أفريقيا

مظاهرات الأمهرة: الأسباب والتأثيرات المستقبلية

اندلعت مظاهرات قومية الأمهرة ضد قرارات آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، لتوحيد الجيش الإثيوبي بدمج الحركات المسلحة في الأقاليم الإثيوبية للجيش أو الشرطة الفيدرالية، والتي بدأت مع ذكرى تولي آبي للحكم في إثيوبيا بداية أبريل الحالي، وذلك في ظل استمرار آبي في خطته لتحويل الدولة الإثيوبية إلى دولة أكثر مركزية بعد عامين من اندلاع الحرب في التيجراي، بسبب قرارات التوحيد السياسي والتحول من الحكم الفيدرالي إلى حكم مركزي في يد الحزب الحاكم الازدهار، ليتحول الحليف الأكبر لآبي أحمد وثانِ أكبر قومية إثيوبية – وهي قومية الأمهرة بعد الأورومو –  إلى المعارض الأول، وذلك في أعقاب توقيع اتفاق السلام الهش في التيجراي، اعتبرته الأمهرة أنها محاولة لإضعاف الإقليم الذي يعاني من خلافات حدودية مع التيجراي والفشقة السودانية، وعرقية مع الأورومو وإقليم بني شنقول – جومز، فما هو الوضع الحالي، والسيناريو المستقبلي؟  

القرار وراء الخلاف

على الرغم من توارد الأنباء حول توقف الاحتجاجات المندلعة في خمس مدن رئيسة في إقليم الأمهرة، عقب إجراءات حظر التجوال وقطع الإنترنت في تلك المدن، وهي السياسة التي دائمًا ما يتبعها آبي أحمد في حروبه الممتدة داخل البلاد، وبالتزامن مع الأعياد الدينية في الإقليم، إلا أن هناك ترقبًا حذرًا في ظل الاشتباكات التي شهدها الإقليم منذ 2 أبريل الجاري، مع رفض القوات الأمهرية وسكان الإقليم لإعلان آبي أحمد دمج الجماعات المسلحة الإقليمية في الجيش الاتحادي أو الشرطة الفيدرالية، في ظل خطته لتحويل الدولة الفيدرالية متعددة الاثنيات ذات الـ 11 إقليمًا إلى دولة أكثر مركزية في يد الحزب الحاكم، مما أدى لاندلاع الاشتباكات بين تلك القوات وقوات من الجيش الاتحادي المنفذ لقرارات آبي أحمد أسفرت عن موت عاملين في المجال الإنساني. 

وهو الأمر الذي اعتبرته قومية الأمهرة محاولة لتقويض قوة الإقليم في ظل خلافاتهم العديدة مع الأقاليم المجاورة، كما اعتبرته محاولة لإرضاء الغرب وخاصة الضغط الأمريكي لخروج القوات الأمهرية والإريترية المشاركة في الحرب ضد التيجراي، والتي توقفت عقب اتفاق بريتوريا نوفمبر 2022؛ فيما ترى الحكومة في بيانها أن الأمهريون تم خداعهم من قبل قادة الإقليم التي وصفتهم بالمعارضة وانتقدت حملات السوشيال ميديا بادعاءات التحريض، وعليه قامت بحملة اعتقالات ضد المثقفين والإعلاميين والسياسيين وبعض ميليشيا فانو بالإقليم، فما دوافع رفض الأمهرة لذلك القرار؟ 

مخاوف وتشكك من سياسة فرض الأمر الواقع

يمكن إرجاع سبب رفض الأمهرة إلى الخلافات التاريخية التي حددت علاقة الإقليم بالأقاليم المجاورة، وهو ما انعكس على الرفض الحاد لتلك الخطوة، مع انقلاب على الحليف الداعم لهم رئيس الوزراء آبي أحمد في ظل سياسة فرض الأمر الواقع لتحقيق أهدافه، ووصف القرار بأنه حيلة لإضعاف الأمهرة، ويمكن تحديدها في التالي:  

  • الخلاف مع الأورومو وبني شنقول جومز: 

على الرغم من التحالف المؤقت بين القوميتين “أورو مرا ORO -MARA” والتي أوصلت آبي للحكم ضد التيجراي التي سيطرت على الحكم لسنوات، إلا أن التوترات العميقة بين القوميتين الأكبر تم استدعاؤها مع تحالف الأمهرة مع حكومة آبي أحمد لفرض الحزب الحاكم على العرقيات الإثيوبية، في ظل سيطرة اللغة الأمهرية كقضية تاريخية منذ الحكم الإمبراطوري واعتبارهم ممثلي إثيوبيا، وكان الهدف الوحيد للتحالف هو القضاء على سيطرة التيجراي الذي تحقق بوصول آبي للحكم، دون العمل على النزاعات العرقية بين القوميتين، بجانب خلافات الحدود والانتقال بين الأقاليم والنزاع الديني والطائفي في ظل تعميق عدم تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية بين الأقاليم الإثيوبية، وبدء استخدام لغة عفان الأورومية في الأناشيد الدراسية والتي رأتها قومية الأمهرة بصورة مغايرة، هذا بجانب تعامل حكومة آبي أحمد بصورة متخاذلة مع المذابح المرتكبة ضد الأمهريين في إقليمي الأورومو وبني شنقول جومز، هذا بجانب عمليات القتل المتزايدة في إقليم الأورومو بين قوميتي الأورومو والأمهرة في ظل إلقاء لوم الطرفين كلٍ على الآخر في نزاعات طائفية دينية بين المسلمين الأورومو والمسيحيين في الأمهرة، وتجدد النزاع حول منطقة “ميتكيل” – على الحدود بين إقليمي الأورومو والأمهرة ودولة السودان – في إقليم بني شنقول بين العرقيات الثلاثة، والتي تحاول الأمهرة السيطرة عليها واعتبارها ضمن حدودها التي أعطتها الجبهة الديمقراطية الشعبية الإثيوبية – والتي سيطرت عليها قومية التيجراي – لإقليم الجومز عند وصولها للحكم، مما أدى لارتكاب المذابح وعمليات الدفن الجماعي في ظل افتعال خلافات دينية، فيما كان الهدف الرئيس هو السيطرة على المعادن وزراعة تلك الأراضي ودعمها وصول آبي للحكم، كذلك تخضع تلك الأراضي لخلاف حدودي لملكية السودان لها وهي الأرض التي تم بناء سد النهضة عليها.  

  • اتفاق السلام الهش في التيجراي وتغير الولاءات: 

عقب توقيع اتفاق السلام في بريتوريا، ومحاولات آبي أحمد لإرضاء الغرب من خلال رفع اسم جبهة تحرير التيجراي من قائمة المنظمات الإرهابية وتشكيل حكومة مؤقتة بقيادة رئيس الحركة جيتاتشو رضا، والإفراج عن العديد من المعتقلين، وبالتالي العودة السياسية للجبهة، هذا بجانب الاتفاق حول استعادة الأراضي المتنازع عليها وحلها وفقًا للدستور، وهو ما أثار خيفة القوات الأمهرية التي دعمت حكومة آبي أحمد في حربها ضد التيجراي نتيجة النزاع التاريخي مع التيجراي، وسيطرت على أراضٍ عدة في منطقة والكيت وراما، وهي أراضٍ تابعة لإقليم التيجراي، والتي قامت الأولى بالزراعة بهما كبديل عن الأراضي التي استعادتها السودان من قبضة المزارعين الإثيوبيين، وخاصة جماعة الشفتا التابعة للأمهرة والتي ترى السودان بأنها مدعومة من القوات الإثيوبية والإريترية، وهو ما أدى إلى تحول الأمهرة من حلفاء لآبي أحمد إلى معارضة شديدة واتهامه بإضعاف القوات الإقليمية لتنفيذ مخططه بإرضاء القوى الدولية، مع المطالبات المستمرة بخروج القوات الأمهرية والإريترية من إقليم التيجراي مع وجود شواهد عدة لاستمرارهم، بجانب التخوف من تحالف الأورومو والتيجراي ضد الأمهرة في ظل الاتفاق مع 7 حركات إقليمية مسلحة خلال حرب التيجراي ضد حكومة أديس أبابا، والزيارات المتبادلة بين الطرفين، واحتمالية تشكيل تحالف “أورو – راي“. 

  • الخلاف الحدودي مع السودان: 

أدى ضم أراضي التيجراي إلى إقليم الأمهرة، إلى تخفيف حدة التوترات المتجددة بين جماعة الشفتا الأمهرية ومنطقة الفشقة الكبرى والصغرى السودانية التابعة لولاية القضارف، والتي تصل مساحتها لنحو 250 ألف كيلومتر، والتي استعادتها القوات السودانية من أيدي المزارعين الإثيوبيين المعتدين عليها مع بداية حرب التيجراي، وأوجدت قوات سودانية بها، إلا أن جماعة الشفتا المدعومة من الحكومة الإثيوبية جددت الاشتباكات خاصةً في موسم الحصاد، للأرض الخصبة والتي تتم زراعتها بمحصول السمسم الاستراتيجي، والذي أثر على حجم الصادرات الإثيوبية نتيجة فقدانها السيطرة عليه، وحاولت مرات عدة مهاجمة القوات السودانية، مما أدى إلى استمرار النزاع، ومطالبة السودان لانسحاب إثيوبيا من قوات حفظ السلام في منطقة آبيي الجنوبية. 

سيناريوهات ومآلات الأحداث

يضعنا الطرح السابق أمام تهديدات عدة تواجهها قومية الأمهرة، في ظل جبهات النزاع التي فتحتها مع أهدافها في السيطرة على الموارد في محاولة لزيادة دخل الإقليم، مع استمرار سياسات الحكومة الإثيوبية في عدم تحقيق العدالة، بجانب ضعف الموقف الاقتصادي مع زيادة التضخم وانخفاض الفائض الدولاري، وهو ما سيؤثر مستقبلًا على الآتي: 

  • الاتفاق الحدودي مع السودان: 

على الرغم من إعلان آبي أحمد عن المسار الدبلوماسي مع الجارة السودانية خلال إحاطته الأخيرة أمام البرلمان الإثيوبي، والعمل على تشكيل لجان لترسيم الحدود وهو الأمر المتكرر منذ اندلاع النزاع، وكذلك على الرغم من الزيارات الدبلوماسية سواء من رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان إلى أديس أبابا نهاية 2022، وزيارة آبي أحمد إلى الخرطوم بداية العام الحالي والإعلان عن البحث عن حل دبلوماسي، إلا أن حكومة آبي أحمد لا تستطيع التنازل عن الأراضي التي تمثل لها مصدر دخل للعملات الأجنبية، في ظل إصرار سوداني على البدء في الاتفاق من أحقية السودان لتلك الأراضي خاصة مع حالة الاضطراب السياسي التي تشهدها السودان، ومحاولة الحكومة السودانية إحداث نوع من الهدوء السياسي في البلاد وعدم تعقد الاتفاقية الإطارية السودانية، بالإضافة إلى أن أراضي الفشقة السودانية الواقعة على الحدود بين إريتريا والتيجراي والأمهرة الإثيوبيين، تمثل نقطة خروج للقوات التيجرانية في ظل التشكك في اتفاق السلام، خاصة أن السودان استقبلت ما يزيد عن 60 ألف لاجئ من التيجراي نتيجة الحرب في الإقليم، وبالتالي فما زالت تزخم الحدود بالقوات الإثيوبية والإريترية والسودانية في ظل تشكك نوايا الأطراف جميعها، ومع تزايد الخلافات بين الأمهرة والحكومة الفيدرالية فإنه لا يمكن السيطرة على جماعة متمردة في الدخول في اتفاق ترفضه بالفعل، وبالتالي تعقد أي اتفاق دبلوماسي في الوقت الحالي بين الدولة الإثيوبية الطامعة في الموارد السودانية عبر الأراضي الخصبة الزراعية. 

  • عودة الاشتباكات ومعوقات تكوين جيش موحد: 

في ظل حالة التشكك التي فرضتها السياسات الإثيوبية وتحول الولاءات في ظل اختلاف المصالح والأهداف، ومحاولات حكومة آبي أحمد خروج قوات الأمهرة من إقليم التيجراي لتنفيذ القرارات الأمريكية لاستعادة الدعم الاقتصادي، والسيطرة على الأقاليم الإثيوبية المتنازعة لإفقارها لقوتها في ظل التهديد بإمكانية الحرب في حال عدم الاستسلام لتلك القرارات، قد تعيد لنا مشهد حرب التيجراي التي رفضت القرار السياسي المركزي بتشكيل حزب موحد، وفي ظل ضعف موارد الإقليم في حال تجريده من الأراضي التي سيطر عليها في حربه ضد التيجراي، فإننا بصدد توقع عودة التظاهرات والرفض الإقليمي في ظل ما يعانيه الإقليم من خلافات حدودية عدة، وعدم وضوح سياسات دمج الحركات المسلحة من الأقاليم الأخرى. 

  • المسار التفاوضي: 

يعد المسار التفاوضي وعدم فرض سياسة الأمر الواقع التي يتبناها آبي أحمد في تعامله مع الأزمات الداخلية ، هو خط النجاة لعدم تصاعد الأمر وتفاقم الاشتباكات وإعادة حالة التيجراي، من خلال إعطاء ضمانات فعلية للأمهرة، وهو ما قد يعيقه المصالح المتشابكة بين إرضاء الغرب واستكمال السلام في التيجراي بإعادة الأراضي التي استولت عليها الأمهرة، وتنفيذ اتفاق السلام مع إريتريا بسحب قرية بادمي من يد التيجراي لضمان خروجها من الإقليم وهو أمر مستبعد، وتحقيق اتفاق السلام مع الأورومو وهو أمر ما زال في  مراحله الأولى، وتحقيق السلام في منطقة ميكلي؛ لضمان موافقة الأقاليم في نزع أسلحتهم ودخولهم في القوات المسلحة الإثيوبية أو القوات الشرطية مع استمرار حالة التشكك، وأخيرًا استعادة السيطرة على أراضي الفشقة التي استعادتها السودان، وهو أمر معقد في ظل محاولة آبي أحمد إعطاء صورة استقرار سياسي وأمني خارجي، وعدم رغبة الحكومة السودانية في خلق رفض داخلي جديد مع استمرار عدم التوصل لاتفاق إطاري، هذا بجانب الخلاف حول قضية السد الإثيوبي والتي لم تقم الدولة الإثيوبية بأي بادرة حسن نية للتفاوض والحفاظ على حقوق دولتي المصب. 

وهو ما يضعنا أمام مشهد داخلي معقد، يقوده محاولات آبي أحمد استعادة السيطرة وإفقاد القوى الداخلية سيطرتها لإمكانية تطويع الأقاليم لأهدافه وهو أمر قلب حلفاؤه ضده، في ظل تردي الأوضاع الاجتماعية مع تفاقم النزاعات الطائفية والاقتصادية في ظل الأزمات الداخلية، وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية. 

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى