
أمريكا تنتخب 2022.. هل يذهب الصوت اللاتيني إلى الجمهوريين؟
إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تشهد كل أربع سنوات انتخابات رئاسية تحدد ملامح السياسة الأمريكية، فإن تلك الانتخابات يعقبها بعد عامين انتخابات التجديد النصفي التي تعد اختبارًا لسياسات الرئيس في منتصف ولايته. وفي 8 نوفمبر 2022 تأتي اللحظة التي ينتظرها الحزب الجمهوري الأمريكي خاصة تيار الترامبية داخل الحزب من أجل الثأر لما أسموه اختراقات في انتخابات الرئاسة والكونجرس نوفمبر 2020؛ إذ يتوجه الشعب الأمريكي لانتخاب مجلس النواب بالكامل، أي 435 مقعدًا.
هذا بالإضافة إلى 34 مقعدًا من أصل 100 مقعد داخل مجلس الشيوخ يمكن أن تقلب موازين الأغلبية الهشة للحزب الديمقراطي داخل المجلس. وينتخب الأمريكيون كذلك 36 حاكمًا للولايات من أصل 50 ولاية، إضافة إلى ثلاثة أقاليم أمريكية، وهو رقم لم يتكرر منذ ست سنوات تقريبًا؛ ما يجعل الدولة الأمريكية تشهد يومًا ضخمًا لانتخاب حكام أبرز ولاياتها دفعة واحدة.
وعادة ما يشهد نوفمبر من كل عام في أمريكا موسم الانتخابات المقرر عقدها خلال ذلك العام؛ إذ تنتهي ولاية بعض حكام الولايات وعمداء المدن مبكرًا، ما جعل انتخابات نوفمبر 2021 ما هي إلا جرس إنذار للحزب الديمقراطي؛ على ضوء تململ الرأي العام الأمريكي من سياسات إدارة جو بايدن.
وتمثلت الانتقادات الشعبية والحزبية لإدارة جو بايدن فيما يلي:
1 – عدم الإيفاء بالوعود الانتخابية بالتحسن الاقتصادي والعودة إلى المعدلات الاقتصادية الخاصة بالعام 2019 قبل جائحة كوفيد–19 عام 2020.
2 – عدم الإيفاء بالوعود الانتخابية بفرملة تمدد وباء كورونا في المجتمع الأمريكي واستمرار الوباء بكل خسائره الاقتصادية والتجارية.
3 – عدم تحسن أحوال الأقليات والعرقيات رغم تصويتهم المكثف للديمقراطيين في انتخابات 2020.
4 – عدم الابتعاد عن بعض سياسات دونالد ترامب إذ تفاجأ الناخب المنتمي إلى الحزب الديمقراطي بالموقف الأمريكي المتشدد حيال الصين في استمرار للنهج الترامبي.
5 – الحالة الصحية للرئيس المسن، على ضوء الغيابات المتعددة والتلعثم وزلات اللسان التي أعطت مادة ثرية لإعلام الحزب الجمهوري لشن حملات السخرية على الرئيس.
6 – الأداء الباهت لنائبة الرئيس كامالا هاريس والتي كان البعض يعول عليها لإضفاء زخم إعلامي للإدارة الأمريكية التي تصنف أنها “إدارة بلا نجوم” إعلاميًا.
ولكن الجديد في نتائج انتخابات نوفمبر 2021 هو استمرار ما جرى في انتخابات نوفمبر 2020 ولكن بشكل أوسع، ألا وهو التحول التاريخي في تصويت العرق اللاتيني الأمريكي لصالح الجمهوريين بدلًا من الديمقراطيين.
يسوق منظرو الحزب الديمقراطي الأمريكي للحزب بوصفه راعي الأقليات العرقية، خاصة القادمين من أمريكا اللاتينية (أمريكا الوسطى والجنوبية) ولكن في نوفمبر 2021 انخفضت نسبة تأييد الحزب الديمقراطي ما بين اللاتينيين لمستوى 33 %، وهو الأدنى في تاريخ الانتخابات الأمريكية.
وكان الصوت اللاتيني في فلوريدا وتكساس قد ذهب إلى الجمهوريين ودونالد ترامب في انتخابات الرئاسة والكونجرس عام 2020، وفى انتخابات نوفمبر 2021 حدث اختراق جمهوري جلل هز ثقة الديمقراطيين؛ إذ فاز الجمهوري جلين يونجين بمنصب حاكم ولاية فيرجينيا، متفوقًا على منافسه الديمقراطي، في سابقة لم يفعلها الجمهوريون منذ عام 2009.
وقد لعب الصوت اللاتيني دورًا حاسمًا في إهداء الفوز للجمهوري جلين يونجين، وبدأت الصحف الأمريكية تعنون الانتصار بأنه “بدء مرحلة الترامبية بدون دونالد ترامب”، ولكن كيف جرى هذا التحول التاريخي للصوت اللاتيني من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري؟
الانقلاب اللاتيني في المعادلة الانتخابية الأمريكية
إن أسباب هذا الانقلاب في المزاج الانتخابي لـ “لاتينيي الولايات المتحدة الأمريكية” تكمن في أن هؤلاء المهاجرين أو أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين قد تركوا بلادهم في أمريكا الوسطى والجنوبية هربًا من الأنظمة اليسارية والأفكار الشيوعية والمبادئ التقدمية، إضافة إلى عصابات الجريمة المنظمة في أمريكا الجنوبية وكل موبقات تلك المجتمعات الفقيرة.
ولكن ما فعلته إدارة جو بايدن ومن قبله إدارة باراك أوباما أنها فتحت باب الهجرة بشكل فوضوي، ما أدى إلى تسلل عناصر من الجماعات المنظمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتوطين تلك العناصر في المجتمعات اللاتينية بدون أي تحرك حقيقي من السلطات الأمريكية التي تتلقى التعليمات بدورها من إدارة ديمقراطية لا يهمها في هذا المضمار سوى زيادة ديموجرافية المهاجرين من أمريكا الوسطي والجنوبية على أمل أن يصوت هؤلاء مع الأمريكيين من أصول أفريقية وآسيوية لصالح الديمقراطيين لمعادلة الكتلة القومية المؤيدة للحزب الجمهوري.
وقد وصل الأمر إلى الإعلام الأمريكي الذي رصد تسلل عناصر من عصابة الـ MS – 13 التي تعد من أشرس عصابات الجريمة المنظمة في السلفادور. وعقبت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي على هذا الخبر بالقول نصًا إنهم أبناء الله (children of GOD) ويحق لهم الحصول على فرصة ثانية في الحياة!
هذا بجانب أن السياسات التقدمية التي تنتهجها إدارات الحزب الديمقراطي الثلاث الأخيرة (إدارتا أوباما وإدارة بايدن) واتخاذ قواميس الصوابية السياسية مرجعية لها في واقع الأمر هي أفكار ماركسية ميزت الأنظمة الشيوعية في أمريكا الوسطى والجنوبية.
وهكذا فإن اللاتينيين في الولايات المتحدة قد تفاجأوا بأن ما هربوا منه أو هرب منه أجدادهم قد وصل للتو إلى الولايات المتحدة، سواء عبر الحدود ديموجرافيًا، أو عبر سياسات حكومات الحزب الديمقراطي، وبالتالي فإن سياسات استيعاب المهاجرين وفتح باب الهجرة بهذه العشوائية في واقع الأمر سوف تدمر حال الأقليات داخل المجتمع الأمريكي؛ إذ إن تلك الموبقات سوف يتم توطينها في المجتمع اللاتيني الأمريكي ويخسر “لاتينيو الولايات المتحدة الأمريكية” كافة المنجزات المجتمعية التي حصدوها منذ قيام جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية.
وهكذا بدأت تظهر حركات داخل الأقليات العرقية الأمريكية، رافضة لفكرة فتح باب الهجرة على نمط الصوابية السياسية وأفكار الحزب الديمقراطي، وقد تجمعت تلك الحركات أثناء انتخابات الرئاسة عامي 2016 و2020، وشكلت حركات بعنوان “لاتينيين من أجل دعم ترامب” و”سود من أجل دعم ترامب” وقد أصبحوا اليوم بعد خروج ترامب من البيت الأبيض أعضاء في الحزب الجمهوري وتركوا الحزب الديمقراطي أو حزب الأقليات كما يهوى منظرو الحزب تسميته.
هذا الانقلاب في المزاج الانتخابي قد حدث في أوروبا ايضًا؛ إذ إن أحزاب اليمين القومي تضم المئات من المواطنين من أصول عربية وتركية وإيرانية رفضوا فتح باب الهجرة بشكل شامل في سنوات ما بعد قيام ما أُطلق عليه الربيع العربي، ثم تبني العولمة قيم النيوليبرالية العالمية والصوابية السياسية عام 2016 على وجه التحديد لمجابهة المد القومي في أوروبا وأمريكا.
وقد أدى ذلك إلى دخول عناصر إرهابية وإجرامية من دول الحرب على الإرهاب ودول حروب الربيع العربي، ونفذت سلسلة من العمليات الإرهابية في أوروبا أضرت بسمعة وتقبل المجتمع الغربي للسكان من أصول عربية وأفريقية وتركية وإيرانية، أو السكان المنتمين للثقافة الإسلامية.
وهذا المشهد غير المسبوق في أمريكا –وأوروبا– يوضح إلى أي مدى انتصر نموذج الدولة الوطنية على نموذج دولة العولمة التي يروج لها النظام العالمي عبر تبنيه تلك الأفكار؛ فاللاتينيون في الولايات المتحدة الأمريكية لا يفكرون في زيادة عددهم وبالتالي سيطرتهم على ديموجرافيا الولايات المتحدة وثقافتها بل وحتى كنائسها، بل يفكرون في حماية الدولة من الإرهاب والجريمة المنظمة حتى لو كان قادمًا من بلادهم الأصلية.
ونفس الشيء بالنسبة للأقليات العربية والأفريقية والتركية والإيرانية في أوروبا؛ إذ إنهم لا يسعون اليوم إلى زيادة أعداد بني جلدتهم في الدول الأوروبية، بقدر ما يسعون إلى حماية تلك البلاد من الإرهاب القادم من الجماعات الإرهابية العربية والأفريقية والتركية والإيرانية.
وهكذا، فإن المهاجر بدلًا من أن ينتصر للتيار النيوليبرالي، جعله تخوفه على مستقبله ومستقبل أبنائه ينتصر للتيار القومي؛ إذ إن المهاجر لا يغادر بلاده من أجل التصويت للنيوليبراليين ونقل موبقات مجتمعه إلى دول الشمال، بل يغادرها بحثًا عن حياة أفضل وعيش كريم مشترك.
مفهوم أمريكا الوسطى
وقد أبرزت تلك الأزمة بين العرق اللاتيني في الولايات المتحدة مدى جهل مثقفي الحزب الديمقراطي بين اختلاف الأوضاع السياسية والاجتماعية ما بين أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، وعادة ما تنظر دول العالم للمنطقتين بوصفهما منطقة واحدة على ضوء شهرة دول أمريكا الجنوبية.
ولكن مفهوم أمريكا الوسطى مختلف عن مفهوم أمريكا الجنوبية، والحاصل أن تلك المنطقة كانت مستعمرة إسبانية، يطلق عليها اسم مستعمرة “إسبانيا الجديدة”، وعمليًا اسم “أمريكا الإسبانية”. وبعد مقاومة سكان تلك المستعمرة للاحتلال الاسباني، وقّعت المملكة الإسبانية مع قادة المقاومة معاهدة للانسحاب وتفكيك المستعمرة وإعلان قيام جمهورية أمريكا الوسطى الفيدرالية República Federal de Centroamérica عام 1823 واستمرت حتى عام 1841 فحسب، قبل أن تنقسم إلى دول أمريكا الوسطى السبع المعروفة اليوم، وهم: بليز وكوستاريكا والسلفادور وجواتيمالا وهندوراس ونيكاراجوا وبنما.
منطقة أمريكا الوسطى تسيطر بالكامل على البحر الكاريبي، ولا يعدون المكسيك من ضمن إقليم أمريكا الوسطى كما يظن بعض المثقفين حول العالم؛ إذ إن المكسيك هي جنوب أمريكا الشمالية مع كندا والولايات المتحدة الأمريكية وكوبا.
باحث سياسي