اليمن

ما بعد التصعيد.. هل تُعيد الولايات المتحدة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب؟

دخلت الأزمة اليمنية بداية من العام الراهن مرحلة جديدة من التحولات؛ إذ تشهد الساحة اليمنية جملة من التطورات الميدانية في عدد من نقاط وميادين الاشتباك في الداخل. فقد نجحت ألوية العمالقة بجانب القوات الحكومية وبدعم من عناصر التحالف العربي في تغيير وقلب قواعد اللعبة، وذلك من خلال إقصاء ميليشيا الحوثي من أحد تمركزاتها الحيوية والاستراتيجية، بحيث تعد الانتكاسة التي لحقت بالميليشيا في محافظة شبوة مطلع العام أحد أبرز التغيرات الميدانية؛ ليس فقط لأنها اعادت توحيد الجبهة ضد الحوثي، بل لأنها قطعت الطريق وصعبت مهمة الميليشيا في السيطرة على محافظة مأرب، وبسط نفوذها في آخر معقل الحكومة الشرعية في شمال البلاد.

من ناحية أخرى، تشكل التصعيد الخارجي العابر للحدود بصورة مختلفة عما كان عليه في أوقات سابقة، إذ أثار الهجوم على الإمارات (17 يناير) المخاوف من توسيع الميليشيا لبنك أهدافها الخارجي تجاه دول الخليج، بحيث لا تصبح الهجمات قاصرة فقط على المملكة العربية السعودية، بل يتسع نطاقها لتشمل دولة الإمارات، ولعل الهجوم الثاني (24 يناير الجاري) دليلًا على نية الحوثي في توسيع بنك أهدافه، حيث أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية اعتراض وتدمير صاروخين باليستيين اطلقهما الحوثيون تجاه الإمارات، ما يُعد تهديدًا مباشرًا لأمن دول الجوار، يقتضي التعاطي معه بشدة وحذر في ذات الوقت.

ترتيبًا على ما سبق، أثار التصعيد الدائر عددًا من التساؤلات حول آليات التعامل مع ميليشيا الحوثي، ولعل المطالبة بوضع الجماعة على قائمة الإرهاب كان ضمن أبرز تلك النقاشات التي فرضتها التطورات الأخيرة، ما يمكن الوقوف عليه فيما يلي:

عوامل محفزة

تحشد دولة الإمارات وتتحرك ضمن مسارات دبلوماسية في سبيل وضع جماعة الحوثي ضمن قوائم الإرهاب، وذلك في أعقاب الهجمات التي تسببت في مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستة آخرين، على خلفية انفجار ثلاثة صهاريج نقل محروقات بترولية، علاوة على حريق بسيط في منطقة الإنشاءات الجديدة في مطار أبو ظبي، فما هي الأسباب والعوامل التي يمكن أن تعزز هذا التحرك؟ 

أولًا) زعزعة أمن دول الجوار، بداية من عام 2017 شنت ميليشيا الحوثي هجماتها العابرة للحدود، حيث كثفت ضرباتها وتهديداتها لدول الخليج، وذلك من خلال توظيف القدرات العسكرية المتطورة التي تحصل عليها من طهران، بحيث أصبحت المنشآت الحيوية، ومحطات الطاقة، والمطارات، وحقول النفط ضمن بنك أهداف ميليشيا الحوثي.

وقد شهد عام 2021 ارتفاعًا ملحوظًا في الضربات الحوثية الموجهة خاصة تجاه المملكة العربية السعودية، إذ تشير التقديرات إلى تنفيذ الحوثيين 702 هجوم ضد السعودية خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر 2021، مقارنة بنحو 342 هجومًا في ذات الفترة عام 2020.

 ولم تتوقف هذه الهجمات، بل امتدت مطلع العام الحالي تجاه الإمارات، ففي أقل من أسبوع نفذت ميليشيا الحوثي هجومين تجاه الإمارات. ومن هنا يمكننا الإشارة إلى أن تلك الهجمات ناتجه عن التطور الذي طرأ على الأداة العسكرية للحوثيين؛ فبجانب قدرتها على تصنيع وتطوير الطائرات بدون طيار، نفذت الميليشيا هجماتها عبر الصواريخ الباليستية، والكروز وغيرها من الأسلحة المتقدمة.

وتعمل ميلشيا الحوثي من خلال تلك الهجمات على تشكيل عامل ضاغط على عناصر التحالف لوقوف العمليات في اليمن، ومن المحتمل أن تزداد الهجمات في الفترات القادمة في ظل الخسائر الميدانية المحتملة للحوثيين، الأمر الذي ما يؤدي إلى زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة.

ثانيًا) تهديد الممرات الملاحية، يعد التهديد المتزايد من قبل الحوثيين، ومساعي عرقلة وتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أحد استراتيجيات الضغط التي تبناها الحوثي منذ سيطرته على العاصمة اليمنية 2014، بحيث باتت توظف السواحل اليمنية والجبال المطلة على باب المندب لإطلاق هجمات صاروخية، وزوارق بحرية، علاوة على زرع عدد من الألغام البحرية التي من شأنها أن تؤثر على حركة الملاحة، بل قد تصيب الممرات البحرية بحالة من الإرباك والشلل، بما يؤثر على الاقتصاد العالمي، وتدفقات النقل وسلاسل التوريد.

وقد عبر الحوثيون في أكثر من مرة عن قدرتهم على تهديد الملاحة في البحر الأحمر، وذلك من خلال تصريحات معلنة من قبل رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين “صالح الصماد” (يناير2018)، والذي أكد خلالها إمكانية قطع طريق الملاحة في البحر الأحمر، وقد سبق هذا التهديد بيان (يوليو2017)، أعلن فيه الحوثيون امتلاكهم القدرة على تحويل البحر الأحمر إلى ساحة حرب.

وخلال السنوات الماضية، تمت ترجمة هذه التصريحات والتهديدات ميدانيًا، حيث تشير تقديرات لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (ديسمبر 2021) أن الحوثيين نفذوا نحو 24 هجومًا بحريًا بداية من عام 2017 حتى منتصف 2021، وأغلبها كانت موجهة لناقلات نقط، وسفن تجارية. ولعل احتجاز السفينة الإماراتية “روابي” يناير 2022، دليلًا على توظيف الحوثي سيطرتهم على الموانئ اليمنية (الحديدة- رأس عيسى-الصليف) في عرقلة وتهديد حركة الملاحة، والتي بدأت ملامحها في الظهور منذ عام 2016، عندما استهدف الحوثيون أحد السفن التابعة للبحرية الإماراتية، علاوة على إطلاق صواريخ تجاه المدمرة الأمريكية “يو إس إس ماسون”.

ثالثًا) التهديد المباشر للمصالح الأمريكية، يشكل النفوذ الحوثي ومن خلفه إيران تهديدًا رئيسًا للمصالح الأمريكية بشكل مباشر، علاوة على التهديدات المرتبطة بحلفاء الولايات المتحدة، فقد قامت ميليشيا الحوثي (نوفمبر2021) باقتحام مقر السفارة الأمريكية في صنعاء والاستيلاء عليها، الأمر الذي قوبل بإدانات واسعة من قبل الولايات المتحدة ومجلس الأمن.

وعلى الرغم من أن واشنطن قد أوقفت عمل بعثتها الدبلوماسية في اليمن منذ عام 2015، ما يعني عدم تعرض أي موظف أمريكي للاعتداء أو الاعتقال خلال حادث اقتحام السفارة، إلا أن العملية تحمل دلالات رمزية مهمة في سياق التصعيد المباشر ضد الولايات المتحدة. 

رابعًا) استمرار التعنت وفشل التسويات السياسية، أخفقت كافة مساعي ومحاولات التسوية والوساطة في إنهاء الصراع في اليمن؛ فخلال السنوات الماضية لم تنجح أية جولات تفاوضية بين أطراف الأزمة منذ مباحثات جنيف في يونيو 2015، مرورًا بالوساطة العمانية، ومحادثات الكويت 2016، واتفاق ستوكهولم 2018. 

ويُعد التعنت والمراوغة الحوثية ومحاولة الانقلاب على تلك التفاهمات بمثابة القاسم المشترك الحاكم لتلك المفاوضات، وهو ما يشير إلى أن الحوثيين لا يرغبون في التسوية السياسية، ويميلون إلى لغة السلاح، حتى ولو توافقت مبادرات التسوية مع مطالبهم، ما يمكن الوقوف عليه من خلال رفض مبادرة الرياض (مارس 2021) والتي تضمنت دعوات لوقف إطلاق النار، وفتح مطار صنعاء، وغيرها من المطالب التي يرفعها الحوثيون، يضاف إلى ذلك مقابلة الحوثيين دعوة التحالف (يونيو2021) لوقف العمليات العسكرية لبحث سبل التسوية بالتصعيد العسكري، الأمر الذي يشير إلى  رفض مساعي التسوية واللجوء إلى التصعيد كوسيلة لتحقيق أهدافهم في توسيع النفوذ والسيطرة الميدانية.

اتجاهات محتملة

ثمة مسارات يمكن أن تنتهي إليها مساعي الإمارات والحكومة اليمنية فيما يتعلق بإعادة جماعة الحوثي إلى قوائم الإرهاب، خاصة أن التطورات الراهنة وما تشهده الساحة اليمنية ترجح مسار التصعيد على حساب التسوية. وفي هذا الإطار، يمكننا الوقوف على جملة من المحددات الداعمة لكل مسار؛ سواء الداعم لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، أو الرفض لهذا التعاطي وذلك فيما يلي:

أولًا) إدراج الحوثي على قوائم الإرهاب، يفترض هذا المسار أن النتيجة المنطقية للتصعيد وغياب آفاق التسوية على الأقل في الوقت الراهن، تستوجب فرض مزيد من القيود على الحوثيين؛ سواء من خلال تطويق نفوذهم الميداني، أو عبر فرض مزيد من العزلة الدبلوماسية على الجماعة، وذلك من خلال إدراجهم ضمن قوائم الإرهاب. ويدعم هذا التوجه عدد من المعطيات التي برزت مع الهجوم الحوثي على الإمارات من بينها: إعلان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أن إعادة وضع الحوثي على قوائم الإرهاب قيد النظر، ما يُشير إلى احتمالية تغير الموقف الأمريكي وإعادة التفكير في استراتيجية الاحتواء التي أعلنها “بايدن” منذ وصوله للحكم، خاصة أنها فشلت في اخضاع الحوثيين وإقناعهم بالجلوس على طاولة المفاوضات. 

من ناحية أخرى، يدعم هذا السيناريو النطاق الواسع للرفض الإقليمي والدولي والإجماع على ما تمثله تحركات الحوثيين من تهديد للسلم والأمن، وهو ما ترجمه بيان مجلس الأمن واجتماع جامعة الدول العربية في أعقاب الهجوم على الإمارات. يعزز من هذا التوجه تبني قيام السيناتور الجمهوري “تيد كروز” بتقديم مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأمريكي يطالب بفرض عقوبات على ميليشيا الحوثي، ويعمل على حشد الأصوات المؤيدة للقانون كمقدمة لوضع الحوثي على قوائم الإرهاب.

ثانيًا) استمرار مساعي الاحتواء، يفترض هذا المسار فشل محاولات الحشد الرامية إلى وضع الحوثيين وتصنيفهم ضمن قوائم الإرهاب، وعدم استجابة الإدارة الأمريكية لهذه الدعوات. ويدعم هذا المسار عدد من المؤشرات من بينها، أن تراجع الإدارة الأمريكية وإعادة الحوثيين لقوائم الإرهاب يعني ضمنيًا فشل المقاربة التي أعلنها “بايدن” بشأن التعامل مع اليمن في أعقاب وصوله للبيب الأبيض، الأمر الذي قد لا يرغب “بايدن” في تصديره في الوقت الحالي، خاصة في ظل الانتقادات الموجه إليه. من ناحية أخرى، يظل العامل الإنساني عائقًا أمام تصنيف الحوثي في ظل المقاربة التي تربط صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية وجهود الإغاثة للمناطق التي يسيطر عليها الحوثي في حال إدراجهم ضمن قوائم الإرهاب، بجانب أن حرص الإدارة الأمريكية على استكمال المباحثات النووية مع إيران قد يؤجل من هذه الخطوة.

وعليه يرى أنصار هذا الاتجاه أن الوضع سيظل كما هو، وقد تعمل الإدارة الأمريكية على تطويق الحوثي من خلال فرض عقوبات على عدد من القيادات، علاوة على تشديد الجهود في محاصرة السفن وعمليات تهريب السلاح الإيراني لليمن، وقد تتجه إلى تعزيز القدرات الدفاعية لدول الخليج بمنظومات متطورة لديها القدرة على التعامل مع الهجمات الحوثية.

من ناحية أخرى ترى بعض التقديرات ضرورة النظر للهجمات ضد الحوثيين في مأرب وشبوة كعمليات دفاعية، ما يستوجب توفير الدعم الاستخباراتي الأمريكي لتلك الحملات، وهو ما انتهى إليه تحليل لمعهد واشنطن بعنوان “نقطةٌ فاصلة: دمج الانتكاسات العسكرية للحوثيين في اليمن”.

في الأخير، يبدو أن التطورات الحالية تدفع تجاه تصنيف الحوثيين وإعادة إدراجهم ضمن قوائم الإرهاب، رغم ذلك تظل الحسابات الأمريكية المرتبطة بتراجع الإدارة الأمريكية عن قرارها، وكذلك الوضع الإنساني في اليمن، فضلًا عن الترتيبات المتعلقة بالاتفاق النووي عائقًا أمام الجهود الرامية إلى وضع الحوثي على قوائم الإرهاب. وقد تكشف الأيام القليلة القادمة عن تفضيلات الإدارة الأمريكية ونهجها المحتمل، سواء في التعامل مع الحوثيين والتصعيد الدائر حاليًا، أو الأزمة اليمنية بشكل عام.

+ posts

باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

محمود قاسم

باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى