مصر

اتفاق التعاون الجمركي بين مصر وروسيا.. “الأهمية والأهداف”

في ظل سعي مصر الحثيث لتحقيق التنمية الاقتصادية وتنويع مواردها ومصادرها المالية، تعمل مصر على تعزيز التعاون مع الشركاء في مجال التجارة والجمارك من خلال تبادل المعلومات ومكافحة الأعمال التجارية غير المشروعة. وفي هذا الإطار وقعت الحكومة المصرية مع نظيرتها الروسية اتفاقية للتعاون الجمركي على هامش منتدى الجمارك الدولي ٢٠٢١. مما لا شك فيه أن هذا الاتفاق له أهمية وجدوى اقتصادية وأمنية كبيرة لمصر.    

الجهود المصرية لتطوير منظومة الجمارك المصرية:

بتوجهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، اتخذت الحكومة المصرية العديد من الخطوات على مدار السنوات الماضية لتطوير منظومة الجمارك في مصر ولتبسيط الإجراءات الجمركية، ومنها:

  • إعداد مخطط شامل لتطوير منظومة الجمارك: 

ينطوي هذا المخطط على إعادة هيكلة مصلحة الجمارك المصرية من خلال تطوير البنية التحتية التكنولوجية وميكنة الإجراءات الجمركية، إلى جانب الربط بين جميع المنافذ الجمركية على مستوى الجمهورية من خلال ما يسمى بـ”منظومة النافذة الواحدة”، وهو ما يؤدي بدوره إلى تبسيط الإجراءات الجمركية وتقليل زمن الإفراج الجمركي عن البضائع. وكذلك، تشديد الرقابة الداخلية داخل المنافذ الجمركية وتعزيز الحوكمة داخلها من خلال استخدام أجهزة الفحص بالأشعة، وتفعيل التتبع الإلكتروني للبضائع حتى الإفراج النهائي عنها من خلال إنشاء نظامًا إلكترونيًا لأول مرة في مصر. ويهدف هذا النظام الإلكتروني للتعامل مع البضائع المتعاقد عليها من خلال أدوات التجارة الإلكترونية، وتفعيل آلية التخليص المسبق مع إتاحة إمكانية تخليص الرسوم الجمركية وسدادها قبل وصول البضائع. علاوة على ذلك، تدريب الكوادر البشرية وتطوير المعهد القومي للتدريب الجمركي.    

ويشتمل المخطط أيضًا على تبادل المعلومات بين مصلحة الجمارك والجهات الأخرى التابعة للدولة أو الجهات الخارجية المبرم معها اتفاقيات توصي وتسمح بذلك، استحداث نظم لإدارة المخاطر للإفراج عن البضائع دون معاينة عبر المسار الأخضر، وذلك وفقًا للضوابط والقواعد المقررة، واستحداث نظم لتسوية المنازعات الجمركية والذي بموجبها يمكن عمل تظلمات وتقديمها للإدارة قبل اللجوء للتحكيم، وهو ما يساهم في التوصل لحلول توافقية بين مصلحة الجمارك وأصحاب البضائع من خلال لجنة مشتركة. وإلى جانب ما سبق، يشتمل المخطط على استحداث وإنشاء نظام مخازن مؤقتة بدلاً من الموانئ، وهو ما تسهيل حركة البضائع من ناحية، وتقنيين أوضاع المخازن الموجودة داخل الموانئ من ناحية أخرى.   

ويضم المخطط أيضًا توطين أفضل التجارب الدولية في منظومة “النافذة الواحدة” التحول التدريجي نحو رقمنة الجمارك. استحداث نظام قانوني للأسواق الحرة التي لم يسبق تنظيمها قانونيًا وكان يتم التعامل معها باعتبارها مستودعات خاصة يُسمح فيها ببيع البضائع غير خالصة الضرائب الجمركية. 

  • إصدار قانون رقم ٢٠٧ لسنة ٢٠٢٠ أو قانون الجمارك:

اتساقًا مع هذا المخطط، تم إصدار قانون الجمارك الجديد ليحل محل القوانين السابقة وهما قانون الجمارك رقم ٦٦ الصادر في سنة ١٩٦٣ وقانون تنظيم الإعفاءات الجمركية الصادر في ١٩٨٦.  يحدد هذا القانون اختصاص مصلحة الجمارك ويعطي موظفيها حق الضبطية القضائية لتفتيش الأشخاص والبضائع والصعود لوسائل النقل والدخول للأماكن داخل نطاق الرقابة الجمركية، فضلاً عن تتبع البضائع المشتبه في تهريبها عن خروجها من نطاق الرقابة الجمركية. كما يسمح القانون بنقل البضائع الأجنبية وفق لنظام الترانزيت دون أن تأخذ طريق البحر، ويسمح بالتخزين المؤقت للبضائع الواردة أو الصادرة بالمخازن المؤقتة لحين الإفراج عنها بعد انتهاء الإجراءات الجمركية. كما يكفل القانون لمصلحة الجمارك حق الاطلاع على الأوراق والسجلات الخاصة بالمناطق الاقتصادية ذات طبيعة خاصة وإتمام المطابقات اللازمة قبل مزاولة النشاط المرخص به بعد صدور قرار باعتبار هذه المنطقة دائرة جمركية. ويضمن القانون التخليص الجمركي المسبق من خلال إلزام المستورد أو وكيله بتقديم المستندات المطلوبة قبل شحن البضائع للبلاد برقم قيد جمركي مبدئي على أن يتم تسويتها بشكل نهائي عند الوصول للبلاد. ولضمان المخالفات الجمركية، يلزم القانون مالك البضاعة أو من ينوب عنه بتقديم بيان جمركي بالضائع حتى وإن كانت معافاة من الضريبة الجمركية. وبالإضافة إلى ذلك، يوصي القانون بتشكيل لجان تأديبية بالدوائر الجمركية لمساءلة المخلصين الجمركيين ي حال حدوث مخالفة ويسمح بتقديم تظلمات خلال ٣٠ يومًا من قرار لجنة التأديب. 

وعلى الرغم من أن القانون يلزم وجود ذوي الشأن عند فتح الطرود والحاويات لمعاينتها، إلا أنه يسمح بفتحها ولا يشترط حضورهم – شريطة أن يكون هناك إذن كتابي – في حال الاشتباه بوجود بضائع مهربة. كما يسمح القانون بتقديم تظلمات من تحديد صنف البضاعة أو قيمتها قبل اللجوء للتحكيم. وبالإضافة إلى ذلك، يُعاقب قادة الطائرات وربان السفن وغيرهم من سائقي وسائل النقل الأخرى بدفع غرامة قدرها ٣٠ ألف جنيه في حال عدم تقديم قائمة الشحن أو نقل بضائع ممنوعة أو خاضعة لضرائب باهظة في سفن تقل حمولتها عن ٢٠٠ طن بحري أو السبر خارج نطاق الدائرة الجمركية أو تفريغ البضائع في غير الأماكن المخصصة لذلك داخل الدائرة الجمركية أو شحن البضائع وتفريغها دون موافقة مصلحة الجمارك ودون حضور موظفيها.  وكذا، يعاقب القانون بغرامة تعادل قيمة الضريبة الجمركية المعرضة للضياع كل من تقدم ببيانات غير صحيحة عن صنف البضاعة أو منشئتها أو مخالفة الضوابط الجمركية الخاصة بضائع الترانزيت. وعلاوة على ذلك، يوضح القانون حالات التهريب ومنها تفريغ البضائع في الموانئ والمطارات غير المعدة لذلك دون موافقة المصلحة وإخفاء البضائع دون اتخاذ الإجراءات الجمركية.

ما هي الاتفاقية الجديدة بين مصر وروسيا:

وفي هذا الإطار، توصلت مصلحة الجمارك المصرية لاتفاق مع نظيرتها الروسية على هامش المنتدى الدولي للجمارك بموسكو إلى اتفاق للتعاون في المجال الجمركي خلال الفترة من ٢٠٢٢ و٢٠٢٤. فقد تم الاتفاق على تشكيل لجنة ثنائية تنعقد مرة واحدة سنويًا على الأقل من أجل تأمين حركة البضائع في سلسلة الإمدادات الدولية.

كما تم الاتفاق على اللجنة المشتركة مختصة بمكافحة المخالفات الجمركية والكشف عنها مثل تهريب الأدوية المخدرة والمهدئات ومشتقاتها، وتهريب المواد المحمية بموجب معاهدة التجارة العالمية والأسلحة وأجهزة التفجير. وبالإضافة إلى ذلك، يشتمل التعاون يشمل القيام بأعمال وأنشطة جمركية مشتركة وإجراء تحليلات مشتركة وتبادل المعلومات بشأن حركة الشاحنات والأشخاص المشتبه بهم ومكافحة المخالفات الجمركية كالتهرب من سداد الرسوم الجمركية، فضلاً عن المعالجة الجمركية للتجارة الإلكترونية. وكذلك، تم الاتفاق على توقيع اتفاق في مجال المشغل الاقتصادي المعتمد.  

أهمية هذا الاتفاق:    

تكمن أهمية هذا التعاون في أنه سيعزز من جهود مصر في سعيها بأن تصبح منطقة لوجستية عالمية بحكم موقعها الجغرافي الفريد الذي يربط البحرين الأبيض والمتوسط وقارات إفريقيا وأسيا وأوروبا مع تسهيل حركة نقل البضائع من خلال ربط جميع الموانئ المصرية والذي سيتم الانتهاء منها في ديسمبر المقبل. كما أنه سيفسح المجال لمزيد من الأنشطة الصناعية، لاسيما في منطقة قناة السويس. فنجد، على سبيل المثال، أن الحكومة المصرية أبرمت عقدًا مع نظيرتها الروسية لإقامة أول منطقة صناعية روسية بالسويس، وهو ما يؤدي بدوره إلى توطين العديد من الصناعات وتوفير فرص عمل.

ومع ميكنة منظومة الجمارك وتطبيق نظام التسجيل المسبق للشاحنات (Advance Cargo Information) – الذي يتيح البيانات والمستندات المطلوبة الخاصة بالشحنة مثل الفاتورة التجارية وبوليصة الشحن المبدئية أو النهائية قبل الشحن بما لا يقل عن ٤٨ ساعة ويلزم الناقل بتوفير قائمة بجميع الشحنات التي سيتم تصديرها لمصر خلال مدة لا تتجارز ٢٤ ساعة من وقت مغادرة السفينة الميناء إلكترونيًا – في الموانئ البحرية منذ يونيو الماضي، ستكون لدي الجهات المعنية إمكانية رصد أي مخاطر تحيك بالبلاد ورصد أي بضاعة مجهولة المصدر. فمن ثم، يمكن القول بأن هذا الاتفاق سيعزز من جهود الدولة المصرية بالتعاون مع نظيرتها الروسية من رصد البضائع ومتابعة حركة البضائع في سلسلة الإمدادات الدولية.

ويضمن الاتفاق، في إطار جهود الدولة المصرية لحوكمة عملية التصدير والاستيراد والجمارك، مكافحة الجرائم الجمركية والكشف عنها؛ حيثُ سيتعاون الجانبان في الجرائم الجمركية مثل التهرب من سداد التعريفات والرسوم الجمركية ومخالفة القيود غير التعريفية، وهو ما يؤدي بدوره إلى تعزز العائدات من الجمارك والتي تزيد من مصادر الدخل لمصر.

وعلاوة على ذلك، سيساعد هذا الاتفاق على تعزز العائدات الضريبية في ظل سعي مصر الحثيث لتعظيم العوائد الضريبية من خلال تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية الرامية لمحاربة التهرب الضريبي ودمج الاقتصاد غير الرسمي من خلال إنشاء نظام مركزي بموجبه تقوم مصلحة الضرائب المصرية بمتابعة كافة المعاملات التجارية من خلال توافر الفواتير لحظيًا.

يذكر أن هناك أهمية اقتصادية أخرى لهذا الاتفاق، تتمثل في الاتفاق على دراسة توقيع اتفاق ثنائي في المشغل/الفاعل الاقتصادي المعتمد (AEO) الذي يمنح العديد من المزايا للشركات التي تدخل ضمن القائمة البيضاء، ومنها التعامل بنظام العميل وليس شحنة بشحنة والمسار الأخضر لرسائل العملاء باستخدام تقنيات الفحص بالأشعة وخدمة موحدة ومتميزة عبر الموانئ.  

وكذا، يوجد بعد أمني لهذا الاتفاق والذي يتمثل في أن رصد حركة البضائع وتبادل المعلومات والبيانات الجمركية بين البلدين، لاسيما في ظل توافق البلدين على خطورة الإرهاب العابر للحدود وفي خضم انعدام الاستقرار في بعض دول الجوار مثل ليبيا، سيساهم بشكل قوي في منع الإتجار المشروع في البضائع ويمنع تهريب المواد المخدرة والأسلحة النارية والمواد المتفجرة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية وغيرها من الجماعات التي ترتكب الجرائم المنظمة والمافيا. بالإضافة إلى أنه سيساهم في تتبع ورصد حركة التجار غير المشروعة، وهو ما يساعد على تجفيف منابع الإرهاب وتعزز جهود مكافحة الإرهاب والتطرف من خلال القضاء على أي فرصة تمكن الجماعات المسلحة من الحصول على تمويل لتنفيذ عملياتها الإرهابية. كما أن هذا التعاون سيثمر عن منع دخول المواد المخدرة وغير من الأدوية غبر المصر بها داخل الحدود المصرية، وهو ما يعزز من السلامة الصحية للمواطن المصري.  

والأهم من ذلك، سيساعد هذا الاتفاق في تحسين تصنيف مصر في عدد من مؤشرات دولية ومنها مؤشر التنافسية العالمية. سيساهم هذا الاتفاق في رفع مرتبة مصر في مؤشر التنافسية الدولية الذي يقيس مدى قدرة الدولة على الاستفادة من مواردها ومصادرها المتاحة؛ حيثُ ستكون مصر قادرة على تعظيم الاستفادة من مواردها الجمركية لتحقيق التنمية الاقتصادية. كما أنه سيعزز من مكانة مصر في مؤشر فعالية هيئات الجمارك الذي يقيس الإجراءات الميسرة والتي تسهيلات التي تقدمها الدولة في مجال نقل البضائع، وهو ما يزيد من فرص الاستثمارية في البلاد.  

فمن ثم، يمكن القول إن هذا الاتفاق سيعزز من مكانة مصر من حيث جذب الاستثمارات وتسهيل حركة التجارة الدولية في ضوء احترام مصر للاتفاقيات الدولية الخاصة بالتجارة وفي ضوء سعي لمصر للتحول الرقمي مع انتشار تقنية البلوكشين التي توفر الشفافية بشأن المعاملات التي تتم عبر هذه المنصة. كما أنه سيسهل من اتفاقات التجارة الحرة بين مصر وعدد من الدول، لاسيما ضوء مع روسيا ودول حوض البحر المتوسط. كما أن تبادل المعلومات والخبرات بين البلدين سيساعد في تعزيز فاعلية الجمارك ويضمن توفير إحصاءات التجارة، وذلك توافقًا مع إعلان منظمة الجمارك العالمية عن رغبتها في إنشاء منصة للتجارة العالمية لتبادل المعلومات التجارية بين الدول الأعضاء في المنظمة. 

المصادر:

https://eta.gov.eg/ar/news/wzyr-almalyt-yln
+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى