
ختان الاناث في مصر: جهود حثيثة ونتائج غير مرضية

في انتهاك صارخ لحقوق الطفل، شهدت قرية الحواتكة بمحافظة اسيوط ضحية جديدة تبلغ من العمر اربعة عشر عاما، بعد وفاتها جراء تعرضها لصدمة عصبية اثناء خضوعها لعملية الختان، وذلك بعد ان اصرت اسرتها علي التشبث بتلك العادة الذميمة التي يحاربها الدين و القانون.
والجدير بالذكر فليست “ندى” هي أول فتاة مصرية تتوفى جراء هذه الجراحة المجرّمة قانونا، لكن قضيتها تسلط الضوء من جديد على هذه الظاهرة المنتشرة منذ عقود، رغم جهود حكومية وحملات توعية دينية وعلمية، وتغليظ للعقوبات.
ما هو ختان الاناث؟

ختان الاناث وفقًا لمنظمة الصحة العالمية هو ” تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية” والمعروف بممارسة القطع الجزئي او الكلي للأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد الاجتماعية.
وهي ممارسة محرمة لما تحدثه من تليفات وندبات واورام، كما ينتج عنها اعاقات مختلفة في الوظائف الحيوية للأعضاء التناسلية مدى الحياة. وعلى المستوي النفسي فتجربة الختان تُكَون في ذاكرة اغلب النساء ذكرى مريرة وقاسية، تُرسخ لديها افكارًا وصورًا نمطية غير ايجابية عن الذات.
جذور ممارسة الختان
من المؤكد تاريخيًا ان تلك الممارسة لها جذور افريقية، ووردت الي مصر من خلال علاقات مصر التاريخية والتجارية بالمناطق الافريقية التي تمارسها. ولذلك، لا يزال الانتشار الكبير لتلك العادة في 30 دولة بقارة أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا – والمهاجرين من هذه القارات – وهى المناطق التي يتركز فيها ختان الإناث، وذلك وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف.
ختان الاناث في الاديان السماوية

بعد الواقعة الجديدة للطفلة “ندي“، جددت دار الإفتاء المصرية موقفها الشرعي من ختان الإناث بتأكيدها، أنه حرام شرعا، بل و يمثل اعتداء وانتهاكًا لجسد المرأة. وشددت بأنه لم يرد نصًا شرعيًا يأمر المسلمين بختان بناتهم، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بختان بناته الكرام.
وبالنظر الي باقي الأديان السماوية فلا يوجد اصل لختان الاناث في الكتب المقدسة للأديان التوحيدية كافة ورغم ذلك فالجدل الديني بشأنه لم ينقطع بمؤيدٍ ومعارضٍ، وبمرور الوقت اكتسب ختان الاناث صبغة شرعية ودينية، تستمد قوتها من اقتناع الممارسين له بأهميته كواجب ديني واخلاقي يحتمهم من التمسك بها كعادة راسخه في المجتمع.
احصائيات دولية
تنتشر هذه الظاهرة في عدة دول بشمال وغرب ووسط إفريقيا، فضلاً عن بعض الدول الإسلامية كاليمن والعراق وإندونيسيا.
وبحسب تقديرات الامم المتحدة تتعرض واحدة بين كل 20 فتاة وامرأة لشكل من أشكال الختان، ويعني ذلك أن هناك ما يقرب من 200 مليون أنثى تعيش اليوم تعرضت لتغيير أو استئصال كل أعضائها التناسلية الخارجية أو بعض منها.
كما تشير التقديرات بأن في عام 2020 وحده، هناك أكثر من 4 مليون فتاة في كل أنحاء العالم معرضات لمخاطر ممارسة ختان الإناث.
معدلات انتشار ممارسة الختان في مصر
طبقًا لنتائج المسح السكاني الصحي المصري لعام 2014، فان المعدل العام لانتشار ممارسة الختان في مصر للنساء في العمر الانجابي (15-49) عام، حوالى 92%، بينما تقل وسط الفتيات الصغيرات في الفئة العمرية من (15-17) عام لتصل لحوالي 61%.
أما عن العمر الذي ينتشر فيه ختان الاناث، فلوحظ أن اكثر من 75% من حالات الختان تتم للفتيات في العمر من 9-12 عام، و14% للفتيات الاصغر من 7 سنوات، وهذا يشير الي ان غالبية الاسر المصرية تختن بناتها قبل سن البلوغ، أي ان متوسط السن الذي تتم فيه غالبية حالات ختان البنات هو في سن العاشرة، ولا تميل الاسر المصرية لختان الاناث في وقت مبكر، وذلك اعتقادًا منهم انها لو اختتنت في هذه السن المبكرة ربما تحتاج الي ختانها مرة اخري عندما تكبر وذلك لنمو اعضائها التناسلية مرة اخري.
الاشخاص المعنية بعملية الختان
وفقًا للمسح السكاني الصحي المصري لعام 2014، فان 82% من عمليات الختان يقوم بإجرائها اشخاص مدربون يعملون في المجال الطبي، وباقي النسبة قامت بها ما تسمي بالداية وهذه النسبة منتشرة اكثر في محافظات الحدود وريف الوجه القبلي عنها في المناطق الاخرى .
جهود حثيثة متوالية لمناهضة ختان الاناث

شهدت بدايات ومنتصف القرن العشرين روادًا في الدين والفكر والطب يناهضون ختان الاناث، وكانت اولي تلك المناهضات هي فتوي الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية عام 1949م، بأنه ليس في الختان خبر يرجع اليه ولا سنه تُتبَع.
وفي هذا السياق، تدخلت الدولة المصرية لأول مرة في قضية ختان الاناث في خمسينات القرن الماضي، وذلك مع اول قرار لوزير الصحة عام 1959، بمنع الاطباء من ممارسة ختان الاناث.
ولاحقًا، تم اجراء اول بحث وطني ضمن المسح السكاني الصحي الصادر من وزارة الصحة لعام 1995 والذي اوضح ان معدل انتشار ختان الاناث وسط السيدات من 15-49 عام حوالي 97%.
وقد ساهمت تلك الجهود في تغيير مؤشرات ختان الاناث ونجحت الجهود الحكومية والاهلية والدولية في تحقيق انخفاض في المؤشرات القومية الخاصة بممارسة ختان الاناث بين الاجيال الجديدة من عمر (15-17) الي 61% بحسب بيانات المسح السكاني الصحي لعام 2014. بالإضافة الي تجريم ختان الاناث في القانون المصري عام 2008، ( المادة 242 مقرر من قانون العقوبات).
الاستراتيجية الوطنية لمناهضة ختان الاناث 2016-2020
تهدف الاستراتيجية الوطنية لمناهضة ختان الاناث، الي خفض معدلات ممارسة ختان الاناث بنسبة 10 الى 15%، وسط الاجيال الجديدة في الفئة العمرية من 0-19 على المستوي الوطني، من خلال دعم مناخ سياسي واجتماعي وثقافي لتمكين الاسرة المصرية من اتخاذ قرار بعدم ختان بناتها.
محاور الاستراتيجية
- انفاذ قانون تجريم ختان الاناث وتفعيل القرارات الوزارية بشأنه والالتزام بإنفاذ الاتفاقيات الدولية التي تناهض ممارسة ختان الاناث وموائمتها مع السياسات والقرارات الوزارية والتقارير المحلية والدولية.
- تغيير ثقافي اجتماعي داعم لحقوق الطفل والمرأة والاسرة بإطلاق الاستراتيجية الاعلامية لمناهضة الختان ودعم الشراكة مع رجال الدين والمؤسسات الدينية لتعزيز التوعية ضد تلك الممارسات العنيفة.
- تقييم برامج تمكين الاسرة ومناهضة ختان الاناث وتعميم نظام للمتابعة يضمن جودة ووقتية تحقق النتائج.
فجوات حالية تعيق انخفاض مؤشرات الختان
تمثل ظاهرة “تطبيب الختان” التي لا تزال مستمرة رغم جهود الدولة في مكافحتها اكثر الفجوات التي تعيق انخفاض مؤشرات الختان ، هذا الأمر الذي دفع المشرع المصري، إلى إصدار القانون رقم 78 لسنة 2016، وإضافة مادة جديدة بمعاقبة كل من قام او طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على ذلك لأول مرة في القانون، أي أن الأب والأم والطبيب أيضاً معاقبون إذا تم الختان ورغم وجود القانون و تغليظ العقوبة الا انه يحتاج الي التفعيل والتنفيذ.
علي الصعيد الاخر فإن الخطاب الديني ( في وسائل الاعلام) يشكل عائقًا ايضًا في القضاء علي الظاهرة لأنه غير موحد على رفض الختان علاوة علي ذلك ضعف الحملات الاعلامية وحملات السوشيال ميديا عن تلك الممارسة.
وختامًا فقد شاب ظاهرة ختان الاناث الكثير من المفاهيم الخاطئة والآراء الغير صحيحة والتي ساعدت علي انتشارها، لذلك فان وقف هذه الجريمة يحتاج الي شراكة حقيقية بين جميع جهات الدولة وفي مقدمتهم منظومة العدالة بكل مكوناتها حتي يتخلص المجتمع من هذه الظاهرة الذميمة التي تشكل اعتداء جسيم علي النساء المصريات وحقوقهن وكرامتهن الانسانية.
باحثة ببرنامج السياسات العامة