تغير المناخالمركز المصري في الإعلام

المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية يناقش التوجه نحو نظم تعليمية تستجيب لقضايا المناخ والبيئة في المنطقة الخضراء بكوب 27

عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية في السادسة من مساء البوم جلسة حوارية تحت عنوان “نحو بناء نظم تعليمية مستدامة تستجيب لقضايا المناخ والبيئة”، ضمن الجلسات الحوارية والحلقات النقاشية التي ينظمها المركز في WYF Platform بالمنطقة الخضراء، في اليوم الأول لانطلاق فعاليات مشاركة المركز في مؤتمر قمة المناخ “كوب 27” بمدينة شرم الشيخ تحت اسم “رؤي مصرية”. أدار هذه الجلسة رئيس الهيئة الاستشارية بالمركز الدكتور عبد المنعم سعيد، وشارك فيها الدكتور أحمد زايد رئيس مكتبة الإسكندرية.

استهدفت هذه الجلسة إلقاء الضوء على الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية على تعطيل العملية التعليمية، وتعلم الطالب وتحصيلهم في بعض البلدان، وكذا مناقشة دور تضمين قضايا المناخ والاستدامة البيئية في العملية التعليمية في تنمية وعي أجيال المستقبل بالتغيرات المناخية وسبل مواجهة آثارها، وإبراز التحديات التي تواجه الدول النامية في تطوير نظمها التعليمية بما يساعدها على التكيف مع التغيرات المناخية، واستعراض التجربة المصرية في التركيز على قضايا البيئة والمناخ ضمن نظام التعليم الجديد، وتحديد أبرز النماذج العالمية الناجحة في هذا الشأن، وإمكانية الإستفادة منها.

النقاشات التي دارت خلال هذه الجلسة، والتي شارك فيها الحضور عبر طرح الأسئلة والاستفسارات، تمحورت حول أربعة محاور:

المحور الأول هو كيف تؤثر التغيرات المناخية على سير العملية التعليمية حول العالم، ومدى الأضرار التي عانت منها بعض الدول الآسيوية والأفريقية في هذا الإطار، والتحديات التي فرضتها محاولات التكيف مع التغيرات المناخية العنيفة. وفي هذا الإطار، رأى الدكتور زايد أنه لابد من خلق نظم تعليمية جديدة مختلفة يمكن أن تتواكب مع هذه التغيرات المناخية، وأن تقدم حلولًا جديدة لها، وأن تقوم بإعداد أجيال في المستقبل لمواجهة هذه المتغيرات. مضيفًا أن التغيرات المناخية أثرت على العملية التعليمية، كما ساهمت في زيادة الفجوة بين الإنسان والطبيعة، فقد كان الإنسان في البداية يتعايش مع الطبيعة بشكل خلاق، غير أن التحديث الصدامي وتدخلات الإنسان في مجال المشروعات الكبرى والصناعية في الكثير من المناطق حول العالم أدى إلى خلق كل هذه المشاكل وإلى إحداث هذه المتغيرات. 

المحور الثاني كان حول بحث التأثير المتوقع لدمج المعرفة والمهارات والقيم والإجراءات ذات الصلة بالتصدي لقضايا التغيرات المناخية في سياسات ومناهج التعليم، ومناقشة دور مؤسسات التعليم حول العالم في تطوير المناهج والأنشطة المصاحبة بشكل يسهم في رفع وعي التلاميذ وتثقيفهم بشأن قضايا البيئة والتغيرات المناخية، والتركيز على سبل دعم المعلمين وتدريبهم إكسابهم المهارات اللازمة لتدريس الموضوعات المتعلقة بالتغيرات المناخية.

في هذا الإطار قال الدكتور أحمد زايد، إن ملف رفع الوعي في أوساط الطلاب خاصة والمجتمع عامة، بشأن القضايا المتعلقة بالمناخ والبيئة، يعتبر من أهم الملفات التي من خلالها يمكن الوصول لمستويات إيجابية من الحفاظ على البيئة والمناخ. 

وأضاف أن هناك ثلاث دراسات دولية تتناول بشكل معمق ملف الوعي بقضايا البيئة والمناخ، منها تقرير لمنظمة اليونيسيف بعنوان “Its getting hot”، يحذر من تزايد نسب الاحتباس الحراري، ويحث الدول النامية على وضع بعض الاستراتيجيات لرفع الوعي الشعبي بخصوص التغيرات المناخية، وتحسين المهارات في المدارس في ما يتعلق بفهم المشكلات البيئية، وتجميع البيانات الضرورية عن التغير المناخي لاستخدامها في رفع الوعي الجمعي بشأن قضايا المناخ، وخلق أساليب التعليم المتواصل الذاتي بهدف تطوير المهارات، والعمل على تطوير التقاطعات التي تربط بين المؤسسات التعليمية والمؤسسات الأخرى، لخلق مجتمع متجانس في ما يتعلق بكافة جوانب الوعي بقضايا البيئة.

أما فيما يتعلق بالدراسة الثانية، أشار الدكتور زايد إلى أن منظمة اليونيسيف أصدرته تحت عنوان “التعليم من أجل التغيرات المناخية”، وتم من خلاله التعمق أكثر في نقاط عديدة وردت في التقرير السابق. الدراسة الثالثة بحثها الدكتور زايد خلال مشاركته في لجنة تم تشكيلها من جانب منظمة اليونسكو لمراجعة توصيات وثيقة “التعليم المتعلق بالسلام والتسامح”، الذي صدر عام 1974، والتي كان أبرز ما فيها هو الدعوة لرفع الوعي الجمعي حول قضايا المناخ، والقضايا المستدامة مثل نظم التعليم الجديدة. وأضاف الدكتور زايد أن الدراسات الثلاث كان بها تركيز أساسي على أن حالة خلق الوعي في المدارس لن تكون فقط من خلال إنشاء مدارس جيدة، بل ايضًا من خلال خلق مهارات تعليمية جديدة.

المحور الثالث من محاور النقاش في هذه الجلسة كان واقع قضايا البيئة وتغيرات المناخ في نظام التعليم المصري، ومناقشة تضمين تدريس موضوعات البيئة والمناخ في مناهج التعليم الجديدة، وإلقاء الضوء على اتفاق وزارة التربية والتعليم مع البنك الدولي على تدريب المعلمين على قضايا التغيرات المناخية ضمن مشروع إصلاح التعليم المصري، واستعراض التنفيذ الفعلي لهذا البند حيث تم تدريب 350 ألف معلم في هذا الإطار، وإبراز التعاون المشترك بين وزارة التربية والتعليم واليونيسيف في تنفيذ المعرض الفني المقام لطلاب المدارس حول تغير المناخ.

وفي هذا الصدد أجاب الدكتور زايد على سؤال وجهه الدكتور عبد المنعم سعيد، حول مدى فاعلية ضم قضايا المناخ إلى المناهج التعليمية المصرية، وأشار في إجابته إلى أن التعليم الذي نستهدف الوصول إليه هو “التعليم المستدام”؛ أي التعليم الذي من خلاله يتم تزويد المرء بمهارات ومعرفة جديدة، يمكن له من خلالها تطوير نفسه وتكوين اتجاهات ايجابية نحو القضايا المختلفة. 

وذكر أن هذا الجانب من التعليم يختلف عن أنواع أخرى من الطرق التعليمية، التي يستهدف بعضها نقل الطالب إلى المرحلة التعليمية التالية، بل يهدف التعليم المستدام إلى التحول نحو أنماط أكثر تطورًا من التعليم، مثل “التعليم التحويلي”، الذي يساهم في جعل عقول المتعلمين تتوافق وتتكيف مع الظروف المحيطة والمستجدات، ومثل “التعليم بالمشاركة”، الذي فيه يشارك الفرد في صنع المناهج وصنع القرارات الخاصة بالتعليم. 

وأضاف الدكتور زايد أنه لا توجد ضرورة ملحة لتخصيص مناهج كاملة ومستقلة للمناخ، بل يمكن دمج القضايا المتعلقة بالمناخ والبيئة في المناهج الحالية، عبر حث المدرسين على إقامة أنشطة خارج الصفوف الدراسية، تمكن الطلاب من أن يتولد لديهم وعي كافي بقضايا المناخ. ورأى أنه يجب تدريب المدرسين بشكل جيد ومكثف للتعامل بشكل إيجابي مع الطلاب في هذا الإطار، وهذا كله ضمن ما يعرف بـ “Decent school”، وهو مبدأ تعليمي موجود في عدة دول متقدمة، يمكن تطبيقه في مصر، ويركز على تأسيس معماري صديق للبيئة للمدارس المتنوعة، يحافظ على أمن الطلاب وسلامة العملية التعليمية.

في نفس هذا المحور، طرح الدكتور عبد المنعم سعيد سؤالًا حول دور السينما في تقديم القضايا المناخية، وما إذا كانت قد أفلحت في شرح أهمية هذه القضايا أم ساهمت طريقة طرحها لها في التقليل من أهميتها في أذهان المتلقي. أجاب الدكتور زايد بالقول إن دور البيئة الوجدانية مهم جدًا فيما يتعلق بتشكيل وعي الأفراد نحو التغيرات البيئية والمناخية، وأن السينما لها دور مهم في هذا الإطار يجب تطويره ليواكب التغيرات التي حدثت في القضايا البيئية خلال السنوات الماضية، ليخرج التناول السينمائي لهذه القضايا من عباءة الخيال العلمي إلى تقديم الواقع المعاش.

كذلك طرح الدكتور سعيد سؤالًا حول كيفية طرح الجانب السياسي في الجدل الدائر حول التغيرات المناخية على المستوى الدولي، وأهمية إظهار الجانب العلمي من هذا الجدل، فأشار الدكتور زايد إلى ضرورة شرح كافة جوانب هذا الملف، سواء الجانب السياسي أو الجانب العلمي للأطفال والطلاب؛ كي يكتمل لديهم الوعي بأهمية هذا الملف.

وردًا على سؤال حول ما إذا كان من الضروري أن يكون التعامل المصري مع التغيرات المناخية مرتكزًا فقط على ما يحدث على أراضيها وفي أجوائها وبحارها أم أن يكون تناول هذا الموضوع ضمن نمط دولي يراعي ما يحدث في الدول الأخرى؟ أجاب الدكتور زايد أنه يجب الاهتمام بمصر اولًا، من الجانب الوطني، لكن يجب الحرص في نفس الوقت على التماشي مع وضع مصر على المستوى الدولي، والذي يفرض عليها التعاطي والتفاعل مع المنظومة الدولية، خاصة أن مصر من الدول التي وافقت على البروتوكولات المناخية الرئيسة على المستوى الدولي، سواء في باريس أو طوكيو أو الاتفاقية الإطارية للمناخ.

فيما يتعلق بالتعامل المصري مع التغيرات المناخية، طرح الدكتور سعيد سؤالًا حول مدى فاعلية البرنامج المصري للتعامل مع التغيرات المناخية ونشر الوعي بها، فأجاب الدكتور زايد بالقول إن مكتبة الاسكندرية من جانبها قامت بعدة مبادرات مهمة في هذا الصدد، منها: استضافة طلاب جامعات أخرى لتوعيتهم بشأن التغيرات المناخية، أو عقد مسابقات بين الجامعات لإنتاج تطبيقات للهواتف الجوالة تتعلق بالمناخ. وأضاف أنه عند استعراض البيانات المتوفرة حول التغير المناخي في مصر، نجد في بعضها أحيانًا تضاربًا أو عدم دقة، لذا يجب توحيد البيانات المتاحة بشأن المناخ على المستوى المصري، ووضعها ضمن قاعدة بيانات أساسية يتم تحديثها بشكل مستمر. وأشار إلى أننا في مصر نهتم حصرًا بالملفات المناخية التي يتم طرحها على الأجندة الدولية، في حين أنه توجد في الداخل المصري ملفات مناخية داخلية لا يتم التركيز عليها، مثل التعامل مع المخلفات الصلبة.

المحور الرابع والأخير في هذه الجلسة كان ضرورة تقديم الدعم الدولي الكافي لكل الدول التي بدأت في إدخال التربية البيئية والمناخية في مناهجها الدراسية، ومساعدة الدول التي لم تتخذ تلك الخطوة بعد على البدء في تطبيقها، وقد اختتم الدكتور زايد مداخلته، بالقول إن الدول الكبرى هي المتسبب الرئيسي في المشاكل البيئية التي يعاني منها العالم، ولعل من أكثر الأشياء الملحوظة في مسألة التغيرات المناخية هي أن أكثر الدول المتضررة من التغيرات المناخية هي الدول الأكثر فقرًا، بل أنه من ضمنها دولتين من البلاد الأفقر في العالم، وهذا يؤثر بالطبع على العملية التعليمية. بالتالي يجب على الدول الكبرى إيجاد حلول لهذه المشاكل، والتعاون بشكل بناء للحد من الأضرار التي تسببت بها هذه المشكلات للدول النامية والفقيرة.

في حين أنهى الدكتور عبد المنعم سعيد هذه الجلسة، بالقول إننا على المستوى العالمي أمام مفترق طرق أساسي، يجب التكيف فيه مع التغيرات المناخية، وإننا فعليًا قرب مرحلة قد يليها انتشار واسع للصناعة النظيفة والسيارات الصديقة للبيئة، والمدن الذكية، وهذا ربما سبب أدعى لتطوير النظم التعليمية، وجعلها تواكب التحديات المناخية الحالية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى