
هل ستفصح مصر عن سرية حسابات المودعين بالبنوك؟
تداولت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي صورًا مغلوطة عن مشروع قانون يسمح للحكومة بالاطلاع على حسابات البنوك لغرض الضرائب، وهو ما أثار حالة من الجدل بين المواطنين حول ما إذا كان سيتم فرض ضرائب علي ودائع المودعين بالمصارف المصرية من عدمه، وقد ورد بالصور المتداولة لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 206 لعام 2020 والذي يخص تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد إضافة فقرة إلى المادة 78 تنص بالتالي “ولا تخل أحكام المادتين رقمي 140,142 من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020 بالإفصاح عن معلومات لدى البنوك، لأغراض تبادل المعلومات تنفيذًا لأحكام الاتفاقيات الضريبية الدولية والنافذة في مصر”. وهو ما تسبب في ارتباك وجدل عما إذا كانت سرية بيانات أرصدة المودعين بالبنوك المصرية مهددة بالإفشاء عنها. لكن قبل فهم ماذا يُقصد بتلك الفقرة، يجب علينا أولا الاطلاع على المادتين 140 & 142 من أحكام قانون البنك المركزي الصادر في عام 2020 والتي نصت الفقرة على عدم الإخلال بهم.
مواد سرية الحسابات
تنص المادة 140 على أن “جميع بيانات العملاء وحساباتهم وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم في البنوك وكذلك المعاملات المتعلقة بها سرية، ولا يجوز الاطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها بطريق مباشر أو غير مباشر إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزانة أو من أحد ورثته أو من أحد الموصي لهم بكل هذه الأموال أو بعضها، أو من نائبه القانوني أو وكيله أو بناء على حكم قضائي أو حكم تحكيم”. وهو ما يعني أن الوحيد الذي له الحق في السماح للآخرين بالاطلاع على حساباته هو صاحب الحساب، بل وتبقى تلك البيانات سرية حتى مع انتهاء العلاقة بين المودع ومصرفه.
أما المادة 142 فقد نصت على “يحظر على كل من يتلقى أو يطلع بحكم مهنته أو وظيفته أو عمله بطريق مباشر أو غير مباشر على معلومات أو بيانات عن العملاء أو حساباتهم أو ودائعهم، أو الأمانات أو الخزائن الخاصة بهم أو معاملاتهم إنشاؤها أو تمكين الغير من الاطلاع عليها وذلك في غير الحالات المرخص بها بمقتضى أحكام هذا القانون، ويستمر هذا الحظر بعد تركهم للعمل”. وهو ما يعني أن الجهات الرقابية أو العاملين بالبنوك يحظر عليهم تداول تلك المعلومات التي تم الاطلاع عليها بحكم عملهم مع أي جهة أخرى.
وعليه فإن نص تعديل القانون الذي أشار إلى عدم الإخلال بهاتين المادتين يعني أن حسابات العملاء بالبنوك المصرية سرية للغاية ولا يجوز الإفصاح عنها إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب، ولا يجوز للعاملين بتلك الجهات تداول تلك المعلومات.
المنتدى العالمي للشفافية
إذًا فما المقصود بالمادة التي تمت الإشارة إليها والتي تأتي تعديلًا لقانون الإجراءات الضريبية المُوحد والذي يتم تعديله لالتزام مصر بالاتفاقية الدولية في المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية الذي انضمت إليه مصر في عام 2016، وما هو المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات لأغراض ضريبية؟
المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية هو منتدى تم تأسيسه في عام 2000 بين أكبر 20 دولة صاحبة أكبر اقتصاد للعالم يتم تسميتهم G20، ثم تم السماح للدول الأخرى التي ترغب في الانضمام إلى ذلك المنتدى من خارج G20 بالانضمام إليه، وتمت إعادة هيكلته في عام 2009 إبان الأزمة المالية العالمية التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية والتي انتشرت إلى دول العالم.
وهو يعمل تحت رعاية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة العشرين، تتمثل مهمة ذلك المنتدى في تنفيذ المعيار الدولي من خلال المراجعة المزدوجة للدول، ويركز بالأساس علي منع الازدواج الضريبي (أي أنه لا يتم تحصيل ضريبتين علي دخل مكتسب بين الدول؛ مثل أن تعمل شركة أو فرد في عدد من الدول فيتم فرض عدد من الضرائب بين الدول علي نفس الدخل المكتسب)، أو التهرب الضريبي الذي يحدث في الملاذات الضريبية الآمنة “بقاع من العالم لا تفرض ضرائب وغالبًا لا تسأل عن مصدر تلك الأموال وهو ما يكون نقطة جذب لأصحاب الثروات بشكل عام ولعمليات غسل الأموال التي تم اكتسابها بشكل غير مشروع”.
انضمت إلى ذلك المنتدى 163 دولة حول العالم، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي (مصر انضمت في عام 2016)، وهو ما يعني أن دول العالم بالكامل تقريبًا أعضاء في ذلك المنتدى، أما الدول التي لم تنضم فقد صنفت من جانب وسائل الإعلام ب “القائمة السوداء” أو “القائمة الرمادية” وهي توفر ملاذات ضريبية في الدول التي لا تلتزم بالمعيار الضريبي المتفق عليه عالميًا.
تختص عملية تبادل المعلومات “التبادل التلقائي للمعلومات” بالحسابات المالية لغير المقيمين بالبلاد (أي أنه فتح حساب مصرفي لغير مقيم بمصر، وهو وفقا للقانون المصري غير مسموح؛ إذ إن وجود إقامة أحد الشروط الرئيسة لفتح حساب مصرفي). وعليه، تلتزم الدول بتبادل معلومات الحسابات المالية لبلد الإقامة، على سبيل المثال في حال وجود مواطن أمريكي يقيم بدولة سويسرا ويحتفظ بحسابات في “جزر الكايمن” التي تعد أحد الملاذات الضريبية، فإن “جزر الكايمن” تلتزم بالإفصاح عن معلومات ذلك المواطن إلى بلد إقامته أي إلى سويسرا، وهو أمر بديهي؛ إذ إن بلد الإقامة التي يعيش بها هي التي تستحق تحصيل الضرائب نظير استخدامه للخدمات العامة بالبلاد.
خلاصة القول، إن القانون المزمع تعديله في البرلمان يأتي للتوافق مع المعيار الضريبي المتفق عليه عالميًا، والذي انضمت مصر إلى تطبيقه في عام 2016، وهو لا يخص المصريين أو الأجانب المقيمين على الأراضي المصرية، بل يخص غير المقيمين من غير المصريين الذين يحتفظون بحسابات في الأراضي المصرية وهو غير مسموح به وفقًا للقوانين المصرية. وعليه، فإن حسابات العملاء بالبنوك المصرية سرية تمامًا، ولا يتم الإفصاح عنها لأي جهة كانت محلية أو أجنبية، إلا إذ سمح صاحب الحساب بذلك بموجب موافقة كتابية معتمدة، أو صدر قرار من المحكمة بذلك.
باحث ببرنامج السياسات العامة



