
تشاد: اختلاف حول السلطة أم التحول الديمقراطي؟
شهدت تشاد مظاهرات حاشدة واشتباكات يوم 20 أكتوبر الجاري تزامنت مع انتهاء الفترة الانتقالية الأولى للرئيس محمد ديبي اتنو، وتقف ضد تسمية اتنو نفسه رئيسًا لفترة انتقالية جديدة من خلال الحوار الوطني الشامل وطرح إمكانية ترشحه كذلك في الانتخابات الرئاسية المقبلة. واندلعت هذه المظاهرات على الرغم من إعلان رئيس الوزراء صالح كبزابو حظر التجول؛ انطلاقًا من مخاوف المتظاهرين من عدم تغيير رأس الحكم، وتعطيل ما أسموه بالتحول الديمقراطي. فهل يستقر الموقف التشادي في ظل عدم الاستقرار السياسي والأمني والفيضانات الحالية، وما موقف القوى الدولية من الأمر؟
رفض نتائج الحوار الوطني
عقب إطلاق الحوار الوطني السيادي والشامل في العاصمة التشادية أنجامينا أغسطس الماضي بعد مشاورات بدأت من مارس 2022، وانضمام العديد من القوى السياسة والمدنية ومنظمات المجتمع المدني وبعض الحركات المسلحة؛ إلا أنه لاقى رفضًا من المعارضة وبعض الحركات المسلحة “ذات النفوذ” وعلى رأسهم جبهة “التغيير والوفاق” في تشاد (فاكت)، و”مجلس القيادة العسكرية لخلاص الجمهورية”، وغاب ائتلاف أحزاب المعارضة واتحاد نقابات تشاد وأعضاء المجتمع المدني “واكيت تما- وقت تم” عن جلسات الحوار، والتي اعتبرت إطلاق الحوار مجرد شرعنة لإطالة الفترة الإنتقالية، ورفض ائتلاف أحزاب المعارضة التوقيع على اتفاق الدوحة للسلام والمشاركة بالجلسات إلا بالإفراج عن أعضائه.
وانتهى الحوار الوطني الشامل في تشاد في 30 سبتمبر الماضي بتسمية الرئيس محمد ديبي إتنو رئيسًا للفترة الانتقالية مدتها عامان، مع تعيين رئيس الوزراء المعارض السابق صالح كبزابو – رئيس حزب الاتحاد الوطني من أجل التنمية والتجديد، تمهيدًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما أثار حفيظة المعارضة والمعارضة المسلحة نتيجة ما رأته توريثًا للحكم من قبل إتنو.
فتزامنت المظاهرات مع انتهاء الفترة الانتقالية الأولى التي أعلنها اتنو لمدة 18 شهرًا وصولًا لانتخابات ديمقراطية مع استيلائه على السلطة وتوليه رئاسة المجلس العسكري الانتقالي وضم 15 جنرالًا، والإعلان عن حل البرلمان، وإلغاء الدستور، عقب مقتل والده على يد جماعة فاكت أبريل 2021، والتي كان مقررًا لها أن تنتهي في 20 أكتوبر الحالي.
المظهر الحالي والمواقف الدولية
– اضطرابات عدة:
فاقمت الفيضانات حالة عدم الاستقرار الأمني والإنساني في البلاد، والتي نالت من جنوب ووسط تشاد وأصبحت معها العاصمة أنجامينا “الأكثر عرضة للخطر”، مما دفع ديبي إلى الإعلان عن حالة الطوارئ في البلاد واحتواء وإدارة الكارثة الطبيعية، مع تأثر أكثر من مليون شخص من جراء تلك الفيضانات حتى 13 أكتوبر وفقًا لتقرير مؤقت أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوشا) في تشاد.
وجاءت المظاهرات التي قادها مجموعة من الشباب لتزيد من حدة هذه الاضطرابات، في ظل الرغبة في التغيير، وهو ما أدى إلى مقتل العشرات وإصابة العديد من رجال الشرطة والمدنيين في ظل رفض الأمن لتلك الاحتجاجات والاشتباكات الدامية بينهما عقب استهداف أماكن حيوية ومنها مقر حزب رئيس الوزراء؛ مما أدى لإعلانه “تعليق جميع أنشطة” أحزاب معارضة رئيسة، وفرض حظر تجول في المدن التي اندلعت فيها الاحتجاجات رغم حظر السلطات لها. وتتهم السلطة المعارضين بتنظيم عصيان شعبي مسلح بدعم من قوى خارجية، مع التوعد بشمول الحظر كل البلاد في حال استمرار العنف، مع التحذير من عدم تهاون الحكومة مع أي “انزلاق” بحسب تعبير رئيس الوزراء صالح كبزابو.
– دوافع المظاهرات:
بجانب رفض المعارضة إطالة أمد الفترة الانتقالية، أشار دخول الشباب للمعادلة السياسية ومشاركته بالمظاهرات إلى الحالة الاقتصادية المتردية التي يعاني منها البلد الواقع في منطقة الساحل الأفريقي الذي يعاني من أزمات اقتصادية وتغيرات مناخية بجانب تزايد عنف الجماعات الإرهابية، فظهرت دول الساحل الأفريقي الخمس ضمن أفقر دول العالم في مؤشر التنمية البشرية الخاص بالأمم المتحدة.
وتخضع المنطقة أيضًا لساحة التنافس الدولي والذي ظهر في المظاهرات السابقة برفض الوجود الفرنسي لكون فرنسا مستعمرًا سابقًا. وربط البعض بين تلك المظاهرات واحتجاجات مايو في مدينة “أبشي” على الحدود الشرقية مع السودان لرفض إنشاء قاعدة فرنسية، في ظل الحديث عن إنشاء خمس قواعد عسكرية في البلاد، ووجود أكبر تجمع للقوات الفرنسية بدولة تشاد.
هذا في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الساحل الأفريقي إعادة رسم شكل التحالفات مع ظهور الدب الروسي، فرأت المعارضة الوجود الفرنسي مجرد داعم للسلطة العسكرية ممثلة في ديبي، والتي بدورها دافعت عن نفسها بأنها ضد توريث الحكم، لكنها تدعم ديبي لظروف استثنائية من أجل تحقيق الأمن في البلاد.
– المواقف الدولية:
أدانت الخارجية الفرنسية الأحداث الحالية وأعمال العنف، وانتقدت استخدام الأسلحة ضد المتظاهرين، ورفضت الزج باسمها في “وقوفها بأي دورٍ وراء هذه الأحداث” واعتبرتها “أحداث سياسية داخلية”. وأدان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي أعمال القمع بحسب وصفه، ودعا إلى التوصل إلى حل سلمي.
فيما أدانت الخارجية الأمريكية أحداث العنف والهجوم على سفارتها، وأعلنت أسفها من نتائج الحوار الوطني الذي لم يفض إلى التوصل إلى حل ديمقراطي والوصول لانتخابات نزيهة في اعتقادها أنها الحل للصراع الداخلي في البلاد، وتعهدت بمواصلة الدعم للوصول لحكم ديمقراطي في “الوقت المناسب”، فيما أعلن الاتحاد الأوروبي رفضه لتمديد الفترة الانتقالية.
ما السيناريو المتوقع؟
– استمرار العنف المتبادل: جاءت المظاهرات الحالية في ظل تحقق المخاوف من استمرار السيطرة على السلطة التي أعطت إتنو مرحلة انتقالية جديدة والحق في الترشح لفترة رئاسية مقبلة، وهو ما أخرج المعارضة من المشهد في ظل سياسة ديبي التي اتضحت في تصريحات رئيس الوزراء بعدم التهاون مع المعارضة التي ترى في إتنو أنه يحاول القضاء على الحركات المسلحة والمعارضة التي لم توقع على اتفاق الدوحة، بعد إعلان خارطة طريق تشمل توسعة المجلس التشريعي، وتخصيص 45 مقعدًا فيه للحركات المسلحة التي وقعت “اتفاقية الدوحة للسلام في تشاد”، وذلك من خلال استمرار الخلافات حول ظاهر “التحول المدني للحكم” لإحراج القوى الدولية، والحصول على السلطة، قابل قيام السلطة بالقضاء على المعارضة.
