
تأثير الداخل الإثيوبي على انتخابات 2020 وانسحاب “مراوغ”من مفاوضات سد النهضة

انسحاب رسمي إثيوبي من مفاوضات سد النهضة يومي 27 و 28 فبراير الماضي في واشنطن برعاية أمريكية، أعقبه تحليلات وتصريحات حول تأثر هذا القرار الإثيوبي بالانتخابات هناك المقرر إجراؤها مايو المقبل، على أن تجرى الانتخابات الرئاسية أغسطس من العام نفسه.
وأعلن الجانب الإثيوبي في بيان رسمي عن تعطل المفاوضات للتشاور مع أصحاب المصلحة داخل البلاد، وهو ما يعيد للأذهان التصريحات التي تناولتها وسائل الإعلام على لسان آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا أكتوبر الماضي أمام البرلمان الإثيوبي بشأن السد، والتي تضمنت في طياتها أيضاً نقدا للإعلام، مما اعتبر انتقادا لسياسة الاصلاحات والحريات التي يدعيها آبي أحمد، وهو ما تسبب في الاحتجاجات التي قامت بها قومية الأورومو، القومية الأكبر في إثيوبيا.
وبالتالي يمكن اعتبار الانسحاب التفاوضي الأخير بأنه “مراوغة” لكسب مزيد من الوقت في محاولة لكسب الداخل الإثيوبي، حيث جاء القرار الأحادي الأخير لاكمال هذا المشهد مع قرب بدء الانتخابات، ليمثل أملا لآبي أحمد لاستكمال مسيرته في الحكم وتفويضه تفوبضا كاملا إذا ما نجح في الانتخابات الحالية عقب توليه منصبه أبريل 2018 إثر احتجاجات مناهضة للحكومة؛ مما يضع أمام أعينا فرصة للتعرف على كيفية إدارة المشهد الداخلي الإثيوبي من قبل آبي أحمد؟
الانتخابات والنظام السياسي في إثيوبيا:
تقع السلطة التنفيذية في إثيوبيا في يد رئيس الوزراء، ويعد منصب رئيس الدولة شرفيا، يقوم البرلمان باختياره ويتم انتخاب الرئيس لمدة 6 سنوات ويمكن إعادة اختياره لفترة جديدة، وتولى آبي أحمد منصبه الحالي كرئيس وزراء أكتوبر 2018 عقب الاحتجاجات المناهضة للحكومة، بسبب النزاع مع قبيلة الأورومو حول ملكية الأراضي، واستئثار قومية التيجراي على السلطة.
يتم اختيار رئيس الوزراء من قبل الحزب الفائز بالأغلبية في مجلس النواب، ويتم اختيار الوزراء من قبل رئيس مجلس الوزراء ويوافق عليهم البرلمان.
وتتكون السلطة التشريعية من مجلسي ممثلي الشعب “البرلمان” ويتم انتخاب أعضائه لمدة 5 سنوات على أساس الاقتراع العام، والمجلس الفيدرالي وينتخب أعضاءه من قبل المجالس الخاصة بكل إقليم من الأقاليم الإثيوبية.
وعن السلطة القضائية فإن المحكمة الفيدرالية العليا هي أعلى جهة قضائية في البلاد وتتألف من 11 عضواً، ويتم ترشيح رئيس المحكمة من قبل رئيس الوزراء والمصادقة على تعيينهم من قبل البرلمان الإثيوبي.
ولذلك تعد الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 28 مايو المقبل هي أساس استكمال الانتخابات التشريعية المقرر عقدها في 29 أغسطس المقبل، على أن تصدر النتائج النهائية في 8 سبتمبر، وهو الموعد المؤجل عن الموعد المحدد بأسبوعين، كما أعلنت مفوضية الانتخابات في إثيوبيا، وهو ما لا يحقق طلب المعارضة الإثيوبية والتي طلبت تأجيل الانتخابات مرارا، نظراً لصعوبة تأمين صناديق الاقتراع في ظل النزاع العرقي في الداخل الإثيوبي، كما أن منتصف أغسطس هو موسم الأمطار بالنسبة للدولة الإثيوبية وبالتالي سيصعب على الشعب الإثيوبي الوصول لصناديق الاقتراع.
وبالتالي تعد الانتخابات المقبلة هي انتخابات حاسمة، فبالرغم من كونها دولة فيدرالية إلا أن نظام الحكم يتركز فيها في يد الحزب الحاكم، وتتشكل الأحزاب في إثيوبيا على أسس إثنية وعرقية تتسم مع طبيعة الدولة متعددة العرقيات، والتي تتكون من عشرة أقاليم عقب انفصال اقليم السيداما عن شعوب الجنوب، بجانب الأقاليم التسعة “هرر، تجراي، أمهرا، أوروميا، شعوب جنوب إثيوبيا، العفر، الصومال الإثيوبي بني شنقول جومز، جامبيلا”، وهو الانفصال الذي وصف بأنه تفكيك جزء هش من الاتحاد المفكك بالفعل. وذلك باعتباره سيفتح الباب أمام عديد من الأقليات نحو السعي لذلك، في ظل دستور 1994 الذي يدعم الحركات الانفصالية، حيث يوجد أكثر من 10 أقليات ستطالب بمثل هذه الصلاحيات، وسط إصلاحات لإقامة مجتمع أكثر انفتاحا في عهد رئيس الوزراء أبي أحمد، وهو ما يمكن وصفه بأنه كان تحدي جديد أمام آبي أحمد في الداخل الإثيوبي، فأصبح يقع بين كفى رحى حرية الانفصال العرقي، وتفتت الدولة الإثيوبية لمزيد من الاقاليم العرقية، والتي تهدد مبدأ المواطنة الذي يروج إليه من خلال إنشاءالحزب الموحد.
حزب الإزدهار لأبي أحمد وخسارة حلفائه القدامى:

عمًد آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي على تكوين حزب موحد رافعاً شعار “المواطنة” متحدياً الطبيعة الإثنية التي يقوم عليها تشكيل الأحزاب في إثيوبيا، وسيطرة الحزب الحاكم بها على الحكم والمتمثل في ائتلاف “الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا”.
وتأتي مبادرة أبي أحمد ضمن هدف معلن وأخر خفي ممثل في تحويل الجبهة لحزب موحد يفتح الباب لضم أحزاب أخرى في محاولة لضمان فوزه في الانتخابات المقبلة بالأغلبية الساحقة التي تمهد لتوليه وحصوله على التفويض اللازم لاستكمال سياسته التي اتبعها في البلاد.
أعلن آبي تدشين حزب الازدهار في ديسمبر الماضي، والذي يتكون من 3 أحزاب رئيسية من الائتلاف الحاكم، وهم حزب الأورومو الديمقراطي والأمهرة الديمقراطي والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا. إلى جانب الأحزاب الموالية للائتلاف وهي “عفار والصومال الإثيوبي وجامبيلا وبني شنقول جومزوهرر”.
بينما رفض حزب جبهة “تحرير شعب تيجراي”، الذي كان الحزب المهيمن في عهد الزعيم الراحل ميليس زيناوي والجبهة المسيطرة الآن على المناصب العليا في البلاد، لفكرة الاندماج وهي أقلية مقارنةً بقومية الأورومو التي ينحدر منها آبي أحمد والأمهرية ثاني أكبر قومية. وهددت التيجراي باتخاذ اجراءات قانونية ضده، مؤكدة على أن السلطة من حق الائتلاف، ووصفت هذه الخطوة بأنها تلغي شرعية بقاء الإئتلاف في الحكم باعتبارها الجبهة الفائزة في انتخابات 2015 وليس حزب الازدهار الذي رآت أن وجوده غير شرعياً.
هذا إلى جانب انتقاد وزير الدفاع الاثيوبي ليما ميجيرسا، الحليف الرئيسي لرئيس الوزراء آبي أحمد، لخطة دمج تحالف الأحزاب العرقية الإقليمية التي تحكم البلاد منذ ثلاثة عقود في حزب واحد، واعتبرها خطوة متعجلة من آبي مما يؤشر إلى انقسامات متنامية قبل الانتخابات المقررة عام 2020، حيث يعد ليما وآبي الأقوى في قومية الأورومو باعتبار ليما الرئيس السابق لولاية أوروميا ويعمل حالياً نائباً لرئيس الحزب الحاكم في الولاية، وبالتالي فإن خروج هذا الخلاف للعلن بمثابة مؤشر أحمر نحو مزيد من الغموض السياسي قبل الانتخابات المقبلة.
ويعد ليما ليس الحليف الأول الذي خسره آبي أحمد، بل يأتي جوهر محمد الإعلامي والناشط السياسي والمنحدر أيضاً من إقليم الأورومو والحليف السابق لأبي أحمد، هوالمرشح الأبرز في الانتخابات المقبلة، والذي أدت تصريحات آبي أمام البرلمان في أكتوبر الماضي واتهامه له بالعمالة، وادعاء جوهر بأن الحكومة الإثيوبية تخطط لاغتياله، إلى اندلاع الاحتجاجات في إقليم أوروميا ضد آبي أحمد رافعة اسم “جوهر” عالياً، والذي بدور استخدم خطاباً عرقياً بعنوان “أوروميا أولاً”.
بتحليل الموقف الحالي يتضح خسارة جديدة لآبي أحمد لاثنين من أقوى حلفائه في الإقليم الأكبر بإثيوبيا، حيث رفض ليما سياسة “ميديمير” التي ينتهجها آبي أحمد والتي تعني التآزر بالأمهرية وهي اسم كتاب أصدره آبي أحمد عقب فوزه بجائزة نوبل وأحرقه المتظاهرون في الاحتجاجات الأورومية.
واعتبرت المعارضة، التي شكلت ائتلاف باسم “حزب المواطنين الإثيوبين من أجل العدالة الاجتماعية”، خطوة آبي أحمد نحو تشكيل الحزب الموحد ما هي إلا خطوة نحو مزيداً من تعميق الانقسام.
ولم يكن موعد الانتخابات وتشكيل الحزب الموحد هي الأمر الوحيد الذي سجلته المعارضة الإثيوبية، بل أعربت عن تحفظاتها على تعديلات أقرها البرلمان الإثيوبي في 24 أغسطس 2019، والخاصة بمسودة قانون الانتخابات، وإنشاء الأحزاب السياسية، واعتبرتها نحو مزيداً من فرض القيود على قيام الأحزاب، مما سيمهد الطريق مجدداً لاستحواذ الائتلاف الحاكم على السلطة، هذا إلى جانب تأثير النزاعات العرقية على العملية الانتخابية.
الانتخابات الإثيوبية بين الديمقراطية وتضييق الخناق على المعارضة:

رغم سياسات آبي أحمد الاصلاحية التي يصفها المؤيدون بدعمها للحريات والتي تمثلت في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والصحفيين ورفع الحظر المفروض على أحزاب المعارضة، والتي تسببت في مزيد من العنف داخل البلاد وهو ما أصبح بمثابة الاختبار الأكبر لاستمرار آبي في إصلاحاته السياسية الطموحة. أقر البرلمان الإثيوبى قانوناً يقضى بالسجن لكل من تثير منشوراتهم على الإنترنت حدوث اضطرابات، وذلك قبيل الانتخابات لمنع أعمال العنف؛ إلا أن الأمم المتحدة وصفت هذه الخطوة بأنها ستقيد حرية التعبير وستقضي على الديمقراطية التي تسعى إليها الانتخابات، من خلال تقييد المعارضة.
يقر القانون الجديد بدفع غرامة قد تصل إلى ما يعادل ثلاثة آلاف دولار، والسجن لمدد تصل إلى 5 سنوات لأي شخص يشارك أو ينتج منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي يُعتقد أنها قد تسفر عن عنف أو تكدير النظام العام. وهو ما اعتبره مقرر الأمم المتحدة الخاص بحرية التعبير عند تبني حكومة آبي القانون في نوفمبر بإنه سيزيد من حدة التوتر العرقى الموجود بالفعل وربما يثير المزيد من العنف. ووصفته منظمات دولية حقوقية بأنه سيوفر للحكومة وسيلة قانونية لإسكات المعارضين.
تأثير الوضع الاقتصادي على الانتخابات في البلاد
انتهج رئيس الوزراء آبي أحمد من سياسة تحرير الاقتصاد وخصخصة الشركات المملوكة للحكومة، بالتركيز على قطاع الاتصالات المحتكر لصالح الدولة، ودعم النمو في قطاعي الصناعة والخدمات، واكتشاف الفرص من خلال العلاقات التجارية الخارجية وتأسيس سوق السندات، بجانب تحرير جزئي لسعر صرف العملة، وتحرير قوانين التجارة والاستثمار، والسعي لاجتذاب المزيد من الاستثمار الأجنبي، في الاقتصاد الذي يعتمد بشكل أساسي على الزراعة والصناعة ومجال الخدمات.
وتزامن مع تلك التوقعات حول انتعاش الاقتصاد الإثيوبي ودخوله مرحلة اقتصاد السوق الحر، تفجرت عدة احتجاجات خلال العام المنصرم على إثر أزمات الكهرباء والطاقة في البلاد.
ويتضح لنا من سرد الواقع الإثيوبي الذي يجمع بين المتناقضات والمتمثلة في سياسات إصلاحية تعج بالعديد من التحديات، وانتخابات ديمقراطية ترفع شعار المواطنة وتخبئ مزيد من الشعارات العرقية والإثنية التي تقوم عليها الدولة الإثيوبية مدعومة بالدستور الانفصالي، وهذا إلى جانب السياسات الاقتصادية في محاولة لمجابهة الاحتجاجات الداخلية الإثيوبية، وأخيراً دعوى الحرية المقيدة بقوانين تعيق المعارضة من التعبير عن الآراء، لخدمة الحزب الواحد الذي انتقده أكبر حليفين سابقين لآبي أحمد والمنحدرين من نفس قوميته “الأكبر في إثيوبيا”، سيجعل المشهد الداخلي أكثر تعقيداً، ليدلل على أن انتخابات إثيوبيا 2020 يعوقها العديد من التحديات بعيداً عن سد النهضة الإثيوبي.
باحثة بالمرصد المصري