أفريقيا

قمة استثمار تجمع لندن وأفريقيا.. طموحات بريطانية وآمال للقارة السمراء

في العشرين من يناير الجاري، ستستضيف المملكة المتحدة قمة الاستثمار الإفريقية البريطانية في لندن. وسيقوم رئيس الوزراء بوريس جونسون باستضافة القمة، والتي من المقرر أن تجمع بين الشركات والحكومات والمؤسسات الدولية لعرض وتعزيز فرص الاستثمار في جميع أنحاء إفريقيا. وتعد هذه القمة، من أكبر الأحداث الاستثمارية التي تخص إفريقيا وتقام للمرة الثامنة.

فعلى مدار 3 أيام سيشارك أكثر من 350 متحدثا، في أكثر من 30 جلسة. وينصبّ تركيز تلك الجلسات على مواضيع مثل الطاقة النظيفة، والبنية التحتية المستدامة، والأعمال التجارية الزراعية. 

وسوف تجمع القمة ممثلين عن الشركات البريطانية والإفريقية، وزعماء ووفود من أنحاء إفريقيا، ومؤسسات دولية، ورواد أعمال من الشباب والشابات. وتتمتع بريطانيا وإفريقيا بعلاقات اقتصادية وثيقة وطويلة الأمد.  وتعد الشركات البريطانية القاطرة لتلك العلاقات، فتعد بريطانيا من بين أكبر وأهم المستثمرين في إفريقيا. وتأمل المملكة أن تُعظم استثماراتها، حتى تصبح أكبر مستثمر لمجموعة السبع في إفريقيا بحلول عام 2022. 

C:\Users\DELL\Desktop\20191219141206608.jpg

وقد أكد السير جيفري آدامز، السفير البريطاني لدى القاهرة، أن بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، وجه الدعوة للرئيس عبد الفتاح السيسي، لحضور قمة الاستثمار البريطانية الأفريقية. فمصر تعد من أكبر الدول الشركاء للملكة المتحدة بالقارة الإفريقية.

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتحول في العلاقات

فى المراحل السابقة على استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، التي ظهرت نتائجه في يونيو 2016. كانت النخبة البريطانية تستخدم مفهوم “بريطانيا العالمية” لوصف دور البلاد في السياسة الخارجية. فقد تم ذكر المفهوم للمرة الأولي في استراتيجية الأمن القومي ومراجعة استراتيجية الدفاع والأمن في عام 2015، ومنذ ذلك الحين تطورت الفكرة لتصبح ركيزة أساسية لاستراتيجية ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. 

وبالنسبة للمفهوم الذي قد تبنته الحكومة، فيعنى أن تقوم بريطانيا بتعزيز التداول والتبادلات بحرية في جميع أنحاء العالم، كما في أيام الإمبراطورية البريطانية. وبخاصة مع المستعمرات السابقة للإمبراطورية – الدول التي أصبحت الآن أعضاء في الكومنولث (مثل الهند ونيجيريا) وما يسمى بـ “الأنجلو سفير” (أستراليا وكندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية). لذا فقد اعتبروا أن عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي أعاقتها عن القيام بذلك، وان البريكست كان الحل.

وفي 22 ديسمبر تم التصويت على مشروع خروج انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بتأييد 358 صوتا، واعتراض 234 صوتا على مشروع القانون. ويرجع هامش التأييد الكبير على خلفية فوز حزب المحافظين بقيادة بوريس جونسون بأغلبية 80 مقعداً. هذا الهامش الكبير الذي لم يتم حقيقة منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً وقت انتخاب مارجريت تاتشر.

وبناءا على هذا الخروج ستبدأ المملكة رسمياً في توقيع اتفاقيات الشراكة الثنائية حول العالم. وباعتبار أن سوق الاتحاد الأوروبي كان المستقبل والمورد الأكبر لها. ستحاول المملكة المتحدة النظر إلى أسواق جديدة بمجرد أن تتضاءل روابطها مع أوروبا، ومن هنا يمكن للبلدان الأفريقية أن تستفيد. وبخاصة أن هناك 19 دولة إفريقية تحت لواء وراية رابطة الكومنولث المكونة من 54 دولة. والتي تربط بالمملكة المتحدة بشكل وثيق.

دول الكومنولث.PNG

وللمملكة المتحدة تاريخ طويل في علاقاتها مع الدول الإفريقية، مما خلق وجوداً راسخا لها بإفريقيا، تتعدد أشكاله وأوزانه، وتستثمر المملكة المتحدة به الكثير، مما يزيد من جاذبيتها كنموذج تفضل الدول الإفريقية التعاون معه. وتستثمر المملكة العديد من الأدوات لممارس هذا النفوذ، أبرزها: 

من الناحية الاقتصادية: في مايو 2019، قالت المفوضة التجارية البريطانية لإفريقيا، “إيما ويد سميث”، إن لندن ستكون في عام 2022 واحدة من أكبر المستثمرين في إفريقيا بين دول مجموعة السبع. وبعام 2018، قد زادت التجارة بين المملكة المتحدة وإفريقيا بنسبة 7 ٪ لتصل إلى ما مجموعه 33.1 مليار جنيه إسترليني. بالإضافة لعرض تيريزا ماي على نظرائها الأفارقة بجعل مدينة لندن مركزًا ماليًا لأفريقيا، مما سينعكس في حال حدوثه على ارتفاع الثقة في النظم المالية الإفريقية، ويزيد من فرص دمجها في الاقتصاد العالمي.

الناحية العسكرية: نجد أن موقع الجيش البريطاني قد صرح بأن أكبر عدد للقوات المسلحة البريطانية تتدرب أو تعمل بالخارج موجود بإفريقيا. ومن الناحية الرسمية، فإن الهدف الرئيسي للقوات البريطانية في إفريقيا هو حفظ السلام ومكافحة الإرهاب. وكذلك نجد الشركات العسكرية البريطانية الخاصة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقوات المسلحة البريطانية تنشط أيضًا في القارة. أبرزها شركة G4S الشركة العسكرية الخاصة الأكبر في العالم. والتي تساهم في العديد من العمليات والتدريبات بإفريقيا.

الناحية السياسية: منذ استفتاء عام 2016، زادت المملكة المتحدة من تواجدها الدبلوماسي في إفريقيا. في عام 2018 ، أعلنت تيريزا ماي رئيسة الوزراء السابقة أن المملكة المتحدة ستفتح سفارتين جديدتين في تشاد والنيجر وستزيد عدد موظفي السفارة في مالي.وأعادت المملكة المتحدة أيضًا فتح اللجان العليا للمقيمين في ليسوتو وإسواتيني، وفي مايو 2018 ، عيّنت أول سفير لها على الإطلاق في جمهورية موريتانيا الإسلامية ونجد ان هذا الاهتمام موجود لدى رئيس الوزراء الحاليبوريس جونسون، عندما كان وزيراً للخارجية في حكومة ماي ، قد زار عدداً من الدول الإفريقية أكثر من سابقيه.
ومن ناحية القوي الناعمة:

  •  فتولي العائلة المالكة البريطانية اهتمامًا جادًا بأفريقيا. قام الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل، العضو الأول في العائلة المالكة البريطانية من أصل أفريقي، بزيارة القارة مؤخرًا، حيث جذبت رحلتهم انتباه وسائل الإعلام العالمية.
  •   بالإضافة إلى نظام المنح والبرامج التعليمية في المملكة المتحدة، وكذلك حجم المساعدات الانمائية تنفق المملكة المتحدة 0.7٪ من إجمالي الدخل القومي على المساعدة الإنمائية الرسمية، يتم توجيه قسم كبير منها للدول الإفريقية.

إلا أنه برغم تلك الأدوات والأوراق القوية التي تملكها المملكة المتحدة، إلا أنها تواجه العديد من التحديات إثر خروجها من الاتحاد الأوروبي، مما قد يعوق طموحاتها بممارسة دور أكبر بالقارة.

أبرز تلك التحديات: 

من الناحية الاقتصادية: 

أن المملكة ستحتاج لإقامة اتفاقيات ثنائية سريعة بمجرد خروجها وخاصة مع الدول التي كانت بوابة لصادراتها للاتحاد كمصر ونيجيريا وكينيا، الذي تمثل لندن بوابتهم للاتحاد بنسبة 25-30 % من صادراتهم له، تحت بند اتفاقية التجارة الحرة بينهم وبين الاتحاد. وكذلك يجب ان تهدأ التخوفات لدول الكومنولث الافريقي المقدرون بما يقرب تسعة عشر دولة، التي كان يعتمدوا على جهودها كوسيط لهم داخل الاتحاد.

C:\Users\DELL\Desktop\441811-السفارة-البريطانية.png

ومن الناحية العسكرية: 

  • على مستوى تعزيز الأمن بالقارة، كانت جهود المملكة في هذا الجانب متواضعة داخل الاتحاد، فيعد الاتحاد من أبرز المساهمين في بنية السلام والأمن الأفريقية (APSA) ومرفق السلام الأفريقي (APF)الذي يعد القناة الرئيسية التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي لدعم الجهود التي يبذلها الاتحاد الأفريقي والجماعات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية في مجال السلام والأمن.
  •  وكذلك فقد كانت مشاركتها متواضعة فى المهام والعمليات الموضوعة فى أطار السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي، ولم تنشط إلا فى المهام الخاصة بالقرن الأفريقي التي تهدف إلى تأمين الطرق البحرية من أوروبا إلى آسيا. وتلك هى أبرز المجالات التي من المتوقع أن تستهدف بريطانيا لتعزيز تعاونها مع الدول الخاصة به، كسبيل لحماية طرق تجارتها.

أما من الناحية السياسية: 

أن القارة تزخر بوجود تنافس محتدم من القوى الدولية على مقدرات وموارد القارة، لذا ستواجه المملكة المتحدة العديد من التحديات، لإيجاد موطئ قدم. وكذلك في حال ما ارادت تعزيز موقفها فستصدم بقضية الهجرة وخاصة في إطار اتحادها مع دول الكومنولث وان كان لجونسون موقف أكثر ايجابية من الهجرة عكس سلفه تيريزا ماي، فباعتبار الهجرة من أهم الدوافع المغذية للبريكست، فسيحتاج جونسون للكثير من المناورة لضبط تلك التوازنات. فتسهيل الهجرة من أبرز مطالب الدول المختلفة من المملكة المتحدة وخاصة دول الكومنولث.

ومن ناحية القوة الناعمة:

 فيما يخص المساعدات، إن وجهة نظر الحكومة البريطانية بشأن علاقات المساعدات المستقبلية بين المملكة المتحدة وإفريقيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بسياسة بريطانيا التجارية والمالية. إلا أن تخوفات انخفاض قيمة العملة أو الضغوط المحلية من أجل إعادة توزيع الانفاق لصالح المطالب المحلية يثير تخوفات من استمرار المملكة في خطتها للإنفاق على المساعدات الانمائية. 

ختاماً، 

عند التعامل مع إفريقيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يجب على المملكة المتحدة أن تفكر في إنشاء وصول تفضيلي إلى أسواق للواردات من الجنوب العالمي، وتسهيل التبادلات التعليمية من خلال إصلاح عملية طلب التأشيرة وإعادة تحديد علاقة المساعدات بالتنمية، وربطها بإصلاحات طويلة المدي، وكذلك تركيز على الشباب والتواصل معهم باعتبارهم الشريحة الأكبر بإفريقيا. كل هذا يمكن أن يساعد ذلك في بناء سياسة خارجية متبادلة المنفعة تستطع تحقيق رؤية “بريطانيا العالمية”.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

الشيماء عرفات

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى