القضية الفلسطينيةمصر

من القاهرة إلى باريس … جهود مكثفة بقيادة مصر لتحقيق التهدئة في قطاع غزة

انطلقت في العاصمة الفرنسية باريس، أمس الجمعة اجتماعات بشأن التهدئة في قطاع غزة، بمشاركة مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل. ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، تواصل مصر جهودها الحثيثة من أجل وقف إطلاق النار فى قطاع غزة ، وفي هذا الإطار، تقود القاهرة جولة مفاوضات جديدة من أجل الإفراج عن الأسرى والمحتجزين، وتطبيق هدنة جديدة فى القطاع قبيل شهر رمضان المبارك.

وتهدف الجولة الجديدة من المفاوضات، التي يشارك فيها مسؤولون من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل، إلى التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الإسرائيليين المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة، وتعمل أطراف الوساطة منذ أسابيع، لإيجاد صيغة يمكن أن توقف الهجوم الإسرائيلي المدمر على غزة وتحقيق هدنة إنسانية طويلة الأمد تخفف من معاناة أكثر من 2 مليون فلسطيني.

جهود مصرية مكثفة

لم تتوقف الاتصالات المصرية في سبيل إرساء الهدنة في قطاع غزة في أقرب وقت ممكن، حيث عملت بالتوازي في عدة مسارات من أجل تسريع وتيرة المباحثات ومحاولة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، حيث ترتكز التحركات المصرية بالأساس على استعادة الهدوء، وإقرار هدنة طويلة، والعمل على إعادة الأوضاع لتمهيد الطريق لإعادة إحياء عملية السلام من جديد. ويطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة وقف إطلاق النار، والتوسع في إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، فضلاً عن التأكيد على مواصلة الجهود المصرية لاستقبال المصابين الفلسطينيين، كما تحرص مصر على توفير الحماية اللازمة للمدنيين، مع السعي إلى إيجاد الأفق السياسي الملائم للتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.

وخلال الأيام الماضية زادت وتيرة زيارة مسؤولين أوروبيين إلى القاهرة، إذ استقبل السيسي نظيرته المجرية كاتالين نوفاك، ووزيري خارجية سلوفينيا والبرتغال، ورئيسي الوزراء الإسباني والبلجيكي، ووفق بيانات سابقة للرئاسة المصرية، ركزت تلك اللقاءات على جهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والمساعي لإطلاق حلول سياسية للقضية الفلسطينية.

وقبل أيام، زار وفد من حركة حماس برئاسة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى مصر، أجرى خلالها الوفد عدة لقاءات رفيعة المستوى لبحث الأوضاع فى قطاع غزة ووقف العدوان الغاشم على غزة وعودة النازحين إلى أماكن سكنهم والإغاثة والإيواء خاصة فى شمال القطاع وسبل تحقيق ذلك، وتم التطرق إلى ملف تبادل الأسرى، وكذلك ما يخطط له الاحتلال في المسجد الأقصى في ظل قرار حكومة الاحتلال منع الفلسطينيين فى الضفة والداخل المحتل الصلاة فى المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان الفضيل.

وقد جاءت مباحثات باريس استكمالاً لاجتماعات سابقة في السياق نفسه، حيث استضافت القاهرة، في وقت سابق، اجتماعاً رباعياً ضم رؤساء الاستخبارات في مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، إضافة إلى رئيس وزراء قطر، لبحث مقترح بشأن هدنة في غزة تم بلورته خلال الاجتماع الأول في باريس الي عقد بتاريخ 28 يناير الماضي.  

وحسبما ذكر  موقع أكسيوس الإخباري، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي، فإن حماس قدمت لمصر رداً بشأن صفقة تبادل الأسرى، وإنها وافقت على تعديلات طفيفة. لكن المسؤول الإسرائيلي أشار رغم ذلك إلى أن رد حركة حماس الجديد لا يشير إلى حدوث انفراجة في المفاوضات.

وأفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن الوفد الإسرائيلى غادر إلى باريس لاستئناف المحادثات حول إبرام صفقة تبادل للأسرى، ونقلت القناة عن مسؤول إسرائيلى قوله إن هناك بعض الأسباب للتفاؤل بشأن مفاوضات باريس، مشيراً إلى أنه رغم وجود مخطط عام أولي، فمن المتوقع أن تكون المفاوضات شاقة.

ويمثل إسرائيل، فى المحادثات رئيس الموساد دافيد (دادي) برنيع ورئيس الشاباك رونان بار وقائد وحدة استخبارات الأسرى والمفقودين والمستشار السياسى لرئيس الوزراء أوفير فليك.

وقد أعقب المحادثات قيام المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط بريت ماكغورك بزيارة القاهرة ضمن جولة أجراها في المنطقة، لإجراء مناقشات جدية بخصوص إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس في غزة، والتوصل لهدنة إنسانية في القطاع المنكوب.

اجتماعات باريس

انطلقت اجتماعات باريس المنعقدة في فرنسا بشأن بحث التهدئة في قطاع غزة، وذلك بمشاركة مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل، حيث يهدف الاجتماع التوصل للتهدئة بغزة والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين ودعم الأوضاع الإنسانية بالقطاع. وتعمل مصر والدول المشاركة على إيجاد صيغة يمكن أن تُنهي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بالإضافة إلى زيادة وتسريع عملية إنفاذ دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.

وكانت حكومة الحرب في إسرائيل وافقت على إرسال وفد إلى باريس للمشاركة بالمحادثات وقالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في هذا السياق، إن قرار الحكومة من المحتمل أنه يشير إلى أن إسرائيل تعتقد أن التقدم في الاتفاق لا يزال ممكناً، وسط تقارير تفيد بأن حركة حماس قد تكون على استعداد لتخفيف المطالب.

وفي إطار القمة، اجتمع رئيس الموساد ديدي بارنياع، بشكل منفصل، مع رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز، ورئيس وزراء قطر محمد ال ثاني، ورئيس المخابرات المصرية الوزير عباس كامل. بالإضافة إلى ذلك، عُقدت اجتماعات موسعة بمشاركة أعضاء الوفد الإسرائيلي الذي ضم رئيس الشاباك رونين بار واللواء نيتسان ألون، مع ممثلي الدول الثلاث الوسيطة العاملة أمام حماس.

وأفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بأن محادثات باريس كانت جيدة واستمرت أكثر من المتوقع وذلك نقلا عن مسؤولين إسرائيليين أشاروا إلى أن هناك طريقا يجب قطعه في المحادثات، فيما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر مطلعة على المفاوضات أن الاتفاق في باريس تم حسب خطوط عريضة جديدة. وأكدت أن هناك تقدماً قد يسمح بالانتقال للتفاوض حول التفاصيل. وفي السياق ذاته، وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية  أن محادثات باريس هدفت بشكل أساسي إلى وضع قواعد إجرائية لمزيد من المفاوضات التي من شأنها التوصل إلى اتفاق.

وحسبما ورد بقناة البث الرسمية في إسرائيل، صرح مسؤول سياسي بأن المحادثات تمحورت حول أربعة مطالب لحماس تعارضها إسرائيل، أولها عودة جميع سكان شمال قطاع غزة إلى منازلهم وإجلاء جميع قوات الجيش الإسرائيلي من هذه المنطقة. وتعارض إسرائيل بشدة مطلب عودة السكان الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة. بحجة أنه سيسمح لحماس بتجديد سيطرتها على المنطقة، وهناك ثلاث قضايا أخرى محل خلاف وهي زيادة المساعدات الإنسانية ومدة وقف إطلاق النار وعدد الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم.

تفاؤل حذر

كشف مواقع إخبارية عبرية نقلا عن مصادر بعض التفاصيل والمخرجات من اجتماع باريس الأخير، الذي جمع ممثلين من الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر وقطر، معتبرين أن “هناك مؤشرات تشي بأن هناك تقدماً في مسار المباحثات”، وقال مراسل “أكسيوس”، إنه خلال الاجتماع في باريس بين ممثلي الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر وقطر، تم الاتفاق على مخطط جديد ومحدث لصفقة إطلاق سراح الرهائن، وفقا لمصدرين مطلعين على محتويات المحادثات.

ووفقاً لموقع i24،  يدور في إسرائيل خلال الساعات الأخيرة الحديث عن “تفاؤل حذر” بأن المفاوضات ستنجح هذه المرة، ووافق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على توسيع تفويض الوفد لمناقشة تفاصيل صفقة الافراج عن مختطفين، بصورة تتناسب مع الاتفاق الذي تم التوصل إليه في القمة السابقة ونشر في الماضي. 

كما أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بأن محادثات باريس كانت جيدة واستمرت أكثر من المتوقع وذلك نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين أشاروا إلى أن هناك طريقاً يجب قطعه في المحادثات.

في السياق نفسه، ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”  أن الفريق الإسرائيلي في مفاوضات باريس حصل على الضوء الأخضر من مجلس الحرب لتخفيف موقفه فيما يتعلق بعدد السجناء الأمنيين الفلسطينيين المقرر إطلاق سراحهم مقابل كل محتجز في غزة. كما نشرت الصحيفة تصريحات مسؤول إسرائيلي للقناة 12 بأن هناك “ما يدعو للتفاؤل” رغم صعوبة المفاوضات .

وفي سياق متصل قالت صحيفة “الجارديان” البريطانية، إن فرص اجتماع باريس في التوصل إلى اتفاق بشأن وقف محتمل لإطلاق النار في غزة وتبادل المحتجزين والأسرى قد يحدث بنسبة 50% في ظل تقدم ملحوظ عن الجولات السابقة، وأشارت الصحيفة في تقرير لها إلى أن الفريق الإسرائيلي المفاوض أجرى في باريس محادثات بشأن وقف محتمل لإطلاق النار في غزة في أحدث مؤشر على تقدم مبدئي نحو اتفاق قد ينهي الحرب المستمرة منذ خمسة أشهر.

وأوضحت “الجارديان” أن الضغوط تتزايد على حماس و إسرائيل للتوصل إلى اتفاق، فهناك مخاوف واسعة النطاق بين المراقبين من أن الهجوم الإسرائيلي الوشيك على مدينة رفح في جنوب غزة سيتسبب في مزيد من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، وأن بداية شهر رمضان في أقل من ثلاثة أسابيع يمكن أن تشعل اضطرابات واسعة النطاق في الضفة الغربية المحتلة وتؤدي إلى تفاقم مخاطر حدوث حريق إقليمي.

فيما تزعم إسرائيل حسب الصحيفة أن حماس لديها أربع كتائب في رفح أو حولها وإن هجومها سيستمر إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قريبا، بينما دعت واشنطن حليفتها الوثيقة إلى عدم شن هجوم على مدينة مكتظة بأكثر من مليون شخص نزحوا من أماكن أخرى في غزة.

توقعات بصفقة مرتقبة

كشفت صحيفة الجارديان عن صفقة مرتقبة ستتضمن تنازلات مؤلمة من جانب إسرائيل مثل إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين من سجونها والانسحاب من غزة، لذلك سيعارضها السياسيون اليمينيون المتطرفون الذين يسمح دعمهم لنتنياهو بالبقاء في السلطة.

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر مطلعة على المفاوضات أن الاتفاق في باريس تم حسب خطوط عريضة جديدة، وقالت المصادر إن هناك تقدماً قد يسمح بالانتقال للتفاوض حول التفاصيل، كما تم التأكيد على أن هناك تقدما في المفاوضات إلى حد قد يسمح بالانتقال إلى المفاوضات حول تفاصيل الاتفاق مثل عدد وهوية الأسرى الذين سيتم الإفراج عنها كجزء من الصفقة. كما أشار موقع “أكسيوس” أن اجتماع باريس خرج بمقترح جديد ومحدث بشأن صفقة الأسري والمحتجزين.

مرتكزات التحرك المصري في ملف الهدنة

كانت الدولة المصرية هي الفاعل الأهم على مستوى الحراك المبذول في الآونة الأخيرة في ملف الهدنة الإنسانية الجديدة في قطاع غزة، وذلك في ضوء جملة الثوابت التي تتحرك في ضوئها مصر، وعلى رأسها ضمان وحماية الشعب الفلسطيني وحقوقه، ووقف مخططات تصفية القضية الفلسطينية، ومنع اتساع رقعة الصراع في المنطقة، وفي هذا السياق يمكن تناول مرتكزات التحرك المصري في ملف الهدنة الإنسانية خلال الفترات الماضية، وذلك على النحو التالي:

1- التأكيد على رفض العملية العسكرية في رفح: حيث أكدت الدولة المصرية عبر مؤسساتها الرسمية سواءً الهيئة العامة للاستعلامات، أو وزارة الخارجية، على الرفض القاطع لأي تحركات عسكرية إسرائيلية في منطقة رفح الفلسطينية، وهي المخططات التي تُنذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة، وتدفع باتجاه تنفيذ الخطط الإسرائيلية الخاصة بتهجير الشعب الفلسطسيني، فضلاً عن أن هذا الرفض المصري يأتي في إطار الإدراك المصري لسعي إسرائيل لتوظيف ورقة التصعيد العسكري في المباحثات الجارية الخاصة بالهدنة الإنسانية.

2- عقد مباحثات مباشرة مع أطراف الأزمة: نشطت القاهرة في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بمسألة الهدنة الإنسانية الجديدة، في مسار المباحثات المباشرة مع طرفي الأزمة الرئيسيين متمثلين في حركة حماس، والجانب الإسرائيلي، حيث استقبلت مصر في يوم 13 فبراير مباحثات شارك فيها  مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز ورئيس الموساد ديفيد برنيع ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ومسؤولين مصريين بقيادة الوزير عباس كامل رئيس جهاز المخابرات، وفي 20 فبراير استقبلت مصر وفداً من حركة حماس برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، وخلال هذه الجلسات سعت مصر إلى تقريب وجهات النظر، والخروج بتصورات مقبولة لدى طرفي الصراع، تضمن اتخاذ خطوات إلى الأمام لإقرار هدنة إنسانية جديدة في قطاع غزة قبيل شهر رمضان، ولعل حديث بعض الدوائر الإسرائيلية عن تفاؤل بخصوص مباحثات باريس، كان في حصيلته نتاجاً للجهود المصرية لتذييل العقبات أمام التوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص.

3- استمرار جهود الإغاثة الإنسانية: جنباً إلى جنب مع التحركات المصرية المكثفة على المستوى السياسي، لتقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع، بخصوص تفاصيل الهدنة الإنسانية الجديدة، استمرت الدولة المصرية في تحركاتها على المستوى الإنساني، من أجل دعم الشعب الفلسطيني، وتقديم الإسناد الإنساني له، وبدورها أكدت هيئة المعابر الفلسطينية بغزة أن المساعدات القادمة من مصر تصل تباعاً.

4- المرافعة المصرية أمام محكمة العدل الدولية: على الرغم من لعب الدولة المصرية الدور الأكثر فاعلية على مستوى جهود الوساطة بين طرفي الصراع، إلا أنها لم تترك أي سبيل لبناء رأي عام دولي داعم للحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني إلا وطرقته، وكان لافتاً في هذا الإطار المرافعة التي قدمتها الدولة المصرية أمام محكمة العدل الدولية، في 21 فبراير الجاري، وتمحورت كلمة المستشارة القانونية بمكتب وزير الخارجية وممثلة مصر أمام محكمة العدل الدولية ياسمين موسى حول: ولاية اختصاص المحكمة الدولية، والإطار القانوني لمعالجة الاحتلال الإسرائيلي الممتد، والانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني في هذا الاحتلال، إضافة إلى استخدام مفهوم الدفاع عن النفس كمبرر وسبب للاستمرار في العدوان، وقد كانت المرافعة التي قدمتها الدكتورة ياسمين موسي تاريخية، ومعبرة عن الثوابت المصرية تجاه الملف الفلسطيني ككل، وتنطلق من رؤية تقوم على مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي الممتد منذ 75 عاماً عن كافة الأزمات التي يشهدها الداخل الفلسطيني حتى اليوم.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى