آسيامصر

العلاقات المصرية الهندية: نمو مستمر وفرص متاحة

بدأ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زيارة إلى القاهرة يوم السبت 24 يونيو 2023 هي الأولى من نوعها، وهي تأتي بعد زيارة مماثلة من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الهند في يناير الماضي. وتهدف الزيارة إلى تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في مختلف المجالات؛ إذ يخطط البلدان لتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية، مما يعني شراكة في كافة الأصعدة: سياسية، واقتصادية، وأمنية، وعسكرية، وثقافية، وغيرها. وشهدت العلاقات المصرية الهندية نموًا واضحًا في الفترة الأخيرة بسبب الظروف العالمية سواء جائحة كوفيد-19 أو الأزمة الروسية الأوكرانية، ونتج عن ذلك فتح أبواب أخرى جديدة للتعاون بين البلدين لتحقيق مصالح كل منهما، والتشارك في عملية النمو والنهوض.

نمو العلاقات

بالرغم من نمو العلاقات المصرية الهندية في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، فإنها لا تعد حديثة؛ إذ يمتد تاريخ العلاقات بين البلدين لبداية خمسينات القرن الماضي، حين تعاونت مصر والهند في تأسيس حركة عدم الانحياز في فترة الحرب الباردة والتي شكلت السياسة الخارجية لكل من البلدين إلى الآن. وامتد التعاون المصري الهندي على مر السنين، إلا أنه شهد انخفاضًا في نهاية تسعينات القرن الماضي وأول عقدين من بداية الألفية الجديدة بسبب الاهتمام بالتعاون مع الدول الغربية على حساب الدول الشرقية لتقدمها في العديد من المجالات.

وزار الرئيس عبد الفتاح السيسي نيوديلهي مرتين قبل زيارته الأخيرة في يناير الماضي، إلا أن الزيارة الأخيرة حملت طابعًا خاصًا؛ لكونها جاءت بناء على دعوة رئيس الوزراء الهندي للرئيس السيسي للمشاركة كضيف شرف في احتفالات الهند بيوم الجمهورية، وهو ما حمل تأكيدًا على أهمية مكانة مصر بالنسبة للهند، بالنظر إلى أن الحكومة الهندية لا تدعو إلا الدول التي تحمل أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للهند. وحرص الرئيس السيسي على تأكيد تقدير مصر البالغ لمثل هذه الدعوة. وتقابل الرئيس السيسي مع عدد من المسؤولين الهنود، وعلى رأسهم “مودي” رئيس الوزراء، والسيدة “دروبادي مورمو” رئيسة الجمهورية، إلى جانب عدد آخر من المسؤولين؛ لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية على كافة الأصعدة.

نتج عن تلك الزيارة الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية إلى مستوى الشركة الاستراتيجية، والتي تغطي المجالات السياسية والأمنية والدفاعية والاقتصادية والطاقة، بالإضافة إلى دعوة مجتمع الأعمال الهندي إلى استكشاف فرص الأعمال الجديدة والناشئة في مصر، خاصة في قطاعات: البنية التحتية، والطاقة، والزراعة، وتنمية المهارات، وتكنولوجيا المعلومات. وأعرب البلدان كذلك عن أملهما في وصول حجم التبادل التجاري بينهما إلى 12 مليار دولار في غضون الخمس سنوات القادمة، بعدما سجلت رقمًا قياسيًا قدره 7.26 مليارات دولار في العام المالي 2021-2022. وأكدت الهند دعمها للاتجاه الذي تتخذه الإدارة المصرية، وشجعت شركاتها على الاستثمار في مصر.

وأظهرت كل من القاهرة ونيوديلهي تعاونًا كبير في الأزمات العالمية الأخيرة، حيث ساعدت مصر الهند أثناء فترة جائحة كوفيد-19 فاشترت 50 ألف جرعة من لقاح “رميدسفير” للهند لمواجهة الموجة الثانية التي اشتدت بشكل مرعب هناك، وأرسلت ثلاث طائرات محملة بالإمدادات الطبية مما أدى إلى إنقاذ الكثير من الأرواح. وعلى الجانب الآخر، تساعد الهند في سد الاحتياج المصري من الحبوب والسلع الغذائية بدلًا من روسيا وأوكرانيا بسبب تأثر الواردات المصرية المعتمدة بشكل أساسي على موسكو وكييف جراء الحرب بينهما.

فرص متاحة

تتقارب مواقف مصر والهند في العديد من الملفات؛ فكلاهما بلاد نامية تبحث عن التطور والتقدم الاقتصادي، ويملكان سياسات خارجية مشابهة خاصة في إدارة العلاقات مع كل من الدول الغربية كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من جانب، والدول الشرقية كالصين وروسيا من جانب آخر، مما يسمح بتقارب العلاقات السياسية بين البلدين والشراكة الاستراتيجية بينهما، ويفتح آفاقًا مختلفة للتعاون في كل المجالات ومنها:

المجالات الاقتصادية: وهو أكبر أشكال التعاون بين القاهرة ونيوديلهي، ومع زيادة المشاريع والاستثمارات المشتركة سواء في مصر أو الهند، يهدف البلدان إلى زيادة أشكال التعاون، فمصر على استعداد لتخصيص جزء كامل للاستثمارات الهندية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهو من القضايا الأهم المنتظر الاتفاق عليها أثناء زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى القاهرة. ويبحث البلدان كذلك توقيع اتفاقية تجارة عن طريق المقايضة، وهي اتفاقية تسمح بالتجارة مع الهند بالعملة المحلية واستخدام نظام المقايضة بين السلع المصرية والهندية، كوسيلة لخفض اعتماد البلدين على الدولار.

مجالات الأمن والدفاع: يمثل ملف الأمن والدفاع أهمية كبيرة لكل من القاهرة ونيوديلهي، خاصة في ظل ظروف الأزمة الروسية الأوكرانية وزيادة الاحتقان في المنطقة، ويرتبط الأمن المصري بالأمن الهندي بسبب مواقع كل منهما، حيث أن أمن الهند من الاتجاه الجنوبي يتمثل في تأمين المحيط الهندي، ويرتبط أمن المحيط الهندي بأمن البحر الأحمر والذي يمثل ساحل مصر الشرقي وتشرف مصر على أمنه بشكل رئيس عن طريق قناة السويس، مما يعني أيضًا اهتمام مصر بتأمين البحر الأحمر وقناة السويس عن طريق أمان المحيط الهندي.

وعلى الجانب الدفاعي، عرض الجانب الهندي على مصر تلبية احتياجاتها من الطائرات المسيرة والمقاتلة، بالإضافة إلى عرض شركة “هندوستان” للملاحة الجوية المحدودة بإنشاء خط تصنيع أسلحة في مصر. وقد أكد وائل محمد عواد السفير المصري بالهند عند سؤاله عن العرض الهندي، على أهمية التعاون العسكري بين مصر والهند وتأثيره الكبير على قرب العلاقات –خاصة الدفاعية- بين البلدين؛ إذ إن مصر تمتلك خبرة واسعة في مجال الدفاع وتصنيع الأسلحة أيضًا. وأشار إلى أن التعاون في هذا المجال يجب أن يكون متبادلًا ولا يقتصر على شراء الأسلحة فقط بل تحقيق هدف تعلم كلا الطرفين من خبرات الآخر والمشاركة في إنتاج المعدات العسكرية باستخدام خبرات كلا الجانبين.

مجالات الطاقة المتجددة: جرى توقيع 3 اتفاقات بين مصر وشركات هندية في مجال الهيدروجين الأخضر، ويتطلع الطرفان لبدء العمل فيها وزيادة التعاون في هذا المجال؛ إذ يرى الطرفان أن الهيدروجين الأخضر هو مستقبل الطاقة؛ لكونه مصدر طاقة متجددًا وآمنًا ويضمن مستقبلًا أفضل من الناحية البيئية للعالم كله وليس فقط لمصر والهند. وهناك تعاون قوي بالفعل في مجال البيئة والطاقة المتجددة بين مصر والهند، فقد تشارك البلدان في إنشاء مشروع مزرعة “بنبان” للطاقة الشمسية في أسوان، والتي تعد الآن أحد أكبر مجموعة من محطات الطاقة الشمسية في العالم.

مجالات ثقافية: تعد العلاقات الثقافية من أقرب أوجه التعاون بين مصر والهند، حيث صرح السفير وائل محمد عواد بأن هناك تقاربًا ثقافيًا كبيرًا بين الشعبين المصري والهندي، ويظهر هذا التقارب بشكل كبير في الموسيقى والسينما. ودعا السفير المصري إلى تبادل تصوير الأفلام والأعمال الفنية بين البلدين، رابطًا هذه الخطوة بزيادة السياحة بين البلدين، لأنها من الملفات غير النشطة كما يجب، ويتعين تنشيطها بشكل أكبر لما سيترتب عليه من تقارب بين الشعبين، وهو العامل الرئيس لنجاح خطط تعميق التعاون في كل المجالات الأخرى.

ولا تقتصر الفرص المتاحة على هذه المجالات فقط؛ إذ إن هناك خططًا للتعاون في الكثير من المجالات الأخرى، مثل مجالات الاتصالات والتكنولوجيا وأيضًا الفضاء، حيث أكد مسؤولون من مصر والهند على الاهتمام الشديد بتطوير هذه المجالات التي يرى فيها كلاهما المستقبل.ختامًا، يعد التعاون بين مصر والهند فريدًا من نوعه بسبب التشابه الكبير بين ظروف البلدين والذي دفعهما إلى التقارب، خاصة في ظل وجود أزمات عالمية، مما فتح أمامهما آفاقًا جديدة للتعاون على كافة الأصعدة. وتسهم تعظيم الاستفادة من هذه الشراكة، خاصة في ظل الاتجاه الجديد في اعتماد الدول الشرقية على تعاونها مع بعضها البعض أكثر من الاعتماد على الدول الغربية، في أن ينتج عن هذا مساندة البلدين لبعضهما في طريق النمو والتقدم الذي يطمح له كلاهما، ويظهر هذا الاتجاه بشكل واضح في وضع البلدين لخطط تعاون وشراكة مستقبلية ليست مؤقتة أو على المدى القصير فقط.

+ posts

باحث بالمرصد المصري

بيير يعقوب

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى