أفريقيا

واشنطن بوست: “لا بديل لحل أزمة التيجراي غير فرض مزيد من العقوبات على غرار الاتحاد الأوروبي”

عرض – رحمة حسن

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالًا حول زيارة سامنثا باور، مديرة الوكالة الأمريكية للمساعدات الدولية، والمدافع الأول عن حقوق الإنسان، إلى إثيوبيا والتي تضعها أمام اختبار صعب، وتتمثل هذه الزيارة في حل الأزمة الإنسانية في التيجراي ووقف النزاع العرقي، والتي قد تصل في حال عدم إيفاء الحكومة الإثيوبية بالتزاماتها المتعلقة بضرورة وصول المساعدات إلى المنطقة التي تعاني من أزمات إنسانية بالفعل، وسحب ميلشيات الأمهرا وإريتريا من الحرب في التيجراي، إلى فرض مزيد من العقوبات بوصفه الخيار الوحيد عقب سحب الاتحاد الأوروبي لدعمه المالي في برامج المساعدات الإثيوبية، باعتبار أن التدخل العسكري قد يكلف الولايات المتحدة مزيدًا من الأرواح والتكلفة المادية. 

وأشار المقال إلى أنه في اليوم الذي وصلت فيه إلى إثيوبيا دخلت الحرب الأهلية المتصاعدة والمنتشرة خارج منطقة تيجراي الشمالية شهرها العاشر، وأنه وسط الحديث عن ارتكاب القوات الإثيوبية وحلفائها جرائم حرب وتطهيرًا عرقيًا ودفعت أجزاء من تيجراي إلى حافة المجاعة، والتي أدت أن أوقفت الولايات المتحدة بالفعل المساعدة الأمنية وحظرت فعليًا سفر كبار المسؤولين، لكن الولايات المتحدة ما زالت تتمتع بوجود نفوذ كبير في أديس أبابا، إذ تقدم نحو أكثر من مليار دولار من المساعدات السنوية المقدمة للدعم الصحي والتعليمي والغذائي والاستجابة الإنسانية الطارئة، والتي تجعل الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات لإثيوبيا.

من هي سامنثا باور؟

أشار المقال إلى أن الوضع في إثيوبي يتناسب وطبيعة سامنثا باور، صاحبة الكتاب الذي يتحدث عن الإبادة الجماعية، فانتقدت “باور” -السفيرة السابقة للأمم المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما- مع كتابها “مشكلة من الجحيم” عام 2002 التقاعس الأمريكي أمام عمليات القتل الجماعي في رواندا والبلقان في التسعينيات، وأوروبا خلال الحرب العالمية الثانية والإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.

وقد وصفها الرئيس بايدن في بيان عندما قام بتعينها بأنها “صوت ضمير ووضوح أخلاقي مشهور عالميًا – تتحدى وتحشد المجتمع الدولي للدفاع عن كرامة وإنسانية جميع الناس”، فقد ألهم عملها جيلًا من النشطاء في المجال الإنساني وساعد في نشر فكرة أن واشنطن تتحمل مسؤولية فريدة لحماية السكان الأكثر ضعفًا في العالم، بما في ذلك باستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر.

باور والمساعدات الأمريكية لإثيوبيا

تعد رحلة باور التي استغرقت يومًا واحدًا يوم الأربعاء إلى إثيوبيا، والتي لم تتضمن لقاءً مع رئيس الوزراء آبي أحمد، بمثابة اختبار لما إذا كان بإمكانها استعادة الثقة في دور الولايات المتحدة في منع ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية خارج حدودها؛ فحتى الآن، لم تتمكن الإجراءات الأمريكية بالحد من المساعدة الأمنية وفرض عقوبات على المسؤولين، سوى إحداث تأثير ضئيل بخلاف تحول مشاعر الإثيوبيين ضد الولايات المتحدة. 

تعمل الولايات المتحدة في إثيوبيا منذ 60 عامًا، وقد أنفقت الوكالة الأمريكية للمساعدات الدولية مليار دولار في العام الماضي في هذا البلد، بما في ذلك عدة مئات من الملايين من الدولارات على شكل مساعدات تنموية. وقدمت الولايات المتحدة كذلك بحسب سامنثا باور نحو 1.4 مليون جرعة لقاح، وأضافت باور أن الولايات المتحدة لديها الكثير لتقدمه لإثيوبيا، ولكن هذا موقف الولايات المتحدة دون تعاون من الحكومة الإثيوبية، في إشارة إلى قيام الأخيرة باتخاذ موقف عدائي متزايد تجاه مجموعات المساعدات الإنسانية والصحفيين والحلفاء في الغرب.

الحكومة الإثيوبية واتهام الغرب بمساعدة التيجراي:

وصف المقال الحكومة الإثيوبية بأنها غير قادرة على السيطرة على منطقة تيجراي، فقامت بعزل المنطقة التي تعاني بالفعل من المجاعة والحرب، واتهمت حكومة إثيوبيا ما أسمتهم بالحلفاء بالفشل في دعم هجومها العسكري ضد جبهة تحرير شعب تيجراي، وهي جماعة صنفتها الحكومة كإرهابيين، لكن الغرب تعامل معها على مدى ثلاثة عقود عندما سيطرت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي على البلاد قبل صعود آبي.

واتهم كبار المسؤولين الإثيوبيين بعض مجموعات الإغاثة الدولية ليس فقط بالانحياز إلى جبهة تحرير تيجراي وإنما بالمساعدة في تهريب الأسلحة إليها، وزعموا أن الحكومات الغربية ووسائل الإعلام بالغت في الفظائع المرتبطة بقوات الحكومة الإثيوبية بينما تتجاهل تلك التي يُزعم أنها ارتكبت من قبل الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وألقت الحكومة اللوم كله تقريبًا على جبهة تحرير شعب التيجراي بارتكاب جرائم ضد المدنيين وعرقلة وصول المساعدات، في محاولة للرد بشكل دفاعي. 

وأضاف المقال أن الوضع في إثيوبيا وتوقعات الحل فيها يبدو قاتمًا، فقد طردت الحكومة في البداية جبهة تحرير تيجراي من البلدات الرئيسية في المنطقة الشمالية، لكن الجبهة استعادت معظم المنطقة الشهر الماضي في هجوم يقول محللون إنه أسفر عن مقتل أو أسر جزء كبير من الجيش الإثيوبي.

وانتقلت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي منذ ذلك الحين إلى المناطق المجاورة بهدف معلن وهو القضاء على ما تبقى من القدرة العسكرية للحكومة الفيدرالية وحلفائها، فقد ذكرت وكالة رويترز يوم الخميس، أن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي سيطرت على لاليبيلا، وهي بلدة كبيرة داخل منطقة أمهرا وموطن الكنائس المشهورة المحفورة بالصخور في إثيوبيا والتي تعود إلى القرن الثاني عشر.

وبدورها سعت الحكومة الإثيوبية إلى تجنيد الأفراد على نطاق واسع من الميليشيات الإقليمية، واجتذاب مقاتلين من أجزاء من البلاد لم تكن متورطة سابقًا في الصراع، من خلال الخطب التحريضية التي يستخدمها آبي في نوع من الحشد ضد قومية التيجراي، باستخدام رئيس الوزراء آبي أحمد مؤخرًا لكلمات مثل “السرطان” و “المرض”  للإشارة إلى الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وحذرت باور من هذه العبارات التحريضية قائلة إن “هناك الكثير والكثير من الأشخاص الذين يسمعون الخطاب البغيض والمجرد من إنسانيته وحثهم على اتخاذ الإجراءات بأيديهم “.

إدارة بادين.. “لن نملك خيارًا سوى فرض مزيد من العقوبات”

أشار المقال إلى أن خيار استخدام القوة العسكرية لوقف إراقة الدماء في تيجراي يُنظر إليه داخل إدارة بايدن على أنه خيار غير ناجح، وتخفيض كميات كبيرة من المساعدات يُنظر إليه أيضًا على أنه خيار ضعيف، كونه لن يغير استراتيجية الحرب للحكومة الإثيوبية، وبدلًا من ذلك قد يعمق ما يعد بالفعل واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية خطورة في العالم.

أما زيارة “باور” لإثيوبيا فقد فتحت الباب أمام إمكانية أن تدخل مزيد من الإجراءات العقابية على المساعدات بوصفه الخيار الوحيد عقب سحب الاتحاد الأوروبي لدعمه المالي في برامج المساعدات الإثيوبية، وبدورها أوضحت “باور” إنها لا تزال في وضع الانتظار والترقب. أما بالنسبة لما حققته في اجتماعاتها في أديس أبابا، فقالت إنها حصلت على المزيد من الالتزامات فقط.

وتماشت طلبات “باور” من الحكومة الإثيوبية مع التصريحات العلنية الأخيرة لوزارة الخارجية حول ضرورة وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وانسحاب القوات المتحالفة مع الحكومة من إريتريا المجاورة وكذلك الميليشيات من منطقة أمهرا إلى ما وراء حدود تيجراي قبل الحرب، وفي المقابل دعت الخارجية الأمريكية قوات التيجراي إلى الانسحاب من منطقتي أمهرا وعفر، حيث شنوا هجومًا مؤخرًا، مما أدى إلى نزوح حوالي ربع مليون مدني.

وأوضحت “باور”: “إذا لم نشهد تقدمًا في هذه المجالات، أعتقد أن الإدارة أوضحت أننا لن نترك الكثير من الخيارات، لقد سحب الاتحاد الأوروبي بالفعل معظم دعمه المالي لبرامج المساعدة في إثيوبيا”. 

لقد تراجعت دعوة “باور” السابقة للتدخل الإنساني، بما في ذلك مع استخدام القوة العسكرية الأمريكية، ففي السنوات الأخيرة مع تضاؤل ​​ثقة الجمهور في قدرة واشنطن على إعادة تشكيل الأراضي البعيدة، قال بايدن الأسبوع الماضي إن القوات الأمريكية ستنهي وجودًا استمر 20 عامًا في أفغانستان في سبتمبر، وأن الجيش سينهي رسميًا العمليات القتالية في العراق بحلول نهاية العام، وهي المهمتان التي كلفت الولايات المتحدة آلاف الأرواح وتريليونات الدولارات، ولم تحقق طموحات الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار أو الديمقراطية أو الازدهار، كما أدت الفوضى المطولة وإراقة الدماء في ليبيا بعد الإطاحة بمعمر القذافي في عملية عسكرية بقيادة حلف شمال الأطلسي في عام 2011 إلى إضعاف جاذبية التدخلات الإنسانية.

الولايات المتحدة والتدخلات الجريئة لوقف الأزمات الإنسانية:

يقول المدافعون عن الإدارة الأمريكية إن افتقارها إلى التحرك الجريء في مواجهة الأزمة الإثيوبية لا يدفع بالضرورة إلى القلق، فقد قال ريتشارد جوان، محلل الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية إن “هناك رواية خاطئة مفادها أن إدارة بايدن لا تهتم بارتكاب فظائع الإبادة الجماعية، التي يغذيها قرارها بالمخاطرة بالعنف الجماعي في أفغانستان”. “لكن إذا نظرت إلى نهج واشنطن تجاه إثيوبيا على وجه الخصوص، سترى أن الإدارة الجديدة لا يزال لديها غرائز إنسانية قوية.”

وأضاف أن “باور” وليندا توماس جرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، والمبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، “ألقوا جميعًا بأنفسهم من أجل وقف حرب تيجراي”. فقد انتقدت ونددت توماس جرينفيلد عبر صفحته على تويتر يوم الأربعاء، بقرار الحكومة الإثيوبية هذا الأسبوع بإلغاء تراخيص العمل لمنظمة أطباء بلا حدود والمجلس النرويجي للاجئين، وهما منظمتان إنسانيتان معروفتان بعملهما في مناطق الحرب، ووصفه بأنه أمر غير مقبول، باعتبار أن عمل المنظمة يحظى باحترام دولي، ودعا إثيوبيا إلى إعادة النظر في هذا القرار.فقد قُتل ما لا يقل عن 12 من عمال الإغاثة منذ نوفمبر، عندما أرسل آبي قوات إلى تيجراي لمحاربة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي بعد أن زُعم أن الجماعة شنت هجومًا على قاعدة عسكرية، وتقول الأمم المتحدة إن الحرب خلفت 400 ألف شخص يواجهون المجاعة؛ بينما قدرت اليونيسف الأسبوع الماضي أن أكثر من 100 ألف طفل في تيجراي قد يعانون من سوء التغذية الحاد الذي يهدد حياتهم في الأشهر الـ 12 المقبلة أي عشرة أضعاف المتوسط ​​السنوي، وصرحت “باور” أنه في غضون ذلك فإن “الإمدادات بدأت للتو في النفاد”.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى