السد الإثيوبي

اجتماع الخرطوم حول سد النهضة: نستكمل المناقشات في أديس أبابا

اجتمع وزراء الموارد المائية لكل من مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم على مدار يومي السبت والأحد الماضيين من أجل الوصول إلى اتفاق بشأن نقاط الخلاف القائمة حول سد النهضة والتي تتمثل في الملء الأول لخزان السد وتشغيله في فترات الجفاف، وهما النقطتان اللتان من شأنهما التأثير بشكل سلبي على حصة مصر والسودان من مياه النيل. يأتي هذا الاجتماع ضمن سلسلة من أربعة اجتماعات فنية بين وزراء الموارد المائية وبحضور مراقبين من البنك الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية، وكان وزراء خارجية الدول الثلاث قد اتفقوا خلال لقائهم في واشنطن مطلع نوفمبر المنصرم على عقد هذه الاجتماعات بعد دعوة الرئيس السيسي لإشراك وسيط خارجي في المفاوضات بعد ثلاث سنوات من التفاوض دون جدوى.

ووفقاً لتصريحات وزير الموارد المائية السوداني ياسر عباس بعد انتهاء الاجتماع أمس الأحد، فإن الدول الثلاث قد تبادلت معلومات مهمة وقدمت مقترحاتها الخاصة بفترة الملء الأول لخزان السد وآلية التشغيل السنوي، وأشار الوزير السوداني إلى أن هناك تقدماً ملحوظاً في تقارب وجهات النظر بين الدول الثلاث فيما يخص القضايا العالقة، حيث قدم الجانب السوداني مقترحاً يحدد مدة ملء الخزان ويعرف “الجفاف” و”الجفاف الممتد” من أجل إنهاء الخلاف حول كمية المياه التي يجب على إثيوبيا الإفراج عنها أثناء فترات الجفاف.

أما وزير الموارد المائية المصري “محمد عبد العاطي”، فقد صرح بأن مصر قد أبدت مرونة في المفاوضات، واستمعت للمخاوف التي أبدتها إثيوبيا، وعبرت عن استعدادها لإعادة النظر في بعض مواقفها بما يبرهن على استعداد الحكومة المصرية للعمل مع السودان وإثيوبيا بشكل يمكن من خلاله لإثيوبيا تحقيق أهدافها التنموية وتوليد الطاقة الكهربائية، وأكد الوزير المصري على أن مصر تسعى للوصول إلى اتفاق يحقق مصالح الدول الثلاث، وعبر عن أمله بأن تستمع كافة الأطراف إلى وجهة النظر المصرية فيما يخص قواعد ملء خزان السد والتي لابد أن تكون متكاملة وتراعي جميع الأطراف.

ولكن بالرغم من إعلان الوزير السوداني تقارب وجهات النظر، وتصريح الوزير المصري باستعداد مصر لإعادة النظر في موقفها تجاه النقاط محل الخلاف، إلا أن الوزير الإثيوبي سيلشي بيكيلي صرح بأن مرحلة الملء الأولى لخزان السد سوف تبدأ في يوليو المقبل، كما قال أن اجتماع القاهرة كان محبطاً بالنسبة له، ليبقى الوضع على ما هو عليه إلى أن يجتمع وزراء الدول الثلاث لمرة رابعة بحضور ممثلي البنك الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية، ولكن هذه المرة ستكون في أديس أبابا يومي التاسع والعاشر من يناير المقبل من أجل الوصول إلى قرارات نهائية قبل التوجه إلى واشنطن للاجتماع في الثالث عشر من يناير لتقييم نتائج الاجتماعات وفق الجدول الزمني الذي اتفق عليه وزراء خارجية الدول الثلاث في واشنطن.

الجدير بالذكر أن وزراء الموارد المائية للدول الثلاث قد اجتمعوا مسبقاً في أديس أبابا والقاهرة على الترتيب قبل الاجتماع التقييمي الأول في واشنطن، وتناول الاجتماعان سلسلة نقاشات حول قواعد ملء وتشغيل السد، والسعي لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث للوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن، ولكن لم يخرج الاجتماعان بقرار واضح سوى استكمال المناقشات حول نقاط الخلاف في الاجتماع التالي، وهو نفس الأمر بعد الاجتماع التقييمي الأول، حيث تم الإعلان عن تقارب وجهات النظر واستكمال المناقشات في اجتماعي الخرطوم وأديس أبابا.

بذلك يعوٍّل الجميع على الاجتماع الرابع والأخير في هذه السلسلة والمقرر عقده في أديس أبابا يومي التاسع والعاشر من يناير المقبل من أجل التغلب على نقاط الخلاف القائمة والخروج باتفاق نهائي يعود بالفائدة على جميع الأطراف، وتلتزم به الدول الثلاث لاختصار الوقت والجهد لأن عدم التوصل إلى اتفاق سوف يؤدي إلى تفعيل المادة العاشرة من إعلان المبادئ الموقع من قِبل الدول الثلاث عام 2015، والتي تنص على أن “تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقًا لمبدأ حسن النوايا، وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول أو رئيس الحكومة”

ويعني تفعيل المادة العاشرة من إعلان المبادئ تحول الولايات المتحدة والبنك الدولي من صفة المراقب على المفاوضات إلى صفة الوسيط، ومن ثم الدخول إلى نفق المفاوضات مرة أخرى والسماح للوسطاء بفرض بنود جديدة ملزمة للدول الثلاث في مقابل تقديم مساعدات من شأنها الحد من أضرار السد على دولتي المصب، وتعويض ضعف إنتاج الكهرباء بالنسبة لإثيوبيا، كما أنه من الممكن أن يصل الأمر إلى أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على من لا يلتزم بالبنود التي تسفر عنها الوساطة الأمريكية. 

ترتيباً على ما سبق، يمكن تلخيص نتائج الاجتماعات الثلاثة السابقة في تحقيق هدف واحد وهو تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث دون التغلب على نقاط الخلاف الأساسية، على أن تكون كلمة الفصل في الاجتماع الرابع والأخير في أديس أبابا أو قبول وساطة الولايات المتحدة والبنك الدولي.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

محمود سلامة

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى