الاقتصاد المصري

تراجع الدين الخارجي في مصر: إشارات إيجابية من الأزمات إلى النجاح

مرت مصر بتحدٍ كبير في قدرتها على توفير سيولة بالعملات الأجنبية نتيجة لخروج جزء كبير من الاستثمارات غير المقيمة في الأموال الساخنة المحلية بحوالي 20 مليار دولار أمريكي، وترتب على تلك الأوضاع الاقتصادية ارتفاع الدين الخارجي لمصر. أدركت القيادة السياسية منذ اللحظة الأولى التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري وقامت بحل أزمة سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية بالإضافة إلى نجاح القرارات الجريئة للسياسة النقدية منذ أغسطس 2022 في السيطرة على معدلات التضخم ووضعها على مسار هبوطي مسجلة تباطؤًا بشكل كبير إلى مستوى 27.5% في يونيو 2024 وهو أدنى معدل منذ فبراير عام 2023، مما يسهم ذلك في استقرار الأسعار محليًا وتقليص الضغوط.

تحركات إيجابية

يُعتبر تدفق العملة الصعبة أمرًا حيويًا في عملية الاستقرار الاقتصادي ودعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل، ومن ثم العمل على تحسين ميزان المدفوعات وتعزيز قوة أداء الجنيه المصري وهو ما سيتبعه انخفاض معدل التضخم خلال المرحلة المقبلة، وكذلك زيادة الاحتياطي النقدي الذي يُعد جزءًا مهمًا للغاية من أداء الاقتصاد المصري.

حقق الاحتياطي النقدي ارتفاعات متتالية خلال عام 2024 حيث وصل إلى 46.38 مليار دولار في يونيو 2024 مقارنة بـ 35.25 مليار دولار في يناير لنفس العام حيث وصل إلى أعلى مستوى في تاريخه، محاولًا تجاوز التأثيرات العالمية على كافة مصادر العملات الأجنبية، ويواصل الاحتياطي الأجنبي ارتفاعه منذ عدة أشهر في ظل اتجاه الدولة للعمل على تعزيز الموارد الدولارية، وخفض الواردات، وزيادة الصادرات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، مع تبني حزمة من الإصلاحات الاقتصادية الجديدة لدعم النمو. ومن هذا المنطلق تواصل الدولة جهودها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الفترة المقبلة من خلال اتخاذ إجراءات متكاملة متعلقة بالسياسات النقدية والمالية والهيكلية والمؤسسية والمساندة الاجتماعية مع مراعاة تحقيق السلامة والاستدامة المالية، وضبط الأسواق واستقرار الأسعار.

تطور الاحتياطي النقدي (مليار دولار) – شهريًا

المصدر- البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية.

كما ساعد على زيادة الاحتياطي النقدي تحقيق ميزان المدفوعات فائضًا كليًا بلغ نحو 4.1 مليار دولار، والتي انعكست بصورة إيجابية على حساب المعاملات الرأسمالية والمالية ليسجل صافي تدفق للداخل بلغ نحو 20 مليار دولار.

ومن بين محفزات الاحتياطي النقدي الأجنبي هي زيادة تحويلات العاملين بالخارج للشهر الثالث على التوالي، إذ ارتفعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال مايو 2024 بمعدل 73.8% (على أساس سنوي) لتصل إلى نحو 2.7 مليار دولار (مقابل نحو 1.6 مليار دولار خلال مايو 2023)، كما ارتفعت بمعدل 26.6% مقارنةً بالشهر السابق مباشرة أبريل 2024 والتي سجلت خلاله نحو 2.2 مليار دولار. إضافة إلى زيادة موارد النقد الأجنبي للسوق المحلي بنسبة 200% وارتفاع تحويلات المصريين بأكثر من 100% منذ تحرير سعر الصرف. والصعود القوي لتدفقات العملة ساهم في القضاء على عجز الأصول الأجنبية للبنك المركزي لتسجيل فائضًا قدره 10.3 مليار دولار في يونيو 2024، مقارنة بعجز 11.4 مليار دولار في يناير 2024، كما تحسن أيضًا صافي الأصول الأجنبية للبنوك ليسجل 4.6 مليار دولار في مايو 2024، مقارنة بــــــ -17.6 مليار دولار في نفس الشهر من العام الماضي.

كما شهدت مصر زيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إليها، حيث شهد العام المالي 2022/2023 أكبر زيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر، حيث بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر 10.04 مليار دولار بزيادة قدرها 12.3% مقارنة بعام 2021/2022. بالإضافة إلى ذلك، وصلت طلبات الاستثمار للفرص المتاحة إلى 42 طلبًا خلال الفترة من يناير إلى مارس 2023 مقارنة بالهدف البالغ 40 طلبًا، وجرى تسجيل نمو ملحوظ في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الصافي بنسبة 451.3% في الربع الثاني من العام المالي 2023/2022.

صافي الاستثمار الأجنبي المباشر سنويًا (مليار دولار)

المصدر- البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية.

وعليه، يمثل ذلك ثقة من المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري لضخ الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فمصر أحد أفضل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشر درجة تقييد الاستثمار، حيث جاءت في المرتبة التاسعة بين 10 دول، كما جاءت ضمن أفضل الدول العربية، حيث جاءت في المرتبة الثامنة بين 9 دول عربية. بالإضافة إلى ارتفاع إيرادات مصر السياحية بنسبة 6.1% وبقيمة بلغت نحو 500 مليون دولار، خلال النصف الأول من العام المالي الحالي على أساس سنوي، مسجلة 7.8 مليار دولار، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

إدارة السياسة المصرية للدين الخارجي

تستهدف استراتيجية إدارة الدين في مصر زيادة تدريجية في أحجام سندات الخزانة وآجالها على حساب إصدارات أذونات الخزانة (ذات الأجل القصير بالتعريف)، عبر الطروحات المنتظمة وإعادة فتح السندات لزيادة أجل متوسط الدين الحكومي، لتوحيد منحنى العائد لأوراق الدين الحكومي، وخفض الديون التي يستحق أجلها سنويًا. وبلغ الدين الخارجي. ونتيجة لذلك، تراجع الدين الخارجي لمصر ليسجل 153.86 مليار دولار أمريكي في نهاية مايو 2024 مقابل 168.03 مليار دولار أمريكي في نهاية ديسمبر 2023 بقيمة قدرها 14.17 مليار دولار وبحوالي بحوالي 8.43%، وذلك يُعد التراجع الأكبر حجمًا في تاريخ المديونية الخارجية على الإطلاق. كما أنه هناك تحسن كبير في منحنى العائد على سندات مصر الدولارية أجل يناير 2027 حيث تراجع من 22.86% في أكتوبر 2023 ليصل إلى مستوى 9.2% في يونيو 2024، بفارق بلغ حوالي 13 نقطة مئوية، الأمر الذي يساهم في تقليص تكلفة الاقتراض من الأسواق الدولية عند الحاجة ويبرهن على ثقة المستثمرين الدوليين في الإجراءات الإصلاحية.

كما شهدت عقود مبادلة مخاطر الائتمان لأجل سنة واحدة تحسنًا ملحوظًا، حيث ارتفعت بنحو 2,333 نقطة أساس بين مايو 2023 ويونيو 2024، لتصل إلى 346.3 نقطة أساس. ويعكس هذا التطور تراجع المخاطر المرتبطة بأدوات الدين المصرية وزيادة الثقة في قدرة الاقتصاد المحلي على الوفاء بالتزاماته الدولية من قبل الأسواق العالمية. كما أسهم هذا التحسن في تحسين النظرة العامة لوكالات التصنيف الائتماني تجاه الاقتصاد المصري، مما أدى إلى تعديل توقعاتها المستقبلية بعد توحيد سعر الصرف في مارس 2024. نتيجة لذلك، نجحت القرارات الجريئة للسياسة النقدية منذ أغسطس 2022 في السيطرة على معدلات التضخم داخل السوق المصري ووضعها على مسار هبوطي مسجلة تباطؤًا كبيرًا إلى مستوى 27.5% في يونيو 2024 وهو أدنى معدل منذ فبراير عام 2023، مما يسهم في استقرار الأسعار محليًا وتقليص الضغوط على الأسر المصرية وتعزيز الثقة في العملة المحلية وبيئة الأعمال والاستثمار للاقتصاد المصري.

في الختام، على الرغم من الضغوط الكبيرة التي تواجهها مصر حاليًا في تأمين العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع الأساسية وتسديد تكاليف وأقساط الديون في مواعيدها المحددة، إلا أن هناك بيانات إيجابية تشير إلى تحسن الميزان التجاري المصري. تلتزم الحكومة المصرية بشكل صارم بسداد الديون في مواعيدها، وقد صرح رئيس الوزراء بأن تاريخ مصر خالٍ من التعثر في سداد الديون، مما يعكس قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها. تعمل الدولة المصرية دائمًا على توفير موارد دولارية من مختلف المصادر لضمان تلبية احتياجاتها والتزاماتها من الأسواق العالمية.

Website |  + posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى