تغير المناخآسيا

السعي للحياد الكربوني.. ما الذي تخطط له الصين لمواجهة التغيرات المناخية؟

استمرارًا للنقاشات الدولية حول كيفية تقليل الاحترار العالمي، ينعقد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في دورته السادسة والعشرين COP26 في جلاسكو في الفترة من 31 أكتوبر إلى 12 نوفمبر 2021 في إطار بحث الجهود الدولية والإسهامات في هذا النطاق. وعلى هامشه ينعقد كل من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي UNFCCC، واجتماع أطراف اتفاقية كيوتو CMP16K، واجتماع أطراف اتفاقية باريس CMA3. بناءً على ذلك، يسلط التقرير الضوء على الاستراتيجية الصينية لمواجهة تغير المناخ وما تم تحقيقه من الأهداف الموضوعة.  

استجابات استباقية

من المعروف أن الصين تعتمد على الوقود الأحفوري وخاصةً الفحم المحلي في بناء اقتصادها، ورغم ذلك تبنت الدولة منذ عام 2008 توجهات استباقية حول السياسات المناخية منذ الخطة الخمسية الثانية عشرة (2011-2015)، وإدخال نموذج تنموي جديد منخفض الكربون، وزيادة الطاقة المتجددة وخفض إنتاج واستهلاك الفحم؛ فخلال الفترة من 2013-2017 انخفض استهلاك الفحم بنسبة 1.1% سنويًا، وازداد إنتاج الطاقة النووية (20.7%) وباقي مصادر الطاقة النظيفة (23.2%) سنويًا. 

وبعد بروتوكول “كيوتو” الخاص بتغير المناخ، أصبحت الصين أكبر متلقٍ لآلية التنمية النظيفة، وبرزت كواحدة من المنتجين الرائدين لتقنيات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وباتت دولة مبتكرة ومزودة للجنوب. وهناك توقعات بأنه حتى لو ازدادت الانبعاثات الكربونية في الصين، فمن المرجح أن تنمو بشكل أبطأ بكثير مما كانت عليه في ظل النموذج الاقتصادي القديم، مما يعني وجود مؤشرات على الجهود الخاصة بالتوجه نحو أنماط النمو منخفضة الكربون في الصين.

دوافع صينية للتنمية منخفضة الكربون

يعد أمن الطاقة ومواجهة أزمة الشرعية والصحة والاستجابة لنقاط ضعف النموذج الاقتصادي التقليدي أحد أهم الدوافع الداخلية التي تحفز الصين على التحول إلى التنمية منخفضة الكربون. فيما يخص أمن الطاقة؛ تنشغل الصين ككثير من الدول بالبحث عن سبل مواجهة التغيرات المناخية وفي نفس الوقت الحفاظ على أمنها في إمدادات الطاقة، إذ تعتمد الصين على موارد ضخمة من مصادر الطاقة الأحفورية؛ فهي استهلكت ما يقرب من سدس الاستهلاك العالمي للنفط في عام 2020، ويأتي حوالي 70% منه من الخارج. 

لذا فإن عليها الاعتماد على الموردين الخارجيين للمساعدة في التحول من استيراد الوقود الأحفوري إلى مصادر متجددة ونظيفة للطاقة، لكنها تسعى في نفس الوقت إلى بناء احتياطيها النفطي الاستراتيجي عبر الاستكشاف المحلي. لكن في حالة تقليل الصين لاعتمادها على مصادر الطاقة الأحفورية، فإنها تقلل أيضًا اعتمادها على مناطق النفوذ الغنية بالموارد وعلى الممرات البحرية التي تسيطر عليها دول أخرى. في هذا السياق، تظهر أهمية الغاز الطبيعي كمصدر أحفوري ترى الصين أنه أساس المدة الانتقالية للتحول نحو الطاقة المتجددة، فمن المتوقع أن يصل استهلاك الصين من الغاز الطبيعي إلى ذروته عام 2040، وسيصبح أكبر مصدر للوقود الأحفوري في البلاد عام 2050.

يمكن في هذا الإطار النظر إلى المجالات التي يمكن أن تتعاون فيها الصين مع الدول الأوروبية لمواجهة تغير المناخ مثل التعاون في التكنولوجيا والقدرة في مجال الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر، وإيجاد حلول بشأن أسواق الكربون وإعداد تقارير شفافة وتسريع التعاون بين الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني لتحقيق الأهداف المناخية بوتيرة أسرع.

وعلى مستوى أزمة الصحة والشرعية؛ يتضح أن معالجة مشكلة جودة الهواء في التجمعات الحضرية خاصةً في الشرق الصيني بسبب انتشار محطات الطاقة التي تعمل بالفحم محرك قوي نحو البحث عن سبل مواجهة الأزمة الصحية عبر الحد من استخدام الفحم، وباتت أيضًا تلك المسألة ضمن دواعي بحث الحكومة الصينية عن الدعم السياسي. وفيما يخص مسألة النموذج الاقتصادي القديم؛ فإن اكتساب ريادة تكنولوجية في تقنيات الطاقة المتجددة يعد إحدى الطرق للتغلب على نقاط الضعف الخاصة بوجود بنية صناعية غير مواتية وقدرات ابتكارية منخفضة، وذلك عبر التحول لنموذج اقتصادي أكثر استدامة. 

كتاب أبيض حول تغير المناخ

أصدرت الصين قبل أيام من انعقاد المؤتمر الجاري كتابًا أبيض بعنوان “الاستجابة لتغير المناخ: سياسات وإجراءات الصين”. تناولت الوثيقة التأكيد على أن مساعي الصين إلى تحقيق الحياد الكربوني ستمثل أعلى انخفاض في العالم لكثافة الانبعاثات الكربونية وأقصر وقت لتحقيق هدف الانتقال من الذروة إلى الحياد في التاريخ. وأن الصين تنفذ سياسات مناخية سيتم عرض إنجازاتها عن طريق خريطة طريق مفصلة لتفنيد المزاعم الدولية بأن الصين لم تقدم بعد هدفًا مناخيًا جديدًا.

عبّرت الوثيقة عن تعامل الصين بجدية مع اتفاقية باريس عبر وضع أهداف لتوفير الطاقة بحلول عامي 2030 و2060، وتحدد أهدافًا للإدارات الكبرى في الدولة. لذا تُبدي أملها بأن تنجح المفاوضات بشأن الجزء المتبقي من اتفاقية باريس، وإحراز تقدم في دعم الدول النامية ماليًا وتقنيًا بشأن قضية المناخ. 

تذكر الوثيقة أيضًا إدراج الصين لأهداف وإجراءات محددة لتحقيق ذروة الانبعاثات الكربونية، مثل حظر تكرير النفط الجديد، ومشاريع تحويل الفحم، وذلك وفقًا لمبدأ توجيهي شامل. وانتقدت الصين القمة الأخيرة على اعتبار أنه من المهم التركيز على تحقيق الأهداف الحالية بدلًا من وضع أهداف جديدة.

طالب الكتاب الأبيض الدول –خاصةً الدول الغربية- بتحقيق أهدافها التمويلية قبل توجيه الاتهامات لدول أخرى، فقد سبق أن تعهدت الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار سنويًا لمساعدة الدول النامية لمكافحة تغير المناخ حتى عام 2023، مما شجع الدول النامية على التوقيع على الاتفاق والحد من الانبعاثات. بالنسبة للصين فقد خصصت 1.2 مليار “يوان” للتعاون بين دول الجنوب، ووقعت 40 وثيقة تعاون مع 35 دولة. وساعدت تلك الدول على بناء مناطق تجريبية منخفضة الكربون وتزويدها بالإمدادات المطلوبة.

تغير المناخ في الخطة الخمسية الصينية الرابعة عشر

أبدت الصين في الخطة الخمسية الرابعة عشر الصادرة العام 2020 استعدادها لمواصلة تحقيق الأهداف الوطنية لعام 2030، والعمل على تحسين نظام التحكم المزدوج في إجمالي استهلاك الطاقة وكثافتها، مع التركيز على التحكم استهلاك الطاقة الأحفورية. بالإضافة إلى ذلك، سيُقام نظام يركز على التحكم في كثافة الكربون ليساهم في التحكم الكامل في انبعاثات الكربون، علاوة على دعم الصناعات والمؤسسات الرئيسية في الأماكن التي تسمح فيها الظروف بأخذ زمام المبادرة في الوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون عام 2030. 

وأكدت الخطة أيضًا العمل على تعزيز الاستخدام النظيف والمنخفض للكربون والآمن والفعال للطاقة، ومواصلة تعزيز تحول الصناعات والبناء والنقل والقطاعات الأخرى نحو تنمية منخفضة الكربون. بالإضافة إلى زيادة جهود السيطرة على الميثان ومركبات الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى، وترسيخ الجهود لتحقيق حيادية الكربون بحلول عام 2060 من خلال اعتماد سياسات وتدابير أكثر قوة، والتحول من أكبر منتج للغازات الدفيئة في العالم إلى إدراك أهمية الأهداف البيئية وإجراء تحول نوعي في مزيج الطاقة من خلال الانتقال من استهلاك بنسبة 70% من الوقود الأحفوري إلى 90% من المصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة المائية والنووية. 

بالإضافة إلى ذلك؛ سيتم تكثيف مراقبة وتقييم تأثير الاحتباس الحراري على المناطق المعرضة للخطر في الصين، وتعزيز قدرة البناء الحضري والريفي والإنتاج الزراعي والبنية التحتية للتكيف مع تغير المناخ. وأعطت الخطة أهمية محورية لجهود البحث العلمي لقيادة التعاون الدولي في الاستجابة لتغير المناخ، وتعزيز تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاق باريس، وإجراء تعاون نشط بين بلدان الجنوب بشأن تغير المناخ.

مما سبق، فإنه رغم كل الخطط والمساعي الصينية لتقليل الانبعاثات الكربونية، إلا أنه من غير المتوقع أن ينخفض بسرعة عن المستويات التي وصل إليها. لكن جهودها في نفس الوقت ستُعد مصدرًا لبناء سمعة دولية إيجابية عبر المضي قدمًا في خطط مستقرة طويلة الأجل بقدر من الشفافية والدقة حول بيانات الكربون والطاقة.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

فردوس عبد الباقي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى