تنمية الاقتصاد الوطني: خطة مستقبلية لتعزيز الإنتاج وزيادة الصادرات
يُعد قطاع الصناعة أحد القطاعات ذات الأولوية في البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكليّة، والذي اُطلق عام 2021 بهدف العمل على تنويع البنيان الإنتاجي للدولة وزيادة مرونته وقدرته على ملاحقة التطورات المعرفية والتكنولوجية في العالم، تعزيزًا للتنافسية الدولية للاقتصاد المصري. ويعد تعميق وتوطين الصناعة أحد اهم الاعمدة لتحقيق هدف الـ 100 مليا ر دولار صادرات.
تمثل أهداف استراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030” توجهًا متفقًا مع المعايير الدولية لتعزيز التنمية الصناعية، ويؤكد الهدف الثالث من هذه الاستراتيجية على بناء اقتصاد قوي يعتمد على المعرفة ويكون قادرًا على المنافسة ومتنوعًا. وكذلك وضعت الدولة رؤية أساسية تقضي بأن تكون التنمية الصناعية المحرك الرئيس للتنمية الاقتصادية؛ بهدف تلبية الطلب المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، ودعم نمو الصادرات، لتضع مصر كلاعب أساسي على خريطة الاقتصاد العالمي.
ملامح تطور قطاع الصناعة في مصر
تبنت الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية برنامجًا شاملًا للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الوطني يستهدف بشكل أساسي استعادة الثقة في الاقتصاد المصري من خلال تحسين وضع ميزان المدفوعات وزيادة الاحتياطات من العملة الأجنبية، بالإضافة إلى تخفيض عجز الموازنة، وتوفير المناخ المواتي للاستثمار الخاص، ودفع عجلة النمو الاقتصادي. وبالفعل بدأت البرامج التنموية التي نفذتها الحكومة خلال الفترة الماضية (2014 – 2023) تؤتي ثمارها التنموية. وفي ظل هذه الأهمية التي يحتلها قطاع الصناعة، أولت الدولة اهتمامًا خاصًا له، وعمدت عبر العديد من السياسات والاستراتيجيات إلى النهوض ببعض الصناعات التي استهدفتها الدولة وعولت عليها لتحقيق التنمية الصناعية والاقتصادية.
على صعيد آخر، فقد تم اتخاذ إجراءات إضافية لتحفيز الاستثمار الصناعي، منها: إصدار قانون رقم 153 لسنة 2022 للتجاوز عن 65% من غرامات وفوائد التأخير والضريبة الإضافية على متأخرات الضرائب والجمارك والضريبة العقارية، وكذا تم إعفاء 19 قطاعًا صناعيًا من الضريبة العقارية منذ يناير 2022، وتتحمل الخزانة العامة هذه الضريبة لمدة 3 سنوات، فضلًا عن مواصلة الحكومة منح قروض بفوائد ميسرة بنسبة 11% لتمويل أنشطة الإنتاج الزراعي والصناعي وتصل قيمة التمويل المخصص لتلك القروض 150 مليار جنية، وكذلك فقد تم منح 24 شركة الرخصة الذهبية، وتم إطلاق استراتيجية تنمية صناعة السيارات من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي للدولة المتمثل في تعميق صناعة السيارات وكافة الصناعات المغذية لها داخل مصر، حتى يتم الاعتماد على الإنتاج المحلي قدر الإمكان.
هذا وقد تمثلت أهم مستهدفات القطاع الصناعي بخطة عام 2023/2024 في توجيه استثمارات قدرها نحو 100.7 مليار جنيه لقطاع الصناعات التحويلية بنسبة زيادة تناهز 20% عن الاستثمارات المتوقعة للقطاع في عام 2022/2023، بالإضافة إلى تعميق التصنيع المحلي وزيادة مساهمة الناتج الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 20% بحلول العام المالي 2026/2027، ولتحقيق ذلك فقد عمدت الدولة إلى تطوير وإعادة تأهيل أنشطة التصنيع ذات الأهمية الاستراتيجية.
ويسهم دمج عبارة “صنع في مصر” في تسويق العلامة التجارية للمنشأة في تعزيز مكانة التصنيع في الدولة، وغرس رؤية إيجابية عن الصناعة كمهنة للأجيال الشابة. وفي السياق ذاته، أطلقت الدولة عام 2018 البرنامج القومي لتعميق التصنيع المحلي؛ بهدف زيادة القيمة المضافة للصناعة المصرية، ورفع القدرة التنافسية، وتوفير مُكون صناعي محلي كبديل للمُكون المُستورد من خلال تطوير قاعدة صناعية متنوعة من الموردين المحليين توفر مُنتج بسعر مُنافس وبجودة ومواصفات عالية.
ذلك بالإضافة إلى جهود الدولة في تحسين نظام تخصيص الأراضي الصناعية، حيث تم إطلاق الخريطة الاستثمارية بالتعاون مع الهيئة العامة للاستثمار لتسهيل عملية تخصيص الأراضي الصناعية، وتم إصدار قرار بتشكيل لجنة تقوم بتخصيص الأراضي الصناعية بشكل فوري وإصدار تراخيص التشغيل.
وفى هذا السياق، زاد عدد المناطق الصناعية المطروحة من 121 منطقة في عام 2014 إلى 147 منطقة صناعية بحلول عام 2022، وقد تم طرح عدد من تلك المناطق بالتعاون مع المطورين الصناعيين من القطاع الخاص. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء 17 مجمعًا صناعيًا في 15 محافظة على مستوى البلاد، بتكلفة استثمارية تبلغ 10 مليارات جنيه، وبإجمالي وحدات صناعية يفوق 5 آلاف وحدة، مما أدى إلى توفير حوالي 48 ألف فرصة عمل. وتم أيضًا افتتاح عدد من المدن الصناعية المتخصصة مثل مدينة الجلود بالروبيكي، ومدينة الأثاث بدمياط الجديدة، ومدينة الرخام بالجلالة، ومدينة الدواء بمنطقة الخانكة، بالإضافة إلى افتتاح المرحلة الأولى من مجمع صناعات الغزل والنسيج بمنطقة الروبيكي.
الرؤية المستقبلية لتعزيز نمو قطاع الصناعة والوصول إلى 100 مليار دولار صادرات
في إطار رؤية الدولة للوصول إلى صناعة وطنية قوية مستدامة طبقًا للاشتراطات العالمية، تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتي ترتكز على جذب الاستثمارات لتعميق الصناعة، من خلال استهداف قطاعات صناعية ذات أولوية تمتلك مصر فيها قاعدة تصنيعية وفرصًا ومزايا تنافسية على المستويين الإقليمي والعالمي. وتستهدف الاستراتيجية تحقيق عدد من الأهداف الأساسية بحلول العام المالي 2026/2027، أهمها زيادة نصيب الصناعة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 20%، والوصول إلى معدل نمو للصادرات تتراوح بين 18-25% سنويا.
وعملت الدولة على تحديد عدد من الصناعات الاستراتيجية ذات الأولوية والتي تعتمد عليها صناعات أخرى لضمان استدامة سلاسل الإمداد المحلية، وتم منحها حوافز استثنائية لجذب كيانات تصنيع عالمية، ومن بين تلك الحوافز: إلغاء كافة أنواع الضرائب عدا ضريبة القيمة المضافة لمدة 5 سنوات للتنفيذ والتشغيل في مدة أقصاها 3 سنوات ومع إمكانية استعادة نسبة 50% من قيمة المرافق حال الانتهاء من المشروع في نصف المدة، وجواز مد الإعفاء الضريبي حتى خمس سنوات إضافية وفقًا لضوابط محددة.
وأطلقت الدولة كذلك مؤتمر “خطوات على طريق الـ 100 مليار دولار صادرات”، تحت شعار “انطلق من مصر.. أنتج وصدر” تحت رعاية 3 وزارات هي: (التجارة والصناعة، المالية، الإنتاج الحربي). وجاء المؤتمر تنفيذًا لمبادرة السيد رئيس الجمهورية؛ لدعم الصادرات المصرية، وتفعيل مبادرة الـ 100 مليار دولار صادرات سنويًّا، بالتوازي مع إجراءات الدولة نحو دعم المصدرين والإنتاج المحلي؛ تعزيزًا لتعظيم شعار “صنع في مصر”.
والجدير بالذكر شمول الميزان التجاري صادرات وواردات مصر من السلع. وبالنظر إلى أداء الميزان التجاري المصري لعام 2022/2023 حيث بلغ إجمالي صادرات مصر من السلع البترولية وغير البترولية 39.6 مليار دولار (13.8 مليار دولار صادرات بترولية، و25.8 مليار دولار صادرات غير بترولية). ويُنظر لتلك البيانات بالإيجابية وخاصة فيما يتعلق بالصادرات غير البترولية التي ارتفعت بنسبة 28.5% تقريبًا مقابل 20.1 مليار دولار لعام 2020/2021.
تطور أداء الصادرات سنويًا (مليار دولار)، المصدر- البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية
وكان لقطاع الصادرات نصيب كبير في ارتفاع احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية حيث احتل قطاع الصادرات الترتيب الأول من بين المصادر الخمسة الأساسية للنقد الأجنبي في مصر خلال العام المالي 2022/2023.
في الختام، قطاع الصناعة في مصر يعد أحد الأعمدة الرئيسة للاقتصاد المصري. رغم التحديات التي تواجهه وتعمل الدولة على زيادة المكون المحلي في المنتجات المصرية وتوطين وتعميق الصناعة الوطنية فهناك جهود حثيثة لتعزيز هذا القطاع من خلال تحسين البنية التحتية وتنمية المهارات واعتماد التكنولوجيا الحديثة، ومن المتوقع أن يستمر قطاع الصناعة في النمو والتطور، مما سيسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل وزيادة الصادرات.