
أربعة محاور.. مشاركة “القاهرة” في أعمال قمة “بريطانيا – أفريقيا” للاستثمار
تحولت السياسة الخارجية البريطانية عقب قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، والترويج لنفسها من خلال الدولة الداعمة للتنمية المستدامة “النظيفة”، من خلال العمل على بناء شراكات وخلق دبلوماسية وبناء قوة ناعمة والانفتاح التجاري والاقتصادي لها وزيادة الاستثمارات المنفردة، من خلال بناء علاقات جادة مع الحكومات الإفريقية، وخاصة الدول الإفريقية داخل الكومنولث باعتباره الفرصة الأكبر لبريطانيا، ووجدت المملكة المتحدة في إفريقيا السوق الواعد في ظل وجود أسرع الاقتصاديات نمواً في العالم، وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تركز فعليًا على القارة من 4% فقط كما جاء في تقرير “مجموعة السياسة الخارجية البريطانية” إلى أن تصبح أكبر مستثمر لمجموعة السبع في أفريقيا بحلول عام 2022؛ وعليه انتهجت المملكة المتحدة نهج الدول الكبرى كاليابان وروسيا والصين وألمانيا في عقد قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية بمشاركة 21 دولة إفريقية المنعقدة في لندن.
ووجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الدعوة للرئيس عبد الفتاح السيسي، في منتصف ديسمبر الماضي لحضور قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية، كما صرح السفير جيفري آدامز، السفير البريطاني لدى القاهرة، والذي بدوره عقد لقاء مع الشركات البريطانية فى مصر، في إطار الاستعداد لقمة الاستثمار البريطانية الأفريقية، وذلك في ضوء استيعاب المملكة المتحدة بدور مصر والانفتاح على الاستثمار الذي انتهجته في ظل رئاستها للاتحاد الإفريقي، باعتبارها بوابة القارة الإفريقية، وفي ضوء ما حققته مصر من تقدماً كبيراً خلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي في مجالات عدة وعلى رأسها التجارة والاستثمار، وهو ما صرحت به إيما وايد سميث مفوضة ملكة بريطانيا للتجارة مع أفريقيا.
رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي وتنمية القارة السمراء
السيسي: أربعة محاور لتنمية القارة
اعتادت الدولة المصرية وعلى مدار العام الماضي خلال مشاركتها في القمم الإفريقية الدولية للدعوة إلى وضع خطة تنفيذية لتحقيق أجندة مصر للتنمية المستدامة 2063، من خلال الاستثمار في البينة التحتية والتحول الرقمي وتمكين المرأة والشباب ودعم الشراكة مع القطاع الخاص والترويج للاستثمار في القارة الإفريقية في ضوء دخول اتفاقية التجارة الحرة حيز التنفيذ.
واستمراراً لدور مصر الريادي في تنفيذ استراتيجية التنمية المستدامة، أشار الرئيس عبد السيسي في كلمته الافتتاحية أمام أعمال قمة بريطانيا – إفريقيا للاستثمار إلى التحديات التي تواجهها القارة وكيفية مواجهتها من خلال التعاون الدولي والشراكة مع القطاع الخاص.
وأكد السيسي على دور قمة الاستثمار البريطانية – الأفريقية 2020، في تنمية إفريقيا، والتي تستهدف دعم البلدان الأفريقية نحو تحقيق الأهداف الإنمائية، والتي حددها جدول أعمال التنمية 2023، وكذلك أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030.
وتتزامن أعمال القمة مع التحديات العابرة للحدود وسط النزاعات المسلحة وفي ظل ظروف غير مستقرة أدت لانتشار الإرهاب، وتسببت في تزايد أعداد الهجرة غير الشرعية؛ مما يؤثر على الجهود المبذولة لتحقيق تنمية مستدامة شاملة في أفريقيا، مما يتطلب وضع أطر تعاون مستقبلية لتجنب تلك المخاطر على القارتين الإفريقية والأوروبية، من خلال طمانة المستثمرين لضخ المزيد من الاستثمارات المباشرة في البلدان الأفريقية، حيث أكد السيسي على انفتاح البلدان الإفريقية للتعاون مع جميع الشركاء، بما في ذلك المملكة المتحدة، في إطار المحاور الأربعة التي تم تحديدها في جميع أنحاء القارة السمراء وهي:
أولا: تعزيز مشاريع البنية التحتية التي تهدف إلى تحقيق التكامل داخل القارة من خلال ربط الطرق الرئيسية والسكك الحديدية والاضطلاع بمشاريع الطاقة المتجددة. ثانياً: تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية.
ثالثا: معالجة الدور الرئيسي للقطاع الخاص المحلي في تحقيق التنمية من خلال تعميق أطر الشراكة.
رابعا: تمكين النساء والشباب الأفريقيين من خلال خلق فرص عمل وشحذ مهاراتهم.
نشاط السيسي في لندن
التقى الرئيس السيسي ورئيس وزراء موريشيوس، برافيند كومار جوجناوث، على هامش أعمال القمة، أكد خلالها على حرص مصر على تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، لا سيما التبادل التجاري وتوفير الدعم الفني وبناء القدرات، كما اشاد رئيس وزراء موريشويس بموقف مصر الداعم لقضايا بلاده الإقليمية والدولية من خلال رئاستها للاتحاد الافريقي.
كما التقى الرئيس السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيلكس تشيسيكيدي، وأكد خلالها السيسي على حرص مصر على الارتقاء بمستوى التنسيق والتشاور الثنائي بين البلدين، فضلاً عن الاستمرار في تقديم كافة أوجه الدعم والمساعدات الممكنة للكونغو الديمقراطية، وأشاد تشيسيكيدي بالدور البارز بقيادة الرئيس خلال عام رئاسة مصر للاتحاد الافريقي في تعزيز العمل الافريقي المشترك والمساهمة في تحقيق التنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي لدول القارة وطرح الشواغل الافريقية ومبادرات التعامل معها علي كافة المحافل الدولية، مما اكسب قضايا القارة قوة دفع واهتمام دولي لافت، وعلى جانب الدولة أشاد بدور مصر في حفظ السلام والاستقرار في الكونغو، إلى جانب التأكيد على مساندة مصر في ملف المياه.
وأكد لقاء وزير الخارجية سامح شكري ووزير خارجية بريطانيا دومينيك راب، على هامش انعقاد القمة، على التأكيد على دور مصر كبوابة أوروبا للاستثمار في إفريقيا، حيث تناول اللقاء تطلُع مصر لاستطلاع آفاق التعاون الثلاثي مع بريطانيا في أفريقيا، لاسيما على ضوء رئاسة مصر الحالية للاتحاد الأفريقي، وبما يخدم مصالح شعوب القارة نحو الرخاء والتنمية.
أهمية مصر للمملكة المتحدة في قمة بريطانيا إفريقيا للاستثمار
ترى المملكة المتحدة في مصر واحدة من الأسواق الرئيسية في قارة أفريقيا، وهذا ما أكدت عليه إيما وايد سميث مفوضة ملكة بريطانيا للتجارة مع أفريقيا، ووصفتها بأنها الأكثر جذباً للاستثمار المباشر بالنسبة إلى المملكة المتحدة.
كما تعد مصر من أهم أعضاء دول الكوميسا، والتي بدورها عقدت العديد من الاتفاقات الاستثمارية، ومنذ توليها رئاسة الإتحاد الإفريقي استضافت العديد من المنتديات الاقتصادية التي ساهمت في زيادة الاستثمارات.
وبحسب تقرير الهيئة العامة للاستعلامات فإن بريطانيا تعد خامس أكبر اقتصاد في العالم، حيث وصلت قيمة الاستثمارات البريطانية في أفريقيا إلى أكثر من 38 مليار جنيه إسترليني عام 2018، وزادت نسبة التجارة بين بريطانيا وأفريقيا 7.7% عام 2019.
مسارات جديدة للعلاقة البريطانية الإفريقية
وصف فيليب برهام، المبعوث الخاص لقمة الاستثمار البريطانية الأفريقية، قمة الاستثمار البريطانية – الأفريقية بأنها ستمثل خطوة نحو تغيير وتركيز وفعالية الشراكة البريطانية الإفريقية، والتي تأتي بعنوان “شراكة تبني مستقبلاً أفضل للجميع”.
وتناول رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في كلمته الافتتاحية خلال أعمال القمة، أهمية القارة الإفريقية للمملكة المتحدة، وعليه ستتغير السياسات في التعامل مع ملفات الهجرة من خلال وضع برنامج سيسهم في القضاء عليها من خلال تطبيق اطر العدالة والمساواة وفتح الباب أمام أبناء القارة للسفر، والاستثمار والشراكة البريطانية الإفريقية والاستثمار في الطاقة النظيفة، مؤكداً على اعتبار القارة الإفريقية شريك أساسي في مجالات التجارة والتعليم والتكنولوجيا.
وأضاف برهام أن القارة السمراء تعد سوقاً ضخماً فبحلول عام 2050 سيعيش أكثر من ملياري شخص في إفريقيا، وسيكون واحد من كل 4 مستهلكين عالميين من إفريقيا، وبالتالي ستعمل القمة على تسخير إمكانات القارة وإقامة شراكات جديدة دائمة توفر مزيدًا من الاستثمار والوظائف والنمو وتفيد الأفراد والشركات في جميع أنحاء إفريقيا والمملكة المتحدة.
وأشار أن المملكة المتحدة بالفعل مستثمر رائد في أفريقيا، ففي عام 2018 قامت مؤسسة تمويل التنمية في المملكة المتحدة CDC باستثمارات تدعم أكثر من 370 ألف وظيفة في جميع أنحاء إفريقيا، ومنذ عام 2002 استثمرت مجموعة تطوير البنية التحتية الخاصة بالمملكة المتحدة أكثر من 1.95 مليار جنيه إسترليني في 146 مشروعًا للبنية التحتية في جميع أنحاء إفريقيا. وتبلغ قيمة استثمارات المملكة المتحدة في إفريقيا 38 مليار جنيه إسترليني في عام 2018.
وتتمثل الاستثمارات البريطانية في إفريقيا في خلق فرص عمل مستدامة، وتعزيز الوصول إلى التعليم، وتحسين الخدمات العامة، ومنح الشباب الفرصة لتشكيل مستقبلهم، إلى جانب الدعم في مجال التكنولوجيا والابتكار، إلى جانب توافد الخبرات من المملكة المتحدة لتمكين البلدان الأفريقية من جمع الأموال من الأسواق الدولية بعملاتها الخاصة، مما يعني إمكانية جذب استثمارات طويلة الأجل قيمة مع حمايتهم من تقلبات أسعار الصرف مرة أخرى.
ومثلت إفريقيا ملاذاً هاماً للدول الكبرى، وسوقاً ضخماً لكل من يريد تحقيق أرباح مستدامة، قائمة على مبادئ الشراكة وليس التبعية، فقد صرح جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ترامب، إن أفريقيا ستكون موطنا لمرحلة جديدة من التنافس بين القوى العظمى – حيث تتنافس الولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا على فرص الاستثمار في القارة، فطبقاً لمجموعة السياسة الخارجية البريطانية، قام كبار المسؤولين في الصين بـ 79 زيارة إلى أفريقيا في السنوات الثماني الأولى من العقد الماضي وحده، وقام إيمانويل ماكرون بزيارة القارة تسع مرات منذ فوزه في الانتخابات عام 2017، وقام فلاديمير بوتين في العام الماضي بافتتاح قمة الاستثمار بين روسيا وإفريقيا، وجاء الدخول الغربي من خلال خطة مواجهة الإرهاب، رداً على الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة عقب إعلان الولايات المتحدة تخفيض تواجدها الأمني في القارة، ففي نهاية عام 2018، أعلنت الولايات المتحدة عن خطط لخفض 10 ٪ من وجودها الأمني في القارة.

ومن الواضح أن قمة الاستثمار الإفريقية البريطانية ستكون بداية جديدة للمملكة المتحدة عقب خروجها من الإتحاد الأوروبي، وكما كانت تروج اليابان لنفسها بأنها تقدم “الجودة” لإفريقيا، رسمت بريطانيا لنفسها صورة “الاستثمار النظيف” في إطار مسئوليتها لمواجهة قضايا التغير المناخي والاعتماد على الطاقة النظيفة، مما سيخلق فرصاً واعدة أمام القارة في فتح أفق استثمارات جديدة مستدامة تتفق وأجندة إفريقيا 2063، والتي عملت مصر على تحقيقها خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي بالاعتماد على مبدأ الشراكة القائمة على المصلحة المشتركة.
باحثة بالمرصد المصري



