الاقتصاد الدوليأوروبا

كيف نفهم طوابير المواد الغذائية في بريطانيا؟

تواجه بريطانيا خلال الفترة الحالية أكبر رياح معاكسة واجهتها منذ سبعينيات القرن الماضي، مما أدى إلى تفاقم الألم على اقتصاد لا يزال يعاني من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأثار الوباء. فهي تواجه، بعد معاناتها من صدمات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، مزيدًا من المشاكل المستعصية التي تميزت بالنمو المتباطئ، وارتفاع التضخم وسلسلة من الإضرابات المدمرة.

وقد خفضت وكالة “فيتش” النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني لـ المملكة المتحدة إلى “سلبية” من “مستقرة”، مشيرة إلى خطر أن تزيد خطة الحكومة الجديدة لتحقيق النمو من عجز الموازنة في البلاد. أكدت الوكالة تصنيف المملكة المتحدة عند “-AA” وهو رابع أعلى مستوى، وفقًا لبيان يوم الأربعاء. وخفضت كذلك النظرة المستقبلية لبنك إنجلترا المركزي إلى “سلبية” من “مستقرة” بسبب ارتباطه بالتصنيف السيادي.

وخفضت “ستاندرد آند بورز جلوبال ريتينجز” النظرة المستقبلية للمملكة المتحدة بسبب المخاطر التي تهدد الوضع المالي للبلاد. تصنف وكالة “موديز” لخدمات المستثمرين المملكة المتحدة عند “Aa3″، وهو رابع أعلى مستوى، في حين تمنحها وكالة “إس آند بي” درجة “AA”، وهي ثالث أعلى مستوى.  وفي ذات السياق حذرت “موديز” حكومة المملكة المتحدة من أن الميزانية الجديدة تمثل خطرًا بإلحاق ضرر دائم بقدرة الدولة على تحمل الديون، مما يشير إلى أن الاقتصاد في طريقه للانكماش في الربع الثاني، فقد قدر المسؤولون أن النمو سيستقر عند أقل من 1.8 ٪ سنويًا، وفقًا لتوقعات مكتب الإحصاء الوطني البريطاني.

https://cdn.asharqbusiness.com/uploads/general_images/inner/10297494491664182039.jpg

والنتيجة هي انخفاض ثقة المستهلك الذي يحذر المحللون من أنه قد يؤدي إلى الركود. فقد أضرب عمال السكك الحديدية والمحامون غاضبين من تدهور مستويات المعيشة، مع توقعات بسلسلة متتالية من الإضرابات. ويشير الشكل التالي إلى مؤشر ثقة المستهلك في بريطانيا والذي وصل إلى أدنى نقطة له منذ السبعينيات من القرن الماضي؛ ليعكس أن البريطانيين أكثر تشاؤما من أي وقت مضى خلال نصف قرن على الأقل.

اتساقًا مع ما سبق، شهدت بريطانيا ارتفاعات في أسعار المواد الغذائية بشكل أكثر حدة من معظم الدول المتقدمة الأخرى، في حين كان ارتفاع الأجور متدنيًا، بجانب ارتفاع معدل البطالة. وكان تأثير ذلك أن قلص البريطانيون الإنفاق على شراء المواد الغذائية بنسبة 8.5% عما كان عليه الحال قبل الركود.

لترتفع بذلك أسعار المستهلك في المملكة المتحدة بوتيرة أسرع مما كانت عليه في الاقتصادات الكبرى الأخرى، بنسبة 9.1٪ حتى مايو2022، وهو أكبر ارتفاع منذ 40 عامًا. ويتوقع بنك إنجلترا تسارع التضخم مرة أخرى لتصل إلى أكثر من 13٪، مع ارتفاع فواتير الطاقة في الخريف.

وقد حذّر بنك الاستثمار العالمي “جولدمان ساكس” (Goldman Sachs Group Inc) من أنَّ معدل التضخم في المملكة المتحدة قد يتجاوز 22% خلال العام القادم إذا ظلت أسعار الغاز الطبيعي مرتفعة في الأشهر المقبلة، وجاءت تلك التوقُّعات أكثر تشاؤمًا من تلك الصادرة عن “سيتي جروب” (Citigroup)، التي حددت ذروة الزيادة في الأسعار عند 18.6%، وبما يتجاوز بكثير نسبة 13% التي توقَّعها بنك إنجلترا المركزي في وقت سابق من شهر أغسطس.

ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض الجنيه الإسترليني إلى تفاقم التضخم في بريطانيا من خلال رفع أسعار الطاقة المستوردة كنتيجة لزيادة تكلفة استيراد الغاز الطبيعي وإمدادات الكهرباء. وسيتعين عليها أن تدفع أكثر نسبيًا مقابل الطاقة مقارنة ببقية أوروبا. 

وفي حين أن الفوارق بين الأسعار في الأسواق المعنية تفوق حاليًا إلى حدٍّ كبير تأثير تحركات الصرف الأجنبي، إلا أن الأمر قد يصبح أكثر صعوبة إذا انحسر التقلب واستمر ضعف الجنيه. ليهوى الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى له على الإطلاق حاليًا متأثرًا بالخطة الاقتصادية البالغة قيمتها 220 مليار جنيه إسترليني، التي أطلقها وزير الخزانة. لينخفض على أثرها الجنيه الإسترليني إلى ما دون 1.11 دولار للمرة الأولى منذ عام 1985، منخفضًا بنحو 19% مقارنة ببداية 2022، فيما سجلت سندات الخزانة البريطانية لأجل خمس سنوات أكبر انخفاض يومي لها على الإطلاق.

https://cdn.asharqbusiness.com/uploads/general_images/inner/14031883931664181854.jpg

اتصالًا بذلك، شهدت مصانع السيارات في المملكة المتحدة ارتفاعًا كبيرًا في فواتير الطاقة، وصلت إلى 100 مليون جنيه إسترليني (ما يُعادل 108.6 مليون دولار) خلال العام الجاري، أو بزيادة بنسبة 50%، مما أثار مخاوف بين غالبية الشركات المصنّعة بشأن مستقبل عملياتها الإنتاجية، وفقًا لاستطلاع أجرته جمعية مصنّعي وتجار السيارات (SMMT). وقد دفع ارتفاع فواتير الطاقة 9 من كل 10 (90%) شركات صناعة سيارات إلى نقل تكاليف الطاقة المتزايدة إلى العملاء من خلال رفع أسعار مركباتها، في حين أنَّ عددًا كبيرًا منها أخَّر أو ألغى الاستثمارات الكبرى المخطّط لها.

https://cdn.asharqbusiness.com/uploads/general_images/inner/15472875911664451728.png

تلقي هذه الأرقام بظلالها على مشاكل هيكلية أعمق تعوق المملكة المتحدة، وأهمها نمو الإنتاجية الذي تباطأ إلى بعد الأزمة المالية في عامي 2008 و2009؛ فقد وصلت حالات إفلاس الشركات في إنجلترا في الربع الثاني من عام 2022 إلى أعلى مستوى ربع سنوي لها منذ الربع الثالث (يوليو إلى سبتمبر) 2009.

وفقًا لـ مركز إحصائيات الإعسار؛ بلغت حالات إفلاس الشركة في الربع الثاني من عام 2022 نحو 5629 شركة لتصل إلى أعلى مستوى ربع سنوي لها منذ الربع الثالث (من يوليو إلى سبتمبر) 2009.

وكذلك أبلغ أكثر من شركة واحدة من كل 10 شركات في المملكة المتحدة عن وجود مخاطر متوسطة إلى شديدة تتعلق بالإفلاس في أغسطس 2022. وصرحت 22٪ من الشركات بأن أسعار الطاقة كانت مصدر قلقهم الرئيس.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

سالي عاشور

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى