
بعد مشاركة هي الأدنى منذ قيام الثورة الإيرانية.. قراءة في نتائج الانتخابات البرلمانية
أسدل الستار على الانتخابات البرلمانية الإيرانية التي جرت يوم الجمعة الماضي، بحصول التيار المتشدد على 81% من أصوات الناخبين، وأعلن وزير الداخلية الإيراني “عبد الرضا رحماني فضلي” نسبة المشاركة في عمليات الاقتراع والتي بلغت 42.57% وهي أدنى نسبة مشاركة في اقتراع مماثل منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979.
استبعاد الاف الاصلاحيين من الانتخابات
أستبعد مجلس صيانة الدستور الإيراني 9 الاف مرشح معظمهم من الاصلاحيين من 15 ألف مرشح تنافسوا على الانتخابات، حتى أن بعض الدوائر لا يوجد بها ولا مرشح واحد من الاصلاحيين، وقد هاجم “محمود واعظي” مدير مكتب الرئيس الإيراني “حسن روحاني” مجلس صيانة الدستور بسبب قرار الاستبعاد.
وبموجب الدستور الإيراني يُسند لمجلس صيانة الدستور مهام دراسة أهلية المرشحين والرفض أو الموافقة على خوضهم للسباق الإنتخابى والمصادقة على نتائجها، ولم يقتصر الاستبعاد على المرشحين وإنما امتد إلى نواب البرلمان الحالي، إذ أشارت وسائل اعلام إيرانية إلى أن مجلس صيانة الدستور استبعد 90 نائبا في البرلمان الحالي “أي ثلثه” بدعوى الفساد، بينما أكدت صحف إصلاحية أن أغلبهم ينتمي للتيار الإصلاحي ومن المنتقدين للأوضاع السياسية بشكل علني، وعلى رأسهم النائبين “محمود صادقي” و “علي مظهري”.
وقد أصدر المجلس الأعلى للسياسات في التيار الإصلاحي، بياناً أعترض فيه على ما قام به مجلس صيانة الدستور، وكشف فيه عن استبعاد قرابة 90% من مرشحيه المعروفين، محذرًا من خطورة هذا الإجراء معتبرًا أن تلك الخطوة ستؤدي إلى ارتفاع الاحباط وعدم الثقة بين الإيرانيين من جهة، واتساع الهوة بين السلطة والشعب من جهة أخرى، وهو ما سيؤدي إلى عجز المؤسسات الحاكمة، وهو ما يراه أكبر تهديد للمصالح الوطنية الإيرانية.
وقرر المجلس عدم طرح أي قائمة انتخابية في العاصمة طهران بسبب اقصاء أغلب مرشحيه، مؤكدا أنه يحترم قرار الأحزاب المنضوية تحت عباءته في خوض السباق الانتخابي بشكل منفرد دون الانتماء إليه، ووفق النتائج الرسمية، فشل جميع المرشحين عن قائمتي حزب “كوادر البناء” و”تحالف من أجل إيران” الإصلاحيتين في طهران الذين اختاروا خوض السباق التشريعي خارج إطار قرار المجلس، وحصل أعضاء “مجلس التحالف للقوى الثورية” بزعامة “محمد باقر قاليباف” على جميع مقاعد العاصمة وعددها 30 مقعد من أصل 290.
مهام البرلمان الإيراني
يعد مجلس الشورى الإسلامي “البرلمان الإيراني” احدى السلطات التشريعية الـ 4 في إيران وهي (مجلس صيانة الدستور – مجلس الخبراء – مجلس تشخيص مصلحة النظام – البرلمان)، وينتخب أعضاء البرلمان باقتراع مباشر كل 4 سنوات، وتتمثل مهامه في مناقشة حطط وأعمال الحكومة والمصادقة عليها ومناقشة أي جدول أعمال مقدم من 15 عضوًا على الأقل، بجانب المناقشة والمساءلة في جميع الشؤون القومية.
كما يختص البرلمان بالتصويت على منح أو سحب الثقة من الوزراء أو أي موظف حكومي، وسحب الثقة من الرئيس على أن تحسم السلطة العليا في البلاد الموضوع، وكذلك الموافقة على إحداث تغييرات طفيفة في الخط الحدودي للبلاد بشرط موافقة ثلاث أرباع المجلس مع اعتبار الممصالح القومية.
ويحق للبرلمان المصادقة على جميع المعاهدات والبروتوكولات والعقود والاتفاقيات، والموافقة أو الرفض على طلب الحكومة بإعلان أحكام الطوارئ لمدة لا تزيد عن 30 يومًا، وفي حال حدوث خلاف بين مجلس البرلمان ومجلس صيانة الدستور يتم حل الأمر من خلال مجلس تشخيص مصلحة النظام.
والجدير بالذكر أن الانتخابات البرلمانية تمت بالتزامن مع الجولة التكميلية الأولى لمجلس خبراء القيادة، وهو المجلس الذي يتمتع بنفوذ قوي في قيادة العملية السياسية الإيرانية، وتعد مهامه هي اختيار المرشد الأعلى حال فراغ المنصب، بحسب المادة 107 من الدستور الإيرانى، وخلعه إذا ثبت عجزه عن أداء واجباته بحسب المادة 110، وقد قام أعضاء المجلس بهذا الدور مرة واحدة فقط، وذلك حينما اجتمعوا فورا فى أعقاب وفاة “آية لله الخمينى” ليختاروا “آية الله على خامنئى” خلفًا له عام 1989، ويضم مجلس الخبراء 88 عضوًا، من رجال الدين ممن يعرف عنهم التقوى والعلم يتم اختيارهم بالاستفتاء الشعبي المباشر لدورة واحدة كل ثمانى سنوات.
عملية الاقتراع وانخفاض نسبة المشاركة
أجريت الانتخابات في 55 ألف مركز اقتراع بـ208 دائرة انتخابية بمختلف أنحاء البلاد، تحت إشراف أكثر من مليون مراقب، ويحق لـ57 مليونا و918 ألف مواطن من بين إجمالي عدد السكان البالغ 83 مليونا التصويت في الانتخابات التي يتنافس فيها 7148 مرشحًا على 290 مقعدًا في البرلمان، وقد مددت وزارة الداخلية فترة التصويت عدة مرات في عموم المحافظات الإيرانية، وصرح الزعيم الديني “أية الله علي خامنئي” أن المشاركة في الانتخابات واجب ديني، ورغم ذلك بلغت نسبة التصويت 42.57%.
وعلق وزير الداخلية الإيراني “عبد الرضا رحماني فضلي” على النسبة المنخفضة في خطاب تلفزيوني بأنها “مقبولة تمامًا”، مشيرًا إلى أنه تم تنظيم الانتخابات في ظل سوء الأحوال الجوية وظهور حالات فيروس كورونا وسقوط الطائرة الأكرانية وما تلاها من اندلاع مظاهرات مناهضة للسلطة، وقيام موجة احتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود نوفمبر الماضي.
وأعلن “إسماعيل موسوي” المتحدث باسم هيئة الانتخابات الإيرانية، عن حصول التيار المحافظ على 81% من الأصوات بعدد مقاعد بلغ 221، وحصد الاصلاحيون 6% من الأصوات بـ16 مقعد، والمستقلون 13% بـ34 مقعد، مقارنة بنسبة 31% للمحافظين و 43% للأصلاحيون في الانتخابات البرلمانية الماضية في 2016، وهي النتائج التي أدت إلى اختطاف المشهد السياسي على يد المرشد والمحافظون، وتحميل الرئيس الإصلاحي “حسن روحاني” مسؤولية العقوبات الاقتصادية لتفاوضه مع الغرب على الاتفاق النووي.
لماذا عزف الإيرانيون عن المشاركة؟
تعد الانتخابات الحالية هي الأولى بعد مقتل عدد من المحتجين في المظاهرات الإيرانية التي أندلعت في نوفمبر الماضي احتجاجًا على تحريك أسعار الوقود، وتجديد الولايات المتحدة الأمريكية لعقوباتها الاقتصادية القاسية بسبب البرنامج النووي الإيراني، وعدم رضا الناخبين عن الحكومة الحالية بسبب فشلها في النهوض الاقتصادي بالبلاد من جهة وفشلها في التعامل مع الأزمات من جهة أخرى.
ويمكن تقسيم أسباب عزوف الناخبين الإيرانيون إلى جزئين، الجزء الأول: الأسباب الداخلية ويتضمن النقاط التالية:
– قتل قوات الحرس الثوري ما يزيد عن 1000 متظاهر واصابة عشرات الالاف واعتقال أكثر من 7 الاف أخرين، ويعد هذا الأمر السبب الرئيسي لعزوف الناخبين عن لجان الأقتراع، لعدم ثقتهم في القيادة الإيرانية نتيجة التعامل الأمني مع المتظاهرين الذي نزلوا إلى الشوارع في 15 نوفمبر الماضي احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية، ورفع أسعار البنزين 3 أضعاف.
– التدهور الاقتصادي، نتيجة العقوبات الاقتصادية الأمريكية بعد انسحابها من الاتفاق النووي، التي أدت إلى ارتفاع كبير في نسبة التضخم وغلاء الأسعار وارتفاع نسبة البطالة، وهو الأمر الذي أدى لمواجهة الكثير من الإيرانيين صعوبات في توفير احتياجاتهم الأساسية، وفشل الحكومة الإيرانية في تخفيف تبعات هذه العقوبات أو مواجهتها، وبالتالي خسرت الحكومة رصيدها الاجتماعي في الشارع الإيراني.
– استبعاد الاصلاحيين، أدت عملية الاقصاء الجماعي وحرمان الاف المعتدلين من الترشح للانتخابات الحالية لعدم استيفائهم الشروط الصارمة التي أقرها مجلس صيانة الدستور، إلى حالة إحباط عام عند الإيرانيين وتراجعهم عن المشاركة في عمليات الاقتراع.
أسباب خارجية
– التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية واسقاط الطائرة الأوكرانية، كادت المناوشات بين طهران وواشنطن خلال الشهور السبعة الأخيرة أن تطور إلى حرب بينهما، وتحديدًا بعد اغتيال قائد فيلق القدس “قاسم سليماني” الذي أثار موجة حزن في البلاد، بجانب اسقاط طائرة الركاب الأوكرانية وأسفرت عن مقتل 176 شخصًا، والنفي الرسمي عن مسؤولية طهران عن اسقاطها قبل أن تقر بعدها بأيام بأنه كان “خطًا بشريًا” وهو أدى لتصاعد الغضب الشعبي، وولد خوفًا لدى أعداد كبيرة من المواطنين من تطور الأمور مع كلا البلدين.
الإدارة الأمريكية ليست بعيدة عن المشهد
عشية الانتخابات الإيرانية، فاجأت واشنطن طهران بعقوبات جديدة شملت 5 أشخاص إيرانيين، على رأسهم رئيس مجلس صيانة الدستور “أحمد جنتي”، والمتحدث باسم المجلس “عباس على كدخدائى” ورئيس مجلس خبراء القيادة الإيرانية “محمد يزدي”، و”محمد حسن صادقي مقدم”، و”سيامك ره بيك” وجميعهم أعضاء في لجنة الإشراف على الانتخابات.
وقال “براين هوك” المبعوث الامريكي للشئون الايرانية، ان اعضاء المجلس يحرمون الشعب الايراني من انتخابات حرة ومنصفة، مضيفًا “بالنسبة إلى الانتخابات (البرلمانية) فقد تم حرمان أكثر من 7 آلاف شخص من الترشح، ونزعت أهلية مشاركة 70 نائباً حاليين من الترشح مجدداً، وعندما احتج الإيرانيون على رئاسة جنتي قام الأخير بمدح النظام وحث السلطات على القيام بمزيد من الإعدامات لإسكات الأصوات المعترضة وقمع الاحتجاجات”، وبموجب العقوبات الأخيرة تجمد العقوبات ممتلكاتهم ومصالحهم في أمريكا، وتحظر أي معاملات معهم.
ملامح المرحلة القادمة
في ظل سيطرة تيار المحافظين على البرلمان القادم، فإنه من المتوقع أن يكون البرلمان على غير وفاق مع الرئيس “حسن روحاني” المحسوب على الإصلاحيين ويتعرض للكثير من الضغوط البرلمانية، وقد تنتهي الأمور إلى قدوم رئيس ينتمي إلى التيار المحافظ، على غرار قدوم “أحمدي نجاد” عام 2005 عقب سيطرة المحافظين على البرلمان عام 2004.
كما أنه من المتوقع أن يرأس “محمد باقر قاليباف” الذي فازت قائمته بجميع مقاعد طهران، البرلمان القادم وهو أحد جنرالات الحرس الثوري وكان مرشحًا للرئاسة أمام “روحاني” في انتخابات 2017 وانسحب لمصلحة مرشح المحافظين “إبراهيم رئيسي” والذي خسر هو الاخر، وقد يستغل “قاليباف” منصبه للانتقام من روحاني وتفعيل المادة الخاصة بالكفاءة السياسية للرئيس التي ينص عليها الدستور، ونزع الثقة من “روحاني” على غرار الرئيس الإيراني الأسبق “بني صدر”، دون الانتظار لنهاية ولاية “روحاني” في 2021.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، فمن المتوقع أن العلاقات مع الولايات المتحدة ستتجه للتصعيد، ويقضي البرلمان الإيراني على أي فرصة للحوار المباشر مع واشنطن، وستبقى السياسة الخارجية مع الدول الأوروبية كما هي دون تغيير، وفيما يخص العلاقات مع روسيا والصين فمن المتوقع أن تشهد المرحلة القادمة حراكًا برلمانيًا للتوجه نحو الكتلة الشرقية أكثر من ذي قبل، بجانب الضغط على الترويكا الأوروبية وحثها على الوفاء بالتزاماتها في الاتفاق النووي.
باحث أول بالمرصد المصري