
مشاركة مصر في القمة الألمانية الأفريقية.. “أهداف ودلالات”
على بوابة أفريقيا تقف مصر التي تملك فرصًا استثمارية هائلة فى مختلف القطاعات، ويرى فيها المستثمرون مستقبل الاقتصاد الأفريقي، لتشارك للمرة الرابعة على التوالي في قمة العشرين للشراكة مع أفريقيا التي عُقدت هذا العام عبر الفيديو كونفرانس في 27 أغسطس، بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى جانب مشاركة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية والأعضاء بمجموعة العشرين، ورؤساء عدد من المؤسسات الدولية الشركاء بالمبادرة.
تحظى القمة هذا العام بأهمية لسببين: الأول، يعود إلى توقيت القمة الذي يأتي في أصعب اللحظات التي يمر بها الاقتصاد العالمي نتيجة تباطؤ النمو بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد، وفي ظل محاولة من الجانب الألماني لإنقاذ الدول الأفريقية التي تعاني أزمات اقتصادية في الوقت الحالي ونقص في اللقاحات، أما الثاني، يعود إلى أنها أخر قمة تشارك فيها المستشارة أنجيلا ميركل ومجيء حكومة جديدة بعد الانتخابات التشريعية في شهر سبتمبر المقبل، وكانت تبدي ميركل اهتمامًا خاصً بأفريقيا وكان الاقتصاد وقضية الهجرة على رأس أولوياتها.
وألقى السيسي كلمة خلال الجلسة الأولى للقمة والتي عقدت تحت عنوان “الإطار العام لشروط الاستثمار والأعمال“، حيث أكد أهمية المبادرة كآلية فعالة لدفع جهود التنمية الاقتصادية في دول القارة الإفريقية بالشراكة مع مجموعة العشرين، لاسيما وأنها تعتمد على صياغة خطط عمل تناسب أولويات كل دولة وتتسق مع أهدافها وتطلعاتها الوطنية، ومشيرًا في هذا الإطار إلى التداعيات السلبية التي خلفتها جائحة كورونا على جهود الدول الإفريقية الساعية لتحقيق التنمية الشاملة؛ حيث لم تكن مصر بمعزل عن تلك المؤثرات، إلا أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة منذ 2016، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، ساهم بشكل كبير في تجنيب مصر الكثير من التبعات السلبية للجائحة، ومكن الدولة من تنفيذ إجراءات اقتصادية واجتماعية أثبتت فاعليتها على كافة المستويات، وذلك دون إخلال بمسيرة الإصلاح والتنمية الاقتصادية، وهو ما يبرهن على صواب الرؤية المصرية إزاء أولويات ومتطلبات الإصلاح الاقتصادي؛ حيث أصبح الاقتصاد المصري قادرًا، أكثر من أي وقت مضى، على مواجهة التحديات التي تفرضها تطورات الأوضاع العالمية، وعلى تلبية احتياجات وتطلعات الشعب المصري، مع الإدراك التام لحجم التحديات التي ما زال على مصر مواجهتها لتحقيق أهدافها المنشودة.
كما شارك السيسي في الجلسة الثانية للقمة تحت عنوان “مبادرة الشراكة مع إفريقيا لمواجهة الجائحة“؛ حيث أكد أن مسألة إنتاج وتوزيع لقاحات فيروس كورونا أصبحت تحظى بأولوية متزايدة في ضوء أهمية اللقاحات في خفض نسب الإصابة بالفيروس وتخفيف الضغط على النظم الصحية، فضلًا عن استعادة مظاهر الحياة الطبيعية وما يتبع ذلك من إعادة النشاط الاقتصادي والاجتماعي إلى سابق عهده، إلا أن ما هو متاح من لقاحات للدول الإفريقية يقل كثيرًا عن احتياجاتها، وما زالت آليات التعاون الدولي في هذا المجال، سواء على المستوى الثنائي أو متعدد الأطراف، تواجه صعوبات عديدة تتعلق بالإنتاج وعدالة التوزيع، وذلك على الرغم من أن الدول الإفريقية لم تدخر جهدًا في محاولة الحصول على ما تحتاجه من لقاحات، سعيًا منها إلى حماية مواطنيها ومواصلة جهودها التنموية، مستعرضًا سيادته في هذا الإطار الجهود المصرية لتوطين صناعات اللقاحات ورفع كفاءة قدراتنا الإنتاجية ذات الصلة.
دوافع التوجه الألماني نحو إفريقيا
تسعى ألمانيا من خلال رئاستها الدورية لمجموعة العشرين لاجتذاب الاستثمارات نحو أفريقيا كمرحلة أساسية للحد من الهجرة إلى أوروبا، وخلق دور ريادي لها، ومنافسة القوى الدولية الناشطة في إفريقيا، مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، أو الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل، وفي إطار هذه المساعي أطلقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في عام 2017 مبادرة الشراكة مع أفريقيا، عبر دعم المبادرات الاقتصادية والتنموية وبرامج الاستثمار الهادفة إلى تحقيق التنمية الدائمة في الدول الإفريقية.
وأشارت المستشارة أنجيلا ميركل خلال افتتاح قمة الاستثمار لمجموعة العشرين هذا العام إلى “أنه خلال العديد من الرحلات، تعرفت على إفريقيا كقارة للفرص والأفكار، وكقارة ذات أسواق نمو واعدة وبها العديد والعديد من الشباب الملتزمين. وهذا هو السبب في أن مجموعة العشرين “الشراكة مع إفريقيا” ، التي أطلقناها في عام 2017 خلال رئاسة ألمانيا لمجموعة العشرين، كانت ولا تزال محل اهتمام خاص للحكومة الألمانية وأنا شخصيًا.
وقد أسفرت “الشراكة مع أفريقيا” عن نتائج جيدة، ففي معظم البلدان الشريكة تحسنت بيئة الأعمال نتيجة للإصلاحات. ومقارنة بإفريقيا بأكملها، فقد تمكنوا من حجز عدد أعلى من المتوسط من الاستثمارات حتى عام 2019 ، بما في ذلك من الشركات الألمانية. بالإضافة إلى ذلك، تمكنت البلدان الشريكة من تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 0.1 في المائة في عام 2020 ، في حين كان على اقتصادات أفريقية أخرى تواجه تراجع في النمو، وهذا يدل على أن الإصلاحات في الدول الشريكة تؤتي ثمارها حتى في أوقات الوباء، على الرغم من أن الوباء قد ترك بصماته عليهم.
ومن أبرز دوافع التوجه الألماني نحو إفريقيا:
زيادة الاستثمار: إن رغبة ألمانيا في إحياء العلاقات الاقتصادية مع البلدان الإفريقية جاءت عقب جولة إفريقية قامت بها المستشارة الألمانية، في أكتوبر2016، إلى مالي والنيجر وإثيوبيا. أدركت فيها أن برلين متأخرة في سباق القوى العظمى نحو القارة، خاصة في مجال الاستثمار، وأن هناك استثمارات وتبادل تجاري للقارة مع قوى، مثل الصين والهند وفرنسا وبريطانيا. وقد نمت الاستثمارات الألمانية في إفريقيا في الفترة من 2017 إلى 2019، بنحو 1.57 مليار يورو، وهي زيادة معتدلة إلى حد ما.
كما أن الشراكة مع إفريقيا تخلق إمكانيات جديدة. حيث تم إنشاء صندوق استثماري تنموي للشركات الصغيرة والمتوسطة من أوروبا وأفريقيا لتمويل القروض يهدف إلى إتاحة الفرصة أمام دخول شركات جديدة إلى الأسواق. كما تم تأمين صادرات واستثمارات الشركات الألمانية في دول “الشراكة مع أفريقيا” ضد المخاطر السياسية ومخاطر التعثر في السداد، والتفاوض بشأن اتفاقية الازدواج الضريبي مع بلدان أفريقية أخرى. وإبرام شراكات جديدة في مجال التوظيف والتدريب مع شركات ومؤسسات بأفريقيا وتعزيز المجمعات الحرفية والتجارية والصناعية الإقليمية
الحد من تدفق المهاجرين: ركزت أنجيلا ميركل خلال الأعوام الأخيرة على الجانب الأفريقي في دبلوماسيتها، معولة على بلدان القارة لاحتواء تدفق المهاجرين نحو أوروبا، بعد أن واجهت ضغوطا شديدة للحد من عدد طالبي اللجوء القادمين إلى ألمانيا، وتعرضت لانتقادات كثيرة حتى داخل معسكرها المحافظ لفتحها الباب أمام اللاجئين. وترى ألمانيا أن وقف تدفق المهاجرين إليها ضرورة ملحة، ومن مصلحتها معالجة أسباب الهجرة من خلال التنمية الاقتصادية التي يجب أن تكون بوتيرة سريعة. وفي هذا الشأن، قامت المستشارة الألمانية بعدد من الجولات في إفريقيا بحثا عن فرص استثمارية تدعم التنمية الاقتصادية في القارة وتكبح الموجات المستقبلية من الهجرة نحو أوروبا. وقامت بزيارة مالي والنيجر، اللتين تشكلان معبرين كبيرين للراغبين في اللجوء. وتعهدت بتقديم مزيد من المساعدات المالية للنيجر إحدى أفقر دول العالم لدعم حربها ضد مهربي البشر والإسلاميين المتشددين. كما قامت بجولة عربية في 2017 شملت كلا من مصر وتونس. وعقدت محادثات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتم الاتفاق مع مصر على نقاط ملموسة، منها مراقبة الحدود وتزويد مصر بأسلحة ومعدات تكنولوجية بغرض ضبط الحدود البحرية والبرية على الجانب الليبي، والحصول على تسهيلات في سداد تكلفة أنواع محددة من السلاح قد تستورد من ألمانيا. وأكدت مصر على ضرورة التركيز أولا على وقف “تهريب اللاجئين”، خاصة أنها لا تنشئ “معسكرات لاجئين” وأن مشاركة دول دعمت الجماعات المسلحة الليبية في أي اتفاق سياسي بين القوى السياسية سيكون تأثيرها سلبياً.
محاربة الإرهاب: لعل أحد الأسباب الرئيسية لقمة الشراكة الألمانية الأفريقية، محاربة التنظيمات الإرهابية المستوطنة في إفريقيا، والتي ترتبط بتنظيم القاعدة وداعش، فمن خلال التنمية المستدامة لإفريقيا تسعى ألمانيا لمحاربة إرهاب هذه التنظيمات عن طريق زيادة وعى الشعوب. كما تعمل مصر وألمانيا على تبادل وجهات النظر حول محاربة الإرهاب خاصة في ليبيا، لإنهاء فوضى انتشار الجماعات الإجرامية والميليشيات الإرهابية، ومنح الأولوية القصوى لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والأمن، وهو ما تعبر عنه المستشارة الألمانية خلال مباحثاتها المستمرة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
دلالات المشاركة المصرية في القمة الإفريقية
تعد هذه هي المشاركة الرابعة للسيسي في القمة الألمانية الأفريقية، حيث سبق وأن شارك في القمة الأولى التي استضافتها برلين في يونيو 2017، والثانية في أكتوبر2018. والثالثة في نوفمبر 2019، مشاركة السيسي تعكس مدى الحرص على أن تكون القمة فرصة مواتية للرئيس ولزعماء أفريقيا للوصول بأصواتهم بشكل أكثر وضوحا لدول العالم، وسيصبح بإمكان الدول الأفريقية وألمانيا التشاور والحوار واتخاذ القرارات فيما يخص شئون الاقتصاد والتنمية المستدامة.
وتعد القمة فرصة مناسبة لإطلاع الدول الأفريقية إضافة إلى ألمانيا، على مدى تقدم الإصلاحات الاقتصادية التي أنجزتها مصر، وما تحقق على أرض الواقع بعد قفزة التحسن التي يشهدها الاقتصاد المصري مؤخرا، وثقة مؤسسات التمويل الدولية في مصر، على الرغم من المواجهة مع الإرهاب في سيناء. كما أن التعاون بين القاهرة وبرلين بلغ ذروة تكاد تكون غير مسبوقة، من خلال “شراكة متعددة الوجوه” سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا وسياحيا، شراكة ذات أبعاد ومحاور متنوعة، نواتها الصلبة توافق الرؤي والمصالح، بالإضافة إلى ما يجمع الدولتين من أوجه تشابه، ألمانيا القطب الأوروبي ذا المكانة الدولية المرموقة، ومصر القطب المحوري في الشرق الأوسط، والدولة الرائدة في إفريقيا، ما يؤكد أن البلدين يخطوان معا لتحقيق قفزة نوعية في علاقات التعاون المشترك.
وعلى المستوى الثنائى، كشفت السنوات الماضية أن التطور الإيجابى الكبير فى العلاقات المصرية الألمانية كان فى صالح الدولتين، وفى صالح السلام والتنمية والاستقرار فى كل من أوربا والشرق الأوسط وأفريقيا، وجميعها أهداف مشتركة تسعى إليها مصر وألمانيا. كما أن القضايا التى تحتل الأولية للطرفين خاصة قضيتى مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، فقد حققت مصر فيهما إنجازاً كبيراً، ولديها الآن خبرة ناجحة فى المجالين معاً يسعى الجميع للاستفادة منها. وعلى الصعيد الإقليمى، لاشك أن قضايا الأزمات فى سوريا وليبيا واليمن وكذلك القضية الفلسطينية، وما يحدث الآن في أفغانستان بعد سيطرة طالبان على البلاد. جميعها فى مراحل بالغة الأهمية، بالنسبة للدولتين ولأوربا والشرق الأوسط وافريقيا بما لكل من هذه الأزمات والصراعات من انعكاسات فى انتشار الإرهاب وعدم الاستقرار وقضية اللاجئين وغير ذلك.