
مصر والصين: تحالف راسخ ينظر نحو مستقبل مشرق
يزور الرئيس عبد الفتاح السيسي جمهورية الصين الشعبية اليوم، 28 مايو 2024، بعدما وجه الرئيس الصيني شي جين بينج للرئيس المصري وزعماء بعض الدولة العربية الأخرى، مثل الإمارات والبحرين وتونس، دعوة لحضور حفل افتتاح المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي. وفي تصريحات دينج لي، نائب وزير الخارجية الصيني، تم التأكيد على أن الرئيس الصيني سيجري محادثات مع رؤساء الدول الأربع، على التوالي، لتبادل وجهات النظر حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بالإضافة إلى أن المنتدى سيهدف إلى تعميق التوافق بين الصين والدول العربية، مع الإشارة إلى أنه سيكون هناك موقف مشترك بين الصين والدول العربية بشأن القضية الفلسطينية.
وتتمتع مصر والصين بعلاقات تاريخية عميقة. انطلقت هذه العلاقات من أسس الاحترام المتبادل والتعاون البنّاء، وشهدت تطورات هائلة خلال العقود الأخيرة، لتصل اليوم إلى مستوى شراكة استراتيجية قوية، في جميع المجالات، سواء السياسية أو الاقتصادية أو غيرها، ويُعَد هذا التحالف نموذجًا فريدًا للتعاون بين الدول النامية، وله تأثير كبير على الساحة الدولية والإقليمية. وفيما يلي أهم أشكال العلاقات بين القاهرة وبكين التي تسببت في قوة الترابط بين البلدين، وفرص تطور هذه العلاقات بشكل أكبر في المستقبل.
العلاقات السياسية: دعامة أساسية للشراكة
تتميز العلاقات السياسية بين مصر والصين بنشاط دبلوماسي على كافة المستويات. تتبادل الدولتان الزيارات الرسمية بشكل دوري، حيث يلتقي الرؤساء وكبار المسؤولين بانتظام لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك على سبيل المثال، قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة رسمية للصين عام 2014، كما ردّ الرئيس الصيني شي جين بينج الزيارة عام 2018 لحضور افتتاح قناة السويس الجديدة، واستم تبادل الزيارات، حتى كان آخرها زيارة الرئيس السيسي للصين في فبراير 2022 للمشاركة في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الرابعة والعشرين في العاصمة الصينية بكين. بالإضافة إلى ذلك، تشارك مصر والصين بانتظام في المحافل الدولية والإقليمية، وتعملان على تنسيق مواقفهما تجاه القضايا العالمية المهمة.
علاوة على الدبلوماسية، شهد التعاون الأمني بين البلدين تعزيزاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث يتبادل الجانبان الخبرات في مجالات مكافحة الإرهاب والجرائم المنظمة، وتنظيم عمليات حفظ السلام، وتعزيز الأمن السيبراني. وتجري مصر والصين تدريبات عسكرية مشتركة بشكل دوري، وتتعاون في مجال تصنيع وتطوير الأسلحة، مما يجعل مصر من أهم شركاء الصين في مجال الأمن الإقليمي.
تتضمن العلاقات السياسية أيضاً دعمًا متبادلاً بين البلدين، حيث تؤكد مصر على سياسة “الصين الواحدة” وتعارض أي محاولات لتقسيمها، بينما تساعد الصين مصر، بمساعدات مادية وتقنية، في دعم جهودها في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ولطالما أشادت بالجهود المصرية في هذا الشأن، أيضًا إشارة دينج لي إلى أنه سيكون هناك موقف مشترك بين الصين والدول العربية بشأن القضية الفلسطينية يؤكد دعم الصين لمصر في موقفها من القضية الفلسطينية وجهود الوساطة الشاقة التي تقوم بها في الصراع.
العلاقات الاقتصادية: طريق للتنمية المشتركة
تعد الصين من أكبر الشركاء التجاريين لمصر، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2023 ما يقارب 30 مليار دولار أمريكي. وتتزايد الاستثمارات الصينية في مصر بشكل مستمر، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فعلى سبيل المثال، تم توقيع اتفاقية استثمارية بقيمة 50 مليار دولار أمريكي بين البلدين عام 2021، كما افتتحت الصين منطقة تجارية حرة في مصر عام 2022.
ولا تقتصر العلاقات الاقتصادية على التجارة والاستثمار المباشر، حيث تُعَد مصر بوابة الصين لإفريقيا، وهو ما يمكن الشركات الصينية من تنفيذ مشروعات ضخمة في القارة الإفريقية من خلال مصر. بالإضافة إلى ذلك، تُعَد مصر من الدول المؤسسة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، والتي تهدف إلى تعزيز الترابط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، وتساهم مصر بشكل فعال في تنفيذ مشروعات المبادرة، خاصة في مجال النقل البحري والبري، حيث يُعَد افتتاح قناة السويس الجديدة عام 2019 أحد أهم مشروعات مبادرة الحزام والطريق.
وللتعزيز والتسهيل المستمرين للتعاون الاقتصادي، تم إنشاء منطقة اقتصادية خاصة صينية مصرية في العين السخنة. كما تقدم الصين قروضاً ميسرة لمصر لتمويل مشروعات تنموية، وتشارك مصر في بنك التنمية الآسيوي، الذي تُعَد الصين أكبر مساهم فيه. أيضًا شهد الاستثمار المشترك مؤخرًا ازدهارًا ملحوظًا، خاصة بعدما تحركت القاهرة لتشجيع المستثمرين الأجانب، بخطوات الإصلاح الاقتصادية الأخيرة، ونتيجة لذلك كان أكثر المستثمرين الأجانب الذين وسعوا استثماراتهم في مصر من الصين، نتيجة لقوة التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وكان آخر أشكال هذا التعاون المميز في أبريل الماضي، حيث التقى وليد جمال الدين، رئيس مجلس إدارة منطقة السويس الاقتصادية، بوفد صيني رفيع المستوى برئاسة ني يو فانج، سكرتير لجنة الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة خبى Hebei الصينية، لمناقشة سبل التعاون بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومقاطعة خبي الصينية في المجالات ذات الاهتمام المشترك. وفي مارس الماضي التقى م. أحمد سمير وزير التجارة والصناعة بنظيره الصيني، وبحثا إمكانية إنشاء منطقة صناعية صينية على البحر المتوسط لتلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير للأسواق الأوروبية والأمريكية.
وأشار سمير أيضًا إلى أن مقترح إقامة هذه المنطقة يتضمن إنشاء منطقة صناعية تقليدية وأخرى متخصصة في الصناعات التكنولوجية ذات القيمة المضافة العالية الأمر الذي سيسهم في نقل الخبرات وتوفير أحدث التكنولوجيات للعمالة المصرية وجعل مصر محوراً صناعياً وتصديرياً للمنتجات الصينية، ويعتبر هذا اللقاء مهد لمرحلة جديدة من التعاون وتعزيز العلاقات بين البلدين من خلال الاهتمام بدفع أطر التعاون المشترك بين البلدين في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وهو ما يؤكد ليس فقط على قوة التعاون الاقتصادي بين البلدين، لكن أيضًا على أن هذا التعاون في حركة تطور وتقدم دائمة.
تعزيز الروابط الثقافية والشعبية
تتجاوز العلاقات المصرية الصينية المجالين السياسي والاقتصادي لتشمل جوانب ثقافية وشعبية مهمة، حيث تُقام العديد من الفعاليات الثقافية المشتركة بين البلدين، لتؤكد على أن التقارب والعلاقات القوية بين مصر وبكين ليست قاصرة فقط على العلاقات الرسمية بين حكومات البلدين، لكنها تمتد أيضًا إلى تقارب الروابط الثقافية والشعبية، وهو ما لا يقل أهمية عن العلاقات السياسية والاقتصادية، حيث أن ضمان قوة وازدهار العلاقات بين شعوب البلدين، يضمن استمرار نمو وتطور العلاقات الرسمية في المجالات السياسية والاقتصادية ويؤكد قوة التقارب بين البلدين بشكل عام.
وتُقام العديد من الفعاليات الثقافية المشتركة بين البلدين، مثل المعارض الفنية والمهرجانات الموسيقية. على سبيل المثال، أقيم معرض فني مشترك بين مصر والصين في القاهرة عام 2019، كما أقيم مهرجان موسيقي مشترك بين البلدين في بكين عام 2020. بالإضافة إلى ذلك، يتم تبادل البعثات التعليمية والبحثية بين البلدين، مما يساهم في تعزيز التفاهم الثقافي المتبادل. ويُعَد تعلم اللغة الصينية من اللغات الأكثر رواجاً في مصر في الفترة الأخيرة، خاصة بعد صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية ضخمة، والعكس صحيح أيضًا، حيث ارتفع اهتمام الصينيين بتعلم اللغة العربية، والبعض منهم يهتم بتعلم اللهجة المصرية على وجه الخصوص، وهو ما يعكس الاهتمام المتزايد بالثقافتين.
وتتسم العلاقات الشعبية بين مصر والصين بالقوة والحيوية، حيث يزداد عدد السياح الصينيين الوافدين إلى مصر سنويًا بشكل ملحوظ، وهو ما يعزز النشاط الاقتصادي ويعزز التواصل بين الشعبين أيضً. بالإضافة إلى ذلك تُقام العديد من الفعاليات الشعبية المشتركة، مثل احتفالات رأس السنة الصينية التي تشهد إقبالاً جماهيريًا كبيرًا في مصر. كما يمتد التعاون إلى المجال الرياضي، حيث تشارك مصر والصين بانتظام في الفعاليات الرياضية الدولية والإقليمية، وتُقام مباريات ودية بين المنتخبات الرياضية للبلدين، في مختلف الرياضات، مما يساهم في تعزيز روح التعاون والرياضة على المستوى الشعبي.
آفاق رحبة وفرص واعدة
تتجه العلاقات المصرية الصينية نحو مزيد من التطور والتعزيز في جميع المجالات، فمن المتوقع أن تزداد الاستثمارات الصينية في مصر بشكل كبير في المستقبل، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة والابتكار التكنولوجي. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يزداد حجم التبادل التجاري بين البلدين بشكل ملحوظ، مع استمرار تنفيذ مشروعات مبادرة الحزام والطريق، وتعزيز دور مصر كبوابة تجارية للصين في إفريقيا. أما على الصعيد السياسي، فمن المتوقع أن يستمر التعاون الأمني بين البلدين في التصدي للتحديات الأمنية المشتركة، مثل الإرهاب والجرائم الإلكترونية. كما من المرجح أن يزداد التنسيق المصري الصيني في المحافل الدولية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التي تهم الدول النامية.
وعلى المستوى الثقافي والشعبي، فمن المتوقع أن تشهد العلاقات المصرية الصينية مزيدًا من التقارب والتفاهم المتبادل، وسيعمل البلدان على تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي، وتشجيع السياحة المتبادلة، بالإضافة إلى زيادة التعاون في المجال الرياضي.
وفي الختام، تُعَد العلاقات المصرية الصينية نموذجًا يحتذى به للتعاون بين الدول النامية. وبالنظر إلى الأسس المتينة التي تقوم عليها هذه العلاقات، والتطلعات المشتركة للبلدين، من المؤكد أن يشهد المستقبل مزيدًا من التعاون والتنسيق والتنمية المشتركة بين مصر والصين، حيث تُعَد الشراكة الاستراتيجية بين مصر والصين تحالفاً قوياً له تأثير إيجابي على كلا البلدين. وبالاستفادة من تاريخهما العريق، وإمكاناتهما الاقتصادية الهائلة، وتطلعاتهما المستقبلية المشتركة، فإن مصر والصين على أهبة الاستعداد لرسم خارطة طريق لمستقبل مشرق يعمه التعاون والتنمية والازدهار.
باحث بالمرصد المصري