– من سيربح التنافس الدولي في تشاد: أحرج نظام ديبي فرنسا ودعوات التوصل للحكومة المدنية الذي تتبناه القوى الدولية الغربية بتمديد فترة الحكومة العسكرية الانتقالية، إلا أن وجود ديبي يضمن البقاء الفرنسي، وأن إطالة الأمد الانتقالي يؤدي بالضرورة للقبول بالوضع الحالي، في حين تنادي المعارضة بالحكم المدني لكشف الدعم الغربي لديبي وإثنائه عن قراراته بممارسة الضغوط الدولية، وهو ما تبنته الولايات المتحدة في بيان إدانتها للأحداث الحالية إلا أن استخدام عبارة الوقت المناسب تشير إلى التدخل الذي يدعم استمرار نفوذها في الوقت الذي قد تعبره تهديدًا لها.
ولأول مرة ترى الخارجية الفرنسية الأمر بأنه شأن داخلي بالرغم من وجودها العسكري في البلاد؛ وذلك لمجابهة الضغط الشعبي ومطالبتها بالرحيل، ومحاولة التنصل من فكرة التدخل الاستعماري التي تتهم به في مستعمراتها القديمة. أما عن الجناح الشيوعي المتمثل في الصين وروسيا فقد قدم نفسه كبديل مناسب للأنظمة السياسية في دول الساحل، في ظل أنباء عن تعاون جماعة “فاكت” المصنفة إرهابية في تشاد وفاجنر في الجنوب الليبي، ودعوات جماعة “واكيت تاما” المعارضة ضد الوجود الفرنسي كذلك، وقيام موسكو وبكين بالحلول كبديل عن الشركات الفرنسية في عدة مجالات كالطاقة والنقل والخدمات اللوجيستية.
وهو استمرار لسلسلة الخسارة الفرنسية لمستعمراتها أمام روسيا؛ فبعد مالي وأفريقيا الوسطى وحاليًا بوركينا فاسو قد تسحب باقي الأوراق، وهو ما سيؤثر على شكل الحكم، خاصة بعد وقوفها خلف تعهدات ديبي بالتوصل لاتفاق ينص على إمكانية ترشحه مرة أخرى، وهو ما لم يتم الاتفاق عليه في اتفاق الدوحة.
أما على صعيد الاتحاد الأوروبي الذي رفض تمديد السلطة، فيحاول الخروج من عباءة الموقف الغربي لإيجاد قدم له بعيدًا عن التبعية لدولة بعينها، كما حدث في الموقف الألماني في بوركينا فاسو ومالي بعدم الإنسحاب ودراسة مدى وجودها لعدم ترك الساحة فارغة أمام روسيا وإيجاد مكان غربي لها بالمقابل.
يضعنا الوضع الداخلي في تشاد، والتدخلات الخارجية والصراع السلطوي على الحكم بين حكومة ترغب في البقاء بالقضاء على المعارضة، ومعارضة تأخد من التحول الديمقراطي ستارًا للوجود في الحكم؛ أمام مشهد أكثر تعقيدًا في حال إصرار ديبي الابن على موقفه من الفترة الانتقالية وعدم التنحي والوصول لانتخابات فعلية قد لا تتحقق بفعل الوضع الأمني والاقتصادي المتردي، والذي يصب في مصلحة الجماعات الإرهابية في المنطقة، وهو ما يضعنا أمام تكرار لسيناريو السودان بعدم اعتراف الشارع بحكومة قرر مصيرها 1400 فرد في الحوار الوطني، ومعارضة ترغب في إقامة حكومة موازية قد تزيد المشهد عنفًا.
باحثة بالمرصد المصري