أفغانستانمكافحة الإرهاب

بعد سقوط حكومة “كابول”.. كيف تبدو الأوضاع الأمنية في أفغانستان؟

 منذ إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في إبريل 2021 عن انسحاب القوات الامريكية من أفغانستان بحلول سبتمبر 2021 لإنهاء أطول حرب أمريكية استمرت على مدار العقدين الماضيين، تعيش الولايات والعواصم الأفغانية أوضاع امنية مضطربة، فمن ناحية هرولت حركة “طالبان” لاستغلال حالة الفراغ الأمني المتمخضة عن انسحاب القوات الأجنبية من البلاد وقامت بشن سلسلة من الهجمات الدامية مكنتها من السيطرة على معظم الأراضي الأفغانية؛ لتحقق بذلك سيطرة مكانية على التراب الأفغاني، انتهت بدخول عناصر الحركة إلى العاصمة “كابول” في منتصف أغسطس الجاري  دون قتال يذكر، وباتت أفغانستان على أعتاب تأسيس “إمارة طالبانية ثانية”. ومن ناحية أخرى وجد تنظيم “داعش” الإرهابي في انسحاب القوات الدولية والأمريكية من أفغانستان فرصة سانحة لشن المزيد من هجماته الإرهابية، أبرزها الهجوم الذي وقع في مايو الماضي على مسجد بمنطقة شكر دارا بالعاصمة الأفغانية “كابول” وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصا وإصابة 15 آخرين.

وفى هذا السياق يسلط هذا المقال الضوء على حالة المشهد الأمني في أفغانستان، في ظل المخاوف المحتملة من حالة الفراغ الأمني التي تعيشها البلاد بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، وسقوط الحكم في قبضة حركة “طالبان” المتشددة.

سقوط “كابول” وانهيار منظومة الأمن الأفغانية

أعلنت حركة طالبان في 15 من أغسطس الجاري سيطرتها على العاصمة الأفغانية “كابول” ووصول مقاتليها إلى القصر الرئاسي، وذلك بعد ان سيطرت على معظم المدن والعواصم الأفغانية الكبرى، وأحكمت قبضتها على كافة المعابر الحدودية مع دول الجوار. وفى مقابل تقدم عناصر حركة “طالبان” غادر الرئيس الأفغاني، أشرف غني، برفقة مستشار الأمن الوطني وكبار المسؤولين في البلاد إلى جهة غير معلومة، أعقب ذلك استسلام القوات الأفغانية وفرارها إلى الدول المجاورة تاركة وراءها العديد من الأسلحة والعتاد ليستولي عليها مقاتلو حركة “طالبان” في مشهد يشي بأن المنظومة الأمنية في أفغانستان باتت ” لاحول لها ولا قوة”، مما أثار حالة من الخوف والهلع الشديدين سواء في الداخل الأفغاني أو في المحيطين الإقليمي والدولي من تحول أفغانستان إلى بؤرة جديدة للتهديدات الأمنية في المنطقة.

تراجع وانحسار القوات الأفغانية أمام التقدم السريع لحركة “طالبان” أثار العديد من التساؤلات حول أسباب تراجع هذه القوات، والتي أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية على تدريبها وتجهيزها أكثر من 88 مليار دولار منذ عام 2002. وفى إجابتها على هذا التساؤل أرجعت صحيفة بوليتكو الأمريكية الفشل المدوي لقوات الجيش والشرطة الأفغانية إلى التقييمات المُفرطة في التفاؤل من قبل المسؤولين الأمريكيين، إلى جانب إخفائهم أدلة عن تفشي الفساد وانخفاض الروح المعنوية في صفوف القوات الأفغانية، وإخفاء الكثير من المعلومات حول حجم الوحدات العسكرية الأفغانية؛ الأمر الذي أعطى انطباعًا مضللًا عن مدى السرعة التي يمكن أن تنهار بها القوات الأفغانية تحت ضغط طالبان.  

مشاهد فوضي عارمة في مطار “كابول”

وفى مشهد آخر معبر عن حالة الارتباك الأمني التي شهدتها أفغانستان خلال الساعات القليلة الماضية، شهد مطار كابول الدولي فوضى عارمة، حيث توجه آلاف الأفغان إلى المطار محاولة للخروج من البلاد بعد أن باتت في قبضة حركة “طالبان”، وهو ما يتضح جليًا في العديد من الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تُظهر مئات الأفغان يفترشون أرضية طائرة شحن عسكرية أمريكية من طراز “سي 17″، في محاولة منهم للفرار من العاصمة الأفغانية خوفا من بطش حركة “طالبان”.

 وأظهرت مقاطع أخرى مصورة المئات من الأشخاص وهم يركضون بالقرب من طائرة نقل عسكرية أمريكية تتحرك استعدادًا للإقلاع بينما يحاول البعض بجنون التشبث بجوانبها أو بعجلاتها، وبعضهم لقى مصرعه سقوطا من الطائرات التي تعلقوا بها.   

إطلاق سراح آلاف السجناء

بعد ساعات قليلة من دخول حركة “طالبان” للعاصمة كابول أعلنت سيطرتها على أكبر سجن في أفغانستان وهو سجن “باجرام”، وقامت بالإفراج عن 5000 سجين بينهم إرهابيون من تنظيم داعش، الأمر الذي يفاقم من التهديدات الأمنية القائمة مع احتمالية قيام هؤلاء بأعمال مهددة للأمن والاستقرار في أفغانستان. 

مخاوف عودة النشاط الإرهابي لتنظيمي داعش والقاعدة

بعد سيطرة حركة “طالبان على الوضع في أفغانستان تتصاعد المخاوف من أن تعود أفغانستان ملاذًا للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيمي داعش والقاعدة.  وفى هذا الصدد حذر رئيس هيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة، الجنرال مارك ميلي، من أن جماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة، يمكن أن يعاد تشكيلها في أفغانستان، في أعقاب سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول.

من جانبها أكدت الخارجية الروسية أمس، الإثنين، أن تنظيمات إرهابية قد تستغل الفراغ في أفغانستان وتشكل خطرا على حلفاء موسكو. كما حذر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، في وقت سابق من يوليو الماضي، من توافد مقاتلي تنظيم “داعش” الإرهابي، من سوريا وليبيا وعدد من الدول الأخرى إلى أفغانستان.

وفى سياق متصل حذر كبار مسؤولي الدفاع من أن الشبكات الإرهابية داخل أفغانستان يمكن أن تعيد تجميع نفسها بسرعة في أعقاب انهيار “كابول”. وحذرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) من أن الشبكات الإرهابية الموجودة في أفغانستان يمكن أن تكتسب القوة بشكل أسرع مما كان متوقعًا بعد أن نجحت طالبان في السيطرة على البلاد.

وفى ضوء ما سبق يمكن القول إن التهديدات الأمنية في أفغانستان تبقى قائمة مع كافة السيناريوهات المحتملة لمآلات الوضع في البلاد، وسوف يظل المشهد الأمني في البلاد يمر بحالة من عدم الاستقرار والاضطراب وذلك في ضوء الصرعات المسلحة التي ستنشأ بين التيارات الإرهابية المتنازعة في البلاد من جهة وسعي بعض القطاعات المجتمعية ومعهم أمراء الحرب وبقايا قوات حكومة أشرف غني لمواجهة تمدد حركة “طالبان” من جهة أخرى.

+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

منى قشطة

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى