العالم العربي

قمة أبو ظبي التشاورية.. استمرار التشاور العربي كآلية للتعامل مع المستجدات الإقليمية والدولية

استضافت العاصمة الإماراتية أبو ظبي في 18 يناير 2023 لقاءً تشاوريًا دعا إليه الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وجمع كلًا من الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة وسلطان عمان هيثم بن طارق. ويمثل هذا اللقاء التشاوري امتدادًا للقاءات تشاورية متعددة الأطراف عقدها القادة العرب خلال الآونة الأخيرة، ومنها اللقاء الذي استضافته مدينة العلمين في 22 أغسطس 2022 بحضور قادة مصر والإمارات والبحرين والأردن والعراق، ما يشير إلى نهج تطلبته المتغيرات الإقليمية والدولية الطارئة وأصبح ثابتًا في الدبلوماسية العربية مؤخرًا.

تعزيز التشاور

تعددت اللقاءات التشاورية متعددة الأطراف -بخلاف لقاءات آلية التعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن- التي جمعت القادة والزعماء العرب خلال الشهور الأخيرة، ويمكن التأريخ لها منذ قمة العقبة التي عُقدت في 25 مارس 2022 وجمعت قادة مصر والعراق والأردن والإمارات، وما تلاها من قمة مصرية إماراتية أردنية في 24 أبريل 2022 وقمة مصرية أردنية بحرينية بشرم الشيخ في 19 يونيو 2022، ثم اللقاء الخماسي في العلمين في 22 أغسطس 2022، بالإضافة إلى القمم المجمعة مثل قمة جدة للأمن والتنمية بحضور الرئيس الأمريكي في 16 يوليو 2022، والقمة العربية-الصينية بالرياض في 19 ديسمبر 2022، وانتهاءً بمؤتمر بغداد 2 بالأردن في 20 ديسمبر 2022.

وتهدف مختلف هذه اللقاءات وآخرها لقاء أبو ظبي إلى تعزيز التكامل العربي على أسس جديدة تتسم بالفاعلية والواقعية، وتستند إلى المصالح المشتركة، بالإضافة إلى توحيد وتنسيق المواقف العربية إزاء مختلف القضايا العربية والإقليمية والدولية بما يحقق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وهو أمر بات سمة أساسية للتحركات الدبلوماسية المختلفة للقادة العرب الذين عكفوا على الانخراط في مثل هذه اللقاءات، لا سيّما في ظل التحولات شديدة التعقيد والحساسية المتعاقبة، وخاصة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022. وهو ما يشير إلى الحرص المتنامي على استمرار سياسات التشاور والتنسيق المشترك بين القادة العرب، بالإضافة إلى ترسيخ التعاون على المستويات الثنائية والجماعية في جميع المجالات.

ملفات مُلحة

انعقدت قمة أبو ظبي التشاورية في سياق مجموعة من الملفات العربية والإقليمية الملحة التي تتطلب تنسيقًا بين هؤلاء الزعماء العرب بشأنها؛ للوقوف على تقديرات الوضع الراهن لها، ورسم خطط التعامل والتحرك بشأنها خلال الفترة المقبلة، ويمكن الإشارة إلى هذه الملفات في التالي:

1 – القضية الفلسطينية: تقع القضية الفلسطينية دائمًا كأولوية أولى للسياسة الخارجية المصرية، وقضية مركزية للعرب بشكل عام وأول مقومات الحفاظ على الأمن القومي العربي، ولذلك تحرص مختلف اللقاءات والقمم التشاورية والرسمية التي يعقدها القادة العرب على مناقشة آخر تطورات الأوضاع في الأراضي المحتلة، والتأكيد على ضرورة حل القضية الفلسطينية بناء على أسس ومقررات الشرعية الدولية، فضلًا عن التحذير من خطورة استمرار غياب الأفق السياسي للقضية، وهو ما كان محور نقاش كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين والرئيس الفلسطيني محمود عباس في القاهرة في 17 يناير قبل يوم واحد من قمة أبو ظبي.

وتشهد القضية الفلسطينية في الوقت الراهن عددًا من التحولات المهمة، يأتي في مقدمتها الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، والمنحى اليميني الواضح المسيطر على توجهات هذه الحكومة وما يحمله ذلك التوجه من تحدٍ لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصة مع استمرار الممارسات والإجراءات الإسرائيلية الأحادية اللا شرعية التي تقوض حل الدولتين وفرص تحقيق السلام العادل والشامل،  والتي تمس المقدسات الإسلامية في القدس ومنها اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير لباحات المسجد الأقصى في 3 يناير 2022، بالإضافة إلى استمرار الممارسات الاستيطانية في الأراضي المحتلة. وهو كله ما يتطلب نهجًا عربيًا موحدًا للتعامل مع هذه التحديات، بما يضمن الدفع قدمًا بعملية السلام.

2 – الأزمات العربية: شهدت الأشهر الأخيرة العديد من المتغيرات فيما يتعلق بالأزمات العربية المشتعلة في كل من سوريا وليبيا واليمن بما يتطلب تنسيقًا مشتركًا للتعامل معها ووضعها في إطار عام يسهم في التوصل إلى حلول لهذه الأزمات بما يحفظ الأمن القومي العربي ككل لا يتجزأ. ففي الملف السوري، تسعى تركيا إلى التقارب مع سوريا بما يسمح بحلحلة الملفات الخلافية بين الجانبين، وهو ما انعكس في اللقاء الذي جمع وزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا في موسكو في 28 ديسمبر 2022. 

أما في الملف الليبي، فاستطاعت القاهرة التوصل إلى صيغة تفاهم بين مجلسي النواب والأعلى للدولة في 5 يناير 2023 بشأن الملفات التشريعية التي تعوق إجراء الانتخابات. وفي اليمن، تبذل سلطنة عمان جهودًا وتقوم بزيارات للوساطة بين الأطراف المتصارعة في البلاد بما يسمح بتجديد الهدنة الإنسانية التي انتهت في أكتوبر 2022، وهو ما قد يفسر حضور سلطان عمان للقاء التشاوري في أبو ظبي كأول محفل دولي يشارك فيه منذ توليه الحكم في يناير 2020. ذلك فضلًا عن ما يتصل بالملف اليمني من تأمين الممرات البحرية الدولية؛ بالنظر إلى موقع اليمن المحوري المطل على مضيق باب المندب، وتولي مصر قيادة قوة المهام المشتركة (153) كأحد أهم الآليات المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي ومجابهة التهديدات والتحديات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة بكافة أنماطها.

3 – الملف النووي الإيراني: يأخذ الملف النووي الإيراني منحى تصاعديًا بين إيران والقوى الكبرى المتفاوضة معها، وذلك بفعل تعثر المفاوضات في فيينا مع الردود المتعارضة على مسودة الاتفاق التي طرحها الأوروبيون في أغسطس 2022، بالإضافة إلى اندلاع الاحتجاجات داخل إيران والموقف الغربي الداعم لها، علاوة على الدعم العسكري الإيراني لروسيا بالطائرات المسيرة في حربها في أوكرانيا، وهي كلها عوامل أدت إلى توقف المفاوضات حتى مع إبداء إيران رغبتها في استئنافها مثلما جاء على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان في مؤتمر بغداد2، ومن ثم يطرح عدم التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي لإيران، واستمرارها في الوقت ذاته في أنشطتها النووية، وتولي حكومة يمينية في إسرائيل؛ احتمالًا لنشوب تصعيد يستلزم بحثه من جانب القادة العرب.

4 – الأزمة الاقتصادية: ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بتداعيات اقتصادية عميقة على العالم بأسره والمنطقة العربية على وجه الخصوص، لا سيّما فيما يتعلق بأمن الطاقة والأمن الغذائي وارتفاع مستويات التضخم. ولذلك كانت الملفات الاقتصادية على رأس أولويات النقاش والبحث بين القادة العرب في مختلف اللقاءات السابقة، وخلال لقاء أبو ظبي؛ لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة، بما يضمن تحقيق أمن اقتصادي مستدام يحد من التأثيرات والأعباء الاقتصادية التي أنتجتها الحرب في أوكرانيا وقبلها جائحة كورونا، ويضمن عدم التأثر الكبير بأي أزمات مستقبلية. وتظهر أحد ملامح هذا التعاون المشترك في “الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة” التي أطلقتها مصر والإمارات والأردن في 29 مايو 2022، وانضمت إليها البحرين في 25 يوليو 2022، وتركز على تعزيز الشراكة بين الدول الأربع في عدد من القطاعات ذات التأثير مثل الزراعة والأسمدة والأدوية والمعادن والبتروكيماويات.

إجمالًا، تشير اللقاءات التشاورية متعددة الأطراف التي يعقدها القادة والزعماء العرب ومنها قمة أبو ظبي التشاورية إلى أن هناك توجهًا عربيًا لإعادة ترتيب البيت العربي وتعزيز وحدة الصف والعمل العربي المشترك في مواجهة مختلف التحديات الإقليمية والدولية لإعادة التوازن في المنطقة، والنأي عن أي اصطفافات أو انحيازات لا تراعي المصالح العربية، في ظل الأهمية الجيوسياسية المطلة على أكبر الممرات العالمية، فضلًا عن تعزيز تبني مقاربة مواجهة مهددات الأمن القومي العربي، والانخراط النشط في حل الأزمات العربية سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى