الأمريكتان

مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: العلاقات التركية الأمريكية.. بين تساهل ترامب وصرامة بايدن المحتملة

عرض – محمود قاسم

في ظل تغير الإدارة الامريكية الجديدة، نشرت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، تقريرًا بعنوان “من ترامب إلى بايدن.. الطرق إلى الأمام من أجل الأمن القومي الأمريكي“، وقد تعرض التقرير للسياسة الخارجية الأمريكية في عدد من الملفات ذات التأثير على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وعلاقتها بالقوى الكبرى والاقليمية في العالم، وقد انطلقت الفلسفة الأساسية لمناقشة القضايا محال النقاش من خلال ثلاثة محاور أولها) وصف لسياسة الرئيس السابق “دونالد ترامب”. ثانيها) تقييم النجاحات وأوجة القصور في تلك السياسة. ثالثًا) صياغة مجموعة من التوصيات للإدارة الجديدة بشأن التعامل مع كل قضية. وترتيبًا على ما سبق، يمكننا التعرض للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه تركيا وفقًا لما جاء في التقرير فيما يلي:

الدبلوماسية الشخصية بديلًا للقنوات الرسمية

لفت التقرير إلى أن ترامب قد ورث علاقة متصدعة ومتوترة مع أنقرة، وذلك بفعل مجموعة من العوامل من بينها: أولًا) قيام حزب العدالة والتنمية منذ وصوله للحكم 2002 بتحويل تركيا من النمط العلماني ذو التوجه الغربي إلى نظام استبدادي بواجهة ديمقراطية. ثانيًا) التعاون التركي المتزايد مع خصوم الولايات المتحدة الأمريكية كروسيا وإيران وفنزويلا. ثالثًا) رعاية أنقرة لتنظيمات الاسلام السياسي وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس وغض أنقرة الطرف عن ممولي الإرهاب المرتبطين بالقاعدة وداعش. رابعًا) قيام تركيا بنشر قوات عسكرية واشعال الحروب بالوكالة في شرق المتوسط والشرق الأوسط بما يمثل تحديًا للولايات المتحدة وحلفائها. رابعًا) قيام تركيا باحتجاز عدد من المواطنين الأمريكان كرهائن يمكن المساومة بهم في المفاوضات مع واشنطن.

ورغم هذا المسار التصادمي ونمط العداء الواضح بين الطرفين، إلا أن ترامب لم يعترف صراحة بهذا العداء لأردوغان، بل عمل على اصلاح العلاقة الأمريكية التركية من خلال التواصل الشخصي بعيدًا عن الآليات والقنوات الرسمية، خاصة أن الطرفين تجمعهما علاقة وثيقة منذ تشييد أبراج “ترامب” في اسطنبول قبل افتتاحها عام 2012. 

فخلال عام 2017، بناء على طلب أردوغان سعى ترامب لاسقاط محاكمة “رضا ضراب” –تاجر الذهب التركي الإيراني- والمتهم في تحويل عشرات المليارات من الدولارات إلى طهران، وقد أبدى “ترامب” –آنذاك” انفتاحه على الافراج عن “ضراب” مقابل اطلاق سراح القس الأمريكي “أندرو برونسون” وعدد من الرهائن الأمريكيين في تركيا، إلا أن هذه المساعي قد فشلت، بل قامت وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين، ما ضمن فيما بعد اطلاح سراح القس الأمريكي (أكتوبر 2018)، مقابل غض الطرف عن قضية بنك خلق، الأمر الذي استمر لنحو عام قبل أن تُعاود وزارة العدل الأمريكية توجيه الاتهامات وطلب مقاضاة بنك خلق مرة أخرى خلال ( أكتوبر 2019).

وقد ساهم إرسال أردوغان للقوات التركية شمال سوريا في مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية الحليف الرئسي للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش في زيادة التوتر بين الطرفين، ورغم أن تحركات أردوغان كانت تستهدف لفت الانتباه عن فساد حكومته، وتأزم الوضع الداخلي بفعل تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وقمع المعارضة، إلا أن إعلان الولايات المتحدة الامريكية الانسحاب من سوريا في اكتوبر2019 قد أعطى الضوء الأخضر لتركيا لمزيد من التوغل في شمال سوريا، ما انتهى إلى عودة القوات الروسية إلى شمال شرق سوريا، فضلًا عن ارتكاب مزيد من الانتهاكات ضد المدنيين.

ترامب وملامح التفاعلات التركية الأمريكية

أكد التقرير أن المصالح الأمريكية قد تعرضت للتهديد وعانت بشكل كبير في ظل العلاقة بين “ترامب” و”أردوغان”، وقد رسخت هذه العلاقة الشخصية قناعة لدى الرئيس التركي بامكانية الإفلات والهروب من العقوبات الأمريكية، وشجعت هذه العلاقة أردوغان على القيام بضخ ملايين الدولارات في توظيف وحشد جماعات الضغط في واشنطن لصالحه. 

ولفت التقرير أن السنوات الأربع الماضية، أوضحت أن فرض العقوبات والتهديد بها –ولو مؤقتًا- هي أكثر الوسائل فعالية لتحجيم أردوغان وايقاف سياسته العدائية، فعندما طالب “ترامب” الافراج غير المشروط عن القس “برونسون” وأعقب ذلك فرض عقوبات على وزيرين تركيين، قام القضاء التركي باطلاق سراحه. وعندما استخدمت الولايات المتحدة العقوبات رداً على تدخل أردوغان في شمال شرق سوريا، قيد الزعيم التركي نطاق هجومه. 

وقد وظف “أردغان” تساهل ترامب معه في شراء منظومة الصواريخ الروسية S-400 في عام 2017، وبعدما استلمت تركيا الدفعة الأولى من منظومة الصواريخ (يوليو 2019)، لم تفرض إدارة ترامب أي عقوبات على تركيا لكنها أوقفت تسليم أنقرة للطائرات المقاتلة من طراز F-35 وانهت برنامج تدريب الطيارين الأتراك على استخدام المنظومة. وقد أضاف الكونجرس أحكامًا لمشروع قانون تقويض الدفاع السنوي يفضي لفرض عقوبات على أنقرة، وعلى الرغم من تهديدات ترامب باستخدام حق النقض ضد مشروع القانون، إلا الكونجرس أقر التشريع بأغلبية لا تسمح باستخدام حق النقض، وعليه فرضت إدارة ترامب عقوبات على تركيا بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وفرضت حظرًا على تراخيص التصدير الأمريكية ضد وكالة المشتريات الدفاعية التركية.

وفيما يتعلق بشرق المتوسط، فقد استمر العدوان التركي على المنطقة، انطلاقًا من عقيدة الوطن الأزرق، حيث عملت تركيا على مواصلة أعمال البحث والتنقيب عن الغاز في المياه القبرصية واليونانية، كما نشرت الميليشيات والمرتزقة في ليبيا، واجبرت طرابلس على توقيع اتفاق يعترف بالمطالبات التركية بالمياه المصرية واليونانية.

وقد اتخذت الإدارة الأمريكية عدة اجراءات لمواجهة تركيا في المتوسط من بينها، رفع حظر الأسلحة الذي تفرضه الولايات المتحدة على قبرص، وأقرار الكونجرس لقانون شراكة الأمن والطاقة لشرق المتوسط ​​، والذي يفرض تنسيقًا أوثق مع قبرص واليونان وإسرائيل. رغم ذلك أخفقت الإدارة الأمريكية في عهد ترامب في حشد تحالف دبلوماسي أوسع ضد تحركات أردوغان.

التعاطي المستقبلي

وضع التقرير مجموعة من التوصيات والتي يمكن أن تمثل محورًا للتعامل المستقبلي بين الإدارة الأمريكية الجديدة وتركيا وهو ما يمكن الوقوف عليه فيما يلي :

  • دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، يمكن أن يكون ملف الديمقراطيات ودعم الحريات ووقف الانتهاكات التركية مدخلًا للتفاعل بين واشنطن وأنقرة، ذلك في ظل تنامي المعارضة في الداخل التركي ونجاحها في الانتخابات البلدية الأخيرة، وعليه يجب على واشنطن تخصيص موارد إضافية لبناء القدرات المؤسسية لمنظمات المجتمع المدني التركي، وكذلك يجب تفعيل العقوبات على منتهكي حقوق الإنسان، ويجب على واشنطن أن تثير باستمرار قضية سوء معاملة أنقرة لمواطنيها وهجومها المستمر على حرياتهم المدنية.
  • معالجة الفساد وتعزيز سيادة القانون في تركيا، من خلال جعل الدعم الاقتصادي الأمريكي مرهونًا بالإصلاحات المحلية التركية، ويجب على واشنطن تجنب تمويل سياسات أردوغان الاقتصادية المتهورة ويجب على الإدارة القادمة أن تحث أنقرة على توقيع اتفاقية تمويل موسعة مع صندوق النقد الدولي، مشروطًا مسبقًا بالحوكمة الرشيدة، وبالتالي مطالبة الحكومة التركية بإجراء إصلاحات لتحسين مساءلة تركيا وشفافيتها والتزامها بسيادة القانون.
  • مقاومة دبلوماسية احتجاز الرهائن، يجب على واشنطن الضغط على الرئيس التركي للإفراج عن الموظفين القنصليين الأمريكيين المتبقيين، كما يجب عليها ردع أنقرة عن اية مضايقات قانونية مماثلة للمواطنين والموظفين الأمريكيين بتهم الإرهاب والتجسس. من ناحية أخرى، يجب أن تعمل واشنطن مع حلفاء الناتو لابتكار رد منسق لمواجهة محاولات حكومة أردوغان انتزاع التنازلات والمساومات من خلال احتجاز المواطنين الغربيين والموظفين كرهائن.
  • وقف تسيس قضية خلق، لفت التقرير لضرورة انهاء التدخل السياسي في العملية القانونية ضد بنك خلق، ويمكن لوزارة الخزانة متابعة القضايا الفيدرالية ضد البنك ونائب مديره العام بفرض غرامة تتناسب مع الجرائم الأساسية، فضلًا عن تحديد ومعاقبة المسؤولين الاتراك المتورطين في هذه القضية، الأمر الذي قد يرسل رسالة قوية لأردوغان وحكومته.
  • الضغط على أنقرة لفك الأرتباط مع موسكو، أكد التقرير ضرورة قيام واشنطن بالضغط على تركيا للتخلي عن المعدات العسكرية الروسية، وكذا يجب أن تقوم السلطات التركية بتطبيق عقوبات قانون مكافحة الإرهاب بشكل صارم لردع تركيا، ويجب على واشنطن أن تبقي أنقرة خارج برنامج   F-35 لتجنب المخاطر الأمنية المحتملة، ويجب تسريع إنهاء ووقف الكيانات التركية من سلسلة التوريد للمنظومة.
  • تعميق التعاون في مجال الطاقة، يجب على الإدارة الأمريكية تعزيز تعاونها مع الحلفاء والشركاء الاقليميين في شرق البحر الأبيض المتوسط، ويجب على الإدارة القادمة تعيين مبعوث خاص لشرق المتوسط ​​للعمل عن كثب مع منتدى غاز شرق البحر المتوسط ​​كثقل موازن لسياسات أردوغان التخريبية.
  • تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي، يمكن للولايات المتحدة العمل مع الاتحاد الأوروبي لوضع عقوبات منسقة ضد انتهاكات تركيا للحدود البحرية لجيرانها، يمكن أن تساعد مثل هذه العقوبات في ثني أنقرة عن تصعيد التوترات في شرق البحر المتوسط ​​وإعاقة مشاريع الطاقة الجارية، كما يجب على واشنطن تسهيل المحادثات الدبلوماسية بين تركيا وجيرانها وتقديم حوافز لأنقرة للانضمام إلى التعاون المستمر في مجال الطاقة في شرق البحر المتوسط.

تشجيع عملية السلام الكردية، يجب على الولايات المتحدة العمل مع شركائها الأوروبيين واستخدام النفوذ عبر المحيط الأطلسي على أنقرة وكذلك حزب العمال الكردستاني والشركات التابعة له لتسهيل عملية السلام الكردية داخل تركيا. ويجب أن تعمل واشنطن على تسهيل إجراء مزيد من المحادثات بين الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي الموالي لحكومة إقليم كردستان لتعزيز العلاقات بين الأكراد السوريين والعراقيين، مما سيساعد في بناء الثقة مع أنقرة، وقد يمكّن القوات الكردية السورية من الاستمرار في التركيز على منع عودة ظهور داعش، ومن شأنه أن يزيل الحوافز التي تدفع أردوغان لمغازلة نظام الأسد كشريك ضد الأكراد السوريين، وسيساعد هذا النهج أيضًا على عكس التنسيق الدبلوماسي والعسكري المتزايد لأنقرة لسياستها تجاه سوريا مع روسيا.

+ posts

باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

محمود قاسم

باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى