
إيطاليا تسجل أدنى معدل وفيات جراء كورونا.. وإجراءات حكومية لمنع الاضطرابات المحتملة
تعد إيطاليا من أكثر الدول تأثرًا بانتشار فيروس كورونا المستجد، سواء على مستوى أعداد المصابين أو الوفيات، والذي بدوره انعكس على دفع الحكومة الإيطالية نحو اتخاذ إجراءات أكثر صرامة من تطبيق إجراءات الحظر الكامل، أملًا في تقليل تلك الأعداد؛ إلا أن هذه الإجراءات قد أثرت بالفعل على نمو الاقتصاد الإيطالي الذي أصبح متباطئًا، واعتمد كثيرًا على مساعدات الاتحاد الأوروبي للحفاظ على استقراره المادي، ولكن في ظل تفاقم الأزمة في أوروبا تم تحجيم هذه المساعدات، هذا إلى جانب معاناة العمالة غير المنتظمة المنتشرة في إيطاليا، والتي احتاجت إلى مزيد من اجراءات الدعم الاقتصادي لتجنب ما أسماه مسؤولون إيطاليون بثورة الجياع، أو انتشار الجرائم المنظمة في الجنوب الإيطالي.
وفي بادرة أمل حول تناقص عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا في أكثر الدول اضطرابًا بالمرض، والتي قد تعطي مؤشرات على إمكانية احتواء المرض، نشرت “بلومبيرج” تسجيل إيطاليا أدنى معدل لها في أعداد الوفيات إثر الإصابة بفيروس كورونا في يوم واحد، في أقل حصيلة يومية لها منذ أسبوعين ونصف، وترى أنها علامة جيدة على أن أسابيع من إجراءات العزل الصارمة لاحتواء تفشي المرض قد بدأت تؤتي ثمارها أخيرًا، وذلك حيث سجلت إيطاليا 525 حالة وفاة جديدة فقط، وهو أدنى مستوى منذ 19 مارس، ليصل العدد الكلي للمتوفين منذ بداية تفشي المرض في إيطاليا إلى 15887، كما بلغ مجموع الحالات المؤكدة الجديدة 4,316 مقارنة بـ 4,805 في اليوم السابق، ويوجد في إيطاليا الآن 128,948 حالة، وهو أقل قليلًا من إسبانيا.
كما شهدت إسبانيا انخفاضًا ثالثًا على التوالي في الوفيات اليومية الناجمة عن الفيروس؛ مما زاد الآمال في أن ينتهي انتشار المرض هناك أيضا، كما أظهرت أرقام الوفيات في المملكة المتحدة انخفاضًا أيضًا، حيث حذرت الحكومة من أنها قد تفكر في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من الوباء.
الحظر التام وراء انخفاض الأعداد.. وميلانو ولومبارديا الأكثر حالات
لا تزال إيطاليا ملتزمة بحالة الإغلاق التام وإجراءتها الصارمة لتنفيذ العزل، فقد طلبت منطقة لومبارديا المتضررة بشدة في نهاية الأسبوع من المواطنين عدم مغادرة منازلهم دون حماية أفواههم وأنوفهم بأقنعة أو أغطية أخرى، مع إصدار تعليمات ببقائهم في المنزل والخروج للضرورة القصوى، وذلك عقب تزايد أعداد الحالات المصابة إثر خروج البعض متحدّين الحجر الصحي، وهي الإجراءات التي اتُبعت في منطقة توسكانا أيضًا،
كان 10 ملايين شخص في ميلانو ومنطقة لومبارديا المحيطة يخضعون للحجر الصحي القسري لمدة شهر تقريبًا، وهي تدابير تم تمديدها في جميع أنحاء البلاد، ومن المرجح أن تستمر لعدة أسابيع أخرى، وتحولت الحياة في المدينتين لشبه سكون تام، وكأنها أصبحت مهجورة من السكان، ينتظرون جميعهم نشرة السادسة مساءً على أمل انخفاض أعداد الوفيات والمصابين عن الـ 24 ساعة الماضية، لاستخلاص أي بادرة أمل تشير لنهاية الأزمة.
وربما جاء هذا الأمر ليكون بمثابة اهتمام لوسائل الإعلام أيضًا التي أصبحت تركز على انخفاض الأعداد لإضفاء أي بريق أمل في ظل الظلام الدامس الذي تعيشه دول العالم مع انتشار وباء كوفيد 19، فتم الإعلان في وقت سابق خلال مؤتمر صحفي عن انخفاض أعداد الوفيات في إيطاليا منذ 26 مارس إلى 681 حالة وفاة، ليأتي اليوم ليكون الأقل منذ 19 مارس، وسجلت لومبارديا نصف عدد الوفيات المعلنة في ذلك اليوم. ووفقًا لتصريحات وزارة الداخلية، فقامت الشرطة بتغريم أكثر من 175 ألف شخص منذ 11 مارس الماضي بسبب انتهاكات حظر التجوال.
وفي الوقت الذي تستعد فيه البلاد لاستقبال الأسبوع الخامس من إجراءات الحظر التام والإغلاق، دعا زعيم المعارضة ماتيو سالفيني من حكومة رئيس الوزراء جوزيبي كونتي نحو فتح الكنائس في عطلة عيد الفصح المقبلة. فيما أعلن كونتي استمرار حالة الطوارئ التي تم تمديدها حتى 13 أبريل الجاري، على أن يعلن عن القواعد والإجراءات الاحترازية الجديدة التي ستنتهجها إيطاليا بنهاية الإسبوع المقبل.
ونقلت الصحف تصريحات كونتي التي أدلى بها في برنامج Meet the Press” ” على شبكة “إن بي سي” إنه لا يمكنه تحديد موعد إنهاء حالة الحظر في إيطاليا. كما يَعد رئيس الوزراء جوزيبي كونتي نشرة طوارئ غير مسبوقة للعمال المحاصرين في الاقتصاد الإيطالي، حيث تسعى حكومته لدرء خطر الاضطرابات الاجتماعية المتوقعة جراء إغلاق البلاد.
حزم إجرائية اقتصادية في إيطاليا لدعم العمالة غير المنتظمة وأصحاب الأعمال
أفادت وسائل الإعلام الإيطالية أن بعض الصناعات قد تستأنف عملياتها في منتصف أبريل؛ بينما سيُطلب من الناس البقاء في منازلهم على الأقل حتى 4 مايو.
فيما قال وزير المالية روبرتو جوالتيري على شاشة “راي RAI” الحكومية إنه من المتوقع أن تجتمع حكومة كونتي بحلول الاثنين الموافق 6 أبريل لوضع اللمسات الأخيرة على حزمة إجراءات جديدة لتوفير السيولة المالية للشركات التي تضررت من تفشي المرض، وقال جوالتيري إن الحكومة ستضمن قروضًا تصل إلى 800 ألف يورو بنسبة 100٪، وستعزز الضمانات إلى 90٪ على 200 مليار يورو أخرى (216 مليار دولار)، بينما ستتمكن الشركات من الحصول على قروض مصرفية تصل إلى 25٪ من إيراداتها.
كما ستتضمن حزمة أخرى في وقت لاحق من هذا الشهر الدخل الطارئ للأشخاص المحاصرين فيما يسمى بالاقتصاد السري “غير الرسمي”، حيث يبلغ حجم الاقتصاد غير الرسمي في إيطاليا 211 مليار يورو ويعمل به 3.7 مليون شخص.
ومن المتوقع أن يعقد كونتي اجتماعًا لمجلس الوزراء للموافقة على طلب جديد للبرلمان بشأن سد العجز الأكبر في الميزانية، مما يمهد الطريق لحزمة تحفيز ثانية بقيمة 30 مليار يورو (33 مليار دولار) على الأقل، وفقًا لمسؤولين لم يذكروا أسماءهم، فقد بلغت قيمة الحزمة الاقتصادية الأولية للحكومة الإيطالية 25 مليار يورو.
الحكومة تكافح من أجل مواجهة الجريمة المنظمة وثورة الجياع
تقوم الحكومة الإيطالية بتقديم حزم إجرائية لدعم العمالة غير المنتظمة، في محاولة لتجنب حدوث ثورة الجياع الذي ستنتج عن الحظر كما صرح مسؤولون، وذلك من خلال تقييم سبل الإغاثة الطارئة للعاملين الأكثر تضررًا في البلاد، والتي قد تبلغ قيمتها 600 يورو في الشهر وستكون صالحة طوال فترة الإغلاق، ومن المتوقع أن يطبق الإجراء الجديد على حوالي 500 ألف أسرة مرتبطة بالاقتصاد غير الرسمي.
كما تواترت الأنباء حول التخطيط الحكومي لوقف الهجمات المنظمة في الجنوب، فأصبح منع الاضطرابات الاجتماعية في الجنوب الإيطالي على رأس أولويات الحكومة، والتي قامت بنشر الشرطة في شوارع صقلية وباليرمو، وسط تقارير تفيد بأن العصابات تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي في التخطيط لهجمات على المتاجر، في الوقت الذي تكافح فيه الدولة للتغلب على جائحة الفيروس، حيث صرح المسؤولون بأنهم قلقون من انتشار الجريمة المنظمة.
وقال المسؤولون إن الإجراءات الجديدة لحماية الاقتصاد ستشمل دعم تسريح العمالة المؤقتة والتحركات لتسريع السيولة للشركات وفتح استثمارات الدولة، وقالوا إن أحد هذه الاستثمارات هو تخصيص 109 مليار يورو لإدارة البنية التحتية للسكك الحديدية ومشغل الطرق المملوك للدولة.
ويواصل كونتي تقديم المزيد من الإجراءات التي تتطلب زيادة الإنفاق بعد سنوات من ضعف اقتصادي ترك إيطاليا تعتمد على دعم الاتحاد الأوروبي للحفاظ على الاستقرار المالي. وهو ما دفع كونتي للتفاوض مع قادة الاتحاد الأوروبي حول كيفية هيكلة المساعدات المالية على المدى الطويل.
باحثة بالمرصد المصري



