مكافحة الإرهاب

“ذا إنترسبت الأمريكي” يكشف خبايا الاجتماع السري بين “الإخوان” و”فيلق القدس” الإيراني

  القمة السرية “فيلق القدس الإيراني والإخوان المسلمين” ، تحت هذا العنوان نشر موقع “ذا إنترسبت” الأمريكي تقريرًا لجيمس رايسن كبير مراسلي “إنترسبت” للأمن القومي، والكاتب والمراسل السابق لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية. تناول التقرير تفاصيل الاجتماع الذي استضافته أنقرة سرًا  بين قيادات جماعة الإخوان وقيادات من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في عام 2014 وهي الفترة التي تلت انحسارًا لنفوذ جماعة الإخوان المسلمين بعد ثورة 30 يونيو التي أزاحت حكمهم في مصر، وينظر إلى ذلك الاجتماع السري باعتباره محاولة من جماعة الإخوان لإعادة بسط نفوذها إقليميًا بالتعاون مع الإيرانيين. 

تحالف سني شيعي

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\AP_969292617052-morsi-1573862392 (1).jpg

يشكل فيلق القدس التابع لإيران مع الإخوان تحالفًا ضد السعودية، وقد وقفت القوتان مع بعضهما في وجه واحدة من أعنف الانقاسامات الجيوسياسية في العالم وهي التباعد بين العالمين السني والشيعي . وفي إشارة على بوادر انفراجة غير متوقعة في العلاقات عقدت اثنتان من أكبر المنظمات في الشرق الأوسط ” فيلق القدس والإخوان المسلمون”  قمة سرية غير معلنة في أحد الفنادق التركية للبحث عن أرضية مشتركة حال نشوب حرب طائفية.

تلك القمة التي عقدت عام 2014 جمعت بين الذراع العسكري الأجنبي  للحرس الثوري الإيراني ” فيلق القدس” والإخوان المسلمين، ويمثل فيلق القدس أكثر القوى الشيعية قوة في العالم، ويناظرها في العالم السني الإخوان المسلمون التي تمتلك تأثيرًا طاغيًا في الكثير من الدول. وقد أقدمت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب على تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية في إبريل من العام الجاري وتمارس ضغوطًا من أجل وضع الإخوان المسلمين على قائمة الكيانات الإرهابية أيضًا.

و بطبيعة الحال فإن الإعلان عن أن قطبي العالم السني والشيعي قد عقدا قمة يستوجب أن تكون هناك وثائق متضمنة ومدرجة سريًا في أرشيف المخابرات الإيرانية، جرى تسريبها إلى “انترسبت”.

2012-2013 ذروة التقارب

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\NYC132202-brotherhood-1573862154 (1).jpg

الجدير بالذكر، أنه كانت هناك اجتماعات سرية بين مسئولين إيرانيين ومصريين عندما كان “محمد مرسي الرئيس ذو الخلفية الإسلامية والمدعوم من الإخوان المسلمين” في سدة الرئاسة في الفترة من 2012 وحتى  و2013، والذي أرغم على ترك كرسيه تحت وطأة المظاهرات الشعبية التي اجتاحت البلاد في يونيو 2013 بدعم من الجيش المصري، ثم جرى اعتقاله بعد ذلك في تهم خاصة بالتخابر والتحريض على قتل المتظاهرين في أحداث الاتحادية حتى وافته المنية أثناء محاكمته في قضية اقتحام الحدود الشرقية. 

وفي تقرير مسرب عن وزراة الاستخبارات والأمن القومي الإيرانية توجد وثائق تؤكد محاولات مثيرة للاهتمام بين مسئولين مصريين ومسئولين إيرانيين لاستمرار الاتصالات بين الجانبين عقب إزاحة ” محمد مرسي” من الحكم على خلفية ثورة يونيو 2013.

التقرير المسرب يكشف عن الديناميات السياسية المشحونة التي تفصل بين المنظمات الشيعية والسنية. ويسلط التقرير الوضع على الأوضاع الجنونية للحالة السياسية في منطقة الشرق الأوسط كما يؤكد أنه من الصعب على القوى الخارجية وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية فهم ما يجري تحديدًا داخل هذه المنطقة المتوترة من العالم.

استراتيجيات متباينة

وعلى الرغم من العداء الظاهري بين الإخوان المسلمين وفيلق القدس، فقد استخدمت إيران” فيلقها” لبسط نفوذها في مناطق عديدة من الشرق الأوسط. ودعم المليشيات الشيعية التي ارتكبت العديد من الفظائع في مناطق كثيرة في العراق ولبنان وغزة. كما وقفت إلى جانب نظام بشار الأسد في سوريا. بينما لعب الإخوان المسلمون على وتر آخر تضمن ” الجهاد” ضد أنظمة الحكم في عدد من الدول العربية وفي نفس الوقت تركوا الباب ” مواربًا” أمام انشقاق جماعات عن الجماعة الأم مثل حركة ” حماس” التي تورطت في ممارسات إرهابية لاحقًا.

 وبالرجوع إلى تاريخ عقد القمة في 2014، يمكن ملاحظة حساسية التوقيت الذي كان فيه تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق ” داعش” يمزق أوصال  المنطقة التي يهيمن عليها السنة في العراق، إلى الحد الذي جعل الجيش العراقي يقف مكتوف الأيدي أمام ممارسات داعش الوحشية في وقت أصبح نظام الحكم في بغداد آيلًا للسقوط. وقد دفع هذا التهديد فيلق القدس إلى الانحياز والتدخل نيابة عن حكومة رئيس الوزراء ” نوري المالكي” التي يهيمن عليها الشعية. وفي ذلك الوقت بدأ فيلق القدس في قيادة المعركة ضد داعش ولذلك كان ينظر إلى المالكي في الكثير من الأوقات باعتباره “دمية إيرانية”.

وفي الوقت نفسه تحول حلم “الربيع العربي” إلى كابوس تمثل في حرب استعرت في سوريا بينما مثلت مصر ضربة قاسمة لتنظيم الإخوان المسلمين خصوصًا بعد وفاة ” مرسي” في قاعة المحكمة في يونيو الماضي ، وهوما جعل القائمين على تلك الجماعة يفكرون في أن التعاون مع ” إيران” ربما يمثل قبلة الحياة التي تعيد للجماعة مكانتها الإقليمية.

حرب الجواسيس

ما لم يستطع الجانبان إدراكه أن هناك جاسوسًا كان في أروقة القمة، فوزارة الاستخبارات والأمن القومي الإيرانية المنافس للحرس الثوري الإيراني داخل أجهزة الأمن القومي، كانت العميل الذي قام بالإبلاغ عن كل ما تم مناقشته. مع الوضع بالاعتبار أن وكيل الوزارة لم يحضر القمة  فحسب ، بل “عمل منسقًا لهذا الاجتماع” ، وهو ما يمكن تفسيره بطريقة كلاسيكية في الندية بين وزارة الاستخبارات والحرس الثوري  نظرًا لما يتمتع به  الحرس الثوري من قوة ونفوذ، و على هذه الخلفية حاولت الاستخبارات سراً تتبع أنشطة الحرس في جميع أنحاء العالم بل وتسريب معلومات عن تلك الأنشطة.

تركيا.. الملا الآمن للاجتماعات السرية

كانت تركيا تعتبر مكانًا آمنًا للقمة، لأنها كانت واحدة من الدول القليلة التي تربطها علاقات طيبة مع كل من إيران والإخوان المسلمين. ومع ذلك ، كان لا يزال يتعين على الحكومة التركية أن تراعي بعض المحاذير، لذا  رفضت منح تأشيرة دخول إلى قائد فيلق القدس ، اللواء ” قاسم سليماني”، وفقًا لبروتوكول وزارة الاستخبارات  ولذلك حضر الاجتماع أحد نواب سليماني   ويدعى ” باسم أبو حسين” . بينما مثل الإخوان المسلمين  ثلاثة من أبرز قادتها وهم  إبراهيم منير مصطفى ، محمود العبيري ، ويوسف مصطفى ندا ، ووفقًا للوثيقة. فإنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، شككت إدارة “جورج بوش” الإبن  والأمم المتحدة في أن ” ندا” متورط في تمويل القاعدة ولذلك فقد تم تجميد حساباته المصرفية وتقييد حركته. وفي عام 2009 ، رُفعت عقوبات الأمم المتحدة ضده لعدم وجود دليل  دامغ ضده. وفي مقابلة حديثة ، أخبر” ندى ” ( انترسبت ) بأنه لم يحضر ذلك الاجتماع في أي مكان ولم يسمع عنه!  

التفاصيل المسربة

أشار  التقرير إلى أن وفد جماعة الإخوان المسلمين حاول تعظيم شأن الجماعة في مستهل حديثه خلال الاجتماع، وذلك بالتأكيد على أن الجماعة لها وجود في 85 دولة، وربما كان ذلك محاولة منه لمواجهة دعم الحكومة الإيرانية لفيلق القدس، فالجماعة على مدار تاريخها لم تمتلك دعمًا مشابهًا من قوة وطنية.

وأكد وفد الجماعة أن الاختلافات بين إيران كرمز وممثل للعالم الشيعي، وجماعة الإخوان المسلمين كرمز للعالم السني لا جدال فيها”، ولكن على الرغم من ذلك فإنه يجب التركيز على الأسس المشتركة للتعاون، ومن هذه الأسس المشتركة هي الكراهية المشتركة للمملكة العربية السعودية التي وصفوها بأنها “العدو المشترك للإخوان المسلمين وإيران”

ويمكن للجانبين توحيد صفوفهم ضد السعودية. وأفضل مكان للقيام بذلك كان في اليمن، حيث كان تمرد الحوثيين المدعومين من إيران ضد الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، على وشك أن يتحول إلى حرب واسعة النطاق في هذا الوقت؛ فبالتأثير الإيراني على الحوثيين، ونفوذ الإخوان على الفصائل السنية القبلية المسلحة، يمكن بذل جهد مشترك لتقليل الصراع بين الحوثيين والقبائل السنية لتكون قادرة على استخدام قوتها ضد السعودية. أما في العراق فجماعة الإخوان تريد تحقيق السلام هناك، وربما تتعاون الجماعة وفيلق القدس لوقف الحرب هناك، مؤكدين ضرورة تخفيف التوتر بين الشيعة والسنة في العراق، وإعطاء السنة فرصة للمشاركة في الحكومة العراقية.

وأوضح التقرير أنه بينما ينفي القيادي الإخواني يوسف ندا معرفته بهذا الاجتماع الذي تم في عام 2014، فإنه في الوقت ذاته أكد أن “الإخوان المسلمين يريدون الحد من التوترات بين السنة والشيعة ونزع فتيل أي نزاع بينهم”.

محددات العلاقات

ذكرت الوثيقة المسربة أن الإخوان المسلمين أدركت أيضًا أن هناك حدودًا للتعاون الإقليمي مع فيلق القدس، وسوريا مثال على ذلك، فالوضع هناك كان في حالة فوضى معقدة، ولذلك ألقت الجماعة بثقلها هناك، أما الآن فباتت القضية السورية خارج أيدي إيران والإخوان، وليس هناك شيء خاص يمكن القيام به حيال ذلك.

وبينما تمت إزاحة جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة قبل عام من الاجتماع من فإن الجماعة رفضت الدعم الإيراني في مصر. وقال وفد الجماعة خلال الاجتماع إن الإخوان غير مستعدين لقبول أي مساعدة من إيران للعمل ضد الحكومة المصرية”، وربما أدرك قادة الإخوان أن صورتهم ستهتز في مصر إذا طلبوا المساعدة الإيرانية لاستعادة السلطة في القاهرة.

ومحاولة لإظهار الجماعة بمظهر المحب للسلام، أكد وفد الإخوان أن الجماعة ملتزمة بـ “النهج السلمي الإصلاحي” للتغيير في الشرق الأوسط، وعندما أحسوا بهول ما قالوه مقارنة بفيلق القدس الذي يستخدم القوة عادوا للقول بإن “الجماعة درّبت نفسها على التحلي بالصبر أكثر من الإيرانيي”.

وعلى الرغم من التاريخ الإرهابي الحافل لجماعة الإخوان المسلمين، أشار التقرير إلى أن الإخوان على مدار التاريخ يكرهون العنف، على عكس فيلق القدس، التي هي جزء من منظمة عسكرية. ولذلك اعترض بعض الخبراء على رغبة إدارة ترامب في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وبرروا ذلك بأن الجماعة لا تشارك في أنشطة إرهابية. ودلل التقرير ذلك بقول نيد برايس المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية يغفل الوضع الحالي للجماعة ويهدد شراكات واشنطن في بلدان المنطقة التي للإخوان تأثير فيها. وقول الكاتب جمال خاشقجي إن “القضاء على جماعة الإخوان المسلمين يعني إلغاء الديمقراطية وضمان أن العرب سيستمرون في العيش في ظل أنظمة استبدادية وفاسدة”

ولفت الكاتب جيمس راينس إلى أن قادة جماعة الإخوان المسلمين ربما قرروا أن يكونوا صريحين مع نظرائهم الإيرانيين خلال الاجتماع لأنهم يمكن أن يشعروا بالفعل أن ممثلي فيلق القدس لم يكونوا مهتمين حقًا بتشكيل تحالف، وكان رأي أصدقاء فيلق القدس الحاضرين في الاجتماع هو رفض عقد تحالف بين السنة والشيعة، ولكنهم أصرّوا خلال الاجتماع أنه “لم يسبق لهم أي خلاف مع جماعة الإخوان”.

وعلى الرغم من الفشل الواضح للمحادثات، أشار وكيل وزارة الاستخبارات والأمن القومي  الذي كان يتجسس في القمة إلى أنه على استعداد “للسفر مرة أخرى إلى تركيا أو بيروت ليكون حاضرًا في أي اجتماعات أخرى، ولكن لا يتضح من الوثائق المسربة ما إذا كانت هناك اجتماعات أخرى من هذا النوع قد حدثت.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى