أفريقياإيران

هل سيستمر التقارب الإيراني مع القارة السمراء بعد رحيل إبراهيم رئيسي؟

أعلنت إيران الاثنين الموافق 20 مايو 2024 رسميًا وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية كانت تقلهما مع مسؤولين آخرين في منطقة وعرة قرب الحدود مع أذربيجان، بمحافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران.

وتطرح المتغيرات في الداخل الإيراني، جملة من التساؤلات بشأن ما هي انعكاسات التغيير المفاجئ في رأس السلطة التنفيذية جراء حادثة الوفاة على السياسة الخارجية الإيرانية حيال القارة الإفريقية،  وهل سيستمر التقارب الإيراني مع الدول الإفريقية كما كان في عهد الرئيس الإيراني الراحل  إبراهيم رئيسي الذى  كان يتبنى مقاربة إعطاء أولوية للملف الإفريقي، وهو ما اتضح جليًا في تصريحاته منذ توليه منصب الرئاسة في أغسطس 2021، والتي تشير إلى أن هناك توجهًا خلال فترة حكمه لتعزيز التعاون مع البلدان الإفريقية، وذلك بعدما شهدت العلاقات الإيرانية- الإفريقية تراجعًا خلال فترة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني (2013- 2021).

ولذلك نجد أن فترة إبراهيم رئيسي شهدت حراكًا دبلوماسيًا مُكثفًا لتوثيق الروابط مع الدول الافريقية، في خطوة منه لإحداث تقارب في الرؤى وتنشيط التعاون الاقتصادي والتجاري.  

وللإجابة على هذه التساؤلات، سيتم تقسيم الورقة البحثية إلى ثلاثة محاور؛ إذ يستعرض المحور الأول ملامح السياسة الخارجية الإيرانية حيال القرن الافريقي خلال فترة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي (أغسطس 2021-  مايو 2024)، في حين يتناول المحور الثاني مظاهر التقارب الإيراني مع دول غرب إفريقيا، وفى الجزء الأخير من الورقة سيتم استشراف آفاق السياسة الخارجية الإيرانية بعد رحيل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

المحور الأول: السياسة الخارجية الإيرانية حيال القرن الإفريقي

في هذا الجزء من الورقة البحثية، سيتم تناول الأهمية الجيواستراتيجية لإقليم القرن الإفريقي، والمُحفزات التي دفعت إيران في عهد الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي للاهتمام بإقليم القرن الإفريقي، وما هي أهداف السياسة الخارجية الإيرانية تجاه إقليم القرن الإفريقي.

نجد أن صانع القرار  في الجمهورية الإسلامية الإيرانية  يُدرك الأهمية الاستراتيجية التي يحتلها إقليم القرن الإفريقي، نتيجة اعتبارات عدة على رأسها الموقع الجغرافي؛ إذ يطل الإقليم على المحيط الهندي من ناحية، ويتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية، ومن ثم فإن دول القرن الإفريقي تتحكم في طريق التجارة العالمي، يمر عبره 13% – 15% من حجم التجارة العالمية، فهو ممر تجاري مهم للعديد من السلع الاستراتيجية خاصة النفط القادمة من دول الخليج، والمتوجهة إلى أوروبا، والولايات المتحدة، كما أن دول القرن الأفريقي تعد ممرًا مهما لأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة.

  • الأهمية الجيواستراتيجية لإقليم القرن الإفريقي:

 يُمكن توضيح الأهمية الجيواستراتيجية لإقليم القرن الإفريقي، وذلك على النحو التالي:

  • أولًا: أهمية الموقع الجغرافي: يتمتع إقليم القرن الإفريقي بموقع جغرافي متميز، حيث يربط بين ثلاث قارات: إفريقيا، وآسيا، وأوروبا، كما يطل على ممرات ملاحية استراتيجية متميزة كالبحر الأحمر ومضيق باب المندب، والتي يتم من خلالها نقل النفط من الدول الخليجية إلى دول العالم، وغيره من السلع التجارية الأخرى، وهو ما يعنى أن هذه المنطقة لها أهمية استراتيجية سواء على صعيد حركة التجارة العالمية، وكذلك من الناحية العسكرية، حيث أن أي  تحرك عسكري قادم من الولايات المتحدة الامريكية أو الدول الأوروبية إلى  دول الخليج أو العكس يمر عبر هذه المنطقة. ولذلك، نجد أن هناك تنافسًا بين القوى الإقليمية والدولية للسيطرة على منطقة القرن الإفريقي، وهوما سيسهل لها النفاذ للممرات الملاحية الاستراتيجية، وكذلك الحرص على التواجد العسكري، ولذلك نجد أن إيران تحرص على تعزيز نفوذها في منطقة القرن الإفريقي.
  • ثانيًا: الأهمية العسكرية: هناك حرص من جانب القوى الدولية والإقليمية على تعزيز حضورها العسكري في إقليم القرن الإفريقي، ونجد أن دولة جيبوتي تستضيف قواعد عسكرية لعدد من القوى الدولية كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا واليابان والصين. كما نجد أن هناك قاعدة عسكرية تركية في الصومال، وذلك نظرًا للأهمية الاستراتيجية التي يحتلها إقليم القرن الإفريقي.   
  • ثالثًا: الأهمية الاقتصادية: تمتلك المنطقة مقومات اقتصادية، حيث تمتلك ثروات طبيعية هائلة من احتياطي الغاز والنفط في العالم، واحتياطي الذهب، كما نجد أن نحو 40% من تجارة النفط العالمية تعبر من مضيق باب المندب.
  • أهداف السياسة الخارجية الإيرانية تجاه القرن الإفريقي: 

يمكن القول إن الدبلوماسية الإيرانية تسعى لتحقيق مجموعة من الأهداف في ضوء تنشيط علاقاتها مع دول القرن الإفريقي، ويمكن استعراض ذلك على النحو التالي:

  • أهداف سياسية: تسعى إيران إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية بدول القرن الإفريقي، للحصول على دعم هذه الدول للسياسات الإيرانية، وهو ما سيساعد إيران على كسر حاجز العزلة الغربية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي من خلال امتلاكها شبكة من العلاقات بدول القرن الإفريقي، وهو ما سيسهم في مواجهة الضغوط الدولية.
  • أهداف اقتصادية: هناك حرص إيراني لتطوير العلاقات الاقتصادية الإيرانية-الإفريقية، لاسيما وأن حصة إيران من التجارة الدولية مع أفريقيا ضئيلة، ولا تتجاوز مليارًا و200 مليون دولار. ويمكن تعزيز العلاقات الاقتصادية في المجالات التي تتمتع بها إيران بميزة نسبية، لاسيما في قطاعي التكنولوجيا والنفط، ومجال صيانة معامل تكرير النفط، ولذلك نجد أن هناك دعمًا إيرانيًا لبناء مصفاة تكرير النفط بعد اكتشاف آبار جديدة للخام، وخط أنابيب بطول 1443 كيلومترًا في أوغندا. كما تعمل إيران على تعزيز التعاون في قطاعي الزراعة والصحة، فقد تم توقيع مذكرات تعاون بين إيران وكينيا في مجالات الاتصالات والصحة وتربية المواشي والصيد البحري.
  • أهداف أمنية: تعمل إيران على توثيق علاقاتها بدول القرن الإفريقي التي تطل على البحر الأحمر، وتعزيز حضورها في الممرات الملاحية الدولية، ولذلك نجد أن إيران حرصت على بناء قاعدة عسكرية لها في ميناء عصب الإريتري، والذي يعد من أهم الموانئ الحيوية في إريتريا ويقع على بعد كيلومترات قليلة من مضيق باب المندب وخليج عدن، ولا شك أن الحضور الإيراني في الممرات الملاحية الدولية يمكن أن تستخدمه كورقة ضغط في المفاوضات النووية مع القوى الغربية.
  • أهداف أيديولوجية: تقوم إيران على تعزيز نفوذها في المجتمعات الإسلامية من خلال نشر الفكر الشيعي من خلال المراكز الثقافية الإيرانية، والتي تعد أحد أدوات القوة الناعمة الإيرانية، وتلعب هذه المراكز دورًا في تمويل تيارات فكرية تعمل على نشر الفكر الشيعي، وهو ما يسهم في دعم التغلغل الإيراني داخل بلدان القرن الإفريقي.

ج- أبرز التفاعلات الإيرانية مع دول القرن الإفريقي:

يمكن القول إن إيران تمتلك علاقات قوية مع أغلب دول القرن الإفريقي، ولذلك أن تكثيف التعاون بين إيران ودول القرن الإفريقي، يساعد إيران على زيادة نفوذها في المنطقة، ويمكن استعراض ذلك على النحو التالي:

  • العلاقات الإيرانية –الإثيوبية: هناك علاقات ودية بين إيران وإثيوبيا، وهو ما يتجلى في عدد من المؤشرات، حيث لا تعارض إثيوبيا امتلاك إيران للسلاح النووي، كما أن إيران قدمت مساعدات عسكرية لإثيوبيا خلال المواجهات العسكرية بين الحكومة الفيدرالية الاثيوبية وجبهة تحرير التيجراى، وكذلك التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب. كما تعمل إيران على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إثيوبيا التي تعتبر الوجهة الأولى للصادرات الإيرانية من السلع والخدمات.
  • العلاقات الإيرانية- الإريترية: هناك علاقات قوية بين إيران وإريتريا، حيث تحرص إيران على تقديم مساعدات اقتصادية لها لتقوية علاقاتها بها، وهو ما توج بحصول إيران على تسهيلات للتواجد العسكري في ميناء عصب، وقد عملت إيران على استغلال العلاقات السياسية والعسكرية المتميزة مع إريتريا لدعم حلفائها في اليمن، حيث تدعم إيران الحوثيين عسكريًا.
  • العلاقات الإيرانية- الصومالية: نجد أن هناك توترًا في العلاقات الإيرانية الصومالية، حيث نجد أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قد وجه اتهامات لإيران، بانها تعمل على نشر التشيع من خلال ستار الاعمال الإنسانية، كما أن لإيران روابط مع حركة الشباب الإرهابية التي تنشط في الصومال لشن هجمات إرهابية ضد الأهداف الأمريكية.

المحور الثاني: السياسة الخارجية الإيرانية حيال دول غرب إفريقيا

  • شهدت العلاقات بين إيران ودول غرب إفريقيا، وخاصةً مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تناميًا ملحوظًا في عهد الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي الذي سعى لتوسيع النفوذ الإيراني في دول غرب إفريقيا، لاسيما الدول المُناهضة للهيمنة الغربية. وتبنت إيران مقاربة دعم هذه الدول في تقرير مصيرها، ومُعارضة التدخلات الخارجية في شؤونها، والعمل على تعزيز التعاون مع هذه الدول في المجالات السياسية والأمنية والدبلوماسية.
  • مُحفزات التقارب الإيراني مع دول غرب إفريقيا

يُبدو أن هناك جملة من العوامل التي ساعدت على التقارب بين إيران ودول غرب إفريقيا، لاسيما مالي وبوركينافاسو والنيجر، ويمكن استعراض دوافع التقارب بين البلدين على النحو التالي:

  • السياسات المُعادية للغرب: نجد أن هناك قواسم مشتركة بين إيران التي تنتهج سياسة تتسم بالتوتر حيال الدول الغربية على خلفية البرنامج النووي الإيراني، وكذلك هناك توتر في العلاقات بين دول غرب إفريقيا، لاسيما (مالي- بوركينافاسو- النيجر) والغرب، فهناك موجة متزايدة من المشاعر المعادية للغرب في السنوات الأخيرة. ويعود ذلك إلى مشاعر الاستياء من الحكم الاستعماري الفرنسي حاضرة في بعض أوساط المجتمع في مالي وبوركينا فاسو، حيث يُنظر إلى التدخل الفرنسي المستمر في المنطقة، سواءً السياسي أو العسكري، على أنه استمرار للاستعمار.

كما نجد أن هناك توترًا بين النيجر والدول الغربية بعد انقلاب يوليو 2023، وهو ما وجدته إيران عاملًا لتعزيز حضورها في النيجر التي انتهجت سياسات مُعادية لفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ أعلن المجلس العسكري في النيجر تعليق تصدير اليورانيوم لفرنسا، في أول أغسطس 2023، حيث يمثل اليورانيوم حوالي 35% من الاحتياجات الفرنسية ويساعد محطاتها النووية على توليد 70% من الكهرباء، بالإضافة إلى ذلك أعلنت باريس سحب قواتها المُتمركزة في النيجر. ب

الإضافة إلى ذلك هناك تدهور في العلاقات بين النيجر والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أتضح جليًا في إعلان السلطات العسكرية الحاكمة في النيجر إنهاء الاتفاقية العسكرية مع واشنطن في مجال الإرهاب، وهذا القرار سيؤثر على القاعدة التي بنتها الولايات المتحدة بقيمة 110 ملايين دولار في النيجر والتي تُستخدم لتحليق طائرات المراقبة بدون طيار فوق غرب إفريقيا، كما يؤدي ذلك إلى انسحاب أكثر من 600 جندي أميركي مازالوا متمركزين في النيجر.  وقد جاء هذا القرار بعد أن اتهم مسؤولون أمريكيون كبار المسؤولين في المجلس العسكري الحاكم في النيجر بالانخراط في “مفاوضات سرية” مع إيران “لتسليم 300 طن من خام اليورانيوم”، تُقدر قيمية الصفقة بـ 56 مليون دولار.   

  • الرغبة في الحصول على اليورانيوم: تعدّ النيجر سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وفقًا للرابطة النووية العالمية، وأحد أكبر المورّدين لهذه المادة، وهو ما دفع إيران لتعزيز التقارب معها، وتوظيف الانسحاب الفرنسي من النيجر في التوصل إلى صفقات للوصول إلى اليورانيوم التي يمكن أن تساعد في سد النقص الذي تعاني منه إيران منذ فترة طويلة في اليورانيوم المستخرج من المناجم.

وتحتاج طهران إلى أكثر من احتياطاتها المحلية الحالية لبرنامج تخصيب اليورانيوم؛ إذ سلط ” الكتاب الأحمر لليورانيوم ” لعام 2022، الذي شارك في تأليفه وكالة الطاقة النووية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، الضوء على موارد اليورانيوم المحلية المحدودة لدى إيران. وفقًا للكتاب الأحمر، تُعدّ موارد اليورانيوم في إيران محدودة نسبيًا مقارنةً بالدول الأخرى المُنتجة لليورانيوم؛ إذ تُقدّر احتياطيات اليورانيوم المُؤكدة في إيران بِما يقارب 2.8 مليون طن، بينما تُقدّر احتياطيات اليورانيوم المُحتملة بِما يقارب 5.6 مليون طن. ويُمكن أن تُؤدي محدودية موارد اليورانيوم في إيران إلى صعوبات في تطوير برنامجها النووي على المدى الطويل، ومع ازدياد الطلب على الطاقة النووية، ستحتاج إيران إلى كميات أكبر من اليورانيوم، مما قد يُجبرها على استيراده من دول أخرى.

  • تخفيف العزلة: هناك قاسم مُشترك بين البلدين فيما يتعلق بمسالة العقوبات الغربية المفروضة، حيث نجد أن إيران تخضع لعقوبات غربية شديدة على مدى أكثر من 4 عقود لعقوبات غربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية شملت مختلف قطاعات الاقتصاد الإيراني.  كما تُواجه مالي وبوركينا فاسو عقوبات اقتصادية ودبلوماسية من قبل الدول الغربية، خاصةً الاتحاد الأوروبي وفرنسا، منذ عام 2022، فقد فرضت الدول الغربية عقوبات على مالي وبوركينا فاسو بعد وقوع انقلابات عسكرية في البلدين في عامي 2021 و 2022، كما فرضت الدول الغربية عقوبات إضافية بسبب عدم التزام السلطات العسكرية في البلدين بِالوعود التي قطعتها بشأن عودة الحكم المدني.

بالإضافة إلى ما سبق، أوقفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المساعدات للنيجر ردًا على انقلاب يوليو 2023، كما فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، عقوبات على النيجر في أعقاب الانقلاب. وبُموجب العقوبات، علقت الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعاملات التجارية مع النيجر وجمدت أصول البلاد في البنك المركزي الإقليمي، في حين قطعت نيجيريا إمدادات الطاقة عن البلاد.

وفى ضوء هذه المُعطيات، نجد أن إيران قد أعلنت أنها مستعدة لمساعدة هذه البلدان في التغلب على العقوبات الدولية، ويُبدو أن طهران تسعى لتخفيف عزلتها من خلال تعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية.

ب- مظاهر التقارب بين إيران ودول غرب إفريقيا

حرصت إدارة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي على فتح قنوات التواصل مع النخبة التي تتولى قيادة البلاد في كل من مالي وبوركينافاسو والنيجر، وهو ما تجلى في عقد لقاءات دبلوماسية واجراء مناقشات وتبادل الآراء حيال القضايا ذات الاهتمام المُشترك، إلى جانب بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين على مختلف الأصعدة، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

  • الزيارات الدبلوماسية: هناك حرص من جانب إيران والنيجر على تعزيز العلاقات الدبلوماسية، فقد قام وزير الخارجية النيجري بكاري ياو سنغاري بزيارة رسمية لإيران أواخر شهر أكتوبر 2023، وقد التقى بالرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، وكذلك وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، وقد تم خلال هذا اللقاء تبادل وجهات النظر حول مختلف المواضيع ذات الاهتمام المشترك في مجال العلاقات الثنائية والدولية وآخر التطورات الداخلية في النيجر.

وخلال هذا تم التأكيد على رغبة القيادة السياسية الإيرانية في تعزيز التعاون المتبادل مع النيجر  في مختلف المجالات، بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، وأهمية تبادل الوفود رفيعة المستوى بين البلدين بهدف تعزيز مصالح الطرفين.

كما حرص الرئيس الإيراني الراحل خلال لقائه برئيس وزراء النيجر علي لمين زين مطلع عام 2024على التأكيد على  أن العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والنيجر وكافة الدول الإفريقية تتجاوز العلاقات السياسية والدبلوماسية وتقوم على المصالح المتبادلة بين البلدين، كما  أنه لا توجد أي عوائق أمام تطوير العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والنيجر، واستعداد إيران لتبادل القدرات في مختلف القطاعات، لا سيما الطاقة والصناعة والتعدين وتصدير الخدمات الهندسية الفنية.
بالإضافة إلى ما سبق، نجد أن الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي قد أشاد بما سماها “مقاومة” الدول الإفريقية في مواجهة “الاستعمار والإرهاب” ، وذك خلال استقباله وزيرة خارجية الحكومة الانتقالية في بوركينا فاسو في طهران. كما حرصت إيران على تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع مالي،
وهو ما اتضح جليًا في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى مالي، في ٢٣ أغسطس ٢٠٢٢، والتي تلت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب إلى طهران في 10 فبراير 2022.

  • التعاون الاقتصادي:  حرصت إيران خلال عهد إبراهيم رئيسى على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع البلدان الواقعة في غرب إفريقيا؛ إذ نجد هناك رغبة مُشتركة بين إيران والنيجر لتعزيز الشراكة الاقتصادية، وهو ما يمكن تحقيقه عبر تفعيل اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين البلدين إطارا مناسبا لتحويل التطلعات إلى تعاون عملي، وقد تم التوافق على تعزيز التعاون في مجالات؛ الخدمات الفنية والهندسية وبناء المساكن وتهيئة الظروف الفنية المناسبة لمحطات الطاقة الحرارية وتصدير السيارات، وتطوير التعاون في مجال الصحة والعلاج والتدريب الفني والمهني البحري والزراعة وحل المشاكل المصرفية والمالية بين البلدين. 

كما نجد أن إيران قد وقعت على مذكرة تفاهم مع مالي في أغسطس 2002 خاصة باللجنة المشتركة الأولى للتعاون الشامل وأعلن أن إيران تسعى إلى تنظيم معرض “علمي- صناعي” في باماكو وكانت إيران حريصة على تقديد مساعدات طبية إلى مالي، لا سيما خلال فترة انتشار فيروس “كوفيد – ١٩”، حيث قدمت مليون جرعة من اللقاح الإيراني.

  • التعاون العسكري: لا شك أن إيران ستسعى إلى تشبيك العلاقات مع النيجر على الصعيد العسكري، من خلال الترويج للصناعة العسكرية الإيرانية، لاسيما صناعة الطائرات المسيرة والتي تلقى رواجًا في البلدان الإفريقية التي ينشط فيها هجمات التنظيميات الإرهابية. وتعتبر إيران البلدان الواقعة في غرب إفريقيا بؤرة مُحتملة للإرهاب؛ إذ تبرهن أنشطة مجموعات مثل بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، مخاوف إيران من انتشار العنف، ولذلك نجد أن التصريحات الرسمية الصادرة من إيران تؤكد استعدادها للتعاون مع البلدان الواقعة في غرب إفريقيا فيما يتعلق بنقل القدرات والإمكانات في مجال المعدات العسكرية.  

ملامح المرحلة القادمة

يُحاول هذا الجزء من الورقة البحثية استشراف آفاق السياسة الخارجية الإيرانية بعد رحيل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، فهناك تساؤلات بشأن هل سيستمر النهج الإيراني في تعزيز وتيرة التقارب مع إفريقيا أم سيتراجع التقارب في ضوء انشغال النخبة الإيرانية على ترتيب المشهد في الداخل الإيراني على حساب السياسة الخارجية الإيرانية؟
ومن المُحتمل، أن المرحلة التالية لرئيسي لن تتغير فيما يتعلق بالنهج الذي تسلكه القيادة الإيرانية، حيث المحدد الأساسي لطبيعة النظام السياسي يعود للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية الذي يرسم توجهات الدولة، وبالتالي الرئيس القادم لإيران سيمضي على تنفيذ توجهاته.

وربما تتراجع وتيرة تطوير العلاقات بين إيران وإفريقيا، نظرًا لمستجدات الأوضاع السياسية في إيران، وترتيب المشهد في الداخل الإيراني بعد حادثة وفاة الرئيس، ولكن نأخذ في  الاعتبار أنه بعد استقرار الأوضاع في الداخل الإيراني وانتخاب رئيس جديد، من المُرجح أن تكون القارة الإفريقية حاضرة  في الخطاب الرسمي الإيراني ، كما سيتم استكمال إقامة تحالفات مع الدول الإفريقية التي تتسم علاقاتها مع الغرب بالتوتر، وتقديم المساعدات الإنسانية والخدمات التعلمية والصحية للدول التي تحتل أهمية لإيران، والحرص على إظهار إيران بأنها نموذج تنموي بديل للدول الغربية، مما يجذب البلدان الإفريقية.

وهو ما سيؤدي إلى تحقيق عدد من المكاسب الاستراتيجية لإيران؛ من حيث تعزيز النفوذ السياسي لإيران في إفريقيا، وتنويع شركائها التجاريين، وفتح أسواق جديدة لمنتجاتها في القارة الأفريقية التي تتمتع بإمكانيات اقتصادية كبيرة، إلى جانب كسر العزلة الاقتصادية المفروضة عليها، وتقليل تأثير العقوبات الغربية على اقتصادها.

وفى الختام، يمكن القول إنه من المُستعبد حدوث أي تغيير في السياسية الخارجية الإيرانية قبل أن يتم إجراء انتخابات بحيث يصوت الشعب الإيراني ويختار رئيسًا جديدًا، في أعقاب حادث تحطم طائرة المروحية الذي أسفر عن مصرع الرئيس الإيراني ووزير الخارجية ومرافقيهم، مع الأخذ في الاعتبار أن إيران عندما تستقر الأوضاع في الداخل ستكون الأولوية لانتهاز فرصة توتر العلاقات بين الغرب والدول الإفريقية، لاسيما الواقعة في غرب إفريقيا لملء الفراغ الأمني والاقتصادي لتعزيز حضورها ومد نفوذها في غرب إفريقيا.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى