كورونا

سوريا ، ليبيا واليمن نماذج .. كيف أكسب الإرهاب بعض الدول مناعة من “كورونا”؟

حين اصطدمت موجة المد الرابع لظاهرة الإرهاب العابر للحدود، بالدول والجيوش النظامية، في منطقة الشرق الأوسط في خضم أحداث ما يُسمى بـ “الربيع العربي”؛ فتحت على العالم أبواب من الجحيم حسبما وصف قادة وساسة دوليون.

وشاهد العالم فظائع لم يكن رأها من قبل، وتعرضت الدول المنكوبة بظاهرة الجيل الجديد من الإرهاب، لأهوالِ من اقتتال داخلي مسلح، وتدمير ممنهج للبنى التحتية، وضرب عشوائي بأسلحة وقنابل “قذرة”، كيماوية، لأهداف مدنية.

وتعرض الجناح الشرقي للمنطقة العربية لغالبية ذلك النشاط الإرهابي المُدمِر، وشهدت الميادين السورية والعراقية كبريات معارك التنظيمات الإرهابية مع الجيوش النظامية والتحالفات الإقليمية والدولية، وبدلا من أن تصيب الجهود الدولية – الإقليمية النشاط الإرهابي في مقتل، كانت بمثابة سكب الزيت على النار في مراحلها الأولية.

 تشظى النشاط الإرهابي أكثر، وطور من تكتيكاته واستراتيجياته الميدانية، فامتلكت التنظيمات الإرهابية أجهزة استخباراتية، وقدرات للحرب السيبرانية، والنفسية والإعلامية، واتجهت لتحقيق خسائر فادحة في الاقتصادات، وفي الكادر البشري للدولة المستهدفة.

وفي هذا السياق ، وصلت خسائر الاقتصاد السوري جراء الحرب المندلعة منذ عشر سنوات، لـ تريليون دولار أمريكيا، وأكثر من 350 ألف قتيل، تم قتل نسبة كبيرة منهم عن طريق التصفية الميدانية، حيث كانت التنظيمات الإرهابية تعد قبل اقتحامها للمدن، قوائم بأفضل عمالها، ومهندسيها، وأساتذتها، ورجال الدين، وأطبائها، وحتى الحرفيين المهرة، وكانت تقوم فور سيطرتها على المدن، بتصفيتهم في الحال، لتسهيل مهمة السيطرة على باقي السكان وتطويعهم ضمن أجنداتها، قبل إرهابهم. ومن أبرز هذه الحالات كانت مدينة عدرا العمالية في سوريا.

https://www.youtube.com/watch?v=EAkmVfnW9cQ

فضلا عن تسبب النشاط الإرهابي في إحداث تغيير ديموغرافي عنيف، واختلال في موازين القوى بالمنطقة لصالح القوى الإقليمية غير العربية، وما تبعه ذلك من إطالة أمد الصراعات، وحالات عدم الاستقرار الممتد، والمعاناة الإنسانية؛ فقد تلاشت الثقة وانهارت الآمال في قدرة الدول المنكوبة على حل تسوية الأزمات، ومجابهة التهديدات الطارئة في وسط ظروف سيئة أصبح من النادر فيها أن يحظى المواطنون بأبسط الخدمات والحقوق المعيشية.

 وبدا وكأن مجتمعات تلك الدول غير محصنين أمام قذائف الموت من الطائرات المسيرة ومدفعية الهاون المطور محليا، ولكنهم وبمقاربة مدهشة كانوا – ولو بصورة خافتة ومؤقتة –  محصنين من هجمات قاتل متسلسل، صامت، لا يرحم، فيروس كورونا، الذي يغزو العالم دون هوادة، ويعيد بحركته السريعة داخل الأجساد، وشكله التاجي المرعب صياغة مفاهيم القوة وتوازنات الضعف والعولمة والتجارة الدولية وسلاسل امدادها. حتى وقت كتابة هذه السطور، غزا الفيروس القاتل 174 دولة، وأصاب 200 ألف، وأوقع نحو 8 آلاف قتيل.

إلا أن سوريا وليبيا واليمن، وهي دول اكتسحها ومزقها الإرهاب وتنظيماته من الجيل الجديد، أصبحت لديها مناعة وإن بدت مؤقتة، فإنها جنبتها منحى متصاعدا من أعداد الإصابات والوفيات بالفيروس كالدول الأوروبية صاحبة السياسات الدفاعية المعقدة.

وسجلت دول سوريا ، ليبيا واليمن، حتى الآن عدد “صفر” إصابات، حيث أعلنت السلطات الصحية في سوريا الاثنين الماضي، إجراء فحوص مخبرية لـ103 أشخاص اشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا، مؤكدة أن النتائج جاءت جميعها سلبية، وأجرتا ليبيا واليمن عشرات الفحوصات المخبرية ولم تُسجل حتي الآن أية نتائج إيجابية.

وبدت هذه الدول المنكوبة التي تحتل مراتب دنيا في قائمة الدول الأكثر جاهزية طبية لمواجهة فيروس كورونا، وكأنها جزر منعزلة عن العالم، ولديها لأول مرة مناعة دفاعية ضد خطر غير نمطي، فكيف جاء ذلك؟
يمكن عد النتيجة الحالية والمناعة الدفاعية والتحصن ضد القاتل الصامت فيروس كورونا في هذه البلدان المنكوبة للنقاط التالية:

  1. حظر الطيران، فمع بدء الصراع المسلح في هذه البلدان، فُرضت على حكوماتها حزمة من العقوبات، تعددت أشكالها وأبعادها لتطال بالطبع قطاع الطيران، فتم حظر رحلات الطيران لعواصم البلدان المنكوبة، وتعرضت جراء ذلك لعزلة دولية. تجدر الإشارة إلى تخصيص المرصد المصري جهوداً بحثية لمراقبة ومتابعة حركة الطيران المدني فوق الأجواء السورية والتركية والليبية إثر اتجاه تركيا لتنفيذ عمليات نقل المرتزقة السوريين لشمال إفريقيا، وقد بدت سماء سوريا في كل جلسات المراقبة الدورية خالية تقريباً من حركة الملاحة الجوية وكأنها جزيرة منعزلة.

دفع تقليل وحظر حركة الطيران الواصل لدمشق، إلى الحد من الانتقال واختلاط المكون الأجنبي لعموم شعوب هذه البلدان فيما عدا العناصر الإرهابية الأجنبية. ما قلل من فرص العدوي والإصابة من التهديدات البيولوجية.

  • جيوب عسكرية ضيقة، قادت التطورات الميدانية في سوريا إلى إذكاء تكتيكات حصار المدن والقري وقطع الطرق. تمهيداً لعزل المناطق الموبوءة بالنشاط الإرهابي عن أية خطوط إمداد خارجية تعطيها قدرة بقائية أطول على القتال والمواجهة. ما دفع بعزل ملايين من الناس عن محيطهم المحلي والإقليمي طوال عقد من الزمان تقريباً. فعلي سبيل المثال توقف مطار حلب الدولي عن استقبال أية رحلات جوية طوال سبع سنوات متصلة.
  • تعطل وانهيار قطاع السياحة، فالانكشاف الأمني الجسيم الذي تعرضت له البلدان المنكوبة بالإرهاب دفع بانهيار قطاع السياحة، بعدما كان يشكل 12% من إجمالي الناتج المحلي السوري في 2009، لم يغادر حيز الصفر حتي الآن، ومعه قطاعات السياحة في ليبيا واليمن. فأصبحت المنشآت والفنادق السياحية خاوية علي عروشها ولا تشهد ضيوفاً سوي البعثات الأممية وممثلي هيئات الإغاثة.
  • غلق الحدود، علي الرغم من اتجاه دول جوار ليبيا – سوريا – اليمن، لتشديد الإجراءات الأمنية علي المنافذ الحدودية، إلا أن هنالك العديد من حالات الإغلاق التام للحدود أمام حركة البشر والتجارة، سجلها الميدان السوري، ولم يخرقها شيء سوي تدفقات الإرهابيين الأجانب والمرتزقة لشمال سوريا من تركيا، ومن تركيا لليبيا عبر الأجواء البحرية والجوية. وأصبحت الحركة منحصرة في العدة والعتاد العسكري اللازم لخوض المعارك واطالة أمد الصراع. كما انعزلت اليمن تماماً عن محيطها، ووقع أكثر من 80% من تعداد سكانها بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فضلاً عن تفشي وباء الملاريا هناك بصورة مروعة نتيجة تهالك وضعف النظام الصحي الذي بات هو الاخر تحديا لا يقل عن تحدي الاقتتال الداخلي.

من النقاط السابقة، تبرز سمات مصاحبة للمجتمعات والدول المنكوبة بظاهرة الإرهاب العابر للحدود، يمكن عدّها في الانعزالية، والتحول لبؤر طاردة للاستثمارات وتفادي طرق التجارة الدولية لمجالها، ما رجع بالمجتمعات لعقود للخلف بدلاً من تسير في ركب التطور التقني – الصناعي.

 ما دفع بدوره لفصل وفك ارتباط هذه الدول والمجتمعات بمنظومة العولمة وشبكاتها المعقدة، التي تتوجه إليها الآن اتهامات المساهمة في هذا الانتشار المربك والكبير لعدوي فيروس كورونا.

ما وضع هذه الدول المنكوبة التي عانت طوال عقد من تدمير ممنهج لبنيتها التحتية وقواتها العسكرية ومقدراتها الاستراتيجية؛ في مأمنِ ولو بشكل خافت، من التهام القاتل المتسلسل، لما تبقى من تعداد سكانها بعد حروب طويلة أوقت مئات الآلاف، وعلى الرغم من تفادي هذه الدول ومجتمعاتها من سيناريوهات الانتشار سريع الوتيرة للفيروس، فإن كثيرا من القلق يظل حاضرا فيما لو تفشى الفيروس، وأصبحت المواجهة هذه المرة بين، كائن أصغر من الانسان بـ 5 ملايين مرة، ونظام صحي متهالك لا يقوى على تحمل كارثة إضافية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى