أفغانستان

“فورين أفيرز”: كلنا فقدنا أفغانستان.. “عقدان من الأخطاء وسوء التقدير والفشل الجماعي”

عرض- هبة شكري

نشرت دورية “فورين أفيرز” الأمريكية تقريراً تحت عنوان كلنا فقدنا أفغانستان: عقدان من الأخطاء وسوء التقدير والفشل الجماعي“، أعده الدبلوماسي الأمريكي “بيتر مايكل ماكينلي”، والذي عمل سابقاً كسفير بدولة أفغانستان.

رصد التقرير الأخطاء التي آلت للوضع الحالي في أفغانستان، والذي تسبب فيه الاستراتيجية التي تبنتها الولايات المتحدة تجاه أفغانستان وسوء تقديرها لتنامي قوة “طالبان” في الوقت الذي ساء فيه وضع الجيش الأفغاني.

وجاء نص التقرير كالآتي:

 مع سقوط أفغانستان في أيدي طالبان، تدفق سيل الاتهامات والإدانة الصريحة لسحب إدارة بايدن للقوات الأمريكية في أفغانستان بلا هوادة. حيث أثار مستشار الأمن القومي السابق الجنرال “إتش آر ماكماستر” مشاعر الكثيرين عندما أعلن أن أفغانستان “مشكلة إنسانية تقف ما بين حدود البربرية والحضارة” وأن الولايات المتحدة تفتقر إلى الإرادة “لمواصلة الجهود لصالح  البشرية جمعاء. “

أن ما يحدث مأساة رهيبة، لكن لا يمكن إلقاء اللوم على طرف واحد فقط. لقد كان الجدول الزمني القصير لإدارة بايدن للانسحاب، والمرتبط بالذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر، وفي ذروة القتال، خطأ. لكن الوضع على الأرض هو نتيجة عقدين من الحسابات الخاطئة والسياسات الفاشلة التي انتهجتها ثلاث إدارات أمريكية سابقة وفشل القادة الأفغان في الحكم لصالح شعبهم. والحقيقة أن العديد ممكن ينتقدون الوضع علانية الآن كانوا من مهندسي تلك السياسات.

لكن التساؤل الأبرز هو لماذا انخرطت أفغانستان في هذا المنعطف لخوض محاولات تبرير “الحرب على الإرهاب” التي دارت في البلاد على مدى عقدين من الزمن. 

فخلال مدة فاقت الثلاث سنوات قضيتها في كابول، بين 2013 و 2016 بما في ذلك أثناء فترة خدمتي كسفير للولايات المتحدة من 2014 إلى 2016، أصبح واضحًا لي مدى خطورة التحديات التي تواجه استراتيجية الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أننا نجحنا إلى حد كبير في القضاء على القاعدة في البلاد وتقليل خطر الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة، إلا أننا فشلنا في النهج التي تبنيناه لمكافحة التمرد والسياسة الأفغانية و بناء الدولة. ففي حين قللنا من قدرة طالبان على الصمود، لكن أخطأنا في قراءة الحقائق الجيوسياسية للمنطقة.

لقد حان الوقت لمواجهة الحقائق التي تتجسد في أن قرار تأجيل انسحاب القوات الأمريكية لمدة عام أو عامين آخرين لم يكن ليحدث أي فرق في نهاية المطاف مقارنة بالعواقب المحزنة القائمة على الأرض في أفغانستان. فالولايات المتحدة التي كانت تلتزم بحماية أفغانستان إلى أجل غير مسمى، تحملت تكلفة تفوق عشرات المليارات سنويًا، مع وجود أمل ضئيل في البناء وتحقيق مكاسب هشة داخل دولة ذات حكم ضعيف، ومع تآكل ظروف ساحة المعركة، وفقد المزيد من أرواح الأمريكيين خاصة مع استهداف طالبان القوات الأمريكية والدبلوماسيين مرة أخرى. لذا، فقد حان الوقت لمنتقدي الانسحاب للتصدي بشكل صريح لأوجه القصور في التقدير وأوجه القصور في التدخل في أفغانستان التي دفعتنا إلى تلك النقطة ولكي يدركوا تلك المسؤولية عما حدث.

الانهيار العسكري

في ضوء استيلاء طالبان السريع على مدينة أفغانية بعد أخرى في الأيام الأخيرة، لربما يكون الخطأ الأمريكي الأكثر لفتًا للنظر هو المبالغة المستمرة في تقدير قدرات قوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية، حتى بدون دعم عسكري أمريكي تكتيكي، حيث كان من المفترض أن تكون قوات الدفاع والأمن الوطنية في وضع يسمح لها بالدفاع عن المدن الكبرى والمنشآت العسكرية المهمة. كما أشار العديد من المراقبين، كانت  القوات الأفغانية على الورق أكبر بكثير وأفضل تجهيزًا وتنظيمًا من طالبان؛ ففي أواخر مارس 2021 ، ورد أن تقارير المخابرات الأمريكية لمسؤولي إدارة بايدن كانت تحذر من أن طالبان يمكن أن تسيطر على معظم البلاد في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام، وليس في غضون أسابيع قليلة مثلما حدث.

كان هذا التقدير المبالغ فيه لقدرات الجيش الأفغاني ثابتًا بعد نهاية رفع عدد القوات الأمريكية بين عامي 2009 و 2011. وقد أكدت العروض التقديمية نصف السنوية التي قدمتها وزارة الدفاع الأمريكية إلى الكونجرس بانتظام تزايد الاحتراف والقدرة القتالية للجيش الأفغاني.

فقد جاء “تقرير التقدم نحو الأمن والاستقرار في أفغانستان” الصادر في ديسمبر 2012 نموذجيًا، حيث سلط الضوء على أن القوات الأفغانية كانت تنفذ 80 في المائة من العمليات وقد نجحت في تجنيد عدد كافٍ من الأفغان لتلبية الحد الأقصى المسموح به وهو 352 ألف جندي وشرطي، وذهب “تقرير نوفمبر 2013 حول التقدم نحو الأمن والاستقرار في أفغانستان” إلى أبعد من ذلك، إذ ورد به أن “قوات الأمن الأفغانية تعمل الآن بنجاح على توفير الأمن لشعبها، وتقاتل معاركها الخاصة، ويمكنها تحقيق المكاسب التي حققها تحالف مكون من 50 دولة  مع أفضل القوات المدربة والمجهزة في العالم “.

وأضاف التقرير، بحلول عام 2014 ، فستكون القوات الأفغانية قد نجحت في قيادة 99 في المائة من العمليات التقليدية و 99 في المائة من العمليات الخاصة، مع استمرارها عند المستوى الكامل المصرح به والبالغ 352 ألف فرد.  وعلى الرغم من تدهور الوضع على الأرض، وصف تقرير صدر عام 2017 عن الصندوق الوطني للسكك الحديدية بأن الجيش الأفغاني “قادر بشكل عام على حماية المراكز السكانية الرئيسية والرد على هجمات طالبان “.

 وخلال السنوات القليلة الماضية بدأت التقارير تعكس حقيقة أكثر إثارة للقلق. ففي عام 2017 ومرة ​​أخرى في عام 2019، كانت هناك تقارير تفيد بإزالة عشرات الآلاف من الجنود “الأشباح” من القوائم( وهم عبارة عن عناصر وهمية سجلت نفسها على أنها من ضمن الجيش والشرطة ولكن ليس لهم وجود في الميدان)، مما يشير إلى أنه لم يكن هناك ما يقرب من 330.000 جندي متاحين لمحاربة طالبان، ناهيك عن 352.000. وفي ديسمبر2020،  أشار تقرير وزارة الدفاع في الكونغرس إلى أن ما يقرب من 298000 فرد فقط من الجيش الأفغاني كانوا مؤهلين للحصول على رواتب، ملمحًا إلى المشكلة المتكررة مع الجنود “الأشباح” وعمليات الفرار من الخدمة.

كما سلط المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان الضوء على مشكلات تتبع المعدات والرواتب. حيث أدى الإهدار والاحتيال وسوء إدارة الموارد إلى إحداث تحول في الجيش الأفغاني وقوّض القدرة القتالية للقوات الجوية الأفغانية.  فقد وصل حجم الهدر والاحتيال إلى مليارات الدولارات مع الفساد الذي غالبًا ما يشارك فيه كبار المسؤولين في الحكومة الأفغانية. وقد نجح مكتب المفتش العام في كشف الكثير من هذ الفساد ، ولكن كان ينبغي عليه بذل المزيد من الجهد لإيقافه.

 المأزق المستمر في التآكل

 في ساحة المعركة، منذ عام 2013 فصاعدًا، بدا أن طالبان تتقدم كل عام فيما أصبح يطلق عليه “الجمود الآخذ في التآكل” في لغة واشنطن، حتى بعد وفاة مؤسس طالبان الملا عمر عام 2013، واغتيال خليفته في عام 2016 ، والأعنف منذ ذلك،  قصف التحالف للحرب خلال عامي 2018-2019.

 في الواقع أن بذور هذا المأزق قد تم غرسها في وقت مبكر.  إذ أدى الفشل في الاستثمار في الشرطة والجيش الأفغاني في السنوات الأولى بعد عام 2001 إلى خسارة وقت ثمين لبناء قوة قتالية قادرة عندما كانت طالبان في موقف دفاعي.  فلم يكن بناء القوة الجوية من الأولويات لأكثر من عقد، وبدأ تدريب جيل جديد من الطيارين الأفغان فقط في عام 2009 وكان أبطأ من اللازم بسبب قرار نقل الأسطول الأفغاني من الطائرات الروسية إلى طائرات بلاك هوك.  وبينما أصبح ينظر إلى القوات الجوية الأفغانية مؤخرًا على أنها فعالة نسبيًا، فإن أي نجاح قوضه قرار هذا العام بسحب آلاف المتعاقدين الذين قدموا الصيانة والدعم للعمليات عندما بدأ المستشارون الأمريكيون المغادرة في عام 2019.

لقد، ثبُتَ أن الإخفاق في نقل خدمات 18000 متعاقد عملوا مع الجيش الأفغاني أو تقديم الضمانات المالية لتغطية التكاليف، ضر بالحكومة في كابول، على الرغم من أنه من غير الواضح الآن ما إذا كانت قوات الدفاع الوطني الأفغانية ستقاتل حتى بهذا الدعم.  وقد تكون هذه الخدمات ساهمت في الحفاظ على التدفق اللوجستي إلى الجيش الأفغاني في الميدان وصيانة القوات الجوية الأفغانية على الرغم من انسحاب القوات الأمريكية. وبدلاً من أن تصبح مغادرة الولايات المتحدة ليلا في يوليو من قاعدة باجرام الجوية، نقطة ارتكاز لوجستية رئيسية، ستصبح رمزًا دائمًا لفشلنا العسكري في أفغانستان.

في غضون ذلك، لم تظهر استراتيجية مكافحة التمرد التي تبنتها الولايات المتحدة أبدًا القدرة على تحقيق مكاسب مستدامة. فكما عبر الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة “مايك مولين” لأحد المحاورين خلال الأسبوع الحالي ، عن اعتراضه على تمديد زيادة القوات الأمريكية إلى ما بعد 2011، حيث صرح “إذا لم نحقق تقدمًا كبيرًا على مدار 18 شهرًا أو نحو ذلك ، إذاً فإن استراتيجيتنا كانت خاطئة وكنا بحاجة حقًا إلى إعادة النظر فيها “. ومع ذلك، فحتى قرار الانسحاب، لم يتم إعادة النظر فيه.

الولايات المتحدة أخفقت في قراءة الواقع السياسي الأفغاني المجزأ

 عام بعد عام، قضى الجنود الأفغان شهورا بدون أجر وبدون الإمدادات اللازمة للدفاع عن أنفسهم.  في الآونة الأخيرة، لا يبدو أن عواصم المقاطعات قد تم تعزيزها بشكل كافٍ، و على الرغم من أنه كان واضحًا قبل 18 شهرًا أن الولايات المتحدة تعتزم سحب قواتها في غضون عام من اتفاق الدوحة الذي أبرمته إدارة ترامب مع طالبان في فبراير 2020. فضلاً عن تقدم طالبان في الأسابيع الماضية، و خذلان الجنود الأفغان من قبل قادتهم وزعمائهم السياسيين، الذين فشلوا على مدى 20 عامًا فشلاً ذريعًا في كسب الولاء الوطني.  إنه لأمر مدهش كيف كانت حكومة أفغانستان غير قادرة على إصدار أي صرخة حاشدة للأمة مع انهيار دفاعاتها، كل ذلك يساعد في فهم سبب عدم قتال الجيش الأفغاني في الأيام الأخيرة.

بالإضافة إلى ذلك، فقد كان هناك سوء تقدير آخر يتعلق بضعف أمراء الحرب الإقليميين.  فمنذ عام 2001 ، كان هناك افتراض واسع بأن أمراء الحرب هؤلاء قادوا الآلاف من الأتباع المسلحين الذين يمكن حشدهم بسرعة ضد طالبان.  حيث اعتقدت كل من الولايات المتحدة والحكومة الوطنية الأفغانية أن هذا هو الحال واستوعبت قادة محليين متوحشين في كثير من الأحيان نتيجة لذلك.  فسقطت ولاية شبرغان، معقل نائب الرئيس السابق عبد الرشيد دوستم؛  وولاية هرات، التي كانت في السابق تحت سيطرة زعيم المجاهدين السابق إسماعيل خان، ومزار شريف، التي كان يحكمها سابقًا عطا نور؛ يكشفان مدى الخلل الشديد في هذا الافتراض.  إذ ناشد الرئيس الأفغاني أشرف غني المساعدة من أمراء الحرب هؤلاء، ليجد أنه ليس لديهم قوى للتجمع، وهو أمر مؤسف على حالة الحكومة الوطنية والجيش وقراءة الولايات المتحدة للواقع السياسي الأفغاني المجزأ.

 كما بالغت الولايات المتحدة في تقدير قدرتها على معالجة عامل آخر قوض بشكل أساسي المجهود الحربي، فيما يخص ملاذات طالبان في باكستان. حيث أنه لسنوات، سعى قادة الولايات المتحدة للحصول على دعم إسلام أباد لحل سلمي للحرب في أفغانستان، لكنهم فشلوا. حيث كانت إسلام أباد مهتمة أكثر بالإبقاء على خياراتها مفتوحة بشأن أفغانستان. ولكن حتى بعد العثور على أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر، مختبئًا في أبوت آباد، احتفظت الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة مع باكستان نظرًا للأهمية الإقليمية للبلاد.

والحقيقة أنه من الصعب للغاية هزيمة التمرد الذي لديه ملاذ عبر الحدود. فقد قامت قيادة طالبان في كويتا وبيشاور بجمع الأموال والتخطيط لهجمات والتجنيد دون عوائق، وعلى خلفية ذلك طلبت الحكومة الأفغانية مرارا مساعدة باكستان في إغلاق قواعد طالبان. ومع ذلك، اعترف وزير الداخلية الباكستاني في يوليو 2021 بأن عائلات طالبان تعيش في ضواحي إسلام أباد.

 الحقائق المضللة في أفغانستان

 لماذا لم تظهر حكومة أفغانية واحدة فعالة على مدى 20 عامًا؟ لقد حاولت الولايات المتحدة بالتأكيد تقديم المساعدة لإنتاج حكومة فعالة، واستمرت جهودنا لفرض نموذج ديمقراطي غربي على أفغانستان، سواء في مؤتمر بون في عام 2001، من خلال كتابة الدستور الوطني، على مدى عقدين من الزمن.

وفي المقابل، اشتكى الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي في كثير من الأحيان من السيطرة السياسية الأمريكية على النفوذ. فغالبًا ما بدا أن مثل هذا التدخل يُبقي السياسة الأفغانية على المسار الصحيح ولكن مع عواقب غير متوقعة.  فعندما سعى “ريتشارد هولبروك”، الممثل الخاص للولايات المتحدة لأفغانستان وباكستان، للتأثير في انتخابات عام 2009، لم ينجح في وقف انتصار كرزاي ولكن فقط في تحويل الرئيس الأفغاني إلى عدو.  في عام 2014، عندما توسط وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” في تشكيل حكومة وحدة وطنية مع ظهور خطر نشوب صراع أهلي، وكانت النتيجة تسوية سياسية غير مستقرة، بين الرئيس “غني” ومنافسه “عبد الله عبد الله” ، لم تتم تسويتها أبدًا.  وفي عام 2019 ، أدلى أقل من مليوني أفغاني بأصواتهم، بانخفاض عن ثمانية ملايين قبل خمس سنوات فقط.  والنتيجة المتنازع عليها توحي بالكاد بأن ديمقراطية أفغانستان تتوطد في وقت كان فيه تهديد طالبان يتزايد.

 وبحلول الوقت الذي زار فيه قادة حكومة الوحدة واشنطن للقاء الرئيس جو بايدن في يونيو 2021 ، كانت الوحدة غير موجودة باستثناء الاسم، وكان قصر غني الرئاسي معزولًا بشكل متزايد. ومع ذلك، استمر الكثيرين في واشنطن في افتراض ما يشبه الهدف المشترك فيما يتعلق بتهديد طالبان الذي يلوح في الأفق. ولم تتماسك القيادة السياسية الوطنية الأفغانية بشكل كامل بشأن أفضل السبل لمحاربة طالبان. حيث كانت هناك توترات بين سماسرة النفوذ الإقليميين وكابول، وبين البشتون والأقلية الطاجيكية والهزارة والأوزبك.  وقد أدار كل من كرزاي وغاني التمثيل العرقي من خلال نظام الغنائم بدلاً من الترويج لرؤية وطنية مشتركة، ونجحت جهود الولايات المتحدة لتحديد القادة في الوزارات، بل وحتى اختيارهم ، في تقويض استقلالية وشرعية الحكومة الأفغانية.

 على النقيض من ذلك، أثبتت طالبان مرونة ليس فقط كمنظمة عسكرية وإرهابية ولكن كحركة سياسية أيضًا.  بعد عام 2001، حيث استمرت في التمتع بالدعم الشعبي في أجزاء من أفغانستان واحتفظت بالقدرة على حشد عشرات الآلاف من الأجيال الجديدة من الشباب الأفغان الموالين.  حتى أثناء زيادة القوات الأمريكية خلال 2009-2011 ، أثبتت طالبان أنها قادرة على التطور. وعبرت الحكومة الأفغانية للمصالحة مع طالبان، اعتبارًا من عام 2010 فصاعدًا، عن قبولًا ضمنيًا لبروز طالبان السياسي والعسكري داخل أفغانستان.  وانعكس ذلك في قرار الولايات المتحدة بالتفاوض رسميًا مع طالبان في عام 2018، ترحيب الحكومات الأجنبية بمبعوثي طالبان بعد اتفاق الدوحة في فبراير 2020.

 لا يمكن إلقاء اللوم على طرف واحد

 لقد أخطأنا في قراءة الطالبان عندما كنا نحاربهم، كما أخطأنا في قراءة تعهدهم الأخير بالتفاوض بشأن السلام لأنهم ولم يكن لديهم أي نية للتوصل إلى تسوية.  ومع ذلك ، فإن تلك النية تعكسها الولايات المتحدة من بعض الجوانب، حيث كان الهدف النهائي للمفاوضين الأمريكيين هو تهيئة الظروف المناسبة  انسحاب أميركي منظم. 

والآن، فإن التهديدات بحجب الاعتراف الدولي عندما تستولي طالبان على كابول بالقوة لا تعني شيئًا يذكر. فالحقيقة أن قادة طالبان غير قلقين بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة تعترف بهم كحكومة أم لا، حتى وإن كان من المحتمل أن تقوم الأطراف الدولية الأخرى بسحب الاعتراف بهم أيضاً.

هناك سلسلة أخرى من سوء التقدير والأخطاء المتعلقة بالطموحات الأمريكية، تتمثل في “بناء الأمة”. فبالنسبة للمسؤولين الأمريكيين، بدا أن الكثير مما تم فعله نجح.  فقد عملت الولايات المتحدة على دعم حكومة تمثيلية، وتقوية الهيئة التشريعية، وتوفير درجة من الأمن وتقديم الخدمات الاجتماعية.  لقد غيرت جهود الولايات المتحدة من التعليم الأفغاني، ومع النمو الهائل في عدد الفتيات في المدارس والنساء في الجامعة وفي مكان العمل، تم تقنين الحقوق المدنية ، وظهرت صحافة حرة وقضاء حر، وعاد ملايين اللاجئين إلى أفغانستان في السنوات التي تلت عام 2001.

 ومع ذلك ، حتى مع تحقيق تلك النجاحات، فقد بالغنا في إظهار المكاسب. والحقيقة أننا فعلنا أقل مما يمكن أن نفعله بشأن الفساد، وعملنا عن علم مع شخصيات حكومية وعسكرية رفيعة المستوى اعتبرها الأفغان العاديون مسؤولين عن الكسب غير المشروع والانتهاكات السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان.  لقد كان برنامج مكافحة المخدرات الخاص بنا فاشلاً ذريعًا، حيث استمر إنتاج الخشخاش في الزيادة خلال معظم العقد الماضي، إذ قدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة زيادة بنسبة 37 في المائة في المساحات المزروعة في عام 2020. فيما يخص الوضع الاقتصادي لأفغانستان، تم تقديم الحكومة لتغطية نفقاتها الخاصة سنة بعد أخرى في مؤتمرات المانحين، على الرغم من أن هذا لن يكون هو الحال في المستقبل المنظور بوضوح. 

من خسر أفغانستان؟

 في فبراير 2021، خرجت مجموعة دراسة أفغانستان المكلفة من الكونجرس بتوصياتها للمضي قدمًا، وسلطت  الضوء على أهمية استمرار الدعم لأفغانستان دولة وشعباً من خلال استمرار الدبلوماسية في دعم عملية السلام  للعمل مع الحلفاء الإقليميين، وتمديد وجود القوات الأمريكية للسماح باختتام مفاوضات الدوحة للسلام.  وقد كانت جميع هذه السياسات، باستثناء واحدة، سارية قبل وبعد صدور التقرير، لكنها لم تفعل شيئًا لوقف الانهيار الذي نشهده الآن. لذلك لا ينبغي أن يعتمد بقاء الدولة الأفغانية على استمرار وجود القوات الأمريكية فقط.

 جدير بالذكر أن هناك حجة طرحها منتقدو الانسحاب، تتمثل في أن أفغانستان التي تحكمها طالبان ستصبح مرة أخرى ملاذاً للجماعات الإرهابية التي تهدد أمن الولايات المتحدة.  تلك الحجة هي اعتراف مخادع بأننا نجحنا في تقليل التهديد من أفغانستان إلى الحد الأدنى، وهو الأساس لتدخل الولايات المتحدة.  ومع ذلك، كانت الخسارة كبيرة، تجسدت في أكثر من تريليون دولار، ومقتل 2400 من أفراد الخدمة الأمريكية وآلاف المتعاقدين، وخلفت أكثر من 20 ألف جريح أمريكي.

ربما تتطور عودة ظهور تهديد إرهابي بسرعة أكبر في ظل حكومة طالبان المستقبلية أكثر مما كانت ستحدث لولا ذلك.  لكن استنتاج أن تلك النتيجة تتطلب وجودًا غير محدد للقوات الأمريكية يعني ضمنيًا أنه يجب أيضًا نشر القوات الأمريكية إلى أجل غير مسمى في العديد من الأجزاء الأخرى من العالم حيث تنشط فروع تنظيم داعش والقاعدة بأعداد أكبر مما هي عليه؛ فهم موجودون في أفغانستان ويشكلون تهديدًا أكبر للولايات المتحدة. علاوة على ذلك، نمت قدرات الولايات المتحدة على مراقبة وضرب الجماعات الإرهابية بشكل كبير منذ عام 2001.

 في النهاية ، فإن قرار واشنطن سحب القوات الأمريكية ليس التفسير الوحيد أو حتى الأهم لما يجري في أفغانستان اليوم، لكن ما حدث يرجع إلى 20 عامًا من السياسات الفاشلة وأوجه القصور في القيادة السياسية لأفغانستان. وإذا كان هناك حاجة للخوض في نقاش مسموم حول “من فقد أفغانستان”، فلنعترف حينها بأننا جميعًا فقدناها.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى