشائها عمدتا أنقرة وإسطنبول المنتخبين حديثاً.
وانقسم الناس حول حملة التضامنن منتقدين أسلوب حياة إردوغان نفسه ومعه أفراد عائلته، بما في ذلك بناء 3 قصور جديدة، وإعداد أسطول من 16 طائرة رئاسية إلى جنب 268 مركبة بحرية فاخرة.
وفي هذا الصدد انتقدت عضو المعارضة في البرلمان التركي “سيلين سايك بوكي”، حملة التضامن التي أطلقها أردوغان متهمة إياه بالعبث بأموال الشعب. وأشارت لتغريدة أحد المواطنين علي تويتر وجهها لإردوغان: ” بع قصرك، وعش بشرف” في إشارة لقصر إردوغان المكون من 1150 غرفة وتكلف بناءه نحو 615 مليون دولار.

من ناحية أخرى، أُجبر العديد من الموظفين في الحكومة التركية علي المشاركة والتبرع في حملة إردوغان. حيث أمرت إدارة شرطة أنقرة كادرها بما يزيد عن 30 ألف موظف (جندي – ضابط). وجاءت مبالغ التبرع محددة سالفاً حسب الرتبة وتذهب مباشرة لحملة إردوغان قبل أن يستلم الموظفون رواتبهم.
علاوة على ذلك أعلنت نقابة المعلمين التركية أن أعضاءها مدرجون علي القوائم السوداء لعدم مشاركتهم في الحملة، ووسط الجدل الدائر حول الحملة، اعتقلت السلطات التركية ثلاثة من النشطاء المؤثرين علي موقع تويتر ووجهت لهم تهم بالإرهاب نتيجة لمعارضتهم لحملة اردوغان.
هناك جدل آخر يتطور ويحمل قدرا كبيرا من الخطورة . إذ يتعلق بالسجون في تركيا التي تأتي علي أولى قائمة الدول في أوروبا من حيث عدد المسجونين بحصيلة تبلغ 300 ألف سجين، منهم 780 طفلا. كانت المخاوف من تفشي الفيروس التاجي في هذه المنظومة التي يخدم فيها 70 ألف ضابط وجندي.
تجدر الإشارة أن العفو العام عن السجناء في تركيا كان على أجندة الأحزاب السياسية.
وبعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016 عندما بدأ أردوغان في اعتقال الآلاف من المعارضين بتهم وهمية، بما في ذلك الصحفيون والضباط والأطباء والمعلمون والشرطة وأكثر من 3000 قاض ومدع عام؛ اعتبر وباء الفيروس التاجي فرصة العديد من المواطنين لرؤية أحبائهم مطلقي السراح من السجون، وقد برر التصور العام في الغالب الإفراج عن المجرمين غير العنيفين وخفض وقت العقوبة المؤدية إلى المراقبة.
ومع ذلك لطالما صرّح أردوغان أن العفو لن يشمل السجناء السياسيين علي الرغم من أنهم لم يرتكبوا جرائم عنيفة.
بناءً على ملاحظات أردوغان ، أقرت لجنة العدل في البرلمان التركي مشروع قانون مقترح في 3 أبريل لمنح إطلاق سراح مبكر للسجناء المجرمين (باستثناء السجناء السياسيين مثل الصحفيين) حتى 100 ألف سجين. وفشلت اللجنة في اعتبار من هم في الحبس الاحتياطي والذين هم علي تهم قضايا تتعلق بالمعارضة؛ ضمن قوائم اطلاق السراح المبكر.
وانتقد مشرعون معارضون مسودة اللجنة ، معتبرين أنه سيتم الإفراج عن المجرمين المسؤولين عن أخطر الجرائم في تركيا ، وأن الصحفيين الأبرياء والمعارضين السياسيين سيبقون في السجن.
كما لا يستطيع الصحفيون الأتراك الإبلاغ عن الوضع ، حيث يستمر القمع على الصحافة حتى خلال الوباء حيث يتم اعتقال الأشخاص بسبب نشرهم على تويتر. البيئة الإعلامية والصحافية في تركيا تتعرض لقيود صعبة حيث تحتل تركيا المرتبة 157 من أصل 180 في حرية الصحافة طبقاً لتقرير مراسلون بلا حدود.
من الواضح أن تركيا ستواجه تداعيات اقتصادية شديدة من فيروس كورونا. يحاول أردوغان إجبار الناس على الذهاب إلى العمل، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى أعداد كبيرة من حالات الإصابة بالفيروس التاجي ويطغى على النظام الصحي التركي الذي يعاني بالفعل، ويؤدي إلى الآلاف من الوفيات غير الضرورية.
في نهاية المطاف، سيدفع الكثير من الأتراك الثمن بحياتهم بينما يعيش أردوغان ودائرته الداخلية حياة فخمة معزولة عن الجمهور في قصورهم. حملة تضامن أردوغان ليست سوى دعاية، بالكاد علاج قصير للمحتاجين.
وبناء على التجربة التركية، يمكننا القول أن الأنظمة الاستبدادية ليست فعالة كما يقول البعض في الرد على الأوبئة.