
ماذا تقول لنا فضيحة “فيس بوك” التي كشفت عنها صحيفة “وول ستريت جورنال” مؤخرًا؟
لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في الحياة اليومية للأشخاص على مدار السنوات الماضية، إلى جانب تأثيرها على صنع القرار والسياسات العامة، إلا أن الملفات التي أعلنت عنها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية مؤخرًا تكشف لنا الجانب المظلم لمواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما “فيس بوك” و “إنستجرام”.
تفاصيل فضيحة “فيس بوك”: ملفات “فيس بوك” (the Facebook Files)
أثار موقع “وول ستريب جورنال” الأمريكي الجدل نتيجة لنشره مجموعة من المقالات خلال شهر سبتمبر الجاري؛ حيثُ إنها تناولت البحوث التي أعدها مجموعة من الباحثين العاملين بشركة فيسبوك عن المشكلات والعيوب الموجودة بموقع فيسبوك. وقد كشفت سلسلة المقالات المعروفة بـ(Facebook Files) عن الآتي:
-(فيس بوك) تستثني المشاهير والسياسيين والمستخدمين البارزين من القوانين الخاصة بفيسبوك:
يكشف جيف هورويتز عن إتباع فيسبوك سياسة تمييزية ضد مستخدميه بالرغم من المزاعم المستمرة لمارك زوكربرج بأن شركة فيسبوك تعامل كل مستخدميها على نحو متساو ودون تمييز، وأن فيسبوك أعطت للعامة الفرصة للحديث أسوة بصفوة المجتمع في السياسة والثقافة والصحافة؛ حيثُ يقول جيف إن برنامج “Cross Check/XCheck”- الذي أعد خصيصا ليكون وسيلة لقياس جودة المنشورات التي ينشرها المشاهير والسياسيين والمستخدمين البارزين على فيسبوك – يستثني ملايين المستخدمين البارزين الذين تم وضعهم تحت القائمة البيضاء والذي بلغ عددهم ما لا يقل عن ٥,٨ مليون مستخدم من بينهم مارك زوكربيرج نفسه – من القوانين والمعايير الخاصة بالشركة فيما يتعلق بالتحرش والتحريض على العنف وكذلك العقوبات والقيود التي تفرضها الشركة في هذا الصدد.
-(فيس بوك) على علم بأن موقع إنستجرام يشكل خطرًا على العديد من المراهقات:
بينما كشف كلاً من جورجيا ويلز وجيف هورويتز وديبا سترمان عن إدراك إدارة شركة فيسبوك بالأثر النفسي السيء الذي يسببه موقع إنستجرام على ملايين المراهقات نظرًا لأنه من بين كل ٣ فتات يوجد هناك فتاة واحدة تفكر كثيرًا في مظهرها الخارجي وتقارن نفسها بالآخرين، إلا أن الشركة تحاول تصوير الأمر على بأنه ليست بهذا القدر من الخطورة والسوء، وهو ما يشير إلى عدم وجود رغبة لدى الشركة لمعالجة هذا الأمر الخطير الذي يؤثر على السلامة النفسية والعقلية للمراهقات اللاتي لديهن هوس بمظهرهن الخارجي. كما أنها تحاول تبريز ذلك بالقول إنه من غير السهل معالجة بعض الجوانب السلبية لموقع إنستجرام.
-(فيس بوك) حاولت خلق منصة صحية وأكثر تفاعلية، إلا أنها فشلت في ذلك:
كما يقول كلاً من جيف هورويتز وكيش هاجي إن شركة فيسبوك سعت لتعزيز التفاعل بين المستخدمين على موقع فيسبوك بعد أن كان شهد حالة من التراجع من خلال تغيير خوارزمياتها في ٢٠١٨، إلا أن هذا المحاولة لم تؤتي ثمارها وآتت بنتائج عكسية؛ حيثُ إنها لم تزيد التلاحم والترابط بينهم كما كان يرغب مارك. ومع ذلك، رفض مارك زوكربرج المقترحات التي قدمها فريقه خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تقليل التفاعل على الموقع واتسم رد فعل شركة فيسبوك بالفتور نظرًا لأنها ادعت بأنه يتم معالجة المشكلة.
-(فيس بوك) لم تتخذ إجراءات قوية وحاسمة تجاه عمليات الاتجار بالبشر وتجارة المخدرات التي تمت عبر الموقع:
علاوة على ما سبق، يقول كلاً من جاستين تشيك ونيولي بورنيل وجيف هورويتز إن العاملين بالشركة حذروا الإدارة العليا من عمليات الاتجار بالبشر وبيع الأعضاء والمخدرات التي تتم في الدول النامية مثل الشرق الأوسط على نحو واسع النطاق عبر موقع فيسبوك. كما أنهم حذروا الإدارة من ممارسات الحكومات ضد المعارضين السياسيين ومن الجماعات المسلحة في إثيوبيا التي تقوم بالتحريض على العنف ضد الأقليات العرقية على سبيل المثال. ولكن رد فعل الإدارة اتسم بالضعف للحد الذي دفع المتحدث باسم الشركة بالاكتفاء الإشارة إلى أن تم تعيين فرق دولية وتم بناء شراكات محلية وتم تقصي الحقائق (third-party fact checker).
-(فيس بوك) تفشل في تشجيع المواطنين الأمريكيين على تناول التطعيم نتيجة لوجود حملة مضادة وبسبب نشر المعلومات المضللة:
تطرق كلاً من سام شكينر وجيف هورويتز وإيملي جليزر إلى الآثار العكسية لحملة فيسبوك الرامية لتشجيع المواطنين الأمريكيين على تناول لقاح كوفيد ١٩؛ حيثُ قام مستخدمي موقع فيسبوك بنشر معلومات مضللة عن اللقاح، حسبما ذكر في المذكرة الخاصة بفيسبوك، وهو ما يعني أن المستخدمين قاموا بتوظيف الأدوات الخاصة بالشركة على نحو مغاير للأهداف التي أعدت من أجلها تلك الأدوات؛ حيثُ إنهم قاموا ببث شكوك حول خطورة الجائحة وسلامة اللقاحات التي تحاول الحكومات حث الناس على تناولها بدلاً من أن تساهم تلك الأدوات في تشجيع المواطنين لتناول اللقاح ومكافحة المعلومات المضللة. وبالرغم من الفجوة الواضحة بين أهداف الشركة وما حدث بالفعل، حاولت الشركة عن طريق متحدثها الرسمي مغايرة ذلك بالإشارة إلى أن تردد الناس قد تراجع بنسبة ٥٠٪ منذ يناير الماضي وأن الشركة قادرة على التعامل مع تلك التحديات الصعبة، وهو ما يعكس انعدام قدرة الشركة في التحكم في منصتها الرقمية.

ما هي الدروس المستفادة من فضيحة فيس بوك؟
بناء على ما سبق، يتضح أن هناك دروسا ورسائل ودلائل يمكن استخلاصها من الأبحاث التي أعدها الباحثين في الشركة كالآتي:
- غياب الرغبة الحقيقية لدى الشركة في معالجة تلك المشكلات والتحديات: كانت هناك أقاويل بأن هناك في صعوبة إدارة موقع يصل عدد مستخدميه لما يقرب إلى ٣ مليار مستخدم، إلا أنها عارة تمامًا من الصحة نظرًا لأن الشركة ليس لديها أي رغبة حقيقية في معالجة تلك المشكلات بالرغم من قدرتها على مواجهتها ومعالجتها. فمن ثم يمكن القول بأن لغة المصالح هي العنصر السائد في هذا السياق، لاسيما إذا كان يتعلق الأمر بتحقيق الربح.
- ممارسة التمييز وإعطاء معاملة تفضيلية للبعض: على الرغم من تأكيد شركة “فيس بوك” على معاملتها للمستخدمين معاملة سواسية عندما يتعلق بتطبيق القواعد والمعايير الخاصة بشركة فيسبوك، إلا أنها تعطي امتيازات للمشاهير، ومنها السياسيين وتعاملهم معاملة تفضيلية بل ووصل الأمر لتجاوز الشركة عن المخالفات التي يرتكبها المشاهير حتى وإن كانت مخالفة للقواعد الأخلاقية العامة. فنجد أن الشركة التي صممت خاصية الـXCheck للتأكد من صحة ما يقوله المشاهير والصحفيين والشخصيات البارزة والمؤثرة والسياسيين، قد أعطت حصانة مطلقة لهم. ويقول جيف هورويتز في إحدى اللقاء من موقع إن بي آر الأمريكي، إن الأمر برمته يكمن في عدم رغبة الشركة في التشابك بشكل علني مع الشخصيات البارزة (VIPs) التي قد تسبب لها حالة من الإحراج أمام العامة من خلال التظاهر بأنها طرف محايد حتى وإن كانت تلك الشخصيات تسبب ضررًا للآخرين، وذلك بعد تعرض الشركة لانتقادات كثيرة نتيجة لحجبها حساب المغنية الأمريكية Rihanna بشكل مؤقت بعدما نشرت صورة لها وهي عارية على غلاف مجلة فرنسية في عام ٢٠١٤.
وبناء عليه، يمكن القول بأن الشركة لا تتصرف كطرف محايد نظرًا لأنها عادة ما تقوم بعمل خيارات وفقًا لما تفتضيه المصلحة. فنجد أن مثلاً مقطع الفيديو المباشر (live video) الذي نشره لاعب كرة القدم البرازيلي نيمار في ٢٠١٩ على صفحته على موقعي فيسبوك وإنستجرام بعدما اتهمته إحدى الفتيات بالاعتداء الجنسي عليها والذي نشر فيه مقتطفات من الرسائل النصية (الشات) الذي دار بينه وبين الفتاة على موقع واتساب التابع للشركة أيضًا وكذلك صورها وهي عارية أحد أبرز الأمثلة الدالة على أن تقنية الـXCheck تسبب ضررًا للآخرين نظرًا لأنه لم يتم مسح مقطع الفيديو الذي يحتوى على صور الفتاة وهي عارية، مما يعطي إشارة أخرى لمخالفة للقواعد الخاصة بالشركة والتي تحظر نشر صور لأي شخص هو عاري دون موافقته والتي بموجبها يتم معاقبة الشخص بحجب الموقع الشخصي ومسح المنشور الذي وصلت نسبة مشاهدته لـ٥٦ مليون مشاهدة خلال ٣٦ ساعة فقط في الحال. وإضافة إلى ما سبق، اكتفت الشركة بحذف المنشور وحذفت ما يزيد عن ٣,٥٠٠ حساب وهمي قام بانتحال شخصية الفتاة بدلاً من حجب الموقع الشخصي للاعب المشهور الذي يعد من أهم ٢٠ حساب على موقع إنستجرام نظرًا لأن الشركة معنية بعدم خسارته لكونه شخصية مشهورة ويحقق لها عوائد كثيرة، وهو ما يشير إلى وجود نوع من الطبقية لدى القائمين على الشركة.
وجانب إلى حرص الشركة على الحفاظ على كبار المستخدمين بغض النظر عن الضرر الذي يسببونه للآخرين، فإنها معنية بحسابات أخرى تتمثل في الحفاظ على صورة الشركة أمام العامة؛ حيثُ إنها رفضت معالجة أوجه القصور في الـXCheck قبل الانتخابات الرئاسية في ٢٠٢٠ خوفًا من أن تواجه انتقادات من الشخصيات الكبيرة والمؤثرة. ومن المفارقة أيضًا أن قامت ذات الشركة الخاضعة للقوانين الليبرالية بحجب موقع ترامب بعد الانتخاب الأمريكية لاعتبارات سياسية. في حين إنها رفضت حجب موقع نيمار الذي خالف قواعد الشركة لاعتبارات تجارية.
كما أن سياسية الشركة التمييزية والقائمة على أساس المصالح تعكس عدم احترام الشركة للمواثيق والأعراف الدولية المعنية بحماية المرأة من كافة أشكال العنف وحقوق المرأة مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي توصي بالمساواة بين الرجل والمرأة وكذلك اتخاذ التدابير اللازمة لمنع التمييز ضد المرأة ومكافحة الإتجار بالمرأة.
- غياب حوكمة المعلومات لدى الشركة في ظل غياب حوكمة الإنترنت: على الرغم من أن الشركة حاولت الترويج لتناول اللقاح ضد كوفيد ١٩، بالتوازي مع الحملات الإعلامية الحكومية، إلا أنها أخفقت في تحقيق ذلك، بل آتت بنتائج سلبية وأجهضت جهود الحكومة لأن الشركة ليس لديها القدرة على حكومة المعلومات والتصدي للمعلومات المضللة التي ينشرها المعلقين على المنشورات الرئيسية عن الفيروس، وهو ما يشير إلى أيضًا إلى عدم إدراك الشركة بخطورة استخدام موقعها بشكل خاطئ وبشكل سيء. فعلى الرغم من أن احترام حرية الرأي والتعبير عبر المنصات الإلكترونية يعد بمثابة قواعد آمره ومتفق عليها دوليًا، إلا أنها لها جانب سلبي أيضِا نظرًا لأن مواقع التواصل الاجتماعي أعطت للأفراد العاديين الحق في نشر معلومات دون التأكد من صحتها وجودتها. وبناء على ذلك، هناك ضرورة ملحة للتأكد من صحة المعلومات وحوكمتها وتعزيز التعاون بين الشركات التكنولوجية المالكة لمواقع التواصل لاجتماعي التي باتت تعمل كأداة إعلامية موازية – بل أكثر تأثيرًا من الإعلام الرسمي – والحكومات في هذا الصدد. وهذا يقودنا للحديث عن سبل تحقيق التوازن بين احترام الحريات ونشر المعلومات وتحقيق العائد لأن الشركات معنية بزيادة العائد من خلال زيادة عدد التعليقات.

-تحقيق المزيد من الأرباح هو العنصر المحرك للشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي وليس التواصل الاجتماعي: فبدلاً من أن يظل موقع فيسبوك موقعًا للتواصل بين الأهل والأصدقاء، صار موقعًا لتحقيق الأرباح من خلال ضمان استمرار تدفق المعلومات واستمرار التفاعلات الاجتماعية ذات مغزى (Meaningful Social Interactions)؛ حيثُ سعت الشركة لزيادة معدلات التفاعل على الموقع من خلال تغيير خوارزمياتها في ٢٠١٨ لتزيد من تفاعل المستخدمين مع المحتويات المنشورة على الموقع، وهو ما أدى بدوره إلى خلق بيئة غير صحية نتيجة للتصارع حول كسب أكبر عدد من الـlikes والتعليقات وإلخ، ونتيجة للتقييمات التي تطبقها الشركة على المستخدمين من خلال (MSI Scoring System) والتي بموجبه تستطيع الشركة التنبؤ عما إذا كان هذا المحتوي سينتشر على نحو واسع النطاق (viral) أم لا، ونتيجة لظهور ما يسمى بالترند (Trend) الذي يتغير على نحو مستمر. وكل هذا يبرز مدى حرص الشركة على تحقيق أرباح من خلال نشر محتوي جاذب بغض النظر عما إذا كان من اهتمامات المستخدمين أم لا وعما إذا كان المحتوى جيدًا أم وعما إذا كان يحرض على العنف أم لا، وهو ما قد يساعد على نشر معلومات مضللة ومغلوطة والتي قد تأتي بنتائج عكسية مثلما حدث في تعليقات المستخدمين على لقاحات كورونا التي سعت الشركة للترويج لها.
-هناك آثر سلبي لمواقع التواصل الاجتماعي على الصحة العامة والسلامة العقلية والنفسية: مما لا شك فيه أن مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما موقع إنستجرام – الذي اشتراه مارك في ٢٠١٢ بعد أن انخفض عدد المراهقين المشتركين على موقع فيسبوك – قد تسببت في إحداث خلل نفسي لدى الكثيرين خاصة المراهقات للحد الذي دفع بعضهن للتفكير في الانتحار(١٣٪ و٦٪ من البريطانيين والأمريكيين المشاركين في الدراسة التي أجرتها الشركة في ٢٠١٨ أفادوا بأنهم فكروا في الانتحار بسبب إنستجرام)، وذلك لأن شركة فيسبوك ساعدت في خلق صورة غير حقيقية للأشخاص خاصة المشاهير الذين ينشرون صورهم ويظهرون نجاحاتهم من خلال توظيف خوارزمياتها. فنتيجة لمواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما إنستجرام الذي يستخدم كثيرًا في إتمام عمليات بيع وشراء لمختلف المنتجات، يسعى الكثيرون، لاسيما المراهقات لمحاكاة المشاهير من حيث المظهر الخارجي وارتداء الماركات، وباتوا يحلمن بحياة مختلفة عن حياتهن ظننًا منهن أن حياة الآخرين أفضل من حياتهن.
وبناء على ما سبق، يتضح أنه على الرغم من أن محاكاة المشاهير والاستعانة بهم في الترويج للمنتجات ليس بالأمر الجديد، إلا أنه بات بشكل خطورة مع الاعتماد المتزايد على مواقع التواصل الاجتماعي، على عكس ما كان في السابق عندما كان يتم الاعتماد عليهم في الإعلام التقليدي، نتيجة للاستخدام المستمر وللاحتكاك المباشر بين الأفراد ونتيجة لحرص تلك الشركات التكنولوجية لجني المزيد من الأرباح من خلال الإعلانات وزيادة عدد التعليقات.
– تعزيز الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان: على الرغم من أن شركة فيسبوك تروج للمبادئ الليبرالية ولاحترام حقوق الإنسان، إلا أنها لن تطبق ذلك حيثُ إنها تعزز الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية بالتغاضي عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان العابرة للحدود مثلما تغاضت عن عمليات الإتجار بالبشر بمختلف أشكالها كبيع الأعضاء والإتجار بالمخدرات التي تمت عبر موقعها نظرًا لأن الدول النامية توفر قاعدة كبيرة من المستخدمين نتيجة لتزايد عدد السكان بخلاف الدول المتقدمة والغنية، وهو ما يضمن استمرارية الشركة. كما يشير ذلك إلى عدم احترام الشركة للمواثيق الدولية كالاتفاقية الدولية لمكافحة الإتجار بالبشر والاتفاقية الدولية لمكافحة الإتجار بالمواد المخدرة، ناهيك عن عدم احترامها للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يكفل حرمة الجسد واحترام الخصوصية وينص على عدم تعرض الفرد لكافة أشكال العنف والإيذاء النفسي، وكذلك حقوق المرأة التي من بينها مواجهة كافة أشكال العنف ضد المرأة. بالإضافة إلى ذلك، لا تضمن الشركة تمثيل جميع اللهجات المختلفة كما هو الحال في اللغة العربية، وهو ما أدى إلى إخفاق الشركة في التصرف على نحو جيد في أثناء الأزمة الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
فمن ثم، يمكن القول أيضًا بأن الشركة معنية بتحقيق الربح على حساب حقوق الإنسان؛ حيثُ إنها لم تحرك ساكننًا إلا عندما هددتها شركة آبل الأمريكية بإزالة تطبيق فيسبوك من متجر التطبيقات الخاص بها (App Store) في ٢٠١٩. ويتضح ذلك، جليًا في استمرار تلك الممارسات حتى بعد انتهاء أزمتها مع شركة آبل. ويتضح ذلك أيضًا في قول ديفيد كيركباتريك (David Kirckpatrick)؛ مؤلف كتاب “The Facebook Effect” لبي.بي.سي، بأن “الشركة لم يكن لديها دافع لتخفيف الضرر خارج الولايات المتحدة”.
وختامًا، يمكن القول بأن شركة (فيس بوك) تتخذ بعض الإجراءات لتخيف الآثار المرتبة على سياستها حتى وإن كان بهدف حفظ ماء الوجه. فمثلاً، توقفت الشركة عن إضافة شخصيات جديدة للقائمة البيضاء، إلا أنها لم تلغي هذه القائمة من الأساس. كما أنها أدخلت برنامج يصعب الوصول لأي محتوى يتعلق بالإتجار بالبشر – بعد أن تم الكشف عن إحدى عمليات الإتجار بالبشر التي تمت في إحدى الدول الشرق أوسطية – من خلال حجب الحسابات التي تروج لذلك وإنشاء نظام آلي للتعرف على عمليات الإتجار بالبشر (Civic Integrity Real-time Detection Pipeline)، إلا أنها لم تتخذ أي إجراءات حقيقية في هذا الصدد، حسبما ورد في الملفات التي تم الكشف عنها، بغرض جني المزيد من الأرباح من المحافظة على الشبكة العريضة من المستخدمين.
ولكون تحقيق العائد والربح هو المحرك الرئيسي لفيس بوك باعتبارها شركة تجارية، فإننا تتغاضى عن كثير من الأخطاء والتجاوزات والانتهاكات الصريحة لحقوق الإنسان والمواثيق والأعراف الدولية من ناحية والقواعد والمعايير الخاصة بشركة فيسبوك من ناحية أخرى. وهذا يقودنا للحديث عن مدى صلاحية هذه الشريكات في وضع المعايير الأخلاقية وعن الأسس التي وضعت عليها تلك الشركات قواعدها ومعاييرها التي قد تكون انتقائية بالأساس. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن القول إن سيطرة شركة فيسبوك على عددًا من الشركات كإنستجرام وواتساب قد أدى إلى احتكار شركة فيسبوك للسوق، وهو ما يؤدي بدوره إلى السيطرة على الإعلام الرقمي وإلى إعاقة حوكمة المعلومات والإنترنت. كما أن هذا قد يعيق الدول والمنظمات الدولية من إحكام السيطرة على المجال الرقمي وعلى إعلاء سيادة القانون، وهو يمثل خطورة على السلم المجتمعي والأمن القومي.
المصادر:
- https://www.wsj.com/articles/the-facebook-files-11631713039
- https://www.npr.org/2021/09/23/1040081678/what-leaked-internal-documents-reveal-about-the-damage-facebook-has-caused
- https://www.wsj.com/podcasts/the-journal/the-facebook-files-part-1-the-whitelist/aa216713-15af-474e-9fd4-5070ccaa774c?mod=article_inline
- https://www.ohchr.org/ar/ProfessionalInterest/Pages/CEDAW.aspx
- https://www.bbc.com/news/technology-58678332
- https://www.wsj.com/podcasts/the-journal/the-facebook-files-part-2-we-make-body-image-issues-worse/c2c4d7ba-f261-4343-8d18-d4de177cf973?mod=article_inline
- https://www.wsj.com/podcasts/the-journal/the-facebook-files-part-3-this-shouldnt-happen-on-facebook/0ec75bcc-5290-4ca5-8b7c-84bdce7eb11f?mod=article_inline
- https://www.wsj.com/podcasts/the-journal/the-facebook-files-part-4-the-outrage-algorithm/e619fbb7-43b0-485b-877f-18a98ffa773f?mod=article_inline