
16 عاما على قمة سلم السياسة الألمانية.. أنجيلا ميركل: “الإرث والنهج”
بعد أكثر من عقد ونصف، تتنازل المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” عن منصبها كمستشارة ألمانيا بمحض أرادتها، بعد أربع ولايات دون منافسة ” للمرأة الحديدية الألمانية” على المنصب الذي عاصرت خلاله أربعة رؤساء أمريكيين وفرنسين، خمس رؤساء للوزراء في بريطانيا وتسعة في كل من إيطاليا واليابان.
ميركل والتي صنفتها مجلة ” فوربس” الأمريكية كأقوى سيدة في العالم ، اختارت التنازل وعدم خوض الانتخابات القادمة بعد 16 عاماً من بسط سيطرتها على المنصب الأرفع في ألمانيا الاتحادية ، لتكون بذلك الفتاة التي أتت من ألمانيا الشرقية المتخصصة في علم الفيزياء والتي كانت تطمح لتكون معلمة في صغرها هي أول سيدة تحكم المانيا وأول من يترك كرسي السلطة في المانيا دون إقصاء سياسي أو هزيمة انتخابية، وتركت إرثا؛ يصعب على من يخلفها ؛ مهمته لما قدمته من نجاحات جريئة على عدة مستويات.
وقبل الخوض في ” كشف حساب” ميركل عن فترتها كمستشارة لألمانيا، كان علينا أن نعرف كيف صعدت “ميركل” سلم السياسة الألمانية حتى الوصول للمنصب الأرفع.
جدار برلين
مثل سقوط جدار برلين عام 1989، الفرصة الحقيقية للفتاة الشابة الذي عمل والدها “قسا في كنيسة” بألمانيا الشرقية الشيوعية ” أنجيلا ميركل ” لدخول عالم السياسة رغم أنها لم تدرس القانون وكانت دراستها في العلوم التطبيقية وتحديدا الفيزياء.
ففي محاضرة لها بجامعة “هارفرد” الأمريكية، تذكرت ” ميركل ” هذه اللحظات المهمة في مسيرتها وقالت عنها ” كنت أمر كل يوم بجدار برلين أثناء قدومي ومغادرتي للعمل في منشأة علمية.. كان جدار برلين يحد من فرصي المستقبلية، لقد وقف في طريقي نحو مستقبلي”.

(اللحظات الأولى لهدم جدار برلين)
كانت ميركل في عمر الـ 35 عاما عندما سقط أحد أكبر رموز الحرب الباردة وقالت عن تلك اللحظة ” في المكان الذي كان فيه جدار مظلم أمر به كل يوم، فتح باب فجأة، بالنسبة لي كانت اللحظة قد حانت لعبور هذا الباب وعند هذه النقطة تركت عملي كعالمة وتوجهت للسياسة، كان ذلك وقتا مثيرا وسحريا”.
“ميركل” بدأت حياتها السياسية، من خلال العمل التقني على توصيل أجهزة الحاسوب “الكمبيوتر” في مكتب حزب جديد يسمى بالحزب الديمقراطي ثم التحقت فيما بعد بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي قبل شهرين من توحيد ألمانيا.
وسرعان ما لفتت “ميركل” الأنظار بقدراتها التنظيمية وحرصها المستمر على نجاح الحزب وفعالياته وكان صعودها في أروقة الحزب سريعا فبعد عام من انضمامها له تم انتخابها لتكون نائبة في البرلمان الألماني ” البوندستاج” ثم عينت في العام التالي 1991 وزيرة لشؤون المرأة والشباب.
كما اختيرت “ميركل” لتكون نائبة رئيس الحزب ” هلموت كول ” المعروف بالمستشار الألماني الأطول جلوسا على المنصب، ولما حظيت به ” ميركل” من ثقة من قبل ” كول ” أعتمد عليها في العديد من الملفات واختارها نائبة له لدرجة أن البعض أطلق عليها لقب ” فتاة كول”.
وعلى الرغم من كونه ” الأب الروحي” الذي فتح الباب على مصراعيه لميركل وأمن بقدراتها إلا أن نهايته جاءت على يديها، حيث انقلبت ميركل على رئيسها “كول” ونشرت مقالاً في صحيفة رئيسية العام 1999 مطالبة ” كول” بالاستقالة بعد فضيحة لجمع التبرعات داخل الحزب.
وعن ذلك، قال المستشار الألماني “كول” في مذكراته: ” أنا من جلبت قاتلتي بنفسي، لقد وضعت الثعبان على ذراعي”.

(المستشار الألماني كول وميركل)
وفي 2005، نجحت ميركل في كتابة التاريخ كأول سيدة تعتلي منصب ” المستشار الألماني” في انتخابات فازت بها بفارق بسيط وشهدت منافسة قوية، ورغم نجاحها في حوز المنصب، أعتقد الكثيرون أن “ميركل” لن تصمد كثيراً في وجه الساسة الألمان كما أنها لن تتمكن من قيادة البلاد، لكنها برهنت ببراعة قدراتها على قيادة ألمانيا التي تعد الأن أحد أكبر القوى الاقتصادية والصناعية في العالم.
في أول خطاب لها بعد توليها المنصب الأبرز؛ ردت “ميركل” على المشككين في قدراتها وقالت “إنهم يقولون إن التحالف الجديد يتخذ خطوات صغيرة وبسيطة بدلا من الخطوات الكبيرة، وأنا أرد عليهم بالقول نعم هذه هي الطريقة التي نعمل بها”.
أوضح خطاب تنصيبها، في تلك الأثناء، مدى قوة شخصيتها وفهما لحجم التحدي الذي تواجهه وقدرتها على احتواء جميع الأطراف بما في ذلك المعارضين لها.
وعلى الرغم من قدومها في فترة استقرار نسبي لألمانيا إلا أن فترتها الأولى شهدت منعطفات حادة وأزمات متتالية تحديداً على مستوى القارة الأوروبية.
فن القيادة
مع تصاعد أزمة الديون في القارة العجوز 2009، لعبت ميركل دوراً اساسياً في تلك الأزمة وكان لها موقف واضح منها فوفقا لتصريحات لها في تلك الفترة قالت ” إذا فشل اليورو؛ فشلت أوروبا”.
ونتيجة لعملها وجهدها الدؤوب مع نظرائها الأوروبيين للخروج من الأزمة الاقتصادية ، أضحت “ميركل” الوجه الاقتصادي لشمال القارة الأوروبية وبرزت كقائد حقيقي للاتحاد الأوروبي لما لألمانيا من دور في تفادي الأزمة في أوروبا على الرغم من الثمن الذي دفعته المتمثل في كره اليونانيين لها حيث أجبرهم الاتحاد الأوروبي على التقشف الاقتصادي، وعلى الرغم من صعوبة هذه الفترة إلا أن “ميركل” أثبتت في وقت مبكر من حقبتها، قدراتها القيادية وساعدت أوروبا للخروج من الأزمة وقالت في تصريحات لها حول هذا الشأن ” إن ما قمت به في ذلك الوقت هو أحد أكبر إنجازاتها كمستشارة”.
أما على الصعيد الداخلي، فقد شهدت المانيا نموا اقتصاديا فعالا ومستداما، ففي سنتها الأولى 2005 استطاعت إدارة المستشارة الألمانية زيادة الصادرات الألمانية بضعف النمو في الصادرات لكل من بريطانيا، كندا، فرنسا واليابان.
ويصف خبراء الاقتصاد، حقبة ميركل “بالمعجزة الاقتصادية الألمانية الثانية” لما حققته من معدلات نماء في الاقتصاد على مختلف الأصعدة وهو ما تؤكده الإحصاءات التي تفيد أن نسبة البطالة في ألمانيا الأن هي الأقل منذ عقدين كما تظهر استطلاعات الرأي رضا 80% من الالمان عن وضعهم الاقتصادي.

(رسم بياني يوضح نمو الناتج المحلي الإجمالي الألماني بالمقارنة مع دول أخرى) المصدر “فينانشيال تايمز”
علاوة على ذلك، فإن التصنيع الألماني يكون ما نسبته 40% من صادرات منطقة “اليورو” حيث استفادت “ميركل” من صعود الصين وفتحها لأسواقها لتبرم عدد من الاتفاقات نتج عن ذلك وصول الصناعات الألمانية للصين لتكون ألمانيا هي الدولة الأكثر تصديراً للصين.
ولم تقف ميركل عند نمو الناتج المحلي الإجمالي فقط بل ساعدت استجابتها الذكية للأزمة الاقتصادية عام 2009 في خلق مزيد من الفرص للألمان عن طريق طرح برامج دعم كبرنامج ” الدعم مقابل التصنيع” الذي خصص لدعم صناعة السيارات وأجزائها إبان الأزمة، كذلك قرارها بدعم برنامج ” Kurzarbeit” بمليار دولار وهو نظام تأمين حكومي ضد البطالة ساهم في الحماية المجتمعية وشعور الألمان بالأمان على عكس من أقرانهم الأوروبيين الذين بدوا أكثر قلقاً خلال أزمة 2009.
ويرى خبراء الاقتصاد حول العالم أن أبرز إنجازات حقبة “ميركل” هو معدلات خلق فرص العمل العالية، بالأخص للنساء وهو ما كان مخططا له من قبل الحكومة الألمانية حيث اهتمت ميركل بالمرأة العاملة من خلال استراتيجية هدفت لخلق الظروف المثلى للسيدات الألمانيات للعمل والإنتاج الفعال في كل المجالات بفضل تطوير برامج رعاية المرأة والطفل ما أدى إلى أن تكون المانيا صاحبة المعدل الأعلى للنساء العاملات بين دول مجموعة السبع.

(رسم بياني يوضح ارتفاع نسبة النساء العاملات في ألمانيا بالمقارنة مع دول أخرى) المصدر “فينانشيال تايمز”
على الجانب الصحيح من التاريخ
لم يقف الأمر على خلق المزيد من فرص العمل للمواطنين الألمان بل تخطت “ميركل” ذلك بزيادة العمالة من المهاجرين ، وهو القرار الذي تصفه صحيفة ” واشنطن بوست” بالقرار الأكثر جرأة واللحظة الأكثر تحديداً في مسيرة “ميركل” السياسية.
وتمسكت “ميركل” بسياستها الخاصة باللاجئين عام 2015 على الرغم من المعارضة للقرار وتبعاته السياسية، والذي أدى لاحتواء أكثر من مليون مهاجر ولاجئ هاربين من الحرب في سوريا، العراق وأفغانستان.
يرى الكثير من السياسيين أن ” ميركل” اتخذت قراراً شجاعاً وتمكنت من تنفيذ ما وعدت به على الرغم من أن قرارها بفتح الباب أمام المهاجرين أدى لانقسام داخل أروقة الاتحاد الأوروبي كما أسفر عن زيادة أرضية اليمين المتطرف الذي أستغل قرار ميركل لمهاجمتها، إلا أن ميركل وأمام هذه الضغوط الأوروبية والداخلية لم تتراجع عن قرارها المدروس حيث تعتبر المانيا اليوم أحد أكثر الدول احتواء واحترام للمهاجرين كما خلقت برامج جديدة لدمجهم الفعال مع المجتمع الألماني ليكونوا فيما بعد قوة بشرية تخدم المشروع الصناعي الألماني.
وعن هذا القرار الذي يعد علامة فارقة في مسيرتها قال الرئيس الأمريكي الـ44 باراك أوباما في ذلك الوقت عن ميركل ” أنها على الجانب الصحيح من التاريخ”.

( لاجئ سوري يحمل صورة ميركل بعد قرار السماح للاجئين الدخول والاندماج في لألمانيا)
السياسة الخارجية
شهدت سنوات ميركل ال 16 في السلطة تحولا في النظام العالمي، ضغطت واشنطن على ألمانيا لاتخاذ موقف أكثر حزما تجاه روسيا والصين، لكن كفتاة عانت من اسفار الحرب الباردة في طفولتها سعت ميركل لتجنب تكرار الأمر، فقد حاولت فصل انتهاكات حقوق الإنسان الصينية والطموحات التوسعية الروسية عن قضايا الاقتصاد والتجارة وهو ما لم يرق لبعض من نظرائها الأوروبيين الساعين لفرض المزيد من الضغط على الصين وروسيا.
أما عن علاقتها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شهدت حقبة ميركل توترا وعدائية بينها وبين بوتين في بعض الأحيان لكن وعلى الرغم من ذلك تعي ميركل أهمية التواصل السياسي والتنسيق بين الكتلة الأوروبية وروسيا كما أنها تدرك أهمية روسيا التي تمد أوروبا بالغاز ونجحت في الوصول لاتفاق ” نورد ستريم 2″ مع روسيا لتوريد الغاز وهو الاتفاق الذي لم يلقى قبولاً كبيراً في بروكسيل كما في واشنطن لكن ذلك لم يثني ” المرأة الحديدة ” من المضي قدماً في المشروع لمصلحة بلدها.

أما عن علاقتها بالولايات المتحدة، فقد عاصرت ميركل 4 فترات رئاسية أمريكية، ظلت ملتزمة خلالها بالتحالف عبر الأطلسي حتى مع التوتر العلاقات بشكل خاص في ولاية الرئيس ترامب، وعلى الرغم من تمسكها بالتحالف عبر الأطلسي إلا أن العلاقات الأمريكية الألمانية في حقبتها تأثرت بسبب توجه إدارة الرئيس جورج بوش تجاه أسيا.
كما تأثرت العلاقات في ولاية الرئيس باراك أوباما على الرغم من أنه اطلق عدة تصريحات تعبر عن إعجابه بالمستشارة الألمانية وحكمتها بسبب فضيحة تجسس المخابرات الأمريكية على هاتفها الشخصي في 2013 وهو ما قالت عنه ميركل ” الأصدقاء لا يتجسسون على بعض، هذا أمر غير مقبول” لكن وعلى الرغم من ذلك شهدت فترة ” أوباما” تناغم في السياسات بين البلدين كما يتبادل كليهما الاحترام ويقدر الأخر وهو ما عقد علاقتها مع الرئيس ترامب الذي كان ناقماً على سلفه أوباما.
لكن تبقى ولاية دونالد ترامب هي الفترة الأكثر توتراً في العلاقات الأمريكية الألمانية فقد أختلف “ميركل” و “ترامب” حول عدد من القضايا كالتجارة، حلف الناتو و الاتفاق النووي مع إيران، بل تجاوز الأمر ذلك وأصبح التوتر شخصياً بين الرئيس الأمريكي والمستشارة الألمانية بسبب تصريحات “ترامب” التي غاب عنها الكياسة السياسية.
ومع وصول ” جوزيف بايدن” للبيت الأبيض تحسنت العلاقات بين البلدين بسبب الانسجام بين بايدن وميركل فكلاهما رفضوا نهج الرئيس ترامب ، ويرغبان في عودة ” الناتو” الفعالة ويؤمنان بالديمقراطية ، فبنسبة لبايدن تمثل المانيا أحد أهم اضلاع المواجهة بين الديمقراطية والدكتاتورية في العالم ، بالإضافة لعوامل أخرى كالاقتصاد والنهج العلمي لمجابهة الجائحة ” الذي لم يؤمن به ترامب” كما نهجهما المشترك في ” دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان”
وهو ما أدى لعودة العلاقات لطبيعتها ، كما وبالإضافة لما سبق فميركل وبايدن يعرفان بعضهما جيداً منذ سنوات عمل بايدن كنائب للرئيس خلال ولاية باراك أوباما.

وبالحديث عن سياساتها الخارجية لا يخفى على المتابعين تعاظم الدور الألماني كفاعل في التحديات العالمية ، فان “ميركل” من شكلت توجهات السياسة الخارجية لإدارتها بنفسها وبدى جليا قدرتها على التعامل والتفاهم مع أقوى قادة العالم عندما ترأست اجتماعات مجموعة الثمانية بــ”هلينجندام” في العام 2007.
وعندما ضربت الأزمة الاقتصادية العالم العام 2008 مهددة العملة الأوروبية ” اليورو” أحد أهم رمز الوحدة الأوروبية، اتخذت ألمانيا، ذات الاقتصاد الأقوى في أوروبا، موقع القيادة لحل الأزمة حيث فرضت الحكومة الألمانية إجراءات تقشفية وإصلاحية صارمة على الدول المثقلة بالديون ومن ناحية أخرى وافقت “ميركل” على منح أوروبية واسعة النطاق لتلك الدول مع التزام ألمانيا بالمسؤولية على ديون تلك الدول بشكل كبير.
وعن تلك الفترة الصعبة والتي أبرزت قدرات ميركل القيادية يقول العالم السياسي والأستاذ في جامعة هالي يوهانس فارويك “قبول أوروبا دور القيادة الجديد لألمانيا يرجع أيضا إلى سلوك ميركل حيث إنها تجمع بين “ثقافة ضبط النفس” و “ثقافة المسؤولية”.
تمحورت سياسات ميركل الخارجية حول المصالح الألمانية الخارجية وهو ما ترجمته سياساتها بالأخص مع الصين حيث تمكنت من تنمية صادرات بلدها لبكين ونمى الميزان التجاري بين البلدين لمعدلات غير مسبوقة على الرغم من الضغط الأمريكي لتبني سياسات أكثر صرامة مع الصين.
أما على صعيد الشرق الأوسط فقد تمحور نهج ميركل السياسي تجاه المنطقة حول المصلحة الألمانية ، وبتحليل التحركات السياسية الألمانية في حقبة ميركل تجاه المنطقة يمكن تحديد ثلاث مصالح رئيسية لألمانيا في الشرق الأوسط وهي أولا : منع أنتشار الأسلحة النووية، يليها منع التدفقات الجديدة للاجئين و أخيراً المكافحة الفعالة للإرهاب.
النقطة الأخيرة تحديداً كانت الدافع وراء زيادة صادرات السلاح الألماني للمنطقة العربية ، حيث سعت ألمانيا من خلال ذلك بالإضافة للمكاسب المادية ، دعم الدول العربية في مواجهة التطرف والإرهاب كونهما سبباً مباشراً في زيادة تدفقات اللاجئين إلى أوروبا كما لفهم إدارة “ميركل ” لصعوبة التحدي الذي تواجه الدول العربية في صد المتطرفين والإرهابيين الذين طوروا بدورهم قدراتهم ، وذلك بهدف تجفيف منابع الإرهاب بدلا من انتظارها لتطرق باب ألمانيا التي تعرضت بدورها لحوادث إرهابية في السنوات الماضية .
ولفهمها لحجم التحدي وافقت الحكومة الألمانية في عام 2020 على تصدير أسلحة بنحو 1.16 مليار يورو إلى عدد من الدول العربية على الرغم من الضغوطات الداخلية بربط تصدير السلاح بالإصلاحات السياسية وبتحسين أوضاع حقوق الإنسان
بالنسبة لمصر، مثل التفاهم بين الرئيس السيسي والمستشارة الألمانية ميركل تحولا نوعيا في الشراكة بين مصر وألمانيا على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية ، حيث وقعت عدد من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون بين البلدين التي شملت مجالات عدة أبرزها اتفاقيات الطاقة التي نتج عنها أنشاء ثلاث محطة للطاقة الكهربائية الأكبر والأحدث في الشرق الأوسط بتعاون بين الحكومة المصرية والألمانية وشركة سيمنز في مدن بني سويف، البرلس والعاصمة الإدارية الجديدة.
وتعددت مجالات وأوجه التعاون والتفاهم بين البلدين في حقبة ميركل التي تعي أهمية وحجم الدور المصري في المنطقة وهو ما دلل عليه حرص ” ميركل” على شكر القيادة السياسية المصرية على دورها المشهود في وضع حد لحرب غزة الأخيرة مايو الماضي.

العام الأخير (عام الجائحة)
في الوقت الذي وقف أقوى زعماء العالم مكتوفي الأيدي أمام “رعب” جائحة كورونا، انتهجت ميركل نهجاً واضحاً دون أي تجميل للصورة متمسكة بالنهج العلمي كالسبيل الوحيد لمجابهة الجائحة، فعلى الرغم من المعاناة الشديدة لجيرانها إلا أن ألمانيا تعد أحد أنجح التجارب في مجابهة الجائحة بفضل سياسات التباعد التي كانت بالإضافة لصرامتها مبكرة واستباقية.
وتمكنت ألمانيا من إنتاج لقاح ” فايزر بايوتيك” بالتعاون مع الولايات المتحدة، إلا أن الجائحة كشفت عن بعض أوجه القصور لدى النظام الألماني تمثل في افتقاره للمرونة اللازمة لإطلاق اللقاح دون الحاجة للاعتماد على الولايات المتحدة سواء في التصنيع أو اعتماد اللقاح كما تأخر أطلاقها للقاح بفضل انتظارها لاعتماد لجنة الدواء الأوروبية له.
لكن وبشكل عام لا يمكن انكار أن ألمانيا تصرفت بحكمة مع جائحة كورونا مقارنة مع جيرانها كفرنسا ، إيطاليا، بريطانيا وإسبانيا الذين يملكون إمكانيات علمية وطبية ليست ببعيدة عن نظيرتها الألمانية لكن كان للقرار السياسي دور كبير كعامل حاسم في مواجهة الجائحة، وعلى الرغم من الانتقادات التي طالتها في هذه الفترة بسبب قواعد الغلق وتأثر الاقتصاد إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن أكثر من 73% من الأمان يثقون في قرارات ميركل خلال الجائحة وقيادتها للبلاد في هذا التوقيت.
لم يقف الأمر عند ذلك الحد، فمثلما قادت ” ميركل ” سفينة الاتحاد الأوروبي مع بداية حقبتها خلال الأزمة الاقتصادية العالمية عاودت “ميركل” الكرة في نهاية حقبتها بعد أن ضغطت بقوة داخل أروقة الاتحاد الأوروبي لإقرار الدعم المادي للدول الأوروبية ووصول اللقاح لكل الأوروبيين لحماية ألمانيا اولاً وكل أوروبا في جهد تعاوني بينها وبين الرئيس الفرنسي ماكرون.
ماذا بعد؟
الآن وبعد خروجها من الباب الكبير من عالم السياسة، يتساءل الكثيرون حول ما الذي تنوي ميركل القيام به بعد ذلك.
في يوليو أثناء زيارتها لواشنطن، سُئلت ميركل عن تصورها لفترة تقاعدها، وعلى الرغم من أنها كانت تجيب بدبلوماسية على هذا السؤال في مرات سابقة ، إلا أنها كشفت في هذا اللقاء بأنها ستستمتع بأخذ قسط من الراحة ولن تقبل أي دعوات، مضيفة أنه يجب عليها إدراك أن مهامها السابقة “يقوم بها شخص آخر الآن”، وتابعت “أعتقد أن هذا سيعجبني كثيرا”.
وفي لقاء أخر في العام الماضي، أشارت ميركل لرغبتها في الاستمتاع بالحياة البسيط والسفر دون حراسة والاستمتاع بمشاهدة المناظر الطبيعية حول العالم دون اجتماعات أو بروتوكولات رسمية.
وعلى الرغم من حبها للحياة الريفية الألمانية إلا أنه من غير المتوقع أن تغادر ميركل برلين خلال السنوات القادمة حيث يعمل زوجها يواخيم زاور(72 سنه) كباحث أول في مؤسسة علمية ببرلين وقد مدد عقده حتى عام 2022 .
ارث كبير ستتركه المستشارة الألمانية سواء سياسيا أو اقتصاديا أو حتى إنسانياً لدرجة أن البعض يشكك في أن خلفها سيتمكن من ملء الفراغ الذي ستتركه بالسرعة المطلوبة منه.
صور أرشيفية لأبرز محطات حياة المستشارة الألمانية ” أنجيلا ميركل” :-

ميركل في طفولتها

الطفلة “ميركل” مع والديها.

خلال سن المراهقة

سنوات الدراسة الجامعية 1989

بعد الحصول على درجة الدكتوراه في الكمياء ، رحلة إلى العاصمة التشيكية براغ


مع زوجها الحالي العالم الكميائي يواخيم زاور

دور مشهود في دعم المرأة وتوليها المناصب القيادية
( أنجلا ميركل وأورسولا فان دير لايين عندما كانت وزيرة للداخلية في ألماني قبل أن تصبح رئيسة المفوضية الأوروبية حاليا )

مع المنتخب الألماني بعد الفوز بكاس العالم لكرة القدم في البرازيل 2014

بعد قسم اليمين لأول مرة كأول أمرأه في منصب “المستشارة الألمانية” (العام 2005)

وأخر قسم لليمين (2017)
باحث ببرنامج السياسات العامة