الصحافة المصرية

“النصر ليس صدفة والهزيمة ليست قدرا”.. هكذا واجه نظام ” مبارك” الإرهاب

 ما حدث في أسيوط عام 1981 عندما اقتحمت مجموعة إرهابية مديرية الأمن هناك وقتلت 118، بينهم خمسة ضباط، و101 جندي، و12 مواطنا، كان بداية مواجهة نظام الرئيس الراحل محمد حسني مبارك مع الإرهاب في مصر وهي حرب كانت ذروتها في العشر سنوات الأولى من حكمه.

اقتحام مديرية أمن أسيوط كان بالأسلحة الآلية بعد صلاة عيد الأضحى وهدف للاستيلاء عليها ضمن مخطط السيطرة على الأماكن الحيوية في أرجاء الجمهورية، وعلى رأسها مبنى الإذاعة والتلفزيون، ثم إعلان سقوط النظام وتأسيس الجمهورية الإسلامية، وفشل المخطط بسبب عدم استطاعة باقي أعضاء تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد تنفيذ الخطة بعد ملاحقة الأمن لهم عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.

و في كتابه “فرسان تحت راية النبي” قال أيمن الظواهري إن ” تمرد 1981 كان محكوما عليه بالفشل ..فقد كانت انتفاضة “عاطفية” ذات نصيب متواضع من التخطيط.  

كان أول من تنبه لخطر الإرهاب

كان الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك أول من أدرك خطر الإرهاب وأول من استخدم مصطلح ” الإرهاب الدولي” الذي لم تنج منه أي من الدول.

ويعد مبارك أول رئيس بالعالم يدق ناقوس الخطر للمطالبة بعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب، ولذا لم يسلم من دعاة الإرهاب ورعاته وتابعيه طوال فترة رئاسته لمصر التي استمرت نحو 30 عاما.

وقد كانت أولى محطاته في مواجهة الإرهاب في 28 يناير  1986، عندما دعا الرئيس الأسبق مبارك إلى عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب.فكانت المبادرة التي  أطلقها في حديثه أمام الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في 28 يناير 1986 وتعُد أولى دعوات مكافحة الإرهاب عالميا.

وفي كلمته أمام مؤتمر القمة الإسلامي الخامس بالكويت، في 27 يناير  1987، أكد مبارك أن مصر نبهت منذ ما يزيد على عام إلى ضرورة التصدي لظاهرة الإرهاب والكشف عن دوافعها وآثارها السياسية والاقتصادية والنفسية.

وتلى ذلك أن أكد مبارك في المؤتمر الصحفي المشترك الذي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي -آنذاك- شيمون بيريز في القاهرة بتاريخ 7 ديسمبر 1995، أن الإرهاب ليس ظاهرة خاصة بدولة معينة ولكنها ظاهرة دولية. وفي 13 مارس  1996، أكد مبارك أن “العمليات الإرهابية يمكن أن تحدث في أي وقت ولا يمكن منعها 100%، وذلك عقب اجتماعات قمة صانعي السلام بشرم الشيخ”.و في كلمته أمام المؤتمر الطارئ لاتحاد البرلمانيين العرب بالأقصر   في 14 يناير  1998،  قال مبارك ، إن “الأنشطة الإرهابية تتعدى حدود الدول لنشر الرعب في المجتمعات الآمنة وتخرق القيم الإنسانية والقواعد الأخلاقية”.

وقال إن “ما يجرى من عمليات لمقاومة الإرهابيين لن يحل الأمر، وإن الوقت حان لتفعيل مبادرة مصر بعقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة للخروج بقرار ملزم لكل الدول وتلافى إيواء الإرهابيين وحصولهم على حق اللجوء السياسي مما يؤدى إلى انتعاش الإرهاب “.

أبرز العمليات الإرهابية في الثمانينات والتسعينات

  • في 8 أكتوبر 1981 حاول بعض المتطرفين السيطرة على محافظة أسيوط بجنوب مصر.
  • في يوم 4 فبراير 1990م تعرضت حافلة تقل سياحًا إسرائيليين لهجوم هو الرابع من نوعه منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. الهجوم نفذته حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وتسبب في قتل 9 إسرائيليين
  • وفي 12 أكتوبر  1990 حاول الإرهابيون اغتيال وزير الداخلية المصري وقتها عبد الحليم موسى لكنهم اغتالوا رئيس مجلس الشعب المصري رفعت المحجوب لاختلاط الموكبين.
  • في 17 نوفمبر  1997 نفذت عملية إرهابية  بمنطقة الدير البحري بمحافظة الأقصر جنوب مصر، وراح ضحيتها 62 زائرا متعددي الجنسيات، وأصيب أكثر من 26 زائرا آخر.
  • وأقال مبارك اللواء حسن الألفي وزير الداخلية آنذاك عقب مذبحة الأقصر 1997، وكان قد توجه لزيارة المدينة بعد الحادثة مباشرة مع لفيف من كبار رجال الدولة وكان من ضمنهم المشير طنطاوي وانتشر فيديو شهير له وهو يوبخ أجهزة الأمن التي رأى أنها مقصرة.

إرهاب التسعينيات

مع بداية التسعينيات بدأت المرحلة الثانية  “لا للارهاب” في مصر، عندما بدأت الجماعات الإسلامية التي عاد أفرادها من أفغانستان إلى مصر وبدأوا في التخطيط لشن عمليات واسعة ضد المصالح الحكومية أو المصالح الغربية.وأولى العمليات الكبرى لهذه الجماعات كانت حادثة اغتيال المحجوب.

حيث بدأت الجماعات الإسلامية الجهادية في مصر بقيادة أيمن الظواهري بشن هجمات على السياح الأجانب في مصر منذ عام 1993م.

وصل إجمالي عدد ضحايا العمليات الإرهابية ضد السياح في الفترة بين عامي 1993م و1996م إلى حوالي 170 قتيلًا عبر 11 عملية.

مذبحة الأقصر

مثلت مذبحة الأقصر عام 1997م   ذروة استهداف السياح في مصر عندما هاجم ستة رجال مسلحين متنكرين في زي رجال أمن مجموعة من السياح في معبد حتشبسوت بالدير البحري، ليتم قتل 58 سائحًا خلال 45 دقيقة.

وتسببت هذه الحادثة في الإضرار بالسياحة في مصر لفترة طويلة، كما أقيل وزير الداخلية حسن الألفي نتيجة لهذه العملية.وكانت هذه العملية هي آخر عمليات الجماعة الإسلامية التي أعلنت بعدها رسميا مبادرة وقف العنف وما تلاها من المراجعات الفقهية للجماعة.

وجاءت عملية “الأقصر” كعلامة على انتهاء – ما يمكن أن تطلق عليه – المرحلة الثانية للإرهاب في مصر. حيث بدأت المرحلة الأولى بخلية “الفنية العسكرية” في  أوائل السبعينات بقيادة صالح سرية تنظيم “التكفير والهجرة”. اما نهاية المرحلة الأولى فكانت حادثة اغتيال الرئيس السادات 1981.

ولم تأخذ العمليات الإرهابية حدتها مرأة أخرى إلا مع بداية العام 1990 حيث أصبح لجماعات العنف الإسلامية القادمة من أفغانستان دور جديد في  مصر وهو ما كشفت عنه المحاكمات المعروفة بـ”العائدون من أفغانستان” 1992، أو “العائدون من ألبانيا” 1999 .

لماذا توقفت العمليات الإرهابية بعد مذبحة ” الدير البحري”؟

شهدت مصر بداية السبعينات مرحلة تأييد للجماعات الدينية، وحرية تامة لجميع نشاطاتها في الجامعات والمدارس، والسبب في ذلك يعود إلى سياسة جديدة – وقت ذاك – اتخذها الرئيس السادات لكبح جماح المعارضة الشيوعية في المجتمع المصري وخلال عقد كامل تمكنت الجماعات الإسلامية من التغلغل داخل المجتمع المصري وكانت فترة صاخبة للعمليات الإرهابية في الثمانينيات وأوائل التسعينيات.

إلا أن أصوات التهدئة بدأت تجد مكانها لدى قادة هذه الجماعات بداية من العام 1993، وصلت الجماعة في عام 1995 إلى قرار داخل مجلس شورى الجماعة بإيقاف العمل العسكري للعجز وعدم القدرة، خصوصاً بعد القبض على أكثر من الف من عناصرها في القضية الشهيرة ب”طلائع الفتح”.

ولكن اقتناع القادة بمبادرة وقف العنف لم يبدأ إلا في عام 1997، ولم تتمكن الجماعة من إقناع الحكومة وعناصرها إلا خلال عام 2002.

ويمكن القول أنه ومنذ حادثة الأقصر أصبحت السلطات الأمنية في مصر على قدر كبير من الوعي والانتباه إلى كل أطراف معادلة العنف في مصر، أما أسباب توقف العمليات الإرهابية في مصر منذ العام 1997 فيمكن إرجاعها إلى أسباب كثيرة عدا عن المجهود الأمني وأهما أن أيمن الظواهري ونظراً لانضمامه في عام 1998 إلى “الجبهة العالمية لمحاربة اليهود والنصارى” مع أسامة بن لادن، فقد قرر الظواهري التوقف عن التحرك داخل مصر، لاقتناعه بصعوبة تحركه هناك، وقد أدى هذا إلى انضمام تنظيمه مع “القاعدة” وتغيير استراتيجية العمل لديهم لتصبح أكثر أممية.  

أجهزة الأمن أدركت المواجهات التنظيمية والعقائدية

  كانت خطة تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد طوال سنوات الثمانينيات معروفة لدى أجهزة الأمن المصرية، ولذلك كان تنظيم الجهاد يرى ضرورة التوغل داخل الجيش والشرطة تمهيدا لإجراء انقلاب عسكري على السلطة، فسافرت معظم كوادره إلي أفغانستان للتدريب علي فنون القتال وسبل التجنيد الاستخباراتية حتي يقوموا بتنفيذ خطتهم علي أكمل وجه.

ووضع الجناح العسكري للجماعة الإسلامية كشفا بأسماء 36 ضابطا من ضباط جهاز مباحث أمن الدولة العاملين في مجال النشاط الديني، جاء في مقدمتهم المسئول الأول عن هذا النشاط علي مستوي الجمهورية اللواء رءوف خيرت. وبدأت خلايا الجناح العسكري خطتها عام 92 باغتيال المقدم أحمد علاء مسئول النشاط الديني في الفيوم ثم المقدم مهران عبدالرحيم مسئول النشاط الديني في أسيوط وبصحبته نجله محمد الذي يبلغ من العمر ثماني سنوات.

إزاحة الستار عن خطة التمكين

 تمكنت الأجهزة الأمنية في أوائل التسعينيات من الكشف عما سمي في وقتها ” خطة التمكين” والتي عرفت إعلامياً بقضية “سلسبيل” التي تحمل رقم 87 لسنة 1992، وخطة التمكين التي تقع في ثلاث عشرة ورقة  ، ضبطت في منزل قيادي الجماعة المهندس خيرت الشاطر عام 1991.

 وتعتبر الوثيقة “هي أخطر وثائق جماعة الإخوان المسلمين السرية على الإطلاق، وهي – كما يشير عنوانها – تتعلق بخطة الجماعة من أجل الاستيلاء على الحكم؛ لأن معنى “التمكين” كما تقول الوثيقة بالحرف الواحد: هو الاستعداد لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة على إدارة أمور الدولة، وذلك لن يتأتّى – كما تؤكد الوثيقة – بغير خطة شاملة تضع في حساباتها ضرورة تغلغل الجماعة في طبقات المجتمع الحيوية، وفي مؤسساته الفاعلة مع الالتزام باستراتيجية محددة في مواجهة قوى المجتمع الأخرى والتعامل مع قوى العالم الخارجي“.

وعلى مدى عام كامل  كانت الدولة  تصارع جماعات العنف في أقصى صعيد مصر وفي قلب القاهرة، وكانت الفكرة هي الاكتفاء بكشف كل عناصر التنظيم ومخططاته والعمل بنظام الخطوة خطوة في تتبع هذه العناصر والمخططات، مع وضع كل شيء تحت السيطرة التامة عبر مراقبة جميع التحركات، فقرار المواجهة الشامل لم يكن قد حان اتخاذه بعد.

 ثم جاء  عام 1995 ليشهد أول  قضية عسكرية للإخوان التي كانت برقم 8/1995، 11/1995، والتي تم فيها رصد أول اجتماع كامل لمجلس شورى الجماعة بالصوت والصورة، وحصل فيه 85 متهما على أحكام تتراوح من 5 إلى 7 سنوات كان بينهم نجوم الصف الأول بالجماعة.

الأمن تعامل بحرفية

الدليل على كفاءة جهاز الأمن المصري في مواجهة الإرهاب أنه ومنذ حادثة “الأقصر” لم تشهد مصر أي عملية إرهابية نوعية حتى صبيحة 7 اكتوبر 2004.

انفجرت سيارة مفخخة أمام فندق هيلتون طابا – المكتظ بالسياح الإسرائيليين-، وكذلك انفجاران متزامنان في منتجعات سياحية قريبة. ويمكن اعتبار هذه الحادثة الإرهابية بداية لمرحلة ثالثة جديدة لم تكتمل ملامحها بعد. حيث قامت مجموعة من بدو سيناء يقودها فلسطيني متدين حديثاً يدعى إياد سعيد صالح بالتخطيط والإعداد لهذه العملية الإرهابية. وإياد صالح ليس الفلسطيني الأول الذي يرتبط بخلايا أصولية مصرية.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى