الصحافة المصرية

كيف نجح “مبارك” في ترميم العلاقات مع الدول العربية عقب “المقاطعة”

فتحت برقيات العزاء التي انهالت على مصر من الدول العربية، لنعي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك النافذة أمام دور الرئيس الراحل في عودة العلاقات العربية المصرية، والتي شابها بعض التوتر إثر توقيع مصر اتفاقية السلام، وتعليق الدول العربية عضوية مصر في جامعة الدول العربية عقب اجتماع بغداد الطارئ في نوفمبر 1978، واختيار تونس لتكون مقرا لجامعة الدول العربية بديلا عن القاهرة.

فعقب تولي مبارك الحكم استطاع أن يستعيد مقر الجامعة لأحضان القاهرة، وأن يستعيد الدور المصري في المنطقة العربية وتعميق التعاون المصري العربي وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، وأطلق على عهد مبارك “فترة عودة مصر للعرب، وعودة العرب إلى مصر“.

مبارك وعودة مصر لجامعة الدول العربية:

كان الدور العربي بارزا في تقديم الدعم لمصر خلال حرب أكتوبر 1973، والتي انتهت بتوقيع اتفاقية السلام؛ لكن عقب الحرب والمباحثات المصرية لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، اتسمت تلك المرحلة من العلاقات المصرية العربية بالتوتر، واتخذ الصف العربي موقفاً بالإجماع ضد الدولة المصرية، باستثناء بعض الدول كالصومال والسودان وعمان؛ ووصل الأمر لسحب السفراء وتعليق الرحلات الجوية ومقاطعة المنتجات المصرية وعدم التعامل مع الأفراد، ونقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس عقب الاجتماع الطارئ المنعقد في بغداد، وتعيين الشاذلي القليبي، أمينا عاما للجامعة.

ووسط تطورات إقليمية ودولية وعربية، تمكن الرئيس الأسبق مبارك من استعادة مقر جامعة الدول العربية إلى القاهرة مارس 1990، وذلك عقب الاجتماع الطارئ في الدار البيضاء المنعقد في مايو 1989، وهي القمة التي استكملت مخططات المصالحة العربية التي بدأتها قمة عمان في نوفمبر 1987، كما ساهم موقف رؤساء مجلس التعاون العربي الثلاثة الرئيس العراقي صدام حسين والرئيس اليمني علي عبد الله صالح والملك حسين ملك الأردن نحو اتخاذ قرار بعدم مشاركتهم في أي قمة عربية لا تحضرها مصر في عودة مصر لقلب جامعة الدول العربية، واستعادت مصر المقر الرئيسي لجامعة الدول العربية في قلب العاصمة القاهرة، وتولى عصمت عبد المجيد آنذاك منصب الأمين العام لجامعة الدول.

وجاء ذلك في إطار المحاولات العربية لمواجهة أوضاع الانفراط العربي الذي ظهر نتيجة ما شهدته المنطقة خلال سنوات 1987 و1988 و1989 منذ غزو إسرائيل للبنان وحصار بيروت وتشتيت المقاومة الفلسطينية في عدة دول؛ والتي صاحبها حرص مصري من قبل الرئيس الراحل مبارك على توطيد العلاقات مع الدول العربية، وانضمت مصر إلى “مجلس التعاون العربي” الذي تم تشكيله عام 1989 وضم كلا من مصر والعراق والأردن واليمن، ولكن لم تستمر أعمال هذا المجلس كثيرا وانحل بعد حرب الخليج الثانية وغزو الكويت عام 1990.

مبارك واستعادة مصر للريادة في المنطقة:

بدأ الرئيس الراحل محمد حسني مبارك منذ توليه رئاسة مصر في الفترة من (1981 – 2011)، بالعمل على ملفين مهمين هما: استعادة باقي أراضي سيناء، واستعادة مصر لدورها في الإقليم، وهو ما بنى عليه سياساته في إدارة البلاد، وحرص على تقديم رؤية لعملية السلام الداعمة للتسوية السلمية للصراع في المنطقة، والبحث عن تأسيس مشروع تنمية للسوق العربية المشتركة والاستثمار العربي المشترك، إضافة لتفعيل دور الجامعة العربية في لم الشمل العربي لمواجهة التحديات الدولية.

وتمثلت الأوضاع التي شهدتها المنطقة نقطة نحو إدراك العرب لحيوية الدور المصري في تحديد مسارات الصراعات والتحديات التي تواجهها البلدان العربية، وهو ما ساهم بشكل كبير في تسريع وتيرة عودة مصر للعرب.

الخطوات الدبلوماسية:

عمد الرئيس الراحل مبارك على تقوية العلاقات مع الدول العربية في كافة المجالات من خلال تبني سياسات من شأنها تعزيز التفاعل المصري على مستوى القضايا الإقليمية والدولية، من خلال الدخول في مجموعة الـ 15، والتي انبثقت عن القمة التاسعة لمجموعة عدم الانحياز في بلجراد بيوغوسلافيا في سبتمبر 1989، ومجموعة الـ 77، وهي تحالف مجموعة من الدول النامية والتي تأسست في 15 يونيو 1964، ومجلس التعاون العربي باعتباره  كيانا اقتصاديا يدفع باتجاه دعم الجهود الوحدوية الاقتصادية العربية نحو تحقيق التكامل الاقتصادي العربي والاندماج من خلال “السوق العربية المشتركة”، إضافة إلى انضمامها إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وعودتها للجامعة العربية، وانتسابها لمجلس التعاون الخليجي وقتها.

وركز الرئيس الراحل على إطلاق دعوة من أجل تكامل الاقتصاد العربي ودعم العلاقات الاقتصادية البينية، عبر مجلس التعاون العربي وطرح فكرة إنشاء منطقة تجارة حرة بين الدول العربية، كبوابة للتكامل والتعاون في مجال السياسة.

مبارك والتغيرات الإقليمية

شهدت مرحلة الثمانينيات تقاربا مصريا خليجيا، عبر توحيد الرؤى والمواقف لدعم العراق خلال حربه مع إيران والتي استمرت لثمان سنوات، واعتبار وقتها أن هذه الحرب أحد مصادر تهديد أمن الخليج منذ قيام ثورة إيران عام 1979.

وتصاعدت بعدها التوترات في الإقليم عقب رصد القاهرة تحركات عراقية لغزو “الكويت” وعملت جاهدة على إثناء صدام حسين على عدم القيام بهذه الخطوة، وانتهى الأمر في النهاية بغزو صدام للكويت، وتغيرت المنطقة العربية وقتها، وسعت مصر حينها على دفع بغداد للانسحاب، لما له من كلفة كبيرة على الأمن العربي، وليقين القاهرة أن العراق سيدفع ثمنا كبيرا من المجتمع الدولي جراء هذه الخطوة غير المحسوبة، وهو ما تم بالفعل بعد ذلك من حشد دولي تقوده الولايات المتحدة وتم دعمه عربيا لتحرير الكويت، بعدما فشلت كل المحاولات في دفع صدام للتراجع.

وساعدت مصر أيضا المملكة السعودية ضد تصاعد الحركات الإرهابية بها، وتعرضها للعديد من الهجمات في عام 2000، من خلال تقديم مصر للدعم الكامل للملكة من وضع خطط وحضور مؤتمرات لكيفية مواجهة تلك الجماعات؛ مما يشير للتعاون الأمني بين البلدين.

وجاءت القضية الفلسطينية على رأس أجندة القضايا المصرية ذات الاهتمام، حيث لعب مبارك دورا مهما في محادثات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، وطرح عدة مبادرات للسلام، على مدار سنوات حكمه، فقد شهدت سنوات حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك تطورات كثيرة وحادة، كانت البداية مع الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، والذي وصفه المحللون بأنه أعطى مضموناً عملياً لسياسة مصر المتوازنة التي لم تسمح لمعاهدتها مع إسرائيل أن تكون عبئا على التزاماتها العربية، فقد أدانت مصر هذا الغزو وقررت سحب السفير المصري من اسرائيل بعد وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا 1982.

 وأعقبها طرح مبارك خطته للسلام في عام 1989، والقائمة على مبدأ “الأرض مقابل السلام“، والتي تضمنت ضرورة حل القضية الفلسطينية طبقاً لقرار مجلس الأمن، وتبعها مشاركته في توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، والخاص بحق الفلسطينيين في الحكم الذاتي.

وأعقبها التأييد المصري لوثيقة “جينيف” بين الاسرائيليين والفلسطينيين باعتبارها نموذج سلام لتهدئة الأوضاع في المنطقة، وعلى صعيد المصالحة الوطنية الفلسطينية قامت مصر برعاية “الحوار الفلسطيني – الفلسطيني” لتوحيد الفصائل، وتحقيق الوفاق الداخلي الفلسطيني، والذي تتم استضافته في القاهرة في جولات متكررة منذ 11 نوفمبر2002. هذا إلى جانب المساعدات المادية والتدريبية للجانب الفلسطيني.

كما ساهم التقارب المصري السوري في تحقيق التمثيل العربي المناسب في مؤتمر مدريد الدولي حول الشرق الأوسط في ديسمبر1991، والذي جاء تحقيقاً لما دعت إليه مصر بعقد مؤتمر دولي باعتباره الصيغة الملائمة لبحث الجوانب المتعددة والمتشابكة للنزاع العربي الإسرائيلي.

واستخدام مبارك ثقل مصر الاقليمي وعلاقاتها الجيدة مع كل من دمشق وأنقرة آنذاك، في التوسط لإنهاء أزمة النزاع الحدودي التركي السوري، والتهديد التركي بالقيام بعمل عسكري ضد سوريا بزعم وقف الدعم السوري لحزب العمال الكردستاني عام 1998، فقام الرئيس الراحل مبارك بلقاء الرئيس الأسد في خمس قمم، والتي ساهمت في الحد من تصاعد التوتر وتوصل الجانبان السوري والتركي إلى اتفاق أمني أدى الى نزع فتيل الأزمة.

كما لعبت مصر دورا بارزا في محيطها الإقليمي في الصراع في دارفور والصومال، وهو ما جاء خلال أعمال القمة العربية المصغرة في ليبيا، في يناير عام 2007.

الدول العربية تنعي الرئيس مبارك وتنكس الأعلام:

وصفت الدول العربية الرئيس الراحل مبارك في نعيها له أنه “صاحب مواقف وطنية وتاريخية”، مما يضع نصب أعيننا  دوره في عودة مصر للعمق العربي منذ توليه الرئاسة، فأوضح بيان وزارة شؤون الرئاسة في الإمارات، أن الأمة العربية فقدت “قائداً بارزاً كرس حياته لخدمة وطنه وأمته العربية ورفعة شأنها عبر مواقف مشهودة من أجل تحقيق التضامن العربي”.، كما أشار البيان للعلاقات الوطيدة التي كانت تربطه ورئيس الدولة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

وأضاف البيان أن مبارك ساهم في عودة مصر إلى قلب الأمة العربية، مؤكداً على توطيد العلاقة بينه وبين “أخيه” الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة.

كما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة تنكيس الأعلام ليوم واحد حداداً على الرئيس مبارك، كما نعى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، للرئيس الراحل مبارك، مثمناً دوره في مكافحة الإرهاب.

وفي السعودية، أرسل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد محمد بن سلمان، برقية عزاء ومواساة للرئيس عبد الفتاح السيسي في وفاة الرئيس السابق مبارك.

وأصدر ولى عهد البحرين ونائب القائد الأعلى والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، قرارا بتنكيس الأعلام بجميع الدوائر الرسمية داخل المملكة وسفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية في الخارج، وبعث ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة برقية أعرب فيها عن تعازيه، وكذلك سلطان عمان هيثم بن طارق، كما أعرب أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، عن بالغ تعازيه.

ختاما

عودة مصر للصف العربي منذ تولي مبارك حكمه، دفع العديد من الكتاب لوصف تلك الحقبة وما تلاها من تاريخ مصر بأن مصر هي “الشقيقة الكبرى” للدول العربية، وهو ما جاء على لسان الكاتب محمد إسماعيل في كتابه “العلاقات المصرية الخليجية. معالم على الطريق”، موضحا الدور الريادي المصري في تحديد مسار وإيقاع العمل العربي المشترك والعلاقات الثنائية الفعالة.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى