
ماذا يتوقع من الجلسة الاستثنائية الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن التطورات في غزة؟
فشل اجتماع مجلس الأمن الاستثنائي يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2023، في الوصول إلى قرار بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والمستمر لليوم العشرين حتى الآن، وهو ما ينتج عنه عقد دورة استثنائية طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي ستكون الدورة الاستثنائية رقم 12 منذ تأسيس الأمم المتحدة، على أمل أن تكون هذه الخطوة حاسمة في تحديد موقف الأمم المتحدة من الأزمة.
جهود متأزمة
اجتمع مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء 18 أكتوبر للنظر في مشروع قرار يدين الحرب في غزة، قدمته البرازيل التي تتولى الرئاسة الدورية للمجلس. ونص المشروع على تطبيق هدنات إنسانية، وإلزام جميع الأطراف بواجبات القانون الدولي ولا سيما الحقوق الإنسانية الدولية، بما في ذلك خلال الأعمال الحربية، بالإضافة على أهمية إمداد السكان المدنيين في غزة بالحاجات الأساسية بصورة متواصلة وبلا عراقيل، مثل الكهرباء والمياه والوقود والطعام والأدوية، طبقًا للقانون الدولي الإنساني.
لكن بالرغم من موافقة 12 عضوًا من أصل 15 أعضاء المجلس، فإن استخدام الولايات المتحدة لحق النقض “الفيتو” الخاص بها بصفتها عضو دائم في المجلس أدى إلى إسقاط المشروع وعدم تطبيقه. وبررت الولايات المتحدة موقفها هذا بانه بسبب عدم وجود بند يذكر حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها طبقًا للقانون الدولي. وبالرغم من اتفاق الدول الغربية على مبدأ “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، فإن موقف كل من فرنسا والمملكة المتحدة كان مختلفًا عن الولايات المتحدة، حيث قال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير أن بلاده صوتت لصالح هذا “القرار الجيد” معبرًا عن “أسفه لرفض هذا النص” ووصف نتيجة التصويت بأنها “فرضة ضائعة” أمام مجلس الأمن.
وأعلنت روسيا عدم التصويت على المشروع البرازيلي، حيث قال السفير الروسي فاسيلي نيبنزيا إن “هدنات إنسانية لن تساهم في وقف إراقة الدماء، وحده وقف إطلاق نار يمكنه تحقيق ذلك”. وطرحت موسكو أيضًا مشروع قرار يدعو إلى “وقف إطلاق نار فوري ودائم ويتمّ احترامه بالكامل” وإلى “وصول المساعدات الإنسانية من “دون عوائق” إلى محتاجيها في غزة، دون أن يتضمن أيّ إشارة إلى حركة حماس، لكنه واجه رفض ثلاث دول دائمة العضوية في المجلس، وهي الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى اليابان.
وعقد مجلس الأمن يوم الثلاثاء 24 أكتوبر اجتماعًا استثنائيًا على مستوى وزراء الخارجية، وحضره حوالي 80 دولة، منهم وزراء خارجية إسرائيل وفلسطين، ومصر. وصرح أنطونيو جوتيريتش الأمين العام للأمم المتحدة بأهمية حماية المدنيين، وأن “حماية المدنيين لا تعني إصدار الأوامر لأكثر من مليون شخص بإخلاء منازلهم والاتجاه جنوبًا؛ حيث لا يوجد مأوى ولا غذاء ولا مياه ولا دواء ولا وقود، ثم الاستمرار في قصف الجنوب نفسه”. وبالرغم من تأكيده أن الهجمات التي وجهتها حماس على المدنيين الإسرائيليين في السابع من أكتوبر الجاري غير مبررة بأي شكل، فإنه صرح بأنها لم تحدث من فراغ قائلًا: “من المهم أن ندرك بأن هجمات حماس لم تحدث من فراغ، لقد تعرض الشعب الفلسطيني لاحتلال خانق على مدار 56 عامًا، ورأوا أراضيهم تلتهمها المستوطنات وتعاني العنف، ثم نزحوا عن أراضيهم، وهُدمت منازلهم، وتلاشت آمالهم في التوصل إلى حل سياسي لمحنتهم”.
أثارت هذه التصريحات غضب وزير الخارجية الإسرائيلي، حيث استنكر حديث “جوتيريتش” واتهمه بعدم الواقعية والتهاون مع “الأعمال الإرهابية” كما وصفها. وطالب السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة “جوتيريتش” بالاستقالة من منصبه معللًا هذا المطلب بدعم “جوتيريتش” “لأعمال الإرهاب والعنف ضد الأطفال والنساء وكبار السن” وأن هذا لا يليق بمنصب أمين عام الأمم المتحدة، على حد وصفه.
وأخيرًا قدمت كل من الولايات المتحدة وروسيا مشروعين آخرين لحل الأزمة في جلسة مجلس الأمن يوم الأربعاء 25 أكتوبر. وكان ينص مشروع الولايات المتحدة على “الإدانة الواضحة والقاطعة للهجمات الإرهابية الشنيعة التي شنتها حماس والجماعات الإرهابية الأخرى في إسرائيل، وكذلك أخذ وقتل الرهائن والقتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي واستمرار الإطلاق العشوائي للصواريخ” وأكد أيضًا على الحق الأصيل لجميع الدول في الدفاع الفردي والجماعي عن النفس، وعلى ضرورة امتثال الدول الأعضاء-لدى الرد على الهجمات الإرهابية- لجميع التزاماتها بموجب القانون الدولي، بالإضافة إلى الدعوة إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تشمل على وجه التحديد الهُدَن الإنسانية، للسماح بالوصول الكامل والسريع والآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية إلى غزة.
ولكن تم رفض المشروع بعد استخدام كل من روسيا والصين لحق النقض “الفيتو” الخاص بهما كعضوين دائمين في مجلس الأمن، بالإضافة إلى اعتراض الإمارات وامتناع دولتين من الأعضاء عن التصويت. وفسر شانغ جون، الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، سبب اعتراض الصين على المشروع الأمريكي بأنه “غير متوازن ويخلط بين الحق والباطل” بالإضافة إلى أنه يشمل عناصر كثير” تفرق ولا تجمع، وتتجاوز البعد الإنساني”، وأضاف أن هذ المشروع “لا يعكس الدعوة القوية لوقف إطلاق النار وإنهاء العنف”، حيث أن وقف إطلاق النار ليس مجرد عبارة دبلوماسية، ولكنه يعني “الحياة والموت” لكثير من المدنيين.
وتم رفض أيضًا مشروع القرار الروسي، حيث حصل على تأييد 4 أعضاء فقط، وامتناع 9 أعضاء عن التصويت، واعتراض كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ونص المشروع على وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وقفًا فوريًا ودائمًا يُحترم بالكامل، وإدانة “الهجمات الشنيعة التي شنتها حماس في إسرائيل وأخذ الرهائن المدنيين” وإدانة “الهجمات العشوائية ضد المدنيين والأعيان المدنية في قطاع غزة التي تؤدي إلى وقوع ضحايا في صفوف المدنيين”. بالإضافة إلى رفض “الحصار على قطاع غزة الذي يحرم السكان المدنيين من الوسائل التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة”.
وعبر فاسيلي نيبينزيا، الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة، عن استيائه من عدم امتلاك الدول أعضاء المجلس الشجاعة الكافية لتأييد المشروع الروسي، وأضاف أن كل الجهود الرامية لتلافي التصعيد في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي سوف تكون في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن المقرر أن تستأنف الجمعية العامة اليوم الخميس 26 أكتوبر عقد دورتها الاستثنائية الطارئة التي تحمل عنوان: “الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة”. وأعلن السفير الروسي تأييد بلاده لمشروع القرار المطروح من “المجموعة العربية” أمام الجمعية العامة والذي تشارك روسيا في تقديمه، داعيًا الدول كافة لدعم نص مشروع القرار.
توقعات الدورة الاستثنائية
عقدت الدورة الاستثنائية الأخيرة في نهاية فبراير 2022 بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تم اعتماد -بأغلبية 141 صوتًا مقابل 6 أصوات وامتناع 32 عضوًا عن التصويت- قرارًا غير ملزم يعيد تأكيد الالتزام بسيادة أوكرانيا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، ويستنكر عدوان روسيا وتدخل بيلاروس فيه، والمطالبة بالانسحاب الفوري والكامل وغير المشروط لجميع القوات العسكرية الروسية من أراضي أوكرانيا. ومن المقرر مناقشة مشروع قرار “المجموعة العربية” في الدورة الاستثنائية التي ستعقد اليوم الخميس.
وينص مشروع قرار “المجموعة العربية” على الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، ومطالبة جميع الأطراف بالامتثال للقانون الدولي، كذلك يدعو إلى إلغاء الأمر الذي أصدرته إسرائيل للمدنيين بإخلاء شمال قطاع غزة والتوجه نحو الجنوب، بالإضافة إلى الدعوة إلى توفير السلع والخدمات الأساسية لسكان غزة بشكل مستدام.
ومن المرجح دعم كافة الدول العربية للمشروع، خاصة وأنه مقدم من مجموعة من الدول العربية مما يشير إلى توافق العديد من الدول العربية على هذه الصيغة. ومن المتوقع أيضًا دعم كل من روسيا والصين وسائر حلفائهم مثل بيلاروس وإيران وكوريا الشمالية، وبعض الدول الأفريقية، ومن الممكن بعض الدول التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي.
أيضًا أظهرت العديد من دول أمريكا الجنوبية دعمها الكامل لفلسطين وإدانة أعمال العنف والجرائم الوحشية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، لدرجة قطع دول، مثل كولومبيا وفنزويلا، العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وطرد السفير الإسرائيلي منها، مما يشير إلى ارتفاع احتمالية دعم الكثير من دول أمريكا الجنوبية لمشروع قرار “المجموعة العربية”.
على الجانب الآخر، من المؤكد اعتراض الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية مثل كندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وسائر دول الاتحاد الأوروبي، وبعض الدول الآسيوية مثل الهند واليابان، بسبب عدم تضمن مشروع القرار إدانة حركة حماس، والأهم عدم وجود بند يشير إلى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهي تعد نقطة الخلاف الجوهرية بين الدول الداعمة لإسرائيل والدول الداعمة لفلسطين في كل أحاديث السلام منذ بداية الأزمة، في السابع من أكتوبر الجاري.
يشير هذا الوضع إلى صعوبة اتخاذ القرار، وأنه سواء حصل مشروع القرار العربي على الموافقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة أو لا، لن تكون النتيجة بأغلبية كبيرة مثلما كان الحال في الدورة الاستثنائية الأخيرة، مما يرجح عدم الوصول إلى حل قاطع وحاسم للأزمة الآن؛ ففي حالة رفض المشروع ستستمر المفاوضات والاقتراحات لمشاريع أخرى وسيكون التوافق عليها في هذه الحالة في منتهى الصعوبة بسبب اختلاف المواقف الشديد بين داعمي إسرائيل وداعمي فلسطين.
أما في حالة قبول واعتماد المشروع فسيكون من غير المضمون تنفيذ القرارات لعدة أسباب: أولها عدم اقتناع الولايات المتحدة وهي أكبر وأهم حليف وداعم لإسرائيل وبالتالي لن يكون هناك عامل ضغط حقيقي على الجانب الإسرائيلي يضمن التزامه بالقرارات؛ ثانيًا عدم تأثير قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الكبير خاصة في شأن الصراع بين إسرائيل وفلسطين الممتد والمستمر منذ 75 عامًا.ختامًا، من غير المرجح الوصول إلى حل حاسم وفعّال في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم؛ إذ إن الانقسام العالمي بين داعمي إسرائيل وداعمي فلسطين، والاختلاف الشديد في التوجهات والسياسات بينهم لا يرجح التوافق على حل حقيقي، وحتى في حالة إقرار المشروع الخاص بالمجموعة العربية أو حتى غيره، لا يضمن هذا تطبيق الشروط التي ينص عليها مشروع من الجانب الإسرائيلي، لوجود عدة عوامل معطلة، سواء متعلقة بإسرائيل أو حلفائها أو بشكل العلاقة بين إسرائيل وفلسطين. لكن بالرغم من ذلك مازال هناك أمل في تغيير موقف الحكومات الغربية حتى ولو بنسبة قليلة تسمح بالضغط على إسرائيل للوصول للسلام، نتيجة التحول التدريجي بين الشعوب الغربية في الموقف من دعم إسرائيل إلى دعم فلسطين جراء الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة.
باحث بالمرصد المصري