الصحافة الدولية

هل يدق “جول” المسمار الأخير في نعش “أردوغان” وحزبه

بدأ عبد الله جول، رئيس تركيا السابق وأحد أهم مؤسسي حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، في الظهور مجددا على الساحات السياسية، وتعتبر هذه المرة من المرات القليلة التي يتحدث فيه جول في تصريحات مباشره ضد الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان.

تولى جول منصب الرئاسة في تركيا بين عامي 2007 و2014، في الوقت الذي كان فيه حليفه المقرب آنذاك أردوغان رئيسا للوزراء. وبعد تولي أردوغان الرئاسة وتحويل النظام التركي من البرلماني الى الرئاسي الذي وسع صلاحيات منصب الرئاسة بشكل كبير، تخلى جول عن حضوره السياسي، معبرا بذلك عن غضبه من تصرفات أردوغان.

جول، وفقا لتصريحات منذ أيام أدلى بها لصحيفة ” قرار” التركية، قال فيها إن “النظام البرلماني هو الأمثل لتركيا حتى عندما كنت رئيسا للبلاد. كان اختياري هو أن يكون النظام ديمقراطيا برلمانيا كاملا.. لم يشهد البرلمان وضعا هامشيا كما هو الآن. تركيا تعاني من غياب تأثير البرلمان”.  

وكانت تركيا صوتت إلى التحول من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي في استفتاء عام 2017، الذي تم إجراؤه خلال فتره الطوارئ بعد محاوله انقلاب فاشلة في يوليو 2016. 

وقلص النظام الجديد من صلاحيات منصب رئيس الوزراء وسمح لأردوغان بتمرير القوانين بمرسوم وربط المؤسسات الرئيسية، وكذلك الكثير من الرقابة المالية بالرئاسة. فالنظام الرئاسي في تركيا جعل من أردوغان يمسك بزمام جميع أمور الدولة دون مراعاة لدور باقي مؤسسات الدولة حتى اصبحت تركيا ” دوله الرجل الواحد _أردوغان_”.

وفى ذلك التصريح أيضاً، عبر جول عن رأيه حالياً فيما آل اليه حزب العدالة والتنمية السياسي ذو الطابع الإسلامي قائلا: “حزب العدالة والتنمية تخلى عن مبادئه الأساسية التي تم اختياره على أساسها”.

 وأضاف جول أن هذه الحركات ذات الطابع الإسلامي لا يمكنها الوصول للحكم إلا عندما تتمسك بالديمقراطية والليبرالية وتحترم حقوق الإنسان. 

وأكد أن حزب “العدالة والتنمية” كان نموذجا يحترم كل معاني الديمقراطية وحقوق الانسان وكان يحكم على أساس المعايير العقلانية، فالحزب نجح خلال فتره ولايته الأولى وكان مصدرا للعالم الإسلامي وحتى الحركات الإسلامية، إلا أن الأمور تغيرت لأن الحزب ابتعد عن نهجه الديمقراطي.

السياسة الخارجية وأطماع الدولة العثمانية

 وانتقد جول بشده السياسات الخارجية الحالية للبلاد موجهاً بذلك أسهم النقد مباشراً إلى أردوغان، مشيرا إلى السياسة التركية في سوريا حيث قتل خلال شهر فبراير عدد كبير من الجنود الأتراك يصل لأكثر من 34 في قصف القوات السورية المدعومة من روسيا.

وأضاف أن أردوغان يغامر بأرواح الجنود الأتراك للتحقيق أحلامه في الخلافة، فقد تورطت تركيا مع سوريا والعراق واليوم تندرج في حرب مع ليبيا دون خطه مناسبه للخروج أولاً من سوريا الذي تم استدرجنا لها منذ 2011.

ويبدو أن جول من خلال هذه التصريحات قرر إعلان الحرب على أردوغان الذي “عزز تعاونه مع روسيا وابتعد عن حلفائه الغربيين”. وبدا للجميع أنه يقدمه نفسه للمجتمع الغربي كبديل لأردوغان الجديد حيث قال في حديثه قائلا: “مشكلات تركيا مع الولايات المتحدة جعلتها تقترب أكثر من روسيا، لكن الابتعاد عن الغرب سيضعف الديمقراطية التركية، مشيرا إلى أن أنقرة تحتاج لأن تكون جزءا من التكتل الغربي وأوروبا لتضمن دولة ذات ديمقراطية وتعددية”.

وقد ركزت تركيا مجهوداتها خلال الربع الأخير من العام الماضي على توسيع سيطرتها على شمال وشرق سوريا قبل أن تحول اهتمامها مع بداية العام الجديد 2020 صوب ليبيا بهدف دعم حكومة الوفاق في طرابلس برئاسة فايز السراج ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

ويمكن تحليل التدخلات التركية في الدول المجاورة عبر توضيح الرغبة التركية في تحقيق مجموعة من العوامل، على رأسها تحقيق الحلم التركي في مد نفوذها الخارجية والتي تسعى تركيا من خلالها إلى توسيع دورها في المنطقة خاصه في البلدان التي تتمتع مع تركيا بروابط تاريخية وثقافية ودينية، مما يرفع من أهميه الدور الذي تلعبه تركيا على المستوى الدولي، إضافة إلى اعتبار ذلك خطة استباقية للدفاع ضد خصومها ممن يعارضون المصالح التركية إضافة الى أن تعزيز التواجد التركي في الدول المجاورة سوف يساعد أردوغان على صرف الانتباه عن المشاكل الاقتصادية التي تمر بها البلاد لتحقيق طموحاته في السيطرة الاقتصادية على الغاز في شرق البحر المتوسط.

ويعتبر الصراع على النفوذ في الشرق الأوسط ناجما عن الفراغ الذي تسبب فيه انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وأفريقيا، لذلك يحاول جميع اللاعبين الإقليمين ملء ذلك الفراغ. ويعتبر أردوغان ذلك الخروج بمثابة فرصة لإحياء نفوذ تركيا من جديد وهو ما يؤخذ عليه الأن من قبل عبد الله جول.

ويحاول أردوغان أن يحصل على مزيد من النفوذ في المنطقة حيث أن سياساته لا تقتصر على البحر المتوسط فحسب، ولكنها حشدت الدعم في العالم الإسلامي غير العربي والذي يتمثل في ماليزيا وإيران وقطر لعمل توازن إسلامي مضاد لمنظمة التعاون الإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية والتي يهيمن عليها العرب. 

ويرى جول من وجه نظره، كرئيس سابق للدولة التركية وأحد أهم مؤسسين حزب العدالة والتنمية، أن هذه التحالفات لن تعيد لتركيا قوتها، وأنها لن تضمن استمرار الديمقراطية التي تعتبر الأساس الذي بنى عليه حزب العدالة والتنمية والذي لن يستمر إلا بعوده التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية.

“إس 400”   اختيار غير موفق

C:\Users\DELL\Desktop\_107849000_f2e3ebb0-1735-4ef1-bbcd-2cd29016a128.jpg

وانتقد جول كذلك شراء منظومه الصواريخ ” أس 400 “ الدفاعية الروسية، مؤكدا أنه لا يوجد مقارنه بين اختيار تلك الصفقة والحفاظ على العلاقات القوية مع حلف الشمال الأطلسي “ناتو”، فليس من الحكمة تجاهل اعتراضات الناتو على تلك الصفقة. 

ويعتبر “ناتو” أحد أهم حلفاء تركيا العسكريين، وإقبال تركيا على هذه الصفقة قد يعمل على تقويض قوة الجيش التركي والذي يعد ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو بعد القوة العسكرية لأميركا، فمعايير الجيش التركي تتوافق جوهريا مع المنظومة العسكرية للناتو والتي منها تأتى قوه الجيش التركي. 

فذلك النقد الموجه لأردوغان من قبل جول يؤكد وجود أزمة عميقة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وتشير أيضا أن “عبد الله جول” يحاول الاستفادة من هذه الأزمة، لتقديم نفسه كبديل لأردوغان. وقد بدأت الأزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بعد رفض واشنطن تسليم فتح الله جولن، مؤسس حركة الخدمة التركية، وهو واعظ إسلامي تركي مقيم في الولايات المتحدة وتتهمه أنقرة بتنظيم الانقلاب الفاشل في عام 2016 ضد أردوغان. إضافة الى قرار الولايات المتحدة دعم القوات الكردية في سوريا في حربها ضد التنظيم الإرهابي “داعش”، وما اعتبرته أنقرة بمثابة ضربة أخرى، حيث أن وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب العمل الكردستاني تصنفها تركيا كتنظيم إرهابي. 

وكانت النقطة الفاصلة في شكل العلاقة بين الدولتين تتمثل في قرار تركيا بشراء نظام الصواريخ الروسية على الرغم من معارضة الولايات المتحدة والدول الاعضاء في الناتو. 

فمن الواضح أن التوجهات الحالية لحزب العدالة والتنمية ضد الناتو والولايات المتحدة والاصرار على تجاهل اعتراضاتهم ستسهل الأمر بشكل كبير للأحزاب الأخرى التي بدأت في الإعلان عن نفسها مؤخراً. فالتحالف بين علي باباجان وعبد الله جول يشكل قوه كبيره أمام العدالة والتنمية خاصه إذا حصل على دعم الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

احتجاجات حديقة غيزي

C:\Users\DELL\Desktop\111-protest-im-gezi-park-reuters-no-flash.jpg

وفي ختام حواره، تطرق الرئيس التركي السابق إلى احتجاجات “حديقة غيزي” عام 2013 والتي تعد أكبر موجة احتجاجات ضد الحكومة منذ تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة في عام 2002. مشيرا إلى أنه “منذ البداية، عندما تم سؤالي عن هذه الاحتجاجات كنت أقول إنني فخور جدا بها حيث كان الأتراك في الماضي ينزلون إلى الشوارع بسبب حقوق الإنسان أو بسبب أحداث قتل مبهمة. لكن الناس الآن ينزلون الشوارع لمنع قطع الأشجار”. فإن دل ذلك على شيء إنما يدل على ” إننا استطعنا أن نحول مشكلات الأتراك لمثل تلك المشكلات التي يعاني منها المواطنون في بريطانيا أو الولايات المتحدة”. فهذه الاحتجاجات منذ البداية اخذت شكل اعتصام محدود ضد إعادة تطوير الحديقة، لكنها سرعان ما تصاعدت وخرجت مُظاهرات خاصة من فئة الشباب تعبر عن غضبهم من حكومة أردوغان.

تركيا تعاني اليوم أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حيث فقدت الليرة أكثر من ثلث قيمتها أمام الدولار منذ أغسطس 2018، وبلغ معدل التضخم نحو 15.5%. إضافة إلى أن رصيد الديون الخارجية التركية أصبح من بين أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد، وفشلت الإجراءات الحكومية التي اتخذتها حكومة أردوغان في التحايل على الأزمة الراهنة، خاصة في ظل الإصرار على إبقاء بيرات البيراق “صهره” وزيرا للمالية، والتدخل في السياسية النقدية، وتبني إجراءات اقتصادية غير ملائمة لطبيعة السوق التركية الحالية، والتي منها تخفيض معدل الفائدة.

وارتفع عدد العاطلين عن العمل في الفئة العمرية بين 15 عاما فيما فوق بنحو 706 ألف شخص، كما ذكر التقرير أن معدلات البطالة في الفئة العمرية بين 14 و24 عاما سجل ارتفاعا مفاجئا بنحو 4.3 نقطة ليسجل 23.6 %.

وتشير بيانات البطالة لشهري أغسطس وسبتمبر الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية إلى ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل في الفئة العمرية 15 فيما فوق بنحو 266 ألف شخص مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق لتصل الى 3 ملايين و670 ألف شخص.

وبالتالي يشهد الاقتصاد التركي في ظل المؤشرات التي تنبأ بالانهيار، انكماشا غير معهود في السنوات الأخيرة، فالحد الأدنى للأجور في تركيا لا يكفي فردا واحداً وليس عائلة بأكملها.

وتأثر الأتراك سلبا بهذا الوضع الاقتصادي الكارثي ما دفع بعدد منهم إلى الإقدام على الانتحار كما ازدادت ظاهره الانتحار الجماعي وهو ما رصدته بعض وسائل الاعلام التي كشفت عن تزييف الأرقام التركية والتقارير التي تشير إلى معدلات إيجابيه في تحسن الاقتصاد ورفاهية المواطن التركي.

فالمواطن التركي أصبح مثقل بالأعباء الاقتصادية والديون، ولا يرى غير مستقبل مظلم خاصة بعد انخراط تركيا في بعض الصراعات الإقليمية وان البلاد اصبحت تشهد اضطرابات سواء فيما يتعلق بالأزمة السورية او بملف الحريات التي بات يتراجع تدريجيا مع تشديد القبضة الأمنية والقضائية في تركيا.

فعلى الرغم من أنه لا تزال هناك ثلاث سنوات على موعد حلول الانتخابات في تركيا، إلا أن الأجواء السياسية أصبحت مشحونة وبدأت تسخن شيئاً فشيئاً. فبعد هزيمه أردوغان أمام مرشح المعارضة في انتخابات البلدية 2013، أصبحت الوضع أكثر انفتاحاً لمرشحين المعارضة والاحزاب الجديدة التي بدأت بالانشقاق عن حزب العدالة والتنمية والتي أعلن فيها حزب المستقبل عن نفسه ولا زال حزب على بابا جان في طريقه للإعلان عن نفسه بدعم واضح من الرئيس السابق عبد الله جول، الذي لا نتوقع منه أن يخلي الساحة لهذا المنافس الجديد (أكرم إمام أوغلو) الذي بزغ نجمه بعد فوزه الكاسح في انتخابات البلدية.

ولأول مره يعلن جول موقفه المعارض من سياسات أردوغان في قضايا ستجعله على طرف النقيض من أردوغان وحزبه في كثير من القضايا الرئيسية. فالساحة الآن أصبحت مليئة بالمعارضة التي اتحدت فكرياً ضد أردوغان. فمن سيستمر حتى النهاية؟ وهل ستكون الانتخابات القادمة نهاية أردوغان؟ 

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى