
“حرب الكل ضد الكل”.. سيطرة جبهة تحرير “تيجراي” على “دسي” هل تعد تفكيكا للوحدة الإثيوبية؟
صباح اليوم السبت 30 أكتوبر الجاري، أعلنت جبهة تحرير “تيجراي” سيطرتها على واحدة من البلدات الاستراتيجية في إقليم “أمهرة” الذي اشتعلت فيه الحرب العام الماضي وهي بلدة ” دسي” الواقعة شمال الإقليم والتي تقترب من الطريق الرئيسي المؤدي للعاصمة الإثيوبية “أديس أبابا”.
ووفقًا لما نقلته وكالة رويترز للأنباء عن المتحدث باسم جبهة تحرير “تيجراي” جيتاشو رضا فإن المقاتلين التابعين للجبهة تمكنوا من إخراج القوات الحكومية من البلدة ودفعها للتراجع متقدمين نحو بلدة “كومبولتشا” بعد أسر عدد من الجنود من الجيش الإثيوبي، في الوقت الذي امتنعت فيه الحكومة المركزية عن التعليق.
وبعد أن كانت الحكومة المركزية، أعلنت انتصارها في هذه الحرب إلا أن جبهة تحرير تيجراي عادت وأعلنت أنها تمكنت من السيطرة على عاصمة الإقليم وهو ما دفع الجيش الوطني الإثيوبي لشن عملية جديدة على الإقليم منذ أيام.
وأمس الجمعة، استمرت الضربات الجوية من قبل الجيش الوطني على الإقليم وهي الضربات التي وظفت فيها الطائرات المسيرة الإيرانية، حسب تقارير صادرة عن واشنطن، حيث استهدفت العمليات الجوية، المركز الذي يتم فيه تدريب عناصر جبهة تحرير تيجراي.

وأكدت الحكومة المركزية بالأمس ضرورة التكاتف لإنهاء هذه الحرب، داعية الشعب الإثيوبي للاصطفاف ضد جبهة تحرير تيجراي التي تمثل الخطر الأول والأكبر على استقرار البلاد.
جاءت هذه الدعوة، في البيان الذي صدر عن “منتدى إنفاذ القانون للحكومة الفيدرالية” المنعقد في مدينة ” بحر درا” بحضور رئيس الوزراء آبي أحمد ونائبه وزير الخارجية دمقي مكونن، وعدد من حكام الأقاليم ومسؤولين رفيعي المستوى.
وأشار البيان إلى أن الهدف من هذه الدعوة هو التصدي للإرهاب الذي تمارسه جبهة تحرير تيجراي، معتبرا أن //العسكرية النظامية// لا يمكنها دحر “حرب العصابات” التي تعتمد عليها جبهة تحرير “تيجراي”.
ويعد ما يحدث من تقدم اليوم عن طريق جبهة تحرير تيجراي “انقلابًا” فيما يخص الحرب التي اندلعت في نوفمبر الماضي والتي شهدت بعد ثلاثة أسابيع من اندلاعها الإطاحة بجبهة تحرير تيجراي وفرار قادتها لتعود الحكومة الإثيوبية وتعلن في نهاية يونيو الماضي وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الوطني حيث تمكنت قوات الجبهة من إعادة سيطرتها على الإقليم.
وهو نفس التوقيت الذي شهد عمليات عسكرية أطلقتها الجبهة في الإقليم وإقليم عفار أيضًا. وعلى تلك الخلفية أعلنت الحكومة الإثيوبية بدء العمليات العسكرية مرة أخرى في العاشر من أغسطس الماضي وإعلان حالة الطوارئ القصوى في البلاد.
وضمت العمليات العسكرية ضد الجبهة، في وقتها، قوات من الجيش الوطني والقوات الخاصة لإقليمي “الأمهرة” و”عفار” لإجبار جبهة تحرير تيجراي على التقهقر وهي العمليات التي لازالت مستمرة حتى الآن.
استراتيجية الإقليم
يحظى إقليم تيجراي بدور كبير يمكن وصفه بـ”المحوري” في التاريخ الإثيوبي من المنظور الاقتصادي، الثقافي والسياسي، كما يتميز الإقليم بتضاريس وعرة ويقع عند أقصى شمال إثيوبيا على مسافة أكثر من 600 كيلومتر من العاصمة الفيدرالية أديس أبابا كما تحده من الشمال دولة إريتريا التي انفصلت عن إثيوبيا في عام 1994 كما تقع في الإقليم مدينة ” أكسوم” التاريخية والتي كانت نقطة انطلاق للحضارة الإثيوبية القديمة.
ومن الناحية الاقتصادية، تعتبر منطقة “تيجراي” زراعية تنتج مزروعات مهمة مثل السمسم المعد للتصدير، كما تضم صناعات تنتج على المستوى الوطني. وهو يشكل اليوم بفعل تراثه إحدى الوجهات السياحية الكبرى في البلاد. ورغم الحرب المستمرة على الإقليم منذ عام مضى إلا أنه يظل حتى الآن الشوكة التي تقف في حلق رئيس الوزراء الإثيوبي وتهدد بتقويض حكمه.

ويعد الإقليم أحد المناطق الإدارية العشرة التي تنقسم إليها الدولة في إثيوبيا ويقطنه أقلية التيجراي التي تشكل أغلبية سكان الإقليم الذين يصلون إلى 6 ملايين نسمة بما يمثل أقل من 6% من إجمالي السكان الذين يصل تعدادهم لـ 110 ملايين نسمه.
ورغم ذلك فقد سيطر الإقليم على مقاليد الحكم في إثيوبيا منذ عام 1991 وحتى عام 2018 ولازال يتصدى لسلطة أبي أحمد حتى الآن بعد أن أقصاهم رئيس الوزراء من المناصب المهمة منذ توليه السلطة.
مسرح العمليات
حسب الاستراتيجية التي تتبعها جبهة تحرير تيجراي، فهي تواصل تقدمها بالاعتماد على ثلاثة محاور – المحور الأول يتمثل في التقدم على الجبهة الشرقية والتي تتضمن مزيدا من التوغل في إقليم ” عفر” في مسعى للسيطرة على الطريق الاستراتيجية التي تربط بين العاصمة أديس أبابا وميناء جيبوتي الذي يعتبر البوابة التي تدخل منها الإمدادات للعاصمة الإثيوبية ولا شك أن السيطرة على هذا الإقليم تعني قطع الإمدادات عن أبي أحمد وجيشه.

فيما يتضمن المحور الثاني، التحرك على الجبهة الغربية حيث تحاول الجبهة فك الحصار الذي تفرضه عليها الحكومة الإثيوبية على خلفية إغلاق الطرق المؤدية للإقليم فعلى الجانب الآخر تحاول جبهة التيجراي التحرك للسيطرة على منطقة” حمرة” الإثيوبية التي تتحكم في المعبر البري الذي يربط بين إثيوبيا والسودان.
المحور الثالث ودلالات السيطرة على “دسي”
أما المحور الثالث، فيتمثل في التقدم على المحور الجنوبي حيث تمكنت جبهة تحرير “تيجراي” من السيطرة على مناطق استراتيجية مثل منطقة “ديبارك” كما تمكنت من السيطرة على مدينة “دبري تابور” وكانت الجبهة تستهدف السيطرة على بلدة “دسي” التي تمكنت بالفعل من السيطرة عليها اليوم والتي تعتبر “مربط الفرس” في مزيد من التوغل داخل إقليم الأمهرة والاقتراب من مركز القيادة الغربية للجيش الإثيوبي لأن الجبهة بذلك تكون قد تجاوزت أكثر المناطق “وعورة” داخل الإقليم من الناحية الشمال الشرقي محققة ميزة نسبية متمثلة في الابتعاد عن المناطق التي قد تتعرض فيها الجبهة للاعتراض من قبل القوات الإثيوبية والإريتيرية المتمركزة في الطريق السهلي القريب من ” دانشا” .
من منظور آخر، يقرب السيطرة على بلدة ” دسي” جبهة تحرير تيجراي من تحقيق أهداف أساسية في إقليم ” أمهرة” من ضمنها إسقاط الحكم في الإقليم وتقويض حكم أبي أحمد خاصة في ظل إعلان ” طادقان قبر تنسائي” وهو رئيس المجلس العسكري لقوات دفاع تيجراي أن قواته قادرة على المضي قدمًا نحو العاصمة أديس أبابا بالنظر إلى أن الجبهة استطاعت بالفعل السيطرة على مناطق استراتيجية داخل الإقليم والسيطرة على ترسانة من المعدات العسكرية الحديثة.

أما على الجانب التكتيكي، يمثل التقدم الذي تحرزه جبهة تحرير تيجراي والذي دفع الحكومة المركزية للحشد ضدها، في بيان رسمي، حلقة جديدة في الحرب المستمرة منذ نوفمبر الماضي لأن هذا التقدم استدعى إعلان ” كومسا ديريبا (جال مارو)، زعيم جيش تحرير أورومو، تحالفًا عسكريًا مع جبهة تحرير تيجراي. الأمر الذي ينذر بلا شك باتساع رقعة الاضطرابات الإثيوبية إلى الحد الذي يخرج عن سيطرة رئيس الوزراء الإثيوبي فيما يعرف بحرب ” الكل ضد الكل” وتفكك الفيدرالية الإثيوبية.
باحث أول بالمرصد المصري