
بعد مرور أربعة عشر عامًا من التوتر والفتور الذي شاب العلاقات التركية الإسرائيلية، شهدت أنقرة زيارة تاريخية للرئيس الإسرائيلي “إسحاق هرتسوج” في التاسع من مارس الجاري. وتأتي الزيارة في ظل تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية والتي حفزت كلًا من تركيا وإسرائيل لإعادة النظر في علاقتهما، خاصة مع دخولهما على خط الوساطة في الأزمة. ومن جانب آخر يحمل توقيت الزيارة بُعدًا عامًا للدولتين؛ إذ تأتي في وقت تتصاعد فيه تهديدات الأمن الإقليمي لكلتا الدولتين، وهو ما دفع بحتمية كسر الجمود حفاظًا على المصالح المشتركة.
زيارة هرتسوج إلى أنقرة.. تقارب تشوبه بعض الخلافات
في زيارة تاريخية، قام الرئيس الإسرائيلي “إسحق هرتسوج” بزيارة أنقرة ولقاء الرئيس التركي “رجب طيب إردوغان”، ليعيد إلى الأذهان الزيارة التي قام بها والده “حاييم هرتسوج” منذ نحو 30 عامًا، في عام 1992، لتنفيذ نفس الهدف الكامن في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين تركيا وإسرائيل.
يُشار إلى أن الأزمة الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها على تلك الزيارة، ودفعت كلا الجانبين التركي والإسرائيلي إلى التقارب في ظل ما يواجهونه من تحديات مشتركة وتهديدات أمنية تنعكس على كليهما. على الصعيد الآخر، فقد ثار الحديث خلال العام الماضي عن المساعي التركية للتطبيع مع إسرائيل، وتكررت الدعوات لاستعادة العلاقات بين الدولتين نظرًا للمتغيرات الإقليمية والدولية المتلاحقة.
وقد جاءت الزيارة كخطوة لإعادة بناء الثقة بين أنقرة وتل أبيب، على الرغم من الخلافات بينهما حول بعض القضايا. وظهر مدى الترحيب التركي بالزيارة من خلال حفل الترحيب المهيب الذي أقيم في أنقرة لاستقبال الرئيس هرتسوج، حيث حصل على أعلى درجات التكريم وفقًا للمراسم والبروتوكولات. وقد ضم وفد هرتسوج 37 صحفيًا، ولم يسافر برفقته وزير من الحكومة الإسرائيلية، وهو دليل على أن الزيارة كانت رمزية بالنسبة لإسرائيل، ولكنها في الوقت ذاته خطوة قوية لتحسين العلاقات الثنائية.
فيما يخص النقاط البارزة التي تم تناولها في المحادثات بين هرتسوج وأردوغان، فقد اتفقت الدولتان على إحياء الحوار السياسي القائم على احترام الرؤى المتبادلة، وعلى أساس الأهداف والمصالح المشتركة للبلدين. وتمت مناقشة قضايا مثل الحفاظ على رؤية حل الدولتين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والوضع التاريخي للقدس، والحفاظ على الهوية الدينية وحرمة المسجد الأقصى، وتم تشكيل لجنة من أجل حل الخلافات ومنع سوء التفاهم بين أنقرة وتل أبيب.
أكد هرتسوج أن خلافات الماضي لن تنتهي، ولكن كلا البلدين يركزان الآن على المستقبل، وأشار إلى اتفاق الدولتين على الاختلاف حول بعض الأمور لكن سيتم حل تلك الخلافات بانفتاح واحترام متبادل. وقال هرتسوج إن الزيارة تشكل لحظة مهمة للغاية وتسمح ببناء جسور أساسية لكلا الدولتين.
فيما عدّ أردوغان أن الزيارة تاريخية، وأكد أنها نقطة تحول في العلاقات التركية الإسرائيلية. مشددًا على أن تركيا مستعدة للتعاون مع إسرائيل في قطاع الطاقة، وأن الهدف المشترك هو تنشيط الحوار على أساس المصالح المشتركة. مضيفًا أن وزيري الخارجية والطاقة في تركيا سيزوران إسرائيل قريبًا لإجراء مزيد من المحادثات بشأن زيادة التعاون.
ويعود تدهور العلاقات بين تل أبيب وأنقرة إلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008، ثم انقطعت العلاقات عقب اعتراض البحرية الإسرائيلية “أسطول الحرية” في مايو 2012. لكن ظل التأرجح في العلاقات سيد الموقف، ففي أعقاب إعلان تركيا استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل عام 2016، عاد التوتر من جديد جراء موقف تركيا من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومنذ ذلك، أصبحت العلاقات الدبلوماسية على مستوى القائم بالأعمال.
وقد شهدت الأشهر الأخيرة تقاربًا واضحًا بين تركيا وإسرائيل؛ إذ تحدث رئيسا الدولتين مرات عدة منذ تنصيب هرتسوج، وبدت العديد من المؤشرات نحو تحسن العلاقات بين البلدين، ففي ديسمبر الماضي، التقى الرئيس التركي مع أعضاء الجالية اليهودية التركية وأعضاء “تحالف الحاخامات في الدول الإسلامية“، وأكد حينها أنه يولي اهتمامًا للحوار الذي تم إحياؤه مجددًا، سواء مع الرئيس الإسرائيلي أو رئيس الوزراء نفتالي بينيت.
فضلًا عن ذلك، في نهاية نوفمبر الماضي، جدد أردوغان رغبة بلاده في تحسين العلاقات مع إسرائيل ومصر، ردًا على سؤال صحفي عن العلاقات مع القاهرة وتل أبيب. وبدت الأمور أكثر انفتاحًا مع إفراج تركيا عن زوجين إسرائيليين احتجزتهما لمدة أسبوع تقريبا للاشتباه في تجسسهما، وهو ما نفته إسرائيل. وعقب تلك الخطوة، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بالاتصال بالرئيس التركي ليعرب عن شكره بعد الإفراج عن الزوجين، في أول اتصال على هذا المستوى بين الدولتين منذ عام 2013.
لكن هذا التقارب لا يعني تحولًا في سياسة تركيا تجاه إسرائيل؛ إذ إن الحاكم الرئيس لهذا التقارب هو المتغيرات التي تشهدها كلا الساحتين الإقليمية والدولية، والاحتياج الذي تفرضه الظروف على كلتا القوتين الإقليميتين، فتركيا في الواقع في احتياج لإسرائيل، حيث وصلت إلى أضعف مستوى لها منذ سنوات. أما إسرائيل، فتسعى إلى استغلال الفرصة لتحقيق مكاسب استراتيجية عدة من خلال إعادة النظر في علاقتها مع أنقرة التي تشترك معها في الشعور بالانتماء الأوروبي والتقارب مع الولايات المتحدة، وما عزز ذلك هو دخول الطرفين على خط الوساطة في الأزمة الروسية الأوكرانية؛ بهدف العثور على دور فعال في أزمة تتشابك فيها مصالح القوى الكبرى.
سياق الزيارة ودوافع التقارب
بعد أن شهدت العلاقات جمودًا لأكثر من عقد من الزمان، جاءت زيارة هرتسوج إلى تركيا لتشكل خطوة إلى الأمام في علاقة محفوفة بالمخاطر تتسم بانعدام الثقة العميق بين أنقرة وتل أبيب. لكن التطورات الجيوسياسية في منطقة الشرق دفعت الدولتين إلى إعادة رسم سياساتهما، وعززت من مدى إدراكهما لما قد تفضي إليه انعكاسات التطورات على الساحة الدولية، خاصة بعد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، على مصالحهما في العديد من الملفات.
في هذا السياق، تأخذ كل من تركيا وإسرائيل في حسبانها أهمية استقرار سوريا وانعكاساته على أمن المنطقة، ويشترك الجانبان في رفضهما لامتلاك إيران للسلاح النووي. أما فيما يخص الأزمة الأوكرانية، فقد اتبع كلاهما نوعًا من الحياد في موقفهما تجاه الأزمة؛ إذ حرصا على الحديث عن وحدة الأراضي الأوكرانية وسيادتها في ظل تخوفهما من المساس بالعلاقات مع روسيا. وتكررت دعواتهما إلى حل الأزمة دبلوماسيًا وإنهاء الصراع بأسرع وقت ممكن، ليس ذلك فحسب، بل أصبحا وسيطين محتملين في الأزمة الروسية الأوكرانية، ويأتي ذلك في إطار خشية الدولتين من تداعيات الأزمة، وما يمكن أن يسفر عنها من آثار سلبية على كافة الأصعدة.
بالنسبة لتركيا، تأتي الجهود التركية الأخيرة في سياق مختلف تمامًا عما كانت عليه الدولة التركية في السابق؛ حيث يواجه أردوغان تحديات عدة في الداخل، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي؛ إذ تشير استطلاعات الرأي العام إلى تراجع شعبيته، وترجح فوز أحزاب المعارضة حال أجريت الانتخابات في الوقت الحالي. ومن جانب آخر وصلت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها مما أثر على الأداء الاقتصادي بصورة كبيرة. أما على المستوى الخارجي، فتركت السياسة الخارجية التركية الدولة معزولة في المنطقة، وهو ما دفع الرئيس التركي إلى إعادة النظر في سياسته الخارجية، فاتجه إلى سياسة أكثر واقعية بعد أن تبنى لسنوات سياسة مدفوعة أيديولوجيًا كلفته الكثير.
من جانب آخر، تخشى تركيا التغيرات الجيوسياسية في المنطقة والتي تنخرط فيها إسرائيل من خلال إعادة تشكيل علاقاتها بدول المنطقة عبر اتفاقات إبراهام، وهو ما يمكن أن يشكل معسكرًا مواجهًا لتركيا، خاصة مع سياساتها الهجومية ودعمها لجماعة الإخوان الإرهابية المرفوضة من قبل دول المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن علاقة تركيا بإدارة بايدن ليست في أفضل حالاتها، وعلى الصعيد الآخر فقد تزايدت المخاوف التركية بعد تشكيل التحالف بين كل من مصر وقبرص واليونان وإسرائيل فيما يخص ملف الغاز بشرق المتوسط، وما يستتبع ذلك من تأثير مباشر على دور تركيا كممر لنقل الطاقة إلى أوروبا.
وما عزز من هذا التوجه هو استبعاد تركيا من منتدى غاز شرق المتوسط. وبعد الأزمة الروسية الأوكرانية، أدرك إردوغان مدى اتساع الهوة في علاقة تركيا بروسيا، في ظل تفاقم حساسية حلف الناتو تجاه أي تقارب ممكن، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تهديد على عضوية تركيا بحلف الناتو ويهدد علاقتها بالدول الغربية.
في المجمل، وجد أردوغان نفسه معزولًا، في ظل تغيرات جيوسياسية حادة في المنطقة، تؤثر بشكل مباشر على المصالح التركية، في وقت لم تستطع سياساته الخارجية التعامل معها، لذلك سعى إلى تغيير استراتيجية السياسة الخارجية لتركيا من خلال تعزيز العلاقة مع إسرائيل، بعيدًا عن كل الشعارات الأردوغانية السابقة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ظنًا منه أن هذا التقارب سيكون بمثابة عودة إلى منطقة الشرق الأوسط، وفرصة لتوطيد العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
فيما يخص إسرائيل، فلا يزال موقفها متردّدًا وحذرًا تجاه الانفتاح على العلاقة مع تركيا، خاصة في ظل انعدام الثقة ما بين الطرفين، وإدراكها للطموحات التركية في المنطقة. لكنها من جانب آخر، تسعى إلى تحقيق مكاسب استراتيجية من تلك العلاقة سواء فيما يخص قطاعات السياحة أو التجارة، أو على المستوى الجيوستراتيجي من خلال ما يمكن أن تجنيه من تعزيز علاقتها بتركيا وما لديها من امتداد في المنطقة، واستغلال تلك العلاقة في مواجهة إيران التي تشكل التهديد الأكبر على إسرائيل.
وعلى المستوى الداخلي، فقد أتاح تولي الحكومة الائتلافية الحالية في إسرائيل فرصة لإعادة النظر في العلاقات، خاصة مع رحيل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، وهو ما مهد لإمكانية التقارب في إطار الحفاظ على المصالح المشتركة في ظل التهديدات المتزايدة. وتهدف حكومة بينيت كذلك إلى فتح آفاق جديدة في سياستها الخارجية لتحقيق إنجازات على المستوى الخارجي واستخدامها لتحقيق مكاسب على الصعيد الداخلي في ظل ما يواجهه الائتلاف من انتقادات إثر إخفاقه في مواجهة الأزمات المتعددة داخل إسرائيل والتي تفاقمت بعد تفشي وباء كورونا.
فضلًا عن ذلك، تدرك إسرائيل الانعكاسات السلبية التي ستلقي بظلالها على الاقتصاد الإسرائيلي إثر التصعيد الروسي الأوكراني، لذلك فتركيا بالنسبة لها مصدر مهم يمكن أن يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي المتراجع. وبناء على ما سبق، فإن كلا الرؤيتين التركية والإسرائيلية تشترك في رغبتهما في تبني نهج عملي يركز على المصالح المشتركة، وإدراكهما أن الانخراط في صراع جيوسياسي في الوقت الراهن لن يستفيد منه أحدهما في ظل المتغيرات الجارية.
مصالح مشتركة
يمكن القول إن التقارب التركي الإسرائيلي يأتي في وقت تتزايد فيه التهديدات على الدولتين، وهو ما دفع بضرورة إعادة التدقيق في حساباتهما بما يحقق المصالح المشتركة، وفرض ضرورة تنحية الخلافات جانبًا في البداية، حتى يتم تبادل الرؤى بشأنها بانفتاح. لكن هذا التقارب متوقف على الموقف التركي من القضية الفلسطينية، وتحديدًا دعمها لحركة حماس. وفي هذا السياق، يمكن إلقاء الضوء على أهم نقاط الالتقاء والخلاف بين أنقرة وتل أبيب كالآتي:
- العلاقات التجارية والسياحة:
على الصعيد الاقتصادي، لم تؤثر التوترات السياسية بين تركيا وإسرائيل على علاقاتهما التجارية؛ إذ تبنت الدولتان شعار فصل الاقتصاد عن السياسة. وعلى الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية، فقد أكدت البيانات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء التركي (TUIK) وجمعية المصدرين الأتراك والبنك المركزي (CBRT) أن العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل لم ينقطعان، بل على العكس يزداد، ويقابله أيضًا تصاعد في حجم الاستثمارات المباشرة المتبادلة بين البلدين.
ففي عام 2020، بلغ حجم التجارة الخارجية بين تركيا وإسرائيل، 6.2 مليار دولار. وبلغ إجمالي الصادرات التركية إلى إسرائيل 4.7 مليار دولار، وبذلك احتلت إسرائيل المرتبة التاسعة بين الدول التي تصدر لها تركيا أكثر من غيرها. وفي عام 2021، تم تحقيق رقم قياسي جديد في التبادل التجاري بين البلدين، حيث وصل إلى 8,1 مليار دولار.
لذلك فمن المرجح أن يتم استغلال استعادة دفء العلاقات بين تركيا وإسرائيل في تعزيز العلاقات التجارية، وخاصة أن العام المقبل 2023 سيشهد انتخابات في تركيا، وبالتأكيد يبحث أردوغان عن أي وسيلة للخروج من أزماته الاقتصادية. وما يؤكد ذلك قيام وفد تجاري تركي بزيارة تل أبيب قبل إجراء زيارة هرتسوج، وتم توقيع مذكرة تفاهم بين مجلس المصدرين الأتراك والاتحاد الإسرائيلي لغرف التجارة الدولية.
أما قطاع السياحة، فيحمل أهمية خاصة؛ إذ تعد تركيا وجهة مفضلة لدى الكثير من الإسرائيليين، فوصل عدد السائحين الإسرائيليين إلى تركيا في عام 2019 إلى نصف مليون سائح، وهو عدد غير مسبوق حتى قبل حادثة سفينة مرمرة عام 2010. لذلك تسعى تركيا إلى تعزيز القطاع عبر جذب السائحين الإسرائيليين، وهو ما يصب في صالح اقتصادها.
- أمن الطاقة في شرق المتوسط:
خلال زيارة هرتسوج، أكد أردوغان على الأهمية التي يوليها للتعاون في مجال أمن الطاقة مع إسرائيل؛ إذ أبدت تركيا استعدادها لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، ومؤخرًا، أكد وزير الطاقة والموارد الطبيعية في تركيا، فاتح دونماز، أنه سيتوجه إلى إسرائيل في أبريل المقبل؛ لمناقشة شحن الغاز المكتشف في شرق المتوسط عبر تركيا.
جدير بالذكر أنه في عام 2020، وقعت إسرائيل واليونان وقبرص اتفاقًا لبناء خط أنابيب “إيست ميد” لنقل الغاز من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، وهو مشروع أثار حفيظة أنقرة. وفي العام ذاته تم استبعاد تركيا من منتدى غاز شرق المتوسط.
لذلك فبالنسبة لتركيا، تصب الانفراجة في العلاقات مع إسرائيل لصالحها، خاصة بعد اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، وما يترتب عليها من التأثير على مصادر الطاقة التي تستوردها أنقرة، إذ تعتمد بشكل أساسي على الغاز الروسي فتستورد نحو 4 مليارات متر مكعب سنويًا عبر خط أنابيب “ترك ستريم” من شركة غازبروم الروسية، والذي من المتوقع انتهاء العمل به نهاية العام الجاري. وعلى الرغم من طمأنة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لتركيا فيما يخص استمرار إمدادها بالغاز، إلا أن ذلك لا يمنع تركيا من تأمين مصادر الطاقة لديها.
- مواجهة النفوذ الإيراني:
بالنسبة لإسرائيل، فتركيا هي حصن قوي ضد التمدد والعدوان الإيراني في شمال العراق وشمال سوريا. وبالتالي، فكلتا الدولتان لديها مصلحة في كبح جماح التوسع الإيراني، وهو ما يعززه التقارب بين الجانبين. من زاوية أخرى، تتخوف إسرائيل من تبني الإدارة الأمريكية سياسة منفتحة تجاه إيران بعد إعادة النظر في الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما يستوجب الاستعداد لمواجهة طهران والسيطرة على الهجمات التي تشنها من خلال وكلائها في المنطقة.
- الاستعداد لتراجع الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط:
كان الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة من أفغانستان بمثابة جرس إنذار لحلفائها في المنطقة، فلم تعد منطقة الشرق الأوسط محورًا أساسيًا على أجندة السياسة الأمريكية، وهو ما دفع بكل من تركيا وإسرائيل إلى إعادة ترتيب أولوياتهما، آخذين في الحسبان تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة. وبالنسبة لتركيا، فهي ترى في إسرائيل جسرًا يوصلها بالولايات المتحدة والغرب ويساعدها على إنهاء عزلتها.
- التخوف من انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية:
شكلت الأزمة الروسية الأوكرانية دافعًا محفزًا للتقارب التركي الإسرائيلي، فالانعكاسات السياسية والاقتصادية التي ستخلفها الأزمة على كلتا الدولتان لعبت دورًا كبيرًا في حثهما على إعادة النظر في العلاقات، فكلاهما يعاني من أزمة اقتصادية يرجح أن تتزايد بالتزامن مع التصعيد الروسي الأوكراني، ويواجهان معضلات سياسية عدة يرجح أن تتزايد في ظل ما يشهده العالم من تغيير في هيكل النظام الدولي بعد الأزمة الأوكرانية.
تحدٍ أساسي عنوانه “القضية الفلسطينية”
كانت القضية الفلسطينية وستظل على الأرجح العقبة الأساسية في العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، فبغض النظر عن التصريحات والمواقف التركية تجاه الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، لكن لُب الخلاف الحقيقي هو موقف الحكومة التركية من حركة حماس، والتي تدعمها أنقرة بشدة وتستضيف قادتها، فضلًا عن سماحها بإقامة مكتب تمثيلي لها في إسطنبول، وهو ما شكل مصدر إزعاج للحكومة الإسرائيلية. ويتوقع أن تشكل تلك القضية أساسًا يترتب عليه توطيد العلاقات من عدمه خلال الفترة المقبلة.
وختامًا، يبقى السؤال الرئيسي، “هل تتجه العلاقات بين تركيا وإسرائيل نحو التطبيع؟”، وفي محاولة للإجابة على هذا التساؤل يمكن القول إنه بالنظر لكافة الأبعاد يتضح أن مجالات التعاون تغلب القضايا الخلافية في العلاقة بين الدولتين. وتزامنًا مع ذلك، يشكّل تولي حكومة بينيت في إسرائيل فرصة جيدة يمكن لأنقرة اغتنامها، خاصة في ظل ما تواجهه من عزلة دبلوماسية. وبالنسبة لإسرائيل، فعلى الرغم من ترددها بشأن المزيد من التقارب مع تركيا في ظل أزمة الثقة، إلا أن تطبيع العلاقات معها قد يحقق مكاسب عديدة على المستوى الإقليمي وكذا لحكومة بينيت في الداخل، ويعزز كل ذلك من فرص التطبيع. لكن بلا شك، فإن طريق التطبيع يظل مليئًا بالعقبات التي قد تجعله قصير الأمد حال إتمامه، ويأتي في مقدمة تلك العقبات موقف تركيا من حماس والقضية الفلسطينية حال استمرت السياسات الاستفزازية لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى احتمالات تفكك الائتلاف الهش بقيادة بينيت في إسرائيل، وهو ما سيعرض التطبيع التركي الإسرائيلي المحتمل للخطر.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية