القضية الفلسطينية

مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية.. استمرار الجهود المصرية لإنهاء الانقسام الفلسطيني

في إطار جهود مصر المستمرة لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وتلبية طموحات الشعب الفلسطيني، دعت مصر الفصائل الفلسطينية لحضور اجتماع الأمناء العامين للفصائل، والذي من المقرر أن يعقد اليوم في مدينة العلمين، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن ‏الذي وصل إلى مصر في زيارة تستغرق يومين تلبية لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي. ويأتي الاجتماع في إطار مواصلة مصر لجهودها المكثفة الهادفة إلى إنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، ولبحث التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية.

يأتي الاجتماع وسط حالة من الترقب حول مدى إمكانية خروج الاجتماع بنتائج مختلفة عن الاجتماعات السابقة قد تغير من الأوضاع الحالية، في ظل تعقد المشهد الفلسطيني واستمرار حالة الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، بالتزامن مع تزايد العنف الإسرائيلي، وغياب أي تقدم إيجابي فيما يخص مستقبل القضية الفلسطينية، هذا بالإضافة إلى ما يشهده الداخل الإسرائيلي من أزمة غير مسبوقة ستنعكس لا محالة على مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

لذلك تأتي خصوصية توقيت انعقاد الاجتماع لتعطي بصيصًا من الأمل تجاه احتمالية أن تدفع المصلحة الوطنية الأطراف الفلسطينية المشاركة إلى التوافق حول أي من الموضوعات المطروحة. وعلى الصعيد الآخر، يأتي رفض حركة الجهاد الإسلامي المشاركة من دون الإفراج عن المعتقلين السياسيين، على حد زعمها، بالإضافة إلى كل من الجبهة الشعبية لتحرير ‏فلسطين ومنظمة الصاعقة اللتين اتخذتا الموقف ذاته‎، ليحبط الآمال بإحداث تغييرات  على أرض الواقع.

ترتيبات الاجتماع

من المقرر أن يستمر اجتماع الفصائل الفلسطينية يومًا واحدًا، بمشاركة 12 فصيلًا، منها: حركة حماس، والجبهتان “الشعبية” و”الديمقراطية” لتحرير فلسطين، والمبادرة الوطنية الفلسطينية، وبمقاطعة كل من “الجهاد الإسلامي” و”منظمة الصاعقة” و”الجبهة الشعبية – القيادة العامة”.

ومن المقرر أن يتحدث في الجلسة الافتتاحية الرئيس الفلسطيني ومشاركون آخرون، بينهم رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية، وستكون الجلسة الافتتاحية علنية، على أن تبدأ بعدها جلسات مغلقة ‏يتحدث فيها قادة الفصائل‎.

ويرافق الرئيس الفلسطيني خلال الزيارة وفد يضم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين ‏الشيخ، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية زياد أبو عمرو، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة ‏اللواء ماجد فرج، ومستشار الرئيس للشؤون الدينية محمود الهباش، ومستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية ‏مجدي الخالدي، والمشرف العام على الإعلام الرسمي أحمد عساف، إضافة إلى سفير دولة فلسطين لدى القاهرة‎.‎

أهداف الاجتماع

حسبما صرح السفير الفلسطيني لدى مصر دياب اللوح، فإن الرئيس الفلسطيني سيعقد جلسة خاصة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ لبحث آخر المستجدّات على الساحة الفلسطينية، والجهود المبذولة لدفع عملية السلام، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها مصر لإنجاز المصالحة الوطنية، وإنهاء الانقسام.

وينتظر أن يقوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس باستعراض رؤية القيادة الفلسطينية  خلال الاجتماع والتي تتمحور ضمن ثلاث نقاط رئيسة، وهي: الاعتراف بالشرعية الدولية وبمنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتبنّي خيار المقاومة الشعبية السلمية، والتأكيد على أن هناك سلطة واحدة وسلاحًا واحدًا. وسيتم كذلك بحث التطورات الفلسطينية، وسبل استعادة الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام، في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.

وقالت حركة فتح في بيان لها إن أحد أهم أهداف اللقاء توحيد الموقف الفلسطيني، والتوافق على خطة إستراتيجية وطنية موحدة لمواجهة الاحتلال. ومن جانبها، قالت حركة حماس إن لقاء العلمين يأتي في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، خاصة الاقتحامات المتواصلة للمسجد الأقصى المبارك. وأكدت الحركة أنها تسعى في هذا اللقاء إلى توحيد الموقف الفلسطيني والتوافق على خطة استراتيجية وطنية موحدة لمواجهة الاحتلال.

جدير بالذكر، أنه تم عقد لقاء أثناء وجود الرئيس الفلسطيني بأنقرة، الأربعاء الماضي، بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كشف فيه “أبو مازن” عن أبرز بنود رؤيته السياسية لإنهاء الانقسام الفلسطيني واسترجاع الوحدة الداخلية لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية، وتم العمل على ترتيب جدول أعمال مؤتمر الأمناء العامين ‏للفصائل‎، وتم التباحث بشأن آليات إنجاح لقاء الأمناء العامين، وطبيعة التعامل مع الموقف الفلسطيني بشكل عام‎. 

وقد أكد الرئيس الفلسطيني “أبو مازن” خلال اللقاء، وفقًا لما تم نشره على وسائل الإعلام، ثلاثة بنود: تمثل أولها بالإصرار على تبني خيار المقاومة الشعبية ‏السلمية فقط وعدم اللجوء إلى المقاومة المسلحة نهائيًا مهما كانت الظروف‎، أما الثاني فقد ركز على الالتزام الوطني بمحددات الشرعية الدولية لأي حكومة فلسطينية ‏قادمة والتي تتضمن فعليا الالتزام ببرنامج قيادة منظمة التحرير بوصفها ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب ‏الفلسطيني‎. فيما رفض الرئيس الفلسطيني، القبول بأي اشتراطات مسبقة لحضور لقاء الأمناء العامين، وذلك في ‏إشارة إلى اشتراط حركة الجهاد الإفراج عن عدد عناصرها المعتقلين لدى السلطة‎.

في المقابل، طرحت حركة “حماس”، خلال اللقاء، رؤية وطنية شاملة للتعامل مع الحكومة الإسرائيلية وسياساتها ‏العنصرية تجاه الفلسطينيين، وتضمنت الرؤية مقترحات بشأن توحيد الموقف الفلسطيني من خلال تفعيل اتفاقات المصالحة الموقعة ‏مسبقا، وإعادة انعقاد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير والمكون بالأمناء العامين للفصائل إلى جانب شخصيات ‏وطنية أخرى‎، بالإضافة إلى تبني المقاومة بكافة أشكالها ووسائلها أمام سياسات الحكومة الإسرائيلية التي ‏قضت فعليًا على أي أمل بإقامة دولة فلسطينية، وضرورة العودة لتوحيد الصف الفلسطيني من خلال الاجتماع على ‏رؤية موحدة للعمل المقاوم، والتخلي عن التنسيق الأمني مع الاحتلال، وكف اليد عن المقاومين في الضفة الغربية، ‏والإفراج عن المعتقلين السياسيين‎. ونقلت الحركة للرئيس عباس، خلال اللقاء، رغبتها في “عدم العودة إلى مربع المناكفات مع السلطة أو حركة ‏فتح.‏

المعوقات والتحديات

يأتي الاجتماع في ظل ظرف حرج مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، ويمكن الجزم بأن المعوقات تفوق بكثير الإيجابيات في هذا الأمر، وتكمن الأزمة الأساسية في امتناع عدد من الفصائل عن المشاركة على رأسها حركة الجهاد الإسلامي بالاجتماع، لكن هناك مفاوضات تتم قبل انطلاق الاجتماع مع وفد الجهاد الإسلامي للمشاركة.

وفي هذا الصدد، كان الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد النخالة اشترط قبل أيام الإفراج عن عناصر الحركة الذين قال إنهم معتقلون لدى السلطة الفلسطينية للمشاركة في اجتماع الأمناء العامين للفصائل، في حين تنفي السلطة الفلسطينية وجود معتقلين سياسيين لديها، وتقول إنهم محتجزون على خلفيات جنائية.

عل الصعيد الآخر، فلا تزال هناك العديد من نقاط الخلاف التي لم تحل بين حركتي فتح وحماس، بجانب أن هناك اختلافًا حول رؤية “أبو مازن” في المطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية تتبنى قرارات الشرعية الدولية، الأمر الذي ترفضه فصائل المقاومة لأن قرارات الشرعية الدولية تعني الاعتراف بإسرائيل. فضلاً عن ذلك، فإن حالة التوجس وفقدان الثقة التي تسيطر على الفصائل المشاركة بالاجتماع والاختلافات في الرؤى إضافة إلى الفوارق في وجهات النظر حول طبيعة المرحلة القادمة؛ تقف عائقاً أمام توصل اللقاء إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع. 

هل يمكن أن يشكل الاجتماع خطوة في الطريق نحو إنهاء الإنقسام الفلسطيني؟

على مدار سنوات، بذلت مصر كل الجهد في سبيل توحيد صف الفلسطينيين، واستضافت العديد من الاجتماعات لبحث سبل إنهاء الانقسام الفلسطيني كخطوة أولى في الطريق نحو تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني المشروعة؛ إلا أن مخرجات تلك الاجتماعات لم تجد طريقها للتنفيذ، ووقف تعارض الرؤى والمصالح بين الفصائل الفلسطينية عائقًا أمام تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. إلا أن إصرار مصر على دعوة الفصائل المختلفة للمشاركة في الاجتماع المزمع عقده تحمل معها وميضًا من الأمل نحو التوافق حول بعض الموضوعات المطروحة أو على الأقل النظر للاجتماع بنظرة إيجابية كونه يعني حراكًا للقضية الفلسطينية ومحاولة لإحداث تطور إيجابي في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها المشهد الفلسطيني.

في هذا السياق، من الممكن أن تحقق الفصائل اختراقات في بعض الملفات التي لا تنهي الانقسام بشكل كامل، مثل ملف تشكيل ‏حكومة فلسطينية جديدة؛ لإدارة المؤسسات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد ينبثق عنه مخرجات قوية يرجح أن تشمل ترتيبات الفترة القادمة.

الخلاصة، إن نجاح الاجتماع سيظل مرهونًا بتنفيذ مخرجاته على أرض الواقع، وبإدراك قادة الفصائل أن المصلحة الوطنية الفلسطينية فوق الجميع، وأن الاجتماع يشكل فرصة حقيقية للبدء في خطوات من شأنها توحيد الصف الفلسطيني ومن ثم تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني التي لن تتحقق من دون وجود إرادة حقيقية تطغى على أية عراقيل أو خلافات في وجهات النظر، ويستوجب أن يضع قادة الفصائل الفلسطينية نصب أعينهم حقيقة أنه “لا يوجد مستقبل للشعب الفلسطيني من دون تحقيق المصالحة الوطنية”.

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى