
افتتاح محطة بشتيل .. بوابة محافظات الصعيد
يأتي افتتاح محطة بشتيل ضمن استراتيجية الدولة المصرية لتطوير البنية التحتية والنقل بشكل مستدام. كما يعزز المشروع من جهود مصر في تحسين شبكة النقل العام وتخفيف الاعتماد على السيارات الخاصة، مما يسهم في الحد من الازدحام المروري والتلوث البيئي. كما أن المشروع يعزز التنمية العمرانية في المناطق المحيطة بالمحطة، مما يفتح المجال لمزيد من المشروعات الاستثمارية والخدمية، فالمشروع يمثل خطوة نحو تطوير النقل المستدام والحديث، ويسهم في تعزيز الاقتصاد وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
تطوير واجب
دائما ما كان رصيفي 8، و11 (أرصفة قطارات الصعيد) بمحطة رمسيس تعج بالركاب أغلب الوقت، ناهيك عن معاناة كبار السن وذوي الهمم مع الزحام المميت. وعلى نفس المنوال أيضًا كانت محطة الجيزة للسكك الحديدية. وهو ما أثر بوجه عام في جودة خدمة السكك الحديدية، خاصة إنها عانت لعقود من تراجع الاهتمام بتطويرها وصيانتها بما يتواكب مع متغيرات العصر والسلامة والأمان والنمو السكاني.
فقد بدأ إنشاء شبكة سكك حديد مصر سنة 1851 في عهد الخديوي عباس الأول وتم إفتتاح أول خط في هذه الشبكة (القاهرة / الإسكندرية) بطول 208 كم سنة 1854 وكان عدد سكان مصر حوالى 4 مليون نسمة وتم التوسع في إنشاء الشبكة تدريجياً حتى وصلت أطوالها إلى 10 آلاف كيلو متر حيث توالت أعمال التطوير والصيانة لخطوط الشبكة على مدار 160 عام (منذ 1854 حتى 2014) ولكنها لم تواكب معدلات السلامة والأمان العالمية والنمو السكاني الكبير خلال تلك الفترة، وهو ما أثر سلبًا على راحة الركاب وجودة الخدمات المقدمة لهم ويزيد من الازدحام، وهو ما كان يتطلب توجيه إصلاحات جذرية لتطوير القطاع وتحسين مستوياته.
فيستخدم قطاع السكك الحديدية نحو مليون راكب يوميًا عام 2024، في حين كان يستخدمه حوالي 700 ألف راكب فقط في 2014، ومن المخطط بحلول 2030 أن يصل عدد الركاب إلى 2 مليون راكب يوميا. كذلك من المستهدف تعزيز الوعي بأهمية وأفضلية النقل من خلال وسائل النقل السككية، فاستخدام وسائل النقل الاخرى لمسافة 100 كم لـ 50 شاحنة ينتج عنها إنبعاثات كربونية حوالى 20 طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون، ويختلف ذلك عندما نعتمد على النقل بواسطة السكك الحديدية حيث أن جرار ديزل واحد ينقل (50 حاوية) ينتج عنه إنبعاثات كربونية حوالى 4 طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وجرار كهربائى ينقل (50 حاوية) ينتج عنه إنبعاثات كربونية حوالى طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون. وقد بلغت طاقة نقل البضائع في 2014 (4.5 مليون طن سنويا). بينما وصلت في 2024 إلى 8 مليون طن سنويا والمخطط لها أن تصل بحلول 2030 إلى 13 مليون طن بضائع سنويًا.
وفي هذا الصدد، دشنت الحكومة المصرية ممثلة في وزارة النقل خطة متكاملة متعددة الجوانب لتطوير شبكة السكك الحديدية، ضمن استراتيجية الدولة للنهوض بقطاع النقل وتحقيق التنمية المستدامة على مستوى البنية التحتية؛ لتحسين جودة الخدمة المقدمة للمواطنين، ورفع كفاءة الشبكة وتوفير وسائل نقل آمنة وسريعة، وتعزيز الربط بين المحافظات والمدن الكبرى لدعم النمو الاقتصادي. وشملت خطة تطوير السكك الحديدية 5 محاور رئيسية هي: (الوحدات المتحركة – البنية الاساسية – نظم الاشارات والتحكم – تطوير الورش – العنصر البشري). مع مراعاة البعد البيئي خلال عملية التطوير.
وعلى مدار السنوات الأخيرة، تم اتخاذ خطوات حثيثة في عملية تطوير السكك الحديدية بمجالاتها المختلفة، ولازالت عملية التطوير مستمرة. وتم اليوم 12 أكتوبر، بحضور السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، افتتاح محطة قطارات صعيد مصر بمنطقة بشتيل بالجيزة وعدد من مشروعات النقل الأخرى في مجالات السكك الحديدية ومترو الأنفاق والطرق ومحاور النيل الكباري أعلى المزلقانات والكباري العلوية حيث بلغ عدد المشروعات التي تم افتتاحها اليوم 20 مشروعا، منها عدد 8 مشروعات تم افتتاحها بالفيديو كونفرانس.
منطقة استراتيجية
يعتبر افتتاح محطة قطارات بشتيل في محافظة الجيزة أحد المشاريع الكبرى التي نفذتها الدولة المصرية لتطوير منظومة النقل، خاصة في قطاع السكك الحديدية. لتخفيف الضغط عن محطة مصر في رمسيس، والتي كانت لعقود مركزاً لحركة القطارات من وإلى القاهرة. فمشروع بشتيل ليس مجرد محطة جديدة، بل جزء من خطة شاملة لتحديث وتطوير البنية التحتية للنقل والمواصلات في مصر، وخاصة في الربط بين العاصمة والمحافظات الأخرى، وتحديداً محافظات الصعيد.
وتم تصميم محطة بشتيل لاستقبال قطارات الصعيد بشكل أساسي. تم تصميمها وفقاً لأحدث المعايير العالمية، حيث تحتوي على مرافق حديثة تسهم في تحسين تجربة السفر للركاب. تضم المحطة قاعات انتظار فسيحة، وأماكن مخصصة لتقديم الخدمات التجارية والمصرفية، إلى جانب مناطق لتناول الطعام والشراب. كما تم تزويد المحطة بتكنولوجيا حديثة لتوفير معلومات دقيقة عن مواعيد القطارات وإجراءات الحجز الإلكتروني. ومن المزايا التي توفرها محطة بشتيل هي التسهيلات المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تتضمن المصاعد المجهزة والبوابات المخصصة التي تسهل حركة التنقل داخل المحطة، ما يجعلها محطة شاملة تلبي احتياجات كافة فئات المجتمع.
وصممت محطة بشتيل على شكل متحف بالطراز المصري القديم، وروعي في التصميم أن يتم توفير كل الخدمات التي يمكن أن يحتاج لها الركاب خلال تواجدهم في محطة القطار، لذا صممت المحطة على 3 أدوار بالإضافة إلى البدروم المخصص للسيارات، وفرت المحطة جراج متعدد الطوابق يسع حتى 100 عربة، وتضم المحطة فندق ومول تجاري بمساحة اجمالية 22.900 ألف متر مربع، ومبنى مكون من ثلاثة أدوار، يحتوي على عدد 161 محل تجاري، للحد من ظاهرة الباعة الجائلين. وتتضمن المحطة 28 شباك تذاكر لحل مشكلة الازدحام على حجز التذاكر، كما تم تزويد المحطة بعدد 10 ماكينات حجز تذاكر، وتوفير مكاتب لخدمة العملاء والاستعلامات، لمساعدة الركاب على إنهاء كافة الإجراءات الخاصة بهم. والمحطة بها غرفة مراقبة مركزية مجهزة بشاشات المراقبة والتي تخدمها عدد 1200 كاميرة مراقبة موزعه بجميع انحاء المحطة وملحقاتها. والمحطة مزودة أيضا بعدد 14 بوابة تفتيش وكشف على الحقائب وعدد 86 بوابة الكترونية لدخول وخروج الركاب من وإلى الأرصفة، كما يوجد بالمحطة عدد 14 سلم كهربائي متحرك وعدد 34 كهربائي + 1 مصعد لذوي الهمم.
تتسم المحطة بالطراز الفرعوني القديم، يتوسطها هرم زجاجي بارتفاع حوالي 42 مترا، و4 مسلات بالقرب من المحطة. فتم إنشاء محطة بشتيل على مساحة 239 ألف متر مربع تقريبا، بما يعادل 57 فدانًا، (حوالي 3 أضعاف محطة مصر)، يشمل المشروع مبنى المحطة الرئيسي على مساحة 31000 متر مربع بإجمالي مساحة بنائية 112000 متر مربع، وملحقات المحطة من مبان خدمية وورش صيانة وأرصفة، وكذلك خطوط سكك حديدية على مساحة 164000 متر مربع، وعمارات استثمارية على مساحة 44000 متر مربع. ومن المتوقع أن تبلغ الطاقة الاستيعابية للركاب بالمحطة 250 ألف راكب يوميًا،
كما يعد موقع المحطة منطقة التقاء خطوط السكك الحديدية الرئيسية بمصر «السد العالي، الإسكندرية – إمبابة، المناشي، القباري»، وتضم المحطة 6 أرصفة لخدمة ركاب الوجه القبلي جهة شارع السودان و4 لخط المناشي جهة محور الفريق كمال عامر، بالإضافة إلى سكك حوش المحطة وترتبط سكك الورش بالسكك الطوالي (أسوان/إسكندرية – المناشي- البضائع). وتبلغ التكلفة التقديرية للمحطة 2.5 مليار جنيه.
وتم تجهيز ورشة صيانة عربات القطارات والتي تشمل 12 سكة، بالإضافة إلى ورشة صيانة الجرارات والتي تشمل 6 سكك لأعمال صيانة وتجهيز الجرارات، على مساحة 3800 م2 بطاقة اصلاح 24 جرار/يوم ، وورشة العربات على مساحة 22 ألف م2 بطاقة اصلاح 140 عربة، وكذلك جاهزية مباني «محطة الوقود – مبنى مغسلة القطارات – مبنى موزع الكهرباء موزع 1 – موزع 2 – مبنى محطة محولات الكهرباء – غرف أمن – خزانات السولار – خزانات فصل الزيت – خزانات المياه لمكافحة الحريق».
وتقع محطة بشتيل في منطقة استراتيجية بين العاصمة القاهرة ومحافظة الجيزة، بوابة الصعيد، بالإضافة لوقوعها على 4 محاور رئيسية تسهل نقل الحركة منها وإليها، وهي «محور الفريق كمال عامر، شارع السودان، محور أحمد عرابي وشارع المطار – محور 26 يوليو- محور روض الفرج – الطريق الدائري»، وتتكامل المحطة مع وسائل النقل المختلفة، فتقع المحطة بالقرب من الخط الثالث لمترو الانفاق، ومحطة مونوريل خط 6 أكتوبر، وموقف أقاليم، والأتوبيس الترددي على الطريق الدائري.
مزايا مركبة
يسهم موقع محطة بشتيل في تقليل الزحام المروري في قلب القاهرة، إذ كانت محطة رمسيس تستقبل معظم حركة القطارات القادمة من الصعيد، مما أدى إلى ازدحام غير مسبوق في تلك المنطقة الحيوية. من خلال تحويل جزء كبير من هذه الحركة إلى محطة بشتيل، يمكن توزيع تدفق الركاب بشكل أكثر توازناً على شبكة النقل. لتوفر المحطة سهولة الوصول للقادمين من جنوب مصر، وتخفف من الضغط الكبير الذي تعاني منه الطرق والمحاور المرورية في العاصمة.
تم تصميم محطة بشتيل لتكون محطة متكاملة تخدم قطارات المسافات الطويلة، وأيضاً توفر ربطاً سلساً مع وسائل النقل العام الأخرى مثل مترو الأنفاق والأتوبيسات، هذا التكامل يسهل على الركاب الانتقال بين وسائل النقل المختلفة بسرعة وكفاءة. وهذا يعزز تجربة الركاب لوسائل النقل العام، ويساهم في تقليل الوقت المستغرق في التنقل بين مدن ومناطق القاهرة الكبرى.
مشروع محطة بشتيل يحمل تأثيراً كبيراً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فمن الناحية الاقتصادية، يساعد المشروع في توفير فرص عمل جديدة، سواء أثناء مرحلة البناء أو بعد تشغيل المحطة، فقد ساهم المشروع في توفير قرابة 7500 فرصة عمل بالمشروع. كما يعزز المشروع السياحة الداخلية، حيث يمكن للسياح القادمين من مختلف أنحاء مصر الوصول بسهولة إلى القاهرة من خلال هذه المحطة الحديثة، كما تحسن من تجربة سفر السياح الأجانب لمحافظات الصعيد والتي تعج بالمعابد الفرعونية التي تتربع على رأس أولويات أجندة زيارات السياح في مصر.
من المتوقع أن تسهم المحطة في تحسين جودة حياة الكثيرين عبر تخفيف الأعباء عن المواطنين، وتوفير وسيلة نقل سريعة وفعالة. فدائما ما كان يعاني أبناء الصعيد من التكدس المروري والمشاكل المرتبطة بمحطتي رمسيس والجيزة. فالقادمين من الصعيد لن يضطروا إلى دخول قلب العاصمة، مما سيقلل من الزحام المروري ويقلل من التلوث البيئي أيضاً.