مقالات رأي

بوتين والخيارات النووية بين التأهب والاستخدام

في وقت مبكر من افتتاحية الحرب الروسية على أوكرانيا وبعد خمسة أيام فقط، فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم بما يعرف (بالأمر النووي)، بحكم تبعية تلك القدرات التي تمثل أقصى درجات الردع العسكري إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة (بصفته) وليس بشخصه سواء كان رئيسًا أو ملكًا أو أميرًا، وهو ما يعني رفع درجة الاستعداد للجاهزية القتالية إلى الدرجة القصوى؛ استعدادًا للاستخدام الفعلي. وأضاف بوتين للأمر النووي مصطلح (الثلاثي) وهو ما يعني القدرات النووية المرتبطة بوسائل الإطلاق، سواء من سطح الأرض أو البحر أو الجو كالآتي:

– الإطلاق البري/سطح الأرض: ويشمل الإطلاق من مواقع ثابتة أو متحركة على جنزير يشبه شاسيه الدبابة، ولكنه أكبر ليوفر درجة من الثبات عند الإطلاق، أو متحرك على سكك حديدية وهو مهم في روسيا كأكبر دولة مساحة في العالم، حيث تكافئ مساحة مصر 17 مرة وتمتد من شرق أوروبا إلى المحيط الهادئ لمسافة (16500 كم)، حيث يمكن نقل أكثر من وحدة إطلاق نووي والمناورة بها في وقت واحد، مع تقليل تكلفة النقل.

– الإطلاق البحري: ويشمل الإطلاق من فوق سطح البحر من القطع الكبيرة كالفرقاطات والمدمرات، أو من تحت سطح البحر بما يعرف (بسرير البحر) بواسطة الغواصات النووية، سواء الإطلاق المباشر من الغواصة، أو الإطلاق المرحلي من خلال أنبوب لإخراج الصاروخ خارج الغواصة ثم الدفع الذاتي بمحركه النفاث.

– الإطلاق الجوي: وينفذ أساسًا بواسطة القاذفات الثقيلة بعيدة المدى من الطرازات المطورة مثل التوبولوف الروسية أو بي 52 الأمريكية (التي نفذت إلقاء قنبلتي هيروشيما وناجازاكي بواسطة الطراز بي 29). ويمكن كذلك استخدام الطائرات القاذفة الخفيفة ومتعددة المهام الحديثة في ذلك، ولكن بحمولات محدودة ومدى أقل.

وتشمل القدرة النووية ثلاثة مكونات هي السلاح النووي، ووسيلة توصيله إلى الهدف، سواء صاروخ أو طائرة أو مدفع للعيارات النووية الميدانية الصغيرة، واُضيف لاحقًا مُكون إرادة الاستخدام، والأخيرة لم توضع موضع الاختبار والتنفيذ إلا مرة واحدة بواسطة الرئيس الأمريكي ترومان وإدارته كأول وآخر استخدام فعلي ضد أهداف حقيقية حتى الآن، وهو ما تم ضد اليابان يومي 6 و9 أغسطس 1945 لتستسلم اليابان دون قيد أو شرط لتنتهي الحرب العالمية الثانية رسميا في 2 سبتمبر التالي. وتصنف كوريا الشمالية بأنها تملك إرادة الاستخدام.

وقد ولد السلاح النووي في معمل مركز الأبحاث السري النووي الذي شكّله الرئيس الأمريكي روزفلت، أسفل مبنى مجهول في جزيرة مانهاتن بنيويورك، وقاد فريق العمل لسنين منذ الإنشاء العالم أينشتاين ولكنه مات قبل نجاح تجارب التفجير المعملية، إذ أبلغ بها الرئيس ترومان بعد وفاة روزفلت، ليتم التفجير التجريبي الحي المحدود في صحراء نيفادا في يوليو 1945 وكانت النتيجة مذهلة ومخيفة من حيث الدمار الناتج عن الحرارة المنصهرة والحرائق وموجة الضغط الهائلة مع الإشعاع النووي الذي سيستمر لسنين ضد الإنسان والبيئة، ورغم توقع فناء عشرات الآلاف في لحظة ومعاناة الملايين من الإشعاع، فقد اتخذ الرئيس ترومان قراره بالتنفيذ المدمر كما سبق.

وقد أتم الاتحاد السوفيتي ذلك ثم بريطانيا ففرنسا، واختُتم النادي النووي بالصين ليكون هؤلاء الخمسة هم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، ولهم فقط حق النقض (فيتو)على قرارات المجلس. وخارج هذا النادي جاءت إسرائيل فالهند فكوريا الشمالية فباكستان وتحاول إيران. هذا وتنقسم الطاقة النووية إلى قسمين هما الذري والهيدروجيني، ويعتمد الذري على الانشطار المتسلسل لنواة ذرة اليورانيوم المخصب، أما الثاني وهو الأقوى فيعتمد على اندماج ذرة النواة عكس الانشطار وتملكه دول النادي النووي الخمس فقط. ويتم التفجير من خلال قلب القنبلة أو البادئ من البلاتونيوم، ويكفي أن نعرف أن 8-10 كج فقط منها كانت كافية لتفجيري اليابان. لذلك فإن قرار الرئيس بوتين مقلق، ورغم تهوين الغرب به إلا أنهم يتخذون الإجراءات النووية المضادة..

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى