السودان

مؤتمر باريس حول السودان: هل يُعد خطوة نحو إنهاء الأزمة الإنسانية وتحقيق السلام؟

في ظلّ انشغال المجتمع الدولي بالتصعيد الإيراني الإسرائيلي، وتطورات الحرب في قطاع غزة، استضافت العاصمة الفرنسية باريس يوم الاثنين الموافق 15 أبريل 2024، مؤتمرًا إنسانيًا دوليًا بشأن الوضع في السودان تحت رعاية الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا لتوفير الدعم المالي لملايين النازحين السودانيين؛ في محاولة لمعالجة الأزمة الإنسانية المُتفاقمة. ولم يكن اختيار يوم 15 إبريل لانعقاد لمؤتمر باريس اعتباطيًّا؛ إذ انطلقت الحرب في السودان في اليوم ذاته من العام الماضي بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق، محمد حمدان دقلو.

وتسلط هذه الورقة البحثية الضوء على أبرز النقاط بشأن مؤتمر باريس؛ من حيث المُشاركين، والأهداف، ومُخرجات المؤتمر. كما تحاول الورقة تقييم مدى نجاح أو اخفاق مؤتمر باريس بشأن السودان بشكل موضوعي.  

سياق انعقاد مؤتمر باريس حول السودان

في هذا الجزء من التقرير سيتم تناول أبرز النقاط بشأن مؤتمر باريس، من حيث المُشاركين، والأهداف، ومُخرجات المؤتمر، وذلك على النحو التالي:

أولاً: المُشاركون في المؤتمر: إن استضافة العاصمة الفرنسية باريس مؤتمرًا إنسانيًا دوليًا بشأن الوضع في السودان تحت رعاية الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا، وذلك على المستوي الوزاري، قد تم عقده على ثلاث مراحل تضم العديد من الأطراف، وذلك على النحو التالي:

  • الاجتماع السياسي: وهو يجمع كافة الأطراف التي شاركت من ذي قبل في محاولة تسوية الصراع في السودان. فقد ضم هذا المؤتمر وزراء وممثلي 58 دولة، بما في ذلك الدول المجاورة والإقليمية والجهات المانحة؛ وممثلي المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (الإيجاد)، وجامعة الدول العربية؛ والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان وقادة أو ممثلي العديد من برامج ووكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأغذية العالمي، والمنظمة الدولية للهجرة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ ورئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر؛ وممثلين عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك العربي للتنمية. كما شاركت في المؤتمر حوالي 50 منظمة غير حكومية دولية وسودانية.
  • اجتماع المانحين: وشارك في حضوره ممثلين عن المؤسسات المالية الدولية. 
  • اجتماع ممثلي المجتمع المدني السوداني: لمناقشة سبل تسوية الصراع ووقف الأزمة الإنسانية.

ثانيًا: أهداف المؤتمر: بحسب التصريحات الفرنسية الرسمية، فإن هناك 3 أهداف رئيسة للمؤتمر، ويُمكن ذكرها، وذلك على النحو التالي:

  • الهدف الأول: تعبئة الموارد المالية للاستجابة لحاجات السودان الإنسانية ولدول النزوح: نجد أن 27 مليون سوداني؛ أي ما يساوي نصف سكان البلاد؛ يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 15 مليون طفل. وأفضت الحرب إلى نزوح 1.8 مليون شخص خارج السودان، بينما النازحون في الداخل يصل عددهم إلى 6.7 ملايين شخص. أما أعداد القتلى والجرحى فتصل إلى عشرات الآلاف.
  • الهدف الثاني سياسي؛ وعنوانه دعم الوساطات القائمة لوضع حد للحرب وتحسين التنسيق بين الأطراف الدولية، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق، والتوصل إلى وقف مستدام لإطلاق النار، وضمان العودة إلى مسار الانتقال الديمقراطي بقيادة حكومة مدنية.
  • الهدف الثالث تمكين المدنيين؛ وإتاحة الفرصة للمجتمع المدني السوداني، ودعم ومساندة الطموحات الديمقراطية للشعب السوداني.

ثالثًا: مُخرجات المؤتمر: قد صدر عن وزراء الخارجية وممثلي الدول والمنظمات الدولية والإقليمية المجتمعين في باريس بشأن دفع مبادرات السلام في السودان، “إعلان المبادئ“، وقد أيدته قائمة الدول والمنظمات الدولية والإقليمية (الاتحاد الأفريقي، تشاد، جيبوتي، مصر، الاتحاد الأوروبي، إثيوبيا، فرنسا، ألمانيا، الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، جامعة الدول العربية، ليبيا، كينيا، النرويج، الأمم المتحدة. الإمارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية، جنوب السودان).

ويُمكن استعراض النقاط الواردة في “إعلان المبادئ”، وذلك على النحو التالي:

  1. التعبير عن القلق البالغ إزاء انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان في السودان. وحث الأطراف المتحاربة على احترام التزاماتها والتقيد بالتزاماتها بموجب قواعد القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
  2. دعوة الأطراف المتحاربة وجميع الجهات الفاعلة إلى تسهيل الوصول دون عوائق إلى السكان المدنيين المحتاجين للمساعدات الإنسانية بطريقة تتفق مع الالتزامات السابقة والالتزامات الدولية.
  3. حث الأطراف المتحاربة على الوقف الفوري للأعمال العدائية والالتزام بالتزاماتها التي تعهدت بها في الجولات السابقة من محادثات جدة، ولا سيما التزاماتها بموجب إعلان جدة للالتزام بحماية المدنيين في السودان الصادر في 11 مايو 2023.
  4. حث جميع الجهات الأجنبية على التوقف عن تقديم الدعم المسلح أو العتاد للأطراف المتحاربة والامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه أن يزيد من التوترات ويؤجج الصراع.
  5. دعوة جميع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية إلى تقديم الدعم الكامل لمبادرة السلام الموحدة في السودان، انطلاقًا من منصة جدة والمبادرة التي يقودها الاتحاد الأفريقي ومنظمة “الإيجاد” وآلية دول الجوار، ونتفق على مواصلة وتعزيز التنسيق المستمر.
  6. التنسيق العاجل لجهود الوساطة الدولية، بناءً على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2724 (2024) والبيان الصادر عن الاجتماع 1185 لمجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي (2023). وحث المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان أن يستخدم مساعيه الحميدة من أجل مشاركة دبلوماسية متسقة وموحدة من جميع الجهات الفاعلة الرئيسة ضمن استراتيجية متماسكة للوساطة والضغط ومنتدى استشاري شامل.
  7. الالتزام بمساعدة السكان المدنيين في السودان، ومعالجة الفجوة في التمويل الإنساني، وتحقيق تقدم ملموس من الأطراف المتحاربة فيما يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية، عبر الخطوط وعبر الحدود، لدعم الدول المجاورة في توفير الخدمات وإيصال المساعدات الإنسانية للمواطنين السودانيين وجميع الأشخاص الفارين من فظائع الحرب.
  8. الالتزام بدعم التطلعات الديمقراطية للشعب السوداني وعملية تمثيلية وشاملة يقودها ويملكها السودانيون وتؤدي إلى استعادة الحكم المدني.

اتصالًا بما سبق ذكره، نجد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن خلال المؤتمر الدولي بشأن السودان، تعهد المانحين بتقديم أكثر من ملياري يورو (2.13 مليار دولار)، لافتاً إلى أن الالتزامات التي سُجّلت قبل انعقاد المؤتمر بلغت 190 مليون يورو فقط. وأشار إلى أن “هذا الدعم سيسمح بالاستجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحًا في قطاعات الأمن الغذائي والصحة والمياه والصرف الصحي والتعليم وحماية الأكثر ضعفاً”.

وفي افتتاح الاجتماع الذي ترأسته فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، أعلنت باريس التبرع بمبلغ 110 ملايين، وألمانيا بـ244 مليونًا، بالإضافة لـ350 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، و138 مليونًا من الولايات المتحدة. ورغم أن التعهدات بالتبرعات طموحة، فإنها لا تزال بعيدة عن مبلغ 3,8 مليارات يورو اللازم لتوفير المساعدات، بحسب الأمم المتحدة.

هل نجح مؤتمر باريس بشأن السودان؟

يمكن القول إن، تقييم نجاح أو اخفاق مؤتمر باريس حول السودان، الذي انعقد في 15 أبريل 2024، يمكن تناوله بشكل موضوعي من خلال استعراض المؤشرات، وذلك على النحو التالي:

أولًا: المؤشرات الإيجابية

  • قد نجح المؤتمر في حشد الدعم الدولي لتقديم المساعدة الإنسانية للشعب السوداني، حيث تعهد المانحون بتقديم ملياري يورو. كما يُؤكّد المؤتمر على أنّ معاناة الشعب السوداني لم تُنسَ، وأنّ العالم لا يزال ملتزمًا بتقديم الدعم اللازم لتخفيف هذه المعاناة. ويُعدّ المؤتمر علامة على أنّ المجتمع الدولي يُدرك أنّ الأزمات الإنسانية لا تُؤثّر فقط على الدول التي تحدث فيها، بل تُؤثّر على العالم بأسره.

ثانيًا: التحديات

  • تبرعات متواضعة: يُعدّ مؤتمر باريس حول الأزمة الإنسانية في السودان خطوة إيجابية، لكنّه لم يُقدّم تمويلًا كافيًا لتلبية الاحتياجات الإنسانية المُلحّة. فقد تعهد المانحون بتقديم ملياري يورو للسودان، بينما تُقدّر الاحتياجات الإنسانية بـ 3.8 مليارات يورو، ممّا يعني أنّ 50% فقط من الاحتياجات تمّ تمويلها. وتُحذّر المنظمات الإنسانية من أنّ هذا التمويل المتواضع لن يُسهم في إنقاذ ملايين الأشخاص، خاصةً مع تفاقم الأزمة الغذائية وارتفاع معدلات سوء التغذية. وتُشير مديرة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود، كلير نيكولي، إلى أنّ نصف سكان السودان بحاجة إلى المساعدة، وأنّ 20% فقط من العاملين في قطاع الصحة موجودون في البلاد. وتُؤكّد “نيكولي” أنّ الارتفاع الحاد في الأسعار وصعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية يُفاقمان من معاناة الشعب السوداني.
  • جدل حول عدم تمثيل الشرعية السودانية: يُواجه مؤتمر باريس انتقادات واسعة من داخل المجتمع السوداني، خاصةً فيما يتعلق بغياب التمثيل الحقيقي للشعب السوداني.  فقد أعربت الخارجية السودانية “عن بالغ دهشتها واستنكارها” لانعقاد “هذا المؤتمر حول شأن من شؤون السودان، الدولة المستقلة وذات السيادة والعضو بالأمم المتحدة، بدون التشاور أو التنسيق مع حكومتها وبدون مشاركتها”. كما انتقدت الخارجية السودانية الحكومة الفرنسية لاستضافتها المؤتمر قائلة إن سلوكها يمثل “استخفافًا بالغًا بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبدأ سيادة الدول”.

وفى الختام، يمكن القول إن انعقاد مؤتمر باريس حول السودان يُمثّل خطوةً هامّةً لحشد المجتمع الدولي لتوفير التمويل الذي يُلبي الاحتياجات الإنسانية لملايين السودانيين، ولكن نجد أن مؤتمر باريس قد ابتعد عن “مبدأ الحياد”، حيث تجاهل إشراك ممثلين عن طرفي الصراع السوداني الرئيسين المتورطين في الحرب، رغم مشاركة العديد من القوي الدولية، وهو ما جعل الحكومة السودانية تعبر عن اندهاشها وإدانتها من عملية تنظيم مؤتمر باريس، وهو ما يُعرقل تنفيذ مُخرجات مؤتمر باريس بشأن السودان.

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى