الأمريكتانإيرانإسرائيل

التصعيد الإيراني الإسرائيلي في المنظور الأمريكي وتأثيراته على “أزمة غزة”

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، وتسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تحقيق عدد من الأهداف المتناقضة منها: مساندة إسرائيل بكل قوة في عدوانها على قطاع غزة، والحفاظ على الأمن الإسرائيلي وتقديم دعم لا يتزعزع في حال اندلاع الحرب، حتى لو كانت إسرائيل مسؤولة عن إطلاقه، وعدم تعرض القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة للتهديد، بالإضافة إلى الحفاظ على حركة التجارة الملاحية في البحر الأحمر، ومنع نشوب حرب إقليمية أوسع في المنطقة تكون إيران في القلب منها. وما بين تحقيق هذه الأهداف والدعم الإسرائيلي اللامحدود تسير الإدارة الأمريكية على حبل مشدود لمنع اقتراب المنطقة من نقطة الانهيار في ظل تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل.

لقد كشفت الضربة الإيرانية على إسرائيل في 13 أبريل، والتي جاءت رداً على الهجوم الذي شنته إسرائيل في الأول من أبريل على القنصلية الإيرانية في سوريا وأسفر عن مقتل 7 ضباط عسكريين إيرانيين رفيعي المستوى، من بينهم جنرالان، ثم رد إسرائيل بشن هجوم على أهداف في مدينة أصفهان وسط إيران، مدى قدرة واشنطن على ردع الصراع على الرغم من العلم المسبق به والتحذير من هجوم وشيك، حيث كان الرئيس بايدن وإدارته على علم مسبق بأن إيران تستعد لضربة عسكرية كبيرة على إسرائيل، لكنهم لم يتمكنوا من ردعها. وهو ما حدث أيضًا في عام 2022، عندما قدمت وكالات الاستخبارات الأمريكية تفاصيل عن الخطط العسكرية الروسية لغزو أوكرانيا. ومع ذلك، لم تتمكن الإدارة من تجنب الغزو الذي أدى إلى اندلاع أكبر صراع أوروبي منذ الحرب العالمية الثانية.

وعلى الرغم من فشل الهجوم الإيراني على إسرائيل إلا أنه شكل سابقة خطيرة وتعقيد لحسابات بايدن تجاه منطقة مشتعلة وسط الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وحمل الرد الأمريكي شقين الأول أعادت فيه واشنطن تأكيد تعهدها بالوقوف دائما إلى جانب حليفتها إسرائيل، واعتراض واشنطن وحلفاؤها في المنطقة جميع عمليات الإطلاق الإيرانية التي يزيد عددها عن 300 تقريبًا. والثاني إعطاء الضوء الأخضر لتل أبيب لتوجيه ضربات جوية ضد أهداف عسكرية في مدنية أصفهان عبر ترتيب هذا التحرك مسبقا مع إيران عبر الوسيط العماني تحت دعوى حاجة إسرائيل للرد لـ “لحفظ ماء الوجه” واستعادة توازع الردع.

لكن الدعم الأمريكي اللامحدود فرصة للإدارة الإسرائيلية لاتخاذ أي عمل عسكري تراه مناسباً واثقة من أن واشنطن ستدعمها عندما تتدهور الأوضاع. ويمنح إسرائيل ترخيصًا لخوض المخاطر التي تبدأ الحرب الإقليمية ذاتها والتي تحاول الولايات المتحدة منعها. وأصرت إسرائيل على تنفيذ رد عسكري على الهجوم الإيراني وقصفت مطار عسكري بمنطقة أصفهان رغم المناشدات الغربية خاصة الأمريكية بعدم تصعيد التوتر في المنطقة.

وبالتالي، يفرض التوتر الإسرائيلي الإيراني تعقيدات حول مسار الحرب والمفاوضات في غزة. فهناك تقاطعات وتعارضات في الآن نفسه بين اللاعبين الأساسيين الأمريكي والايراني والاسرائيلي: تقاطع أمريكي إيراني حول عدم توسيع الحرب. وتعارض أمريكي إيراني حول حل الدولتين ومستقبل دور حماس. وتقاطع أمريكي اسرائيلي حول اجتثاث حماس وتعارض أمريكي إسرائيلي حول حل الدولتين ودور السلطة الفلسطينية.

تكثيف الدعم الأمريكي الإسرائيلي

أدى الهجوم الإيراني على إسرائيل إلى زيادة الضغط الذي يشكل النهج المتضارب للرئيس جو بايدن تجاه الحرب في غزة. وحاول بايدن التوفيق بين ميله التاريخي لدعم إسرائيل دون تحفظ، وانتقاد سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتصعيد الخطاب الموجه له لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وقبول حل الدولتين. ولكن بمجرد بدء الهجوم الإيراني، عاد الرئيس إلى غريزته في الوقوف خلف إسرائيل.

قبل الهجوم الإيراني، تزايدت الانتقادات الموجه لإدارة بايدن لدعمها استرضاء طهران، وتشبث الإدارة الأمريكية بإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب. والعمل على إضعاف فاعلية العقوبات المفروضة على طهران، والسماح للنظام الإيراني بالحصول على 10 مليارات دولار من بيع الكهرباء إلى العراق، وارتفاع إنتاجه من النفط وبيعه إلى الصين وغيرها من الوجهات الآسيوية.

ووفقًا لموجز خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكي في 28 فبراير 2024، لم تكتف إدارة بايدن بالامتناع بشكل منهجي عن تطبيق العقوبات الثانوية ضد مستوردي النفط الإيراني، ولكنها سعت أيضًا إلى تملق النظام الإيراني الذي يزداد جرأة من خلال مزيج من الحوافز النقدية والإعفاءات. وتبرير الإدارة لمثل هذا السلوك لا يسعى إلا إلى تعزيز عقيدة الأمن القومي المتمثلة في أقصى قدر من التهدئة. هذا، إلى جانب إنهاء الحظر الصاروخي الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران بدلا من العمل مع الحلفاء الأوروبيين لتفعيل “إعادة فرض” عقوبات الأمم المتحدة وهي آلية لاستعادة جميع القيود متعددة الأطراف على إيران دون استخدام حق النقض الروسي أو الصيني. ويرى فريق بايدن إن مثل هذا النهج ساعد على إعادة المواطنين الأمريكيين المحتجزين في إيران إلى الوطن مع ضمان عدم دخول الولايات المتحدة في صراع مباشر مع النظام الإيراني.

كما واجه بايدن انقسامًا في ائتلافه حول طريقة تعامله مع الحرب الإسرائيلية في غزة أكثر مما واجهه أي رئيس ديمقراطي بشأن خيار السياسة الخارجية. في وقت يحتاج فيه أي رئيس أمريكي يسعى لإعادة انتخابه أن يبرز صورته الذهنية كزعيم قوي مسيطر على فريقه للأمن القومي، في اللحظات التي تعد اختبارا قويا لقيادته وسياساته تجاه قضايا الأمن القومي. ووفرت لحظة شن إيران هجومها على إسرائيل، باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، فرصة نادرة للرئيس جو بايدن للظهور بهذه الصورة، والترويج لها، في وقت يشكك فيه الكثير من الناخبين بقدرات الرئيس الذهنية للقيادة.

ساهم الهجوم كذلك، في منع الكثير من الديمقراطيين المطالبة بتعليق عمليات نقل الأسلحة الهجومية إلى إسرائيل، مثل بيع طائرات مقاتلة من طراز F-15 إلى إسرائيل التي يضغط بايدن على الكونجرس للموافقة عليها بسبب مقاومة بعض قادة الحزب، فقد ساعدت الطائرات الأمريكية في اعتراض الهجوم. وأكدت التقارير، إنه يجب على الولايات المتحدة أن تستمر في تجديد الأنظمة الدفاعية التي استخدمتها إسرائيل ضد القصف الإيراني، وتزويد إسرائيل بأسلحة متطورة يعزز المصالح الاستراتيجية الأمريكية في ردع إيران وهي حجة اكتسبت أهمية بعد القصف الإيراني.

كما عزز الهجوم قناعة واسعة من الحزبين بأن إسرائيل لها ما يبررها في السعي إلى تدمير حماس. خاصة أن الهجوم على إسرائيل جاء بعد أسابيع من قيام بايدن بتكثيف الضغط على دولة الاحتلال لتقليص عملياتها العسكرية في غزة، وقد وجد هذا الموقف موافقة نادرة من دونالد ترامب، الذي طلب من إسرائيل، بصفته المرشح الرئاسي الجمهوري المحتمل، أن تكمل هجماتها هناك في أسرع وقت ممكن. لكن الهجوم الإيراني دفع إلى تغيير مسار الأحداث ومطالبة البعض الولايات المتحدة بالانتقام عسكرياً من إيران.

وتتزايد الضغوط على بايدن لمعاقبة النظام الإيراني ومعاملته على أنه منبوذ عالميًا، من خلال عدد من الإجراءات أبرزها:

  • إعلان النظام الإيراني تجاوزه الخطوط الحمراء، وأنه بات يشكل تهديداً وجودياً للدول المتقدمة. والقضاء على جميع وكلائه في المنطقة، ومنع إيران من تطوير سلاح نووي.
  • تجميد مبلغ الـ 10 مليارات دولار التي حصلت عليها إيران من إعفاء العقوبات، وهي أموال يمكن الوصول إليها في حسابات مصرفية في العراق وعمان وأوروبا. وحظر الواردات الصينية من الخام الإيراني. وإذا رفض بايدن، فيتعين على مجلس الشيوخ أن يصوت على مشروعي قانون أقرهما مجلس النواب من شأنهما أن يفرضا يده على كلتا القضيتين.
  • وعلى الساحة الدولية، يجب على البيت الأبيض الانضمام إلى المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا في إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة والضغط على بريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي لتصنيف الحرس الثوري الإسلامي الإيراني منظمة إرهابية. والضغط على كندا لرفع حظر الأسلحة المفروض على إسرائيل.
  • تشكيل ائتلاف يضم أكبر عدد ممكن من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وفرض عقوبات صارمة على طهران، والسماح لإسرائيل بالقضاء على حماس، وحزب الله. وإذا فشلت الولايات المتحدة في ذلك، فعليها استخدام القوة العسكرية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، كما قصفت إسرائيل مفاعل أوزيراك العراقي في عام 1981 وموقع الكبر في سوريا في عام 2007. لاحتواء وتحييد أحد اللاعبين الأساسيين في محور الشر.

لقد منح الهجوم الإيراني لإسرائيل، ما لم يستطع أي لاعب سياسي آخر أن يفعله وهو تغيير السردية بشأن إسرائيل من المعتدي إلى الضحية وحشد الدعم الدولي اللازم إلى جانب إسرائيل، ومنح بايدن فرصة مؤقتة وبعض المساحة للتنفس لإيجاد حل طويل الأمد لحرب غزة، وتأخير الحساب بين بايدن ونتنياهو بشأن غزة. والأهم من ذلك، هو استخدام الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة وهو ما يعد انتصارًا ساحقًا لدولة الاحتلال، ومنحها المزيد من الوقت لإبادة غزة.

الاستراتيجية الأمريكية تجاه التهديدات الإيرانية

في مرحلة سابقة من الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، شعرت إدارة بايدن بالقلق من نزعة إسرائيل إلى توسيع نطاق الحرب وصولاً إلى لبنان. وقد نجح بايدن في إقناع نتنياهو بتأجيل خططه المتعلقة بتوجيه ضربة استباقية إلى “حزب الله”. لكن لم يدرك بايدن أو المؤسسات السياسية في واشنطن على أن نتنياهو يحاول جر الولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران منذ أواخر التسعينات.

لم تشعر الإدارات الأمريكية المتعاقبة يوماً بالحماس الذي يبديه نتنياهو لخوض مواجهة مسلحة مع إيران. فقد عمد جورج بوش الابن، وباراك أوباما، وحتى دونالد ترامب، إلى مقاومة رغبات إسرائيل لأنهم أدركوا أن برنامج إيران النووي لا يمكن تدميره عسكرياً بشكل نهائي، وأن المصالح الأمريكية لا يمكن تحقيقها عبر خوض حرب أخرى في الشرق الأوسط، لأن أي حرب مماثلة قد تزعزع استقرار المنطقة وتضعف الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. كذلك، كان توسيع أي التزام عسكري أمريكي في الشرق الأوسط ليستنزف الموارد اللازمة للتعامل مع ما يعتبره الأمريكيون مشكلة استراتيجية أكثر خطورة تتمثل في زيادة القوة الصينية.

تبنى بوش موقفاً علنياً عدائياً تجاه إيران، لكنه كان أكثر إيجابية. وذلك عندما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، إلى كسب الدعم الأمريكي لشن هجوم ضد منشآت إيران النووية في مايو 2008، رفض بوش دعم هذا القرار وأوضح أن موقفه لن يتغير خلال الفترة المتبقية من عهده الرئاسي. رفض بوش أيضاً منح إسرائيل القنابل الخارقة للتحصينات التي كانت تحتاج إليها لاستهداف المواقع النووية الإيرانية.

ذهب أوباما من جهته إلى حد الإعلان صراحة عن موقف الولايات المتحدة الذي يرفض إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لمهاجمة إيران. لكن كثف نتنياهو ضغوطه على أوباما لإطلاق تحرك عسكري، فرد عليه الرئيس السابق عبر تكثيف جهوده الدبلوماسية مع إيران، والتوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني. في المقابل، تبنى ترامب المقاربة الأكثر عدائية للتعامل مع إيران حتى الآن، واستسلم لضغوط نتنياهو حين تخلى عن الاتفاق النووي الإيراني، لكنه امتنع رغم كل شيء عن خوض الحرب مع إيران بطلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي. وأدرك أن نتنياهو كان مستعداً لمحاربة إيران حتى سقوط آخر جندي أمريكي.

إن علاقة نتنياهو، مع الرؤساء الأمريكيين هي علاقة إشكالية، وإحدى أهم الديناميكيات في هذه المعادلة هي معرفة نتنياهو بالسياسة الأمريكية وقدرته على التأثير من خلال الضغط المؤيد لإسرائيل. ومن خلال إقامة علاقات قوية مع واحدة من أقوى الجماعات المنظمة في السياسة الأمريكية، وهي الإنجيليين. وقد يؤدي اندلاع أي صراع عسكري تنجر إليه الولايات المتحدة مع إيران إلى تحقيق عدد من الأهداف الإسرائيلية، منها إضعاف برنامج إيران النووي وجيشها التقليدي، ما يُمهد لإعادة ترسيخ توازن أكثر إيجابية بالنسبة إلى إسرائيل، تزامناً مع منع أي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران، وهو تطور يعتبره الإسرائيليون مرادفاً لتخلي واشنطن عن إسرائيل. كذلك، قد يؤدي تراجع قوة إيران إلى إضعاف شركائها الإقليميين، بدءاً بحزب الله وصولاً إلى الميليشيات العراقية والحوثيين في اليمن، إذ تعتمد هذه الأطراف على الدعم الإيراني.

هل تدفع السياسة المزدوجة في واشطن المنطقة نحو الانهيار؟

كشف ضعف الإدارات الأمريكية المتعاقبة في تعاملها مع إسرائيل ودعمها غير المشروط، ومن ثم فشلها في إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عن تأزم الأوضاع في المنطقة ووصولها نحو الهاوية. فمنح إسرائيل الدعم غير المشروط جعل قادتها لا يلقون بالاً بمطالب الولايات المتحدة لضبط النفس، في ظل تدمير غزة بالكامل، وقتل ما لا يقل عن 33.000 فلسطيني (منهم أكثر من 12.000 طفل)، واعتراف المسؤولين الأمريكيين بخطر المجاعة في غزة. إلى جانب، انخراط إسرائيل في قتال منخفض المستوى على حدودها الشمالية مع حزب الله اللبناني، ومواصلة جماعة الحوثي في اليمن، عملياتها في البحر الأحمر ردًأ على الغزو الإسرائيلي. بالإضافة إلى تصاعد أعمال العنف واقترابها من الانفجار في الضفة الغربية المحتلة.

وفقاً لاتفاقيات جنيف، يحق للسكان الذين يعيشون تحت “الاحتلال الحربي” أن يقاوموا قوة الاحتلال. ولأن إسرائيل تسيطر على الضفة الغربية والقدس الشرقية منذ عام 1967، واستعمرت هذه الأراضي بأكثر من 700 ألف مستوطن غير شرعي، وقتلت الآلاف من الفلسطينيين في هذه العملية، فليس هناك شك في أن هذا الاحتلال يجب أن يواجه بمقاومة. ومقاومة الاحتلال أمر مشروع، ومساعدة السكان المحاصرين على القيام بذلك ليس خطأ، حتى لو فعلت إيران ذلك لأسبابها الخاصة وليس من منطلق التزامها العميق بالقضية الفلسطينية.

وعلى نحو مماثل، فإن قرار إيران بالرد بعد أن قصفت إسرائيل قنصليتها واغتالت جنرالين لا يعد مؤشرًا على تجاوز الخطوط الحمراء، خاصة وأن طهران أشارت أكثر من مرة إلى أنها لا ترغب في توسيع نطاق الصراع في المنطقة. وتم تنفيذ ردها الانتقامي بطريقة مدروسة وأرسلت تحذيراً لإسرائيل يشير إلى أنها تستطيع الرد ولكنها لا ترغب في توسيع الصراع. لأن من يريد الحرب لا يعلن قبلها أنه ينوي إطلاق مسيرات إلى إسرائيل، لذا فقد اقتنعت الإدارة الأمريكية بأن إيران قد قررت تحجيم ردها.

في المقابل، فإن الولايات المتحدة هي من تغرق الشرق الأوسط بالأسلحة منذ عقود. وتزود إسرائيل بمعدات عسكرية متطورة كل عام، إلى جانب تأكيدها المتكرر بأن الدعم الأمريكي غير مشروط. ولم يتزعزع هذا الدعم، حتى مع قيام إسرائيل بقصف وتجويع السكان المدنيين في غزة، ولم يتأثر عندما استقبلت إسرائيل زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأخيرة بإعلانها عن أكبر مصادرة للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية منذ عام 1993. ولم تهتم واشنطن بقصف إسرائيل القنصلية الإيرانية، في حين أنها أدانت هجوم الإكوادور الأخير على السفارة المكسيكية في كيتو. وبدلاً من ذلك، توجه كبار مسؤولي البنتاجون إلى القدس لإظهار الدعم، وحرص الرئيس جو بايدن على التأكيد على أن التزامه تجاه إسرائيل لا يزال “صارماً”.

ختامًا، لقد ساهم الدعم الأمريكي السخي غير المشروط والممتد منذ عقود أن تفعل إسرائيل ما تشاء، مما ساهم في أن تصبح سياستها وسلوكها تجاه الفلسطينيين دامية ومتطرفة. لقد أدت السياسة الأمريكية المنحازة على مدار الخمسين عاماً الماضية، إلى فشل حل الدولتين، وسيطرة اللوبي اليهودي على رؤساء الولايات المتحدة وصناع القرار في واشنطن ومنعهم من ممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل. لقد حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين إضعاف السلطة الفلسطينية وعرقلة التقدم نحو حل الدولتين من خلال دعم حماس سراً، الأمر الذي ساهم في اشتعال المنطقة، ورغبة نتنياهو ضمان مستقبله السياسي من خلال تسوية غزة بالأرض والوعد بشرق أوسط جديد.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